أختر اللغة
الرئيسية | إعلام و ثقافة | أفريقيا، تلك المجهولة بقلم د. ايلي مخول
أفريقيا، تلك المجهولة بقلم د. ايلي مخول
أفريقيا، تلك المجهولة

أفريقيا، تلك المجهولة بقلم د. ايلي مخول

د.ايلي مخول

ديوغو كاو ينصب مسلّة في العام 1485 عند مصبّ نهر الكونغو. وقد عُرف عن هذا الملاّح البرتغالي أنه أقام صلات متينة مع ملوك الكونغو. ورغم أن اللّوحة من عصر مضى، إلاّ أنها تمثّل الإستيلاء الرمزي على السواحل الأفريقية.

بعد فتح أفريقيا ابتداء من القرن السابع الميلادي قام العرب باستطلاعها على نطاق واسع ووضع الخرائط لها. غير أن تلك المعارف قلّما أقنعت الغرب. كلّ ذلك سيتغيّر في القرن الرابع عشر.

كان استكشاف أفريقيا السوداء في العصر الوسيط أوّلا قضية الجغرافيين والرحّالة العرب. ومع فتح مصر وأفريقيا الشمالية أواخر القرن السابع اتّصل العالم الإسلامي بالقارة الأفريقية، بدءا بممالك النوبة في وادي النيل العالي بين أسوان والخرطوم. فمن جهة الغرب التقى البربر الشمال أفريقيين والبدو الرحّل الصحراويين. وبفضل تدخّل هؤلاء أقيمت علاقات منتظمة بين شمال أفريقيا المعرّبة وأفريقيا الواقعة جنوب الصحراء.

لهذا لم تصبح أفريقيا الداخل أرض غزوات. فباستثناء النوبة التي أخضعتها مصر تدريجيّا، أخذت حركة التوسّع  تقارب الصحراء. وكانت العلاقات التجارية هي التي نشرت في تلك المناطق تأثير الإسلام. فتطوّرت مسالك عبر الصحراء (الأكبر في العالم حيث تمتدّ على طول 5000 كلم. من الأطلسي إلى البحر الأحمروعلى 2000 كلم. من السفح الجنوبي لجبال أطلس وساحل المتوسط الشرقي) رابطة من الجانبين “مرافئ” قوافل مثل سجلماسة (في جنوب المغرب) بمدن ومجتمعات ساحليّة، وبخاصة تلك التي قامت في واديي السنغال والنيجر أو حول بحيرة تشاد.

على طول تلك الطرق يجري ذهب وعبيد يشكّلون أهم “المنتجات” التي يورّدها الجنوب لقاء الملح وأصناف كماليّة (أواني المائدة، أنسجة). وفي القنوات عينها تتقاطر معلومات حول الدول الساحلية مثل “مملكتي” غانا ومالي ومواردهما وتنظيمهما السياسي، ما مكّن المؤلّفين العرب من إعداد أوّل كتاب جغرافيا عن “بلاد السودان”، وهي تسمية تعني جنوب الأراضي التي اعتنقت الإسلام وليست حقيقة جغرافية لا تُمسّ محاطة بأنهر وتضاريس. وتُظهر تلك النصوص التي تمتدّ كتابتها من القرن الثامن الى الخامس عشر بعض التنازل لذلك العالم البعيد والعدائي مع ربط سكّانه دون تردّد  بالفرع المشترك للبشرية.

“سحنة الناس تصبح سوداء”

ثمّة رأيان مسبّقان يتقاسمهما معظم المؤلفين: فهم يلحقوق شعوب السودان (نسبة الى لون بشرتهم وليس الى دولة تحمل اليوم هذا الإسم) بسلالة حام ابن نوح، ويُضفون عليهم جملة من السّمات البدنية “السلبية” ذات الصّلة بوجودهم في مناطق حارّة سبّبت لونهم الأسود. يذكر أن أوّل نص معروف عن أفريقيا السوداء هو لوَهب بن منبّه (بداية القرن الثامن) يتناول حصرًا هذا الموضوع الأوّل الذي يجوب كل الأدبيات الجغرافية العربية (جغرافيا العالم الإسلامي حتى القرن الحادي عشر)، ونصادفه أيضا بطرق أخرى في الغرب القروسطي. يقول وهب بن منبّه: “ان حام ابن نوح كان انسانا أبيض، مليح الوجه والمظهر. وقد غيّر الله لون حام على أثر لعنة والده نوح. فمضى حام ولحق به أولاده. فحطّوا رحالهم على شاطئ البحر حيث ضاعف الله ذريّتهم، فشكّلوا السودان”. أمّا ابن رُستة، الجغرافي الفارسي من أهل أصفهان، صاحب موسوعة “الأعلاق النفيسة”، وهو كتاب في تقويم البلدان، فيفسّر أنه بسبب الطقس اللاّهب “تصبح سحنة الناس سوداء وشعورهم قصيرة جعدة وأجسادهم جافّة ونحيلة ومزاجهم عنيف وتمتاز عاداتهم بالخشونة والغضب”.

هنا ترتسم مساحة يجري فيها شيئا فشيئا تحوّل النخب التجارية والسياسية للممالك الساحلية المختلفة الممتدة من السنغال حتى ضفاف بحيرة تشاد الى الإسلام وذلك بين القرنين العاشر والثالث عشر، وتواجه بالنسبة الى الجغرافيين العرب مناطق الجنوب الوثنية وسكانها من اللاّم لام أو الدّام دام الأسطوريين. على هذه الخلفية المشتركة للعروض الجغرافية تبرز معارف جديدة، حيث تجدر الإشارة الى الطابع الاستثنائي لشهادة البكري الذي وثّق في كتاب “المسالك والممالك” (1068) فترة من المبادلات المكثّفة بين الضفاف الجنوبية للصحراء الغربية، وهو أقدم من بقيت لدينا مؤلفاتهم من جغرافيي الأندلس. والبكري هو اول من قدّم لنا وصفا لمملكة غانا وعاصمتها (يجب عدم الخلط بين غانا هذه القروسطية التي هي واحدة من اوائل الممالك  الساحلية المعروفة وبين غانا الحالية) الواقعتين في الجنوب الشرقي لموريتانيا اليوم، وأعاد رسم المسالك التي اتّبعها التجار للوصول اليها. يقول “ان الملك يقتني قصرا وأكواخا ذات سقوف مستديرة. والكل محاط بما يشبه الجدار. في مدينة الملك هناك جامع للمسلمين الذين جاؤوا للتجارة ليس بعيدا من قاعة الإجتماعات الملكية. ونرى حول مدينة الملك أكواخا وأجمات ونباتات كثيفة”. انها شهادة قيّمة عن غانا قبيل اعتناق الحكم فيها الإسلام رغم انها تترك جوانب كثيرة في الظلّ، بدءا بتلك المتعلقة بتحديد الأماكن المشار اليها بدقة أو بالتنظيم الإجتماعي.

بعدها بحوالى قرن (1154) جاء التوليف الخرائطي والجغرافي للرحّالة الإدريسي (1100- 1165) الذي أفرد مكانا خاصا للقارة الأفريقية؛ إلاّ انه لم يحظَ بتأثير حاسم ربما لأنه عمل في خدمة ملك النورمانيين روجيه الثاني في صقلية.

القرن الرابع عشر شهد ذروة الطرائف والمعارف في شأن المجتمعات الافريقية جنوب الصحراء. ثمّة ثلاثة مؤلفين كبار من تلك الحقبة يطلعوننا على الدول السواحلية: العمري، كاتب وزارة العدل في القاهرة؛ ابن بطوطة، رحّالة لا يكلّ يجوب مجمل العالم الاسلامي؛ ابن خلدون، مؤرّخ عبقري. وبفضلهم نملك صورة معبّرة عن أمبراطورية مالي.

يقول ابن خلدون، إستنادا الى معلومات جمعها بين 1396 و 1397 لدى شيخ ينحدر من غانا ورحل الى مصر، أن مؤسس مملكة مالي “ملكهم الجبّار الذي انتصر على قبائل سوسو، فاجتاح بلدهم وانتزع السلطة من أيديهم يدعى ماري جاتا”. انها معلومة رئيسة كونها الإشارة الوحيدة في المصادر المكتوبة القديمة الى مؤسس مالي البطل الذي أضحى شخصية شبه أسطورية في التقاليد الشفوية النيجيرية الكونغولية تحت اسم سونجاتا.

ويعتبر هذا القرن ايضا العصر الذهبي للمحور التجاري الكبير الذي يربط شبه الجزيرة العربية ومصر، عن طريق البحر الأحمر والمحيط الهندي، ببلدان الساحل الشرق افريقي والخليج. تلك المبادلات تدفع قُدما الى نمو جملة من المدن الدول الحاملة لواء حضارة تدعى “سواحلية”، من الصومال الى موزمبيق. وهي تمتاز بطابعها المديني والمبادلات البحرية على مسافة طويلة وبهويتها الاسلامية.

من الواضح ان تلك المعارف قلّما تسرّبت الى الغرب. فقد بقيت الأدبيات الجغرافية العربية مجهولة عمليا، رغم ان بعض المعلومات أمكن ايصالها

الى الأوساط البحرية في منطقة المتوسط. ففي الغرب حيث العلاقات المباشرة بأفريقيا الواقعة جنوب الصحراء كانت مقطوعة عمليا، تنحدر الممثليات الوحيدة للقارة السوداء من العصور القديمة وكتابات آباء الكنيسة. ومع ذلك فإن صورة الأفارقة من جانب ذلك الإرث ظلّت تروي الممثليات الغربية مستوحاة احيانا من شخصيات ملموسة على نحو ما تظهره تماثيل القديس موريس في اراضي الأمبراطورية في القرن الثالث عشر، فإن تلك العوالم ليست منعزلة وتعكسها ملامح انسان أسود. غير ان تلك المقاربة المتناقضة للأفريقي غالبا ما كانت مثيرة للقلق، إذ جرى الربط جزئيا بين الأسود والشرّ، وهي رؤية سلبية جاءت تزيد من مسخ صورة العبيد السود وفكرة الدناءة التي تثيرها. وقد وصل اولئك العبيد المنحدرون من تجارة الرق عبر الصحراء، الى أوروبا المتوسطية ومن اسبانيا الى بيزنطية. ومع ذلك فإن تلك العوالم ليست منعزلة عن بعضها البعض، حيث شكّلت الطوائف القبطية المصرية والنوبة والأراضي المقدسة المنطلق في هذا التواصل. ففي القدس، واعتبارا من القرن الثاني عشر، راح يتلاقى حجّاج غربيون وآخرون قادمون من المرتفعات الإثيوبية أو من وادي النيل العليا.

ان وجود تلك الأراضي في القرن الرابع عشر عزّز الروابط بين اوروبا الغربية وأفريقيا السوداء الشرقية على الأقلّ. فمنذ العام 1310 أقيمت سفارة إثيوبية لدى المقرّ البابوي في أفينيون (جنوب فرنسا)، مدشّنة قرنين من علاقات باتت منتظمة في  القرن الخامس عشر وترجمت بخاصّة في إرسال حرفيين ايطاليين الى إثيوبيا.

“لا صِدام حضارات”

لم تبق إثيوبيا القطر الأفريقي الأسود الوحيد المعروف من قبل الغربيين. فمنذ القرنين الرابع والخامس عشر راح الأوروبيون يتعرّفون على القارة قبل ما يسمّى عصر “الإكتشافات الكبرى” بكثير. فاستطلاع أفريقيا لا يشكّل صراع “حضارات” قد يقرّب بين عوالم كانت حتى الآن غريبة تماما بعضها عن بعض. على العكس من ذلك حصلت في النصف الأوّل من القرن الرابع عشر عملية تكامل طويلة للقارة في “الخريطة الذهنية” للعالم المعروف. فأخذت الأراضي الأفريقية تدخل تدريجا في شبكات المواصلات والمبادلات. وكانت دول أوروبا الجنوبية (مدن ايطاليا، قشتالة، قطالونيَه Catalunya)، البرتغال) أوّل من ألحقَ أفريقيا الواقعة جنوب الصحراء بمشاريع توسّعها التجاري.

عندها تكوّن “متوسّط أطلسيّ، وهو مساحة بحرية وجزيرية أخذت سفن المتوسط تسلكها شيئا فشيئا. في قلب تلك العملية: اكتشاف أو إعادة اكتشاف مجموعات جزر أطلسية (الكناري، ماديرا، آزور) بين عامي 1349 و 1350 ومباشرة استعمارها بإنشاء زراعة قصب السكّر بصورة خاصة. وقد شكّلت تلك المساحة قاعدة لاىستكشاف سواحل أفريقيا الأطلسية على امل ايجاد نقطة الإنتقال، في جنوب القارة، التي ستساعد في بلوغ الهند الشرقية.

كانت البرتغال هي التي بدأت الإستطلاع المنظّم لسواحل افريقيا الغربية عندما انتزعت سَيتة من المغرب 1415. وفي العام 1434 أمكن اجتياز رأس بوجادور في الصحراء الغربية الذي يعتبر العائق الرئيس امام الملاحة البحرية منذ القِدم لأن نظام الرياح في شمال الأطلسي يحول دون الإبحار قرب السواحل: فالرياح والتيارات المعاكسة كانت تلزم السفن على القيام بدورة طويلة في المحيط، ما يتطلّب تقنيات ملاحة أعالي البحار. بعد نصف قرن بدأت تتوالى أخبار الإكتشافات: 1444، الوصول الى مصبّ نهر السنغال الواقع جنوب الصحراء؛ في سبعينيات القرن الخامس عشر تم بسرعة استطلاع خليج غينيا؛ 1484- 1485 تعرّف الملاّح البرتغالي، ديوغو كايو Diogo Cão، على مصبّ نهر الكونغو؛ وأخيرا عام 1487- 1488 فتحت بعثة مزدوجة طريق الهند، الأولى عن طريق البرّ وقادها كل من ألفونسو دي باييفا وبيرو دا كوفيليا باتّجاه القرن الأفريقي والمحيط الهندي؛ الثانية كانت  بقيادة بارتولوميو دياس، وقد جاوزت في العام 1488 رأس العواصف (الذي أطلق عليه في ما بعد رأس الرجاء الصالح) عند الطرف الأفريقي. وسيحتاج الأمر الى عشر سنوات على الأقل لكي يتمكن فاشكو دا غاما، في العامين 1497- 1498،  من تدشين عصر الملاحة المنتظمة على السواحل الأفريقية الشرقية وفي عالم التجارة بالمحيط الهندي. وبدأ اكتشاف سواحل القارة يتسارع بخطى جبّارة.

أمّا داخل القارة فقد ظلّ مجهولا على نطاق واسع، رغم البحث عن المعلومات مثلما سار ديوغو غوميش نحو عالية نهر غامبيا 1456 وأقام علاقات تجارية مع سكان كانتور حيث اجتمع الى تجّار أفارقة قادمين من الداخل: علمتُ منه أن الذهب كان متوافرا بكثرة في تلك المدينة وأنه كانت تعبرها قوافل الجمال المحمّلة ببضائع من قرطاجة وتونس وفاس والقاهرة وكل بلاد مسلمي افريقيا.

في نظام المبادلات الذي نشأ بين البرتغاليين والمجتمعات الساحلية وقام بداية على الرغبة في الإمساك بزمام تجارة الذهب (وهو مسعى سرعان ما بدا مخيّبا للآمال)، أصبح العبيد الذين كانوا يتعرّضون للخطف قبل أن يتم ابتياعهم من السلطات المحلية عملة مقايضة حقيقية. وهو حدث أساس، إذ ان اولئك العبيد الذين كانوا يستخدمون بادئ الأمر في المزارع الجزيرية أو يرسلون الى البرتغال سيصبحون في القرن السادس عشر محلّ تجارة دولية كبيرة.

في الوقت عينه تحوّلت بعض أماكن المراسي مواقع تجارية دائمة استقرّ فيها مستعمرون برتغاليون وأبصرت فيها النور جاليات مختلطة. من ذلك غانا الحالية التي أنشأها البرتغاليون في العام 1482. وباستثناء مناطق كمملكة الكونغو (الكونغو وأنغولا اليوم) حيث تقوم شراكة فعلية (اقتصادية، دبلوماسية ودينية) بين النخب المحلية والحكم البرتغالي، يبقى النفوذ البرتغالي بمجمله ضئيلا جدا ومقتصرا على بعض النقاط الساحلية.

إذن كان “اكتشاف” افريقيا قبل كل شيء بمثابة استطلاع لسواحلها . وأخذت شيئا فشيئا ترتسم حدود القارة. فمنذ القرن الرابع عشر بدأ فن رسم الخرائط البحرية للقشتاليين والايطاليين يعكس معلومات حول ممالك الغرب الأفريقي. وأشهر مثال على ذلك هو الأطلس القشتالي المعروف بأطلس كارلوس الخامس (1375) الذي ضمّ جزر الكناري وتحدّث عن حملة جاكومي فيرر الذي جاء من مايوركا في العام 1346 وحطّ رحاله في تلك النواحي. ويحمل الأطلس نقشا صغيرا يصف “موسى ملّي”، ملك مالي، بأنه ملك أسود متوّج جالس على عرش يحمل في يد صولجانا

مزخرفا وفي الأخرى كتلة ذهبية ضخمة. وتشير الخريطة عينها الى أسماء أماكن صحراوية أو ساحلية يمكن التحقق منها بسهولة مثل تومبوكتو أو جاو على نهر النيجر.

صورة خيال الظلّ، لكن بلا محتوى

بعد قرن من الزمان وفي خرائط أواخر القرن  الخامس عشر، أي في وقت الإحتكاك الأول مع أميركا، بات للقارة، على الأقل بالنسبة الى الملاّحين، صورة خيال ظلّها المألوفة الحالية، لكنها صورة مجرّدة من كل محتوى. للتدليل على هذا التباين في المعارف ضمّت بعض الخرائط، على السواحل، سلسلة من الأسماء البرتغالية لأنهر وقرى وخلجان صغيرة محميّة من الريح، وفي الداخل بعض الأشكال المخيفة وسواها من الأماكن الخرافية المزدانة بأسماء أماكن لاتينية.

ومع ذلك بدأ بحّاثة أوروبيون منذ القرن الخامس عشر، بإجراء مقارنة بين معطيات جغرافية العالم اليوناني الكبير بطليمس من القرن الثاني ميلادي (التي أعيد اكتشافها بفضل مخطوطات بيزنطية وصلت الى فلورنسا) ومعطيات معاصرة.

وسيبقى فن رسم خرائط افريقيا لفترة طويلة مطبوعا بهذا التنسيق بين جغرافيا واقعية وأخرى بحثيّة. من أجمل الأمثلة على تلك التركيبات قضية ليون الأفريقي. هو من أصل مغربي، اعتقله قراصنة أوروبيون في البحر المتوسط ،ألّف عام 1526 “وصف أفريقيا” (مخطوطة باللغة الإيطالية) الذي سيتّخذه علماء الجغرافيا والخرائط في القرن السادس عشر نموذجا يركنون اليه. وقد أصبح ليون بحكم أصله الأفريقي وشهرته كمسّاح أراضي لبلاد السود حجّة أكيدة للجغرافيا الأوروبية الخاصّة بأفريقيا الواقعة جنوب الصحراء.

والحال أنه لدى البحث يتبيّن أن ليون الذي لم يستند الى خبرة شخصية وجديدة عن تلك البلدان، يأخذ على عاتقه معطيات صادرة عن الجغرافيا العربية للعصر الوسيط يضعها في اطار مستعار من بطليمس. وهذا مثال نادر على التلاقي بين معارف عربية وأخرى أوروبية حول أفريقيا ميزتها الكبرى في نظر المعاصرين، لا الإتيان بمعطيات جديدة (غاليا ما تكون باطلة أو مغلوطة) بل إدراجها في نماذج مجرّبة وبالتالي التثبّت من الجغرافيا القديمة والقروسطية.

إن “اكتشاف” أفريقيا على يد الغربيين في القرون الوسطى كان في الواقع “إعادة اكتشاف” قارّة جرى قطع الأواصر معها. لكنها لم تختف من الحضور. ثم ان تلك الأرض لم تكن موضع أي إرادة للغزو، ناهيك عن استعمارها المنظّم. وسوف لن تصبح كذلك قبل القرن التاسع عشر.

 

عن ucip_Admin