أختر اللغة
الرئيسية | أخبار الكنيسة | الشرقُ بين تناسلِ الصراعات وعُـــقمِ التسويات بقلم سجعان قزي
الشرقُ بين تناسلِ الصراعات وعُـــقمِ التسويات بقلم سجعان قزي
مسيحيو الشرق

الشرقُ بين تناسلِ الصراعات وعُـــقمِ التسويات بقلم سجعان قزي

لا تصدِّقوا المتشائمين فحروبُ الشرقِ الأوسط ليست سرمديةً. ولا تصدّقوا المتفائلين فالحلول ليست قريبة. ولا تصدّقوا التقليديين فالكيانات ليست ثابتة. ولا تصدِّقوا المخطِّطين فالأرض تُــعدِّل الخرائطَ الجاهزة. التجاربُ التاريخية، معطوفةٌ على سيرِ الأحداث تُــمليان التروي بتحديد مواعيد التسويات وأشكالِــها، لاسيما وأنها تسوياتٌ تتأثر بحروبٍ متوقَّــعةٍ في دول أخرى تظنّ نفسهَــا قادرةً على تجــنّب ما يحدُث، أو ما هي أحدَثـــتْــــه، للآخَرين. وأساساً إن أحدَ أسباب تمديدِ العنف في دول المشرق هو تأخيرُ انتقالِــه إلى شبهِ الجزيرة العربية (دول الخليج) وأسيا الصغرى (بلاد الأناضول) وآسيا الوسطى (دول محيط بحر قزوين).
لكن خطَّ النارِ يرجِــع دائماً إلى وطنه الأم، فالنارُ من فكرٍ وإلى الفكرِ تعود. والارهابُ من مَذهبٍ وإلى المذهب يعود. ومع العودة سيكون وجعٌ عظيم: تَسقطُ أنظمةٌ وتَــندثِر عائلات وتَنتقل ثروات وتَندلِع ثورات وتَــبرز كياناتٌ مُــجـــهَّزة. أما الشعوبَ فستبقى على ضَـلالها وضَـياعها، فشعوبَ العالم العربي، مع أحلامِها، أسوأُ من الأنظمة، مع مساوئها، وإلا لكانت الأنظمةُ هَــوَت من زمان. إن شعوبَ المنطقةِ كـــرّست حياتَـــها للحروب، ولتفسيرِ الدين ــ وأي تفسير! ــ عِوض تفسيرِ الحياة.
إننا أمام عقودٍ صعبةٍ ولو هَمدت المعارك، فحروب الشرق الأوسط لصيقةٌ بطبيعةِ تكوينه. هي خبــزُه اليومي. ومن يَستغرب هذا التوقّــعَ المقلِـــق، فلينظر إلى لبنان الذي لا يزال يتخــبَّــط في حروبٍ وأحداثٍ جانبية مع أن الحربَ اللبنانية انتهت رسمياً منذ أربعين سنة (1976). أمَـــا انتقلنا في لبنان من التدمير بالمدفع إلى التدمير بالسياسة؟ وأمَــا استهوتْــنا لعبةُ السلاح فانتسبنا إلى حروب الشرق والغرب؟
ما هذا الشرق الذي يَـــعجُّ بالأحقادِ وهو أرضُ الرسالات السماوية؟ وما هذه الشعوبُ التي تتبادل الكراهيةَ وهي من أرحامٍ قُــربى؟ وما هذه الأديانُ التي تَــفرز منتحلي صفةٍ دينية وفِقهية؟ وما هذه الأنظمةُ التي تُشبِه أعداءَ شعوبها؟ وما هذه المجتمعاتُ التي فوّتت موعدَها مع الحضارةِ فالتحقت بالجَهالة؟
شرقٌ وكأن “القافَ” فيه حرفٌ زائدٌ زوراً على “الشرّ”. هو شرقُ النارِ المشتعِلة أبداً، هو شرقُ الوأدِ والسيفِ والصلبِ والرجْم. هو شرقُ الوراثةِ التناسلية والسلالاتِ المريضة والالقاب الطويلة والعنفِ المستدام. هو شرقٌ مضادٌ للحضارة. منابعُ خيرِه صارت مصادرَ شرِّه: اليهودُ يُــعادون الجميع، السُــنّــةُ يَــنقُــضون الشيعةَ، الشيعةُ ينازِعون السُــنّــةَ، الدروزُ يَحذَرون الاثنين، والمسيحيون يستعيدون دربَ الجلجلةِ فيما القيامةُ قدرُهم.
وحالُ الدولِ تحاكي حالَ الشعوب: مصرُ أُضعِفت باقتصادِها، والعراقُ بتقسيمه، وسوريا بحربها، وتركيا بطموحاتِ أكرادِها، والخليجُ بأسعارِ نِفطه وفِقهه، واليمنُ بقبائله المتقاتلةِ دورياً، وليبيا بفوضاها الناميةِ، والسودانُ بتخلّفِه، ولبنانُ بتناقضاتِ تعدديته، إلخ. وأغربُ ما شهِدناه في السنواتِ الأخيرة هو توكيلُ “داعش” بحركة التغيير (أو ضربِ التغيير) في سوريا والعراق بغضِّ النظر عن الجِهات المُـــوكِّـــلة. هكذا تبدو “داعش” ومثيلاتُـــها حالةً إسلاميةً لا حركةً إرهابيةً فقط رغم أنها تتحدى الإسلامَ الطبيعي وتعادي المسيحيةَ، بل الإنسانية.
إن أخطرَ ما يؤذي العربَ والمسلمين هو ظاهرةُ تناسلِ الصراعاتِ التي تُـــعــبِّــر أساساً عن عجزِ الإسلامِ التقليدي والــنُــخبوي عن إحداثِ التغييرِ التقدمي والسيطرة على الرأي العام. وُلِدت ثنائياتٌ عــقَّــدت الصراعَ الأساسي، وجعلت مواقفَ القوى المتصارعة تخضَع لمفهومِ الخير والشر والايمان والتكفير والوليِّ والفقيه عوضَ الموالاةِ والمعارضةِ والديمقراطيةِ والمؤسساتِ المدنية. أدى ذلك إلى إخراجِ قضايا العربِ والمسلمين من معاييرِ القيمِ العالمية وربْطِها بقيمٍ منافيةٍ للقيم، علماً أن تصرّفَ الغرب تجاه الشعوب العربية المقاومِة والثائِرة جاء منافياً أيضاً لأبسطِ القيم الاخلاقية.
وضَعت الراديكاليةُ الإسلاميةُ مصيرَ الصراعات أمام الهزيمة الكاملة أو الانتصار الكامل في زمن يتعذّر فيه الانتصارُ وتتكــدّس فيه الهزائم. أطرافُ الصراع استبعدوا التسوياتِ والحلول لحسابِ استمراريةِ العنف والنظريات الجذرية: بدأ الصراعُ بعنوانِ القضية الفلسطينية (الشعب) ثم صار صراعاً إسرائيلياً ــ فلسطينياً (الأرض) فإسرائيلياً ــ عربياً (المصالح)، فعربياً ــ فارسياً (قيادة المسلمين). وبموازاة ذلك استمرت الصراعاتُ الثنائيةُ بين المسيحيةِ والإسلام والسُـــنةِ والشيعة والأنظمةِ والشعوب والمتطرفين والأكثر تطرفاً…
كلّ صراعٍ ثنائيٍّ يبــرّر وجودَه بشكل منفصلٍ عن الصراعِ الأساسيِّ الكبير، ويعتبر نفسَه أهمَّ من الصراع الكبير الذي هو مع إسرائيل ومع التخلف. إن تداعياتِ التخلّف، بكلِّ تجلياته، على شعوبِ المنطقة تفوق تداعياتِ الحروبِ الإسرائيلية. أليس مدعاةُ غضبٍ أن يبقى هذا الشرقُ، مهدُ الحضاراتِ والدياناتِ والأبجدية، جاهلياً ومتخــلّــفاً وأن تَـــفرزَ مكوناتُـــه الحروبَ والفتن بشكلٍ آليٍّ ودوري؟ وما يزيد الغضب أن قوى التغييرِ، التي ابتلعتها الصراعاتُ الثنائية، فشِلت في مواجهةِ الأنظمة وتراجعت أمامَ قوى الارهاب ما وفَّر للمجتمعَ الدولي الذريعةَ الذهبية لتفضيل الأنظمةِ على الارهاب.
لكن الانتعاشَ الذي تشهَدُه أنظمةُ المنطقة هو مرحليٌّ لأنه يُــعرقل تنفيذَ الخريطة العتيدة للشرق الأوسط. لا بل، يَــتِـــمَّ استخدامُ الأنظمةِ الآنَ ضدَّ داعش كما استُــخدِمت داعشُ سابقاً ضدَّ المعارضةِ والأنظمة معاً، وسنة 2017 مليئةٌ بالمفاجآتِ العسكرية والأمنية والانفصالية. لذا، إن أفضلَ خطوةٍ تقوم بها الأنظمةُ المنتعشةُ هي أن تغـــيِّر سلوكَها، وهو أمرٌ متعذرٌ فـمَن شبَّ على شيء شابَ عليه، أو أن تعيدَ النظرَ بمساحةِ نفوذِها لــتَــسلَم. صحيحٌ أن النظامَ السوريَّ بعدَ حلب ليس مثلَ قبلَ حلب، لكن سوريا بعد سنة 2011 ليست مثلَ سوريا ما قبلَ هذا التاريخ. أما نحن في لبنان، فما لم تتوقّف التنازلاتُ، فسائرون نحو مؤتمرٍ تأسيسيٍ بالتقسيط تحت مُسمَّـــياتٍ مختلفة.
سجعان قزي
الجمهورية

عن الاتحاد الكاثوليكي العالمي للصحافة - لبنان

عضو في الإتحاد الكاثوليكي العالمي للصحافة UCIP الذي تأسس عام 1927 بهدف جمع كلمة الاعلاميين لخدمة السلام والحقيقة . يضم الإتحاد الكاثوليكي العالمي للصحافة - لبنان UCIP – LIBAN مجموعة من الإعلاميين الناشطين في مختلف الوسائل الإعلامية ومن الباحثين والأساتذة . تأسس عام 1997 بمبادرة من اللجنة الأسقفية لوسائل الإعلام استمرارا للمشاركة في التغطية الإعلامية لزيارة السعيد الذكر البابا القديس يوحنا بولس الثاني الى لبنان في أيار مايو من العام نفسه. "أوسيب لبنان" يعمل رسميا تحت اشراف مجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك في لبنان بموجب وثيقة تحمل الرقم 606 على 2000. وبموجب علم وخبر من الدولة اللبنانية رقم 122/ أد، تاريخ 12/4/2006. شعاره :" تعرفون الحق والحق يحرركم " (يوحنا 8:38 ).