أختر اللغة
الرئيسية | إعلام و ثقافة | الصحافة الورقية: استغلال، وصرف، وحسم من الأجور ونقابة المحررين تتفرج!
الصحافة الورقية: استغلال، وصرف، وحسم من الأجور ونقابة المحررين تتفرج!

الصحافة الورقية: استغلال، وصرف، وحسم من الأجور ونقابة المحررين تتفرج!

“بعدما امتنعت الـ “Daily Star” عن دفع رواتبنا لـ 6 أشهر ، عادت قبل فترة قصيرة إلى الدفع من دون أن تحتسب ما كُسر عليها. مع الإشارة إلى المماطلة القاتلة والتأخر الكبير في دفع الرواتب الجديدة شهريًا على الرغم من الأزمة الاقتصادية والمعيشية الخانقة”.

بهذه العبارة يُلّخص أحد العاملين في هذه المؤسسة معاناتهم. فيما الغوص في تفاصيل العمل اليومية يكشف مخالفات فاضحة وكلّ أنواع الاستغلال والابتزاز.

ويشير الواقع إلى أنّ وضع  العاملين في  الـ ” Daily Star” صعب جدًّا. حيث انخفض عدد العاملين من 50 صحافيًا إلى أقلّ من 24 صحافيًا بين مراسلين ومحررين ورؤساء تحرير، في ظلّ الأزمة المفتعلة وموجة الصرف التعسفي مع الإشارة إلى أنّ هذا الرقم في تناقص مستمرّ.

لماذا؟

تؤكد المعلومات أنّ المسؤولين عن إدارة هذه المؤسسة يعمدون منذ فترة إلى صرف العاملين القدامى واستبدالهم بصحافيين جدد تحت شعار الـ “ستاج”. ويستخدم هؤلاء استراتيجية واضحة تضع حدًّا لعمل الموظفين الجدد في اللّحظة التي يسألون فيها عن موعد توظيفهم فيُصرفون ليحلّ مكانهم آخرون يدخلون الدوامة ذاتها من دون معرفة.

قد يخال البعض أنّ الوضع المأسوي هذا مردّه للأزمة الاقتصادية الخانقة التي يمرّ بها لبنان. إلّا أنّ التدقيق في التفاصيل يكشف أنّ رؤساء التحرير يتقاضون رواتبهم بالدولار فيما يصل راتب من صمد من القدامى في باقي الأقسام بـ “اللّولار” ووفقًا لما كان يوزايه المبلغ ما قبل الأزمة.

والأمور لا تقف عند هذا الحدّ.

في تعاطي إدارة الـ “Daily Star” الكثير من الابتزاز لا بل يُمكن القول صراحة إنّ تصرفها يندرج في إطار  الاستدراج المدروس الذي يهدف للوصول إلى إجبار الموظفين على تقديم استقالاتهم طوعًا. والحقيقة أنّ الصحافيين العاملين في هذه المؤسسة يُدركون أنّ الأشهر الستة المتراكمة لن يتقاضوها إلّا في حال تقديم استقالاتهم. ومن هنا يُمكن معرفة حجم الابتزاز.

غياب الرقابة وحماية حقوق من يُفترض بهم الدفاع عن حقوق الآخرين والتأكد من سير كلّ الأمور بانتظام، يُجبر القسم الأكبر من الموظفين في الـ ” Daily Star” على التزام الصمت والرضوخ بفعل الالتزامات الحياتية اليومية وغياب فرص العمل. ومقابل ذلك، تُمعن الإدارة في الضغط على العاملين عبر حرمانهم حتى من حقهم في الفرص السنوية والمرضية والأسبوعية التي يكفلها القانون أساسًا، على قاعدة “الـ مش عاجبه يفلّ”.

 الصحافيون العاملون في الـ ” Daily Star”، يُعانون المعاناة الأشدّ وإن كان ما يمرّون به يشابه كثيرًا ما يعايشه الصحافيون العاملون في صحيفة “المستقبل” سابقًا. ويعي المراقبون في هذه الحالة أنّ العامل المشترك بين الإثنين يرتبط بأنّ هذه المؤسسات تابعة لرئيس تيار “المستقبل”، النائب سعد الحريري حتى ولو حاول التنصلّ من الصحيفة الإنجليزية كثيرًا.

والغريب يكمن في أنّ الحريري يستعد لإعادة ترتيب البيت الإعلامي من باب التحضير للانتخابات النيابية المقبلة. فهل سيقوم بذلك مستغلًّا الصحافيين العاملين في مؤسساته؟ خاصة أنّ في الكواليس، مؤشرات توحي بأنّ الرجل ينوي دمج إعلام “المستقبل” على أنواعه.

ويُعتقد أنه سيُجمع كلّ من موقع “مستقبل ويب” وصحيفة “ديلي ستار” وإذاعة “الشرق”، وتلفزيون “المستقبل”، ضمن مؤسسة إعلامية واحدة تديرها إدارة مركزية. فهل يذهب العاملون في إعلام “المستقبل” ضحية خطط مدروسة

الجولة على باقي الصحف، تكشف واقعًا مريرًا أيضًا مع الإشارة إلى أنّ وضع بعض الصحافيين في مؤسسات معيّنة بات أفضل من حالة آخرين في مؤسسات إعلامية أخرى. والتدقيق يكشف أنّ وضع الصحافيين العاملين في الإعلام المكتوب يرتبط بالدرجة الأولى بوضع المتمولين المادي. مع أنّ الاستراتيجية الإدارية التي يتّبعها المؤتمنون على الإدارة تلعب دورها أيضًا. وهذا ما يُمكن ملاحظته بوضوح في جريدة “الأخبار” على سبيل المثال.

الأخبار تتمول بالدولار وتدفع بالليرة

يعرف الجميع أنّ صحيفة الأخبار تؤمّن تمويلها من “حزب اللّه”. ما يعني أنّ الأموال تصلّ بالدولار و”فريش” على اعتبار أنّ ما ينطبق على جناحه العسكري ينطبق أيضًا على الجناح الإعلامي.

 وعلى الرغم من ذلك، يتقاضى معظم الصحافيين العاملين في “الأخبار” رواتبهم باللّيرة اللّبنانية. مع الإشارة إلى أنّ المعاشات شهدت زودة خفيفة وتكاد لا تُذكر مقارنة مع ارتفاع الأسعار. ويؤكد عدد من الصحافيين في هذه المؤسسة أنّ بين فترة وأخرى تُحوّل إلى حساباتهم ما يُسمى بـ “المساعدة الاجتماعية” وهي عبارة عن مساعدة ماديّة لا قيمة كبيرة لها.

هذا الوضع، لا يُمكن التغاضي عنه أبدًا لأنه يكشف نوعًا جديدًا من الاستغلال لا بل لا تقف الأمور عند هذا الحدّ. لأنّ الإدارة عبر تخزين الدولار والدفع باللّيرة تراكم الأرباح على حساب العاملين لديها على الرغم من أنّ الاتفاق الأساسي المبرم بينها وبين صحافييها ينصّ على الدفع بالدولار الأميركي.

النهار حماية العاملين شكلا

وضع “الأخبار” يتشابه مع حالة صحيفة “النهار” مع أنّ النظر من بعيد يوحي بأنّ حالة العاملين في الأخيرة أفضل من الأولى. إلّا أنّ التمعن والتدقيق في ما يحصل في الكواليس وأسباب “النهضة” الفجائية يكشفان مُجددًا عن استغلال لا يعرف الصحافيون به أو الأحرى، يغضون البصر عنه.

يعتقد عدد من الصحافيين في “النهار” وفقًا لما صرّحوا به أنّ وضعهم أفضل من سواهم. ويؤكدون أنهم تقاضوا بأغلبيتهم الرواتب السابقة “المكسورة” وقد شهدت معاشاتهم زيادة ملحوظة مؤخرًا بفعل الغلاء المعيشي. كاشفين عن حصولهم أحيانًا على مبالغ صغيرة بالدولار الأميركي.

في الشكل، تبدو الصورة وردية لا بل أكثر من ذلك. وقد يعتبر البعض أنّ المؤسسة حافظت على حقوق موظفيها وتحاول اليوم مساندتهم في عزّ الأزمة الاقتصادية.

إلّا أنّ التمحيص، يكشف أنّ المؤسسة حصلت على أموال بالدولار، وقد سمح  لها الارتفاع الكبير في سعر الصرف في السوق السوداء بتسديد المبالغ المكسورة بأقلّ تكلفة ممكنة خاصة وأنّ الدفع كان على تسعيرة الـ 1500 ليرة لبنانية للدولار الواحد. ما يعني أنّ “النهار” وعبر هذه الخطوة راكمت الكثير من الأرباح على حساب موظفيها مستغلّة أزمة سعر الصرف لتوسيع نشاطها عبر إعادة توظيف صحافيين جدد في عدد من الأقسام.

وتجدر الإشارة، إلى أنّ المؤسسة في هذه الحالة تستفيد على الصعيد المهني عبر زيادة عدد العاملين فيها وبالتالي زيادة الإنتاج والانتاجية. ويبقى الصحافي الخاسر الوحيد والأكبر في هذا الوضع. خاصة أنه يضطر للقبول بالرواتب التي تُدفع وبكلّ المهام التي توكّل إليه نظرًا لضيق سوق العمل والأزمة الخانقة.

والواقع يشير إلى أنّ رواتب الصحافيين في “النهار” معظمها لا يتجاوز الـ 4 ملايين ليرة لبنانية. من دون أن ننسى الإشارة إلى أنّ رواتب بقيمة أقلّ تُدفع لعدد أكبر من الصحافيين خاصة الجدد والأقلّ خبرة. وهذا يعني أنّ الصحافي يتقاضى في أفضل الأحوال حوالي الـ 266 دولارًا، إذا اعتبرنا أنّ سعر الصرف في السوق السوداء قد ثَبُت عند الـ 15 ألفًا مع أنّ هذا الرقم قابل للارتفاع أكثر وبشكل يومي.

الجمهورية تخفيض الأجور 25%

وضع العاملين في صحيفة “الجمهورية” ليس أفضل حالًا. فقد شدد عدد من الصحافيين على أنّ الأمور كانت تسير على ما يُرام قبل انتفاضة 17 تشرين والأجور كانت تُدفع بالدولار عبر الحسابات المصرفيّة.

وقد أشار هؤلاء إلى أنه ومنذ اندلاع الانتفاضة عمدت مؤسستهم لتخفيض أجورهم إلى حدّ الـ 25% وصارت المصارف تدفع الرواتب بـ “اللّولار” وفقًا لتسعيرة الـ 3900 ما يعني أنّ الزودة لم تقدمها “الجمهورية” وإنما فرق عملة. لافتين إلى أنّ وضعهم المادي كان يُعتبر جيّدًا في الفترة الأولى إلّا أنه ومنذ تجاوز سعر الصرف في السوق السوداء الـ 10 آلاف ليرة باتوا يفقدون قدرتهم الشرائية بسرعة أكبر. مؤكدين أنّ الصحيفة وعلى الرغم من كلّ الغلاء الحاصل لم تعطهم أيّ زودة ولم تعد الرواتب إلى ما كانت عليه أساسًا قبل الأزمة الاقتصادية.

 يحصل ذلك في وقت يعجز فيه الصحافيون عن سحب أكثر من مليونين أو 3 ملايين ليرة من المصارف نظرًا لسقف السحوبات المفروض. وفي المقابل، تتحجج المؤسسة الإعلامية التي يعملون فيها بتراجع الإعلانات وبالتالي انخفاض المدخول. على الرغم من أنّ عمل الصحافيين قد ازداد أكثر في الفترات الأخيرة بفعل الأزمة السياسية وما تبعها من خضّات أمنية واقتصادية.

وهذا الواقع، في ظلّ تراجع قيمة الأجور وانخفاض القدرة الشرائية يُشرّع الباب أمام هروب الصحافيين الأكفاء من مجال العمل هذا. كما يزيد من احتمال اعتمادهم على الرشاوى السياسية أكثر في هذه الفترة لتلبية التزاماتهم والحفاظ على مستوى عيش مقبول.

والحديث عن الرشوة، يطرح العديد من علامات الاستفهام ويزيد من المخاوف خاصة أنّ حصول ذلك في ظرف سياسي واقتصادي حساس كالّذي نعيشه يعني أنّ الضحية الثانية ستكون المواطن. إذ، قد يقع الأخير فريسة أخبار مدفوعة، كاذبة ومُضلّلة

خاصة أنّ إحدى الصحافيات التي تملك أكثر من 20 سنة خبرة، عُرض عليها كتابة 5 مقالات أسبوعيًا مقابل 800 ألف ليرة لبنانية فقط لا غير في الشهر! وعادة ما يتمترس أصحاب هذه المؤسسات وراء حجة الأزمة وضعف التمويل مع أنّ الأموال التي تصلهم في الفترة الأخيرة في ظلّ احتدام المعارك السياسية قد ازدادت كثيرًا.

وعليه، يُصبح من البديهي السؤال عن كيف يعيش الصحافيون وما هي مصادر أموالهم؟

إذًا، يتضح أنّ الاستغلال تتعدد أشكاله بين مؤسسة وأخرى إلّا أنه يحصل في ظلّ صمت تام مِن قبل المعنيين والمولجين الحفاظ على حقوق الصحافيين. ويتضح أيضًا أنّ المعاناة هذه سبقت الأزمة الاقتصادية وبدأت تزامنًا مع ما يُعرف بتراجع الإقبال على الإعلام المكتوب والصحف الورقية. وفي هذا الإطار، تُشكّل جريدة “الحياة” وما حصل مع الصحافيين العاملين في كنفها الدليل الأوضح.

حيث يشدد أحدهم على أنّ كلّ ما جرى معهم كان مدروسًا جيّدًا وبدقة من الناحية القانونية فقد أُنذروا قبل فترة من إغلاق مكاتب”الحياة”  في لبنان. لافتًا إلى أنّ عند علمهم بذلك لجأوا إلى المجلس التحكيمي مطالبين بتعويضات مالية. مع العلم أنّ القسم الأكبر من العاملين في “الحياة” هم من الفئات العمرية الكبيرة ومِن مَن أمضوا شبابهم في مكاتب الصحيفة وخدمة لها. 

ووفقًا للقانون فإنّ الصحافيين غير المضمونين وهؤلاء من يزيد عمرهم عن الستين سنة يحق لهم الحصول على تعويض، أي يُدفع لهم عن كلّ سنة راتب شهر. وفي حالة الحياة، فإنّ هذه الفئة كانت من الأقليّة التي تمكنت من تحصيل حقوقها. أمّا الآخرين فاقتصر تعويضهم على مبالغ لا تُذكر وعلى أشهر قليلة إلى حدّ أنّ شخصًا واحدًا تمكّن من الحصول على 12 شهرًا.  مع الإشارة إلى أنّ التعويض الذي كان يُفترض أن يحصّلوه من الضمان الاجتماعي تأخر كثيرًا. ليكتشف صحافيو “الحياة” عندها أنّ مؤسستهم لم تكن ومنذ فترة طويلة تدفع ما يتوجب عليها للضمان.

احتيال “الحياة” لم يقتصر على “عصر” التعويضات.

من جهة أخرى، أوهمت صحيفة “الحياة” العاملين فيها والذين وجدوا أنفسهم فجأة بلا عمل بأنّ مهمتهم ستستمر مع بعض التعديلات. حيث أكدت الإدارة وقتها، أنّ كلّ العاملين سيستمرون كـ “فريلانسر” من منازلهم على أن تُحوّل رواتبهم ذاتها إلى لبنان. لكنّ لا شيء من كلّ ذلك حصل، وإنما استُخدمت هذه الوعود لإقناع العاملين بالقبول بتعويض “الأشهر” القليلة لا أكثر.

وفي “همروجة” صحيفة الحياة يتضح أنّ كثرًا مِن مَن كانوا يعملون بصفة “فريلنسر” قد سُرّحوا من العمل من دون الحصول على أيّ تعويض. مع التشديد على أنّ أغلبية العاملين كانوا يمارسون مهامهم من دون عقود تكفل حقوقهم وإلى الساعة ما زالوا من دون رواتبهم “المكسورة” على الرغم من حصولهم على التعويض “السطحي” الأخير. ويُمكن القول إنّ معاناة هؤلاء كانت أخفّ مِن ما واجهه الصحافيون العاملون في “الحياة” في دبي حيث طرد بعضهم وأخذت الشرطة البعض الآخر بعدما عجزوا عن دفع إيجارات منازلهم.

إلى ذلك، يشير الاستطلاع على وضع الصحافيين العاملين في الصحافة المكتوبة إلى وجود خلل كبير  على صعيد المكتسبات الماديّة. حيث ينقسم هؤلاء إلى فئات منهم من يتقاضون أجورهم بالدولار الأميركي وهم من يعملون في الصحف الأجنبية. وفي الدرجة الثانية، يأتي مَن ما زالوا يتقاضون الأجر نفسه ولكن على تسعيرة الـ 3900 ليرة. ليحلّ في الفئة الثالثة مَن يتقاضى رواتب قليلة جدًّا وشبيهة لما كانت ما قبل بداية الأزمة.

وقد تحدث صحافيون يعملون في مؤسسات إعلامية مكتوبة لها فروعها في الخارج أو لها شركاء في الخارج عن أنّ إداراتهم تتقاضى المبالغ بالدولار مع زودة صغيرة عن المبلغ الأساسي. إلّا أنّ ذلك لا يعني أنّ وضعهم المادي أفضل، على اعتبار أنّ المؤسسة تُصرّف مبلغًا صغيرًا بالدولار في السوق السوداء وتدفع رواتب معظم العاملين عندها محققة أرباح خالية في نهاية كلّ شهر.

والواقع يؤكدّ أنّ السواد الأعظم من العاملين في الإعلام المكتوب يتقاضى الأجور الشهرية باللّيرة اللّبنانية مع أنّ العقود كانت قد حددّت منذ البداية المبالغ بالدولار. فيما ظهرت مؤخرًّا فئة من المحظيين وهي تقتصر على عدد من الصحافيين “المخضرمين” ورؤساء الأقسام في بعض الصحف الكبيرة الذين اشترطوا على المؤسسة الحصول على رواتبهم بالدولار للاستمرار في تأديّة مهامهم وذلك منذ بداية الأزمة.

يُمكن القول وعلى حدّ تعبير أحد الصحافيين العاملين في “النهار” إنّ واقع الصحافة المكتوبة بات أكثر من مزر. فيما يتحدث آخرون يعملون في العديد من المؤسسات عن خطوط حمراء جديدة استجدّت بعد الأزمة بحيث صاروا يُمارسون رقابة ذاتية على أنفسهم لعلمهم أنّ مواضيع تطال شخصيات معيّنة لن تمرّ أبدًا. ويعود ذلك إلى اتفاقيات يعقدها أصحاب المؤسسات مع شخصيات سياسية ومالية كبيرة لضمان الإمساك باللّعبة الإعلامية واستخدامها في اللّحظات المناسبة. مع الإشارة إلى أنّ أغلبية المؤسسات ممسوكة من رجال مال وسياسة باتوا يتكتّلون مع حلفائهم لتنظيم حملات إعلامية تؤثر في الوضع الراهن وتطوراته.

هذا الواقع يؤكدّ تراجع مساحة الحريّة الخاصة بالصحافيين بوضوح وهو مؤشر خطر جدًّا. مع الإشارة إلى أنّ غياب المساواة بين العاملين الذين يؤدون المهام نفسها من شأنه أن ينعكس سلبًا على أداء الجميع. فكيف يُمكن لشخصين يعملان نفس الساعات يوميًا ويكتبان العدد نفسه من المقالات وفي المستوى ذاته أن يتقاضى أحدهما أجرا بالدولار أو مبلغًا أكبر مِن ما يُمكن للآخر أن يحصّله؟ هو سؤال برسم الجهات التي تعتبر نفسها مسؤولة عن أوضاع الصحافيين.

وعلى خطٍ آخر، يُلاحظ المتابعون حصول موجة نزوح من المؤسسات الإعلامية المرئية والمسموعة إلى الإعلام المكتوب. حيث يعمد عدد من الصحافيين إلى كتابة مقالات أسبوعية أو يومية لتأمين دخل إضافي. وفي المقابل، تستفيد الوسائل الإعلامية المكتوبة من فكرة الـ “فريلانسر” على اعتبار أنّ ذلك يؤمّن استمرارية عملها وبكلفة أقلّ.

وفي هذه الحالة، يختلف الدفع ويُحدد المبلغ وفقًا لما إذا كان الموضوع على الغلاف أو في الصفحات الأولى وبحسب طبيعته.

لكنّ الاعتماد على الـ “فريلانسر” زاد من سهولة صرف العاملين المثبتين في الإعلام المكتوب. في ظلّ وجود حجة الوضع الاقتصادي.

الصحافيون يواجهون تراجع الخدمات الصحية أيضًا!

وفي مقابل معاناة الصحافيين المستمرّة والمتنوعة وغياب الأمن الوظيفي، لم تحرّك نقابة المحررين المسيسّة أصلًا، أيَّ ساكن . ولم تتخذ الإجراءات اللّازمة للتخفيف من حدّة الأزمة عن كاهل العاملين في الإعلام المكتوب.

إلسي مفرّج، منسقة تجمع “نقابة الصحافة البديلة”، تحدثت عن هذه المعاناة من زاوية مهنية.

وفي التفاصيل، لفتت مفرّج إلى أنّ ما يتعرض له العاملون والعاملات في القطاع الإعلامي ينسحب على وضع البلد ككلّ لجهة الضغط الاجتماعي والاقتصادي. لكنّها رأتّ أنّ للقطاع الإعلامي حساسية أكبر من غيره خاصة لناحية الإعلانات. فلا يمكن لمؤسسة إعلانية تعاني من ضغوطات أساسًا في دفع رواتب موظفيها أن تضع إعلاناتها في الإعلام ولذلك يتأثر القطاع الإعلامي مباشرة بهذه الأزمة لا بل يعيشها لمرتين. حيث شرحت مفرّج هذا الوضع، مشددة على أنّ الصحافي يعيش الأزمة مثله مثل أيّ مواطن عادي في البداية، ليعود ويلتقي بالمعاناة نفسها مع أشخاص آخرين حين ينقلّ هذا الواقع بالصوت والصورة.

وهي لم تنكر أنّ الأجور في الأساس لم تكنّ عادلة، إلّا أنها لفتت أيضًا إلى أنها عُدّلت مؤخرًا. مشددة على أنّ الكثير من المؤسسات تتأخر في دفع الرواتب متحججة بنقص الإعلانات والظروف الاقتصادية.

وأكدّت مفرّج أنّ مؤسسات إعلامية كثيرة وبعد الأزمة بدأت بدفع الرواتب التي كانت بالدولار باللّيرة اللّبنانية ووفقًا لتسعيرة الـ 1500 ليرة. لافتة إلى أنّ مؤسسات كثيرة بدأت تقفل ما يطرح مشكلة الصرف التعسفي من جديد، فيما حجة الأزمة الاقتصادية جاهزة. معاناة الصحافيين لا تقتصر على الرواتب بل تدقّ باب التغطية الصحية التي تُعتبر من أبسط الحقوق البديهية. وفي هذا الإطار، كشفت منسقة تجمع “نقابة الصحافة البديلة”، عن أنّ التغطية الصحية للصحافيين قد تراجعت كثيرًا حتى بالنسبة

للمراسلين الذين يعملون على الأرض مباشرة. حيث ظهر مؤخرًا التعاضد بين الصحافيين لتغطية تكاليف الرعاية الصحية لزملائهم، بعدما تقاعست المؤسسات الإعلامية عند تعرّض مراسيليها للضرر أثناء أداء مهامهم. وتلقي مفرّج الضوء على تقصير النقابات الصامتة أمام كلّ هذه التجاوزات، في وقت كان يُفترض بها أن ترفع الصوت. معتبرةً أنّ أسباب هذا السكوت مفهومة، خاصة أنّ النقابات المعنيّة ممسوكة من قِبل أحزاب السلطة التي أوصلت البلاد إلى هذه الأوضاع.

وعليه، يعكس الواقع الصحافي بكلّ تعقيداته المشهد اللّبناني كما هو. حيث يواجه هؤلاء صعوبات كبيرة مشابهة كثيرًا لمعاناة المواطنين العاملين في مختلف القطاعات. في حين يبقى أكثر ما يميّز أزمة القطاع الإعلامي، يرتبط بانعكاساتها التي من شأنها تعميق الهوة خاصة مع استغلال أصحاب المال الصحافيين الذين يُشكّلون الحلقة الأضعف هذه المرّة.

موقع المرصد العمالي لحقوق العمال والموظفين  – 5 تشرين الاول 2021

عن ucip_Admin