أختر اللغة
الرئيسية | إعلام و ثقافة | “أوراق من دفاتر شجرة رمّان” لمي منسّى شهدٌ من رضاب الماضي
“أوراق من دفاتر شجرة رمّان” لمي منسّى شهدٌ من رضاب الماضي
الجامعة الأنطونية تكرم مي منسى

“أوراق من دفاتر شجرة رمّان” لمي منسّى شهدٌ من رضاب الماضي

تتكاثف عبارات الحنين وشذى الشوق المتربّص على طرف البان الملتوي ألماً في رواية “أوراق من دفاتر شجرة الرمّان” لمي منسّى الصادرة عن “دار النهار للنشر”. في الإهداء الذي خطّته الكاتبة بعنوان “إلى أمّي”، تمهيدٌ للرواية وتسريبٌ لحوادثها لاشعورياً ينساب من أناملها المترفة برائحة الطبيعة التي لطالما شهدت لازوردية ألوان لا يمحوها الزمن كتراث فولكلوريّ قديم غنيّ بلوحاته الدافئة.

تجذبنا في الرواية وجوهٌ طفولية تطلّ بفوضى محبّبة للروح وتتوثّب لكلّ حدث هامشي قد يعني الكثير في مراحل العمر اللاحقة. هذه “النوستالجيا” التي تمتطيها الكاتبة، تنذر بعواصف هوجاء مقرّها أعماقها المتوغّلة في طيّات الماضي وذكرياته النائية التي تتوشّح باكتئاب مرير لفقدانه المحزن.
تشدّد الكاتبة على أنّ الرواية ليست سيرة ذاتية أو حكاية واقعية، بيد أنّ بعضاً من جذورها ينبت في أرض الواقع وتخضّبه هي برقع الخيال. نلمح شحوباً متلثّماً ببعض ما عاشته وبكثير ممّا قاسته. هي تُسهبُ في شاعريتها، فتذكرُ أدقّ تفاصيل الطفولة المرهفة من دون أن تتطرّق إلى الحوادث إلا بشكل يكاد يكون عابراً، وهو ما لم نعهده في تاريخ الروايات المعاصرة.
ينتصب أمام مخيّلتنا والدها القاسي- الحنون في الوقت عينه، ومدمن الخمر كإدمانه الغضب والحزن، الذي يجمع بين طيّات روحه تنهيدات الأسى من سرٍّ دفين لا نعرفه إلا في نهاية الرواية التي يهمين عليها طيف كاهن مجهول يعودهم كخطف البرق ثمّ يتوارى بعد أن يبثّ شرارة الحزن في قلوبهم، واحتداد متوغّل في شخصيته ينعكس على أطفاله كارتطام عنيف يولّد الخنوع عندهم، باستثناء الأخ الذي ينبذ الإيمان ويثور على أغلال التقوقع في ظلّ مزاجية الأب بشخصية شبه فصيمة، ويفضّل الإنطلاق مع الشهوة ودرب الهذيان الذي يوصله إلى فقد عقله في نهاية المطاف. الأم هي نموذجٌ للمرأة القروية المؤمنة التي تقدّس الله وترتقي بروحها المتألمة بالدعاء، الذي يمثّل لها الحلّ الوحيد لحماية عائلتها.
اللوغوس هنا يتصارع بين المعنى التقليدي له والمعنى الديني الذي استخدمه المتصوفون وأبرزهم ابن عربي.
الكتاب لا يصح أن ينتمي إلى عالم “الرواية” لأنه سكنات من روحٍ شاردة وطفولة احترقت مع الماضي وولّت من غير رجعة وقاست أهوال الحرب بشاعرية مفرطة من دون أن تلمس أرض الواقع أو جدار الحقيقة. لكنّ اللغة القوية التي تستخدمها الكاتبة، هي بمثابة درع واقية، لأنّها تنمّ عن ثقافة دافئة عميقة، ورضابٍ ياسمينيٍّ منعش من وصف مجازي للطبيعة والجمال، وإسهاب لا شعوري في تحليل النفس البشرية التي كتب عنها فرويد قوله المأثور: “إن تقسيم الحياة النفسية إلى حياة نفسية واعية وحياة نفسية لا واعية يشكل المقدمة الكبرى والأساسية في التحليل النفسي”. النفوس الواعية وغير الواعية تتبارز وتتصارع في كتاب “أوراق من دفاتر شجرة الرمّان”، حتّى تزدحم بالجانب الوجداني للكاتبة نفسها، وتحتضر مع ماضٍ كلّ ما تبقّى منه منزل الذكريات المدمّر في القرية، الذي شهد على تسلّط الأب رغم حنانه، وعلى استسلام الأم للقدر وثورة الأخ الحانقة وروح الطفولة التي لا تختنق بعد في أنفاس الكاتبة ولا تلبث تتحشرجُ مع حفيف الأغصان وأحلام العودة إلى الوراء.
بطلة مي منسّى قد تكون خُلقت لتحيا في الذاكرة وتموت في الواقع من دون أيّ مهادنة أو شفقة.
النهار

عن الاتحاد الكاثوليكي العالمي للصحافة - لبنان

عضو في الإتحاد الكاثوليكي العالمي للصحافة UCIP الذي تأسس عام 1927 بهدف جمع كلمة الاعلاميين لخدمة السلام والحقيقة . يضم الإتحاد الكاثوليكي العالمي للصحافة - لبنان UCIP – LIBAN مجموعة من الإعلاميين الناشطين في مختلف الوسائل الإعلامية ومن الباحثين والأساتذة . تأسس عام 1997 بمبادرة من اللجنة الأسقفية لوسائل الإعلام استمرارا للمشاركة في التغطية الإعلامية لزيارة السعيد الذكر البابا القديس يوحنا بولس الثاني الى لبنان في أيار مايو من العام نفسه. "أوسيب لبنان" يعمل رسميا تحت اشراف مجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك في لبنان بموجب وثيقة تحمل الرقم 606 على 2000. وبموجب علم وخبر من الدولة اللبنانية رقم 122/ أد، تاريخ 12/4/2006. شعاره :" تعرفون الحق والحق يحرركم " (يوحنا 8:38 ).