أختر اللغة
الرئيسية | إعلام و ثقافة | التفاح «أخطر» من الإرهاب!
التفاح «أخطر» من الإرهاب!
أزمة التفاح

التفاح «أخطر» من الإرهاب!

وقفت سامية في المطبخ أمام المجلى محتارةً ماذا تضع لأولادها في السندويش قبل ذهابهم إلى المدرسة، فغرفة المونة نفضت خيراتها منذ أكثر من شهرين، والبرّاد ليس فيه غير رفوفه الباردة التي تحنّ إلى قالب بلغاري ووقية مرتديلا، وكلُّ مكان في البيت مخصّصٌ لحفظ الطعام تقاعَد من عمله قسراً…

فتّشت كثيراً ولم تجد سوى منتوجات التلفزيون، فتناولت منه خطاباتٍ حامية ومرغتها على رغيفٍ لتسدَّ جوع أولادها حتى الظهر. وفي الطنجرة وضعت كمشة وعود باردة وتحالفاتٍ بالية وطربوشَ البيك المعتّق وتواريخَ المعارك المقدّسة وحرّكتها حتى تنضج قبل أن يعود زوجها من مشوار تحصيل تعويضات مزارعي التفّاح الباقية من الموسم الماضي.

الدكنجي والصيدلي والخضرجي واللحام باتوا يرفضون بيع المزارع بعدما خلف بكلّ وعوده لهم بالدفع، وهذا المعتّر يعيش على وعود الدولة بسداد مبلغ 5000 ليرة لبنانية عن كلّ صندوقة تفّاح منذ أكثر من عام، هذه الـ5000 التي تحوّلت إلى 3000 ومن ثم 2000 وحتى 1000 ليرة.

يعني بكلام آخر، الذي ينتج مثلاً ألف صندوق تفّاح كان من المفروض أن يتقاضى 5 ملايين ليرة يسدّد بها ديونَه وقليلاً من أقساط المدارس وثمن شويّة مازوت للتدفئة في الشتاء، لكن شرط الحقلة أصبح مسخرة على بيدر الدفع، بعد أن احتسبوا له 1000 ليرة فقط عن كلّ صندوقة، ودفعوا له نصف المبلغ، أي 500 ألف ليرة على أن يحصِّل الباقي لاحقاً… مبلغ لا يكفي حتى لدفع ثمن كمّون وعود الدولة ومسؤوليها ومخترعي قوانينها الانتخابية، وثمن تحالفاتهم الصادقة والشفّافة لدرجة دمعت لها عيون الجالية الفينيقية في بلاد فرعون، وهلّل لها الرهبان القديسون في وادي قنوبين وأرز تنورين وأحراج جزين، آمين.

جمال باشا السفّاح فرض عام 1914 حصاراً على جبل لبنان لإخضاع أهله وإسكاتهم بالجوع والموت أو التهجير… وفي الـ2017 هناك طبقة سياسية رأسمالية إقطاعية ميليشياوية لم تنتبه بعد إلى أنّ أفعالها قد تضاهي سياسة السفّاح في عزّ عطائه.

بواسل الدولة القوية يلفّون على حكومات العالم وجاليات الاغتراب، ولم يرجع واحدٌ منهم باسم سوبرماركت في بوسطن أو عربية خضرة في سيدني مستعدّة لشراء التفاح اللبناني… ويدورون على مرجعيات الطوائف وينظّمون المهرجانات الخطابية بحضور حيتان المال، ولم يجد واحدٌ منهم فرخَ سردين مال يدفع ثمن جوع المزارعين بشركة تصنيع مربّيات وخلّ وعصير…

يلفّون ويدورون ولا يفكّرون في شراء كرامة أولئك المفروض أنهم الناخبون والمأتمنون على حماية إرث البيك والستّ وسليلتهما من عام 1972 مروراً بالـ2005 وإلى ما بعد الـ2020.

لا تفتحوا التحقيق في قضايا الإرهاب وداعش فقط، بل حقّقوا لتعرفوا مَن سرق تعويضات مزارعي التفّاح وإلى جيب أيّ سمسار سياسة ذهبت، ومَن سلب أهل القرى سببَ وجودهم وصمودهم؟

فالإرهابُ الذي تمرّغون الشاشات والإذاعات بأهواله وأخطاره لا يخيف مُزارع التفّاح، بل تُرعبه فكرة أن تبقى حبيبة قلبه الصندوقة يتيمةً في الأرض، ولا يجد مِن بعدها في جيبه ما يكفي لإطعام أحفاده وتعليم أولاده وتزويج بناته ودفن أحبابه ودفع فواتير وجوده..
جوزف طوق
الجمهورية

عن ucip_Admin