أختر اللغة
الرئيسية | إعلام و ثقافة | إيلي صليبي، طريقي إلى بيت أبي
إيلي صليبي، طريقي إلى بيت أبي
ايلي صليبي

إيلي صليبي، طريقي إلى بيت أبي

ما اجتمع اثنان منّا يوماً، نحن من وَسَمنا الناس بختم “إنتو الـ LBC”، إلا وكان “هو” ثالثنا. حاضر أبداً… آراؤه، أحكامه، أمثولاته،… ترفرف فوق مياه وجودنا المكدَّر ومنزلقات فكرنا التائه… تردّدها ألسنتنا التي اعتادت النقد والنعت والسخط، فتنضبط على وقع الذكريات والتجارب والمرارة والخسارة … والمحبّة المكابِرة التي لا تأبى الاعتراف، فتنكشف رغماً عنها.

“هو” من ذاك النوع من الرجال الذي كما صُوَر أيام زمان، لا يظهّره بملء حقيقته إلّا عكسه أي الـ”نيغاتيف”. “هو” ذاك الضدّ، ضابط كل الأضداد، الذي يصيّرُك أنت. يسند إلى نفسه حق لعب دور ربّك وإلهك، يتحدّاك تحدّي الممسِكِ بكل خيوط اللعبة، يبارزك مبارزة المتمرِّس في فنون المواجهة، الساخر من تستّرك بذرائع الضعف والجهل، يتباهى بسطوته، يلدغك بسخريته، يحقّر منطقك، يحطّم كبرياءك، يحرثك ليُغرِقَ أثلامَكَ بحبره، يدرسك على بيادر سطوره، يبذرك في هواء جموحه، يصهر معدنك بلهيبٍ من إيمانه وكفرك…
لا يهادنك إلاّعندما تصير ثورةً وعاصفةً وإعصاراً وغضباً وشبقاً وناراً وعبقاً ووعياً وإدراكاً وهويةً ويقيناً؛ عندما تتفلّت من جلباب التقليد وقيد التلقين، وتنعتق من سلاسل الإذعان للفكر الآخر وأسواط التكاذب والتلاعب وخِصال التمثيل والتلوّن؛ عندما تصير حرّاً منك، حرّاً منه، حرّاً.
لا يرحمك إلاّ عندما تصبح ذاك الـ”أنت” الذي لم تعرف أنّه “أنت”. فتدرك أنّ اللعبة درس، والمواجهة طريق، والسطوة أبوّة، والسخرية محبة مستترة.
في زمن ماضٍ، بعيدٍ بعيد، في حياةٍ أخرى، وأنا مبحرة في لانهايات الشكّ، هاربة من موت أبي إلى موتي، أحاسب إلهاً حلّل موت ابنه على خشبة وأجاز صَلْبَ قلبي على جثة أبي، في ذاك الزمن، جاءتني المسافات بصوت يقول:
– إنني اخترتك تلميذة لي.
– لماذا؟
لا جواب. لا تفسير. لا تبرير.
تجاهلت وتناسيت ورفضت. هزئت وماطلت وأجّلت. لكنّه رمى مرساته في أعماقي، دهم قبوري، خرّب مساراتي. خلته يلقنني علم الصحافة فوجدتني مسجّلة في مدرسة المسيح. اعتقدت أنني سلكت درب الأضواء فلمحت نوراً يرشدني في ظلمتي. لقد عصفت “مزاميره” و”نبوءاته” بي حتى صارت أرضي ملحاً وسراجي زيتاً ودواتي دماً وورقي خبزاً. ظننت أن مصيري أن أهجر منازلي، فها طريقه تعيدني إلى “بيت أبي”.
… وباعد بينه وبيني عمرٌ ومسار وفراق، لكن قلمي الذي كتب له “هو” جزء من قدره، دأب في خصلته نبش الأخبار والأفكار والخبايا، كأنه الباحث أبداً عن سترٍ خلف نقاب أو “رماد تحت الثلج”. فكان ذاك الفيلم الوثائقي، حامل هذا العنوان (“رماد تحت الثلج”)، الذي بدّد غباراً وأكفاناً عن تقاليد عيد الميلاد في ضيع لبنان.
عادات عتيقة مندثرة في خمار الماضي وحجاب الحاضر، ذكريات مجمّدة في صقيع النسيان، مدفونة في مواقد الحضارة، حرّرها صوته، أحياها، ولكن … بشرط ملزمٍ حّدده بإلحاح وإلحاح: أن “يوثق هذا الوثائقي في مقدّمته أن إيلي صليبي سجّل نصّ نضال أيوب تكريماً لها”. ما قبلت، واكتفيت بذكر تقديره لي ولفريق العمل، فخاصمني … لدقائق!
أستاذ إيلي،
أنا لن أشكرك.
فالشكر والوفاء والتقدير في أيامنا صارت من أصناف الدجل والإستغلال والنهش في ميراث الكبار.
لك مني اللوم لانتهاكاتك الصامتة، أفكاري وقناعاتي. بسببك، لا أعرف راحة الإستسلام للواقع والقناعة بحكم الموجود والمتوافر والمفروض.
لك مني الوجع على فراق لم يحن وقته.
لك مني العتب على يُتمٍ ثانٍ جنيته عليّ من دون وجه حقّ.
لك مني الكره الذي يشبه الحب.
لك مني النسيان الذي يعيش أبداً في الذكرى.
فأنا سأنساك …
سأنساك …
كلما سقطت حبة من حبوب مسبحة الأيام الآتية في عمري،
كلما لمع بريق شيب على جبين الزمن الراحل إلى حيث أنت،
كلما مررت بطريق ضائع يبحث عن وجهة سير،
كلما جاءني ذنب يطلب أن أرتكبه،
كلما بكى حبر قلمي على حروف سقاها وحيٌ منك.
سأنساك أيضاً كلما أذنتُ لصلاتي أن تلاحق الله في خلوده، تسأله عودة السماء إلى الأرض.
سأنساك حتماً كلما لاحقتني ساعتي تذكّرني بمواعيدي مع الموت.
… إلى أن تأتي الساعة، وتغفو ساعتي، ويموت الموت…
سأنساك!؟

صحافية واستاذة جامعية، رئيسة جمعية الصحافيين الفرنكوفونيين
النهار

عن الاتحاد الكاثوليكي العالمي للصحافة - لبنان

عضو في الإتحاد الكاثوليكي العالمي للصحافة UCIP الذي تأسس عام 1927 بهدف جمع كلمة الاعلاميين لخدمة السلام والحقيقة . يضم الإتحاد الكاثوليكي العالمي للصحافة - لبنان UCIP – LIBAN مجموعة من الإعلاميين الناشطين في مختلف الوسائل الإعلامية ومن الباحثين والأساتذة . تأسس عام 1997 بمبادرة من اللجنة الأسقفية لوسائل الإعلام استمرارا للمشاركة في التغطية الإعلامية لزيارة السعيد الذكر البابا القديس يوحنا بولس الثاني الى لبنان في أيار مايو من العام نفسه. "أوسيب لبنان" يعمل رسميا تحت اشراف مجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك في لبنان بموجب وثيقة تحمل الرقم 606 على 2000. وبموجب علم وخبر من الدولة اللبنانية رقم 122/ أد، تاريخ 12/4/2006. شعاره :" تعرفون الحق والحق يحرركم " (يوحنا 8:38 ).