أختر اللغة
الرئيسية | مقالات | العائلة اللبنانيّة المارونيّة: تطلّعات وآفاق راعوية : النص الكامل
العائلة اللبنانيّة المارونيّة: تطلّعات وآفاق راعوية : النص الكامل

العائلة اللبنانيّة المارونيّة: تطلّعات وآفاق راعوية : النص الكامل

1- دعوة العائلة ورسالتها
قدّس الله العائلة بميلاد إبنه، يسوع المسيح مخلّص البشرية، في كنف عائلة متواضعة.

مثال العائلة المسيحيّة هي العائلة المقدّسة في الناصرة حيث كلّ شخص يسعى ليكون في خدمة الآخر. أمة الله مريم  قبِلَت أمومتها واعتبرتها عطية من الله، ويوسف الصدّيق والبارّ مارس دوره كزوجٍ ومربٍّ.

العائلة هي دعوة ورسالة الله ألآب الخالق. وهي أيضًا “طريق” الخلاص كما أنّها “صوته” الذي يفترض نداءً إلهيًّا، بالاعتماد على نعمة الله وعطيته لاستمرار التضامن والصدق والإخلاص. وقد أعلن البابا يوحنّا بولس الثاني:” لا تكتشف العائلة في مخطط الله الخالق والفادي “هويتها” و”ماهيتها” وحسب، بل “رسالتها” وما يمكن تأديته من واجب”. ¹

يقيننا أنّ العائلة هي إحدى ركائز المجتمع اللبناني وهي أيضًا الخليّة الأم لديمومة الكنيسة. وهي تتكاثر بوحي من كلمة الله والأسرار، رغم مواجهتها اليوم للعديد من المخاطر. لقد قامت العائلة المارونيّة في لبنان بدورٍ هام في الحفاظ على ازدهار الحياة والإيمان المسيحيّين، ونقلهما من جيل إلى جيل. فكانت المعجن الذي يستقي منه كلّ فرد العادات والتقاليد والفضائل والإيمان المسيحي الحقّ. أوكل الله إلى الأزواج مهمة تربية أولادهم. علمًا أنّ هذه الرسالة تبدأ أوّلاً عبر إعطاء الحياة للطفل ومن ثمّ محاولة نقل الإيمان المسيحي إليه، من خلال طريقة عيشهم، ومثلهم وتعليمهم. العائلة المارونيّة أعطت أولاداً مسيحيين.

” تفاعلت العائلة المارونيّة مع كنيستها منذ نشأتها حتى يومنا هذا، إذ تحلّقت الجماعة المؤمنة حول الكنيسة والدير وتمسّكت بالإيمان المسيحي وبالخلقيّة التي يفرضها هذا الإيمان، كما شهدت، بشجاعة، لهويتها التاريخية إلى جانب رعاتها، متحدّية الأخطار الدينيّة والسياسيّة والإجتماعيّة والبيئية المُحدِقة بها”.²

توفّر العائلة الحبّ لأنّها “شركة حبّ وحياة عميقة” (فرح ورجاء 48). إنّها “جماعة حياة ومحبّة متماسكة” (نور الأمم 11) تقوم بإنشاء شركة أشخاص، خدمةً للحياة المساهمة في تطوير المجتمع والمشاركة في حياة الكنيسة ورسالتها. وظيفة العائلة تتجسّد في إستمرار الحياة عبر الإنجاب كما أرادها الخالق، على  أن تحيا بأمانة واقع الشراكة وحقيقتها. ويُبرهنُ عن قوّة هذه الشراكة بالمحبة التي تُسهم في بناء حضارة المحبّة.

تميّزت العائلة المارونيّة بإحتضانها للإيمان المسيحي، كما بروحها الرسولية التي تفاعلت مع معظم شرائح المجتمع وفئاته مع إنّها لا تشاركها إيمانها، فاتّصفت بالانفتاح والحوار في سبيل “العيش معًا”. ومن مهمّات العائلة المارونيّة المحافظة على كرامة سرّ الزواج المقدّس. هذه المبادئ العميقة والجميلة تجعلنا نتأمّل في هذا السرّ العظيم، سرّ حبّ الله للبشر، الذي يتجلّى في سرّ الحبّ ضمن العائلة. “إنّه لسرّ عظيم” على حدّ قول مار بولس (أفسس 5: 32).

2- الوضع الراهن للعائلة

من المؤكّد أن الألفية الثالثة تحمل طابع التطوّر والتغيير. وهذا التطوّر بدأ يلامس الجذور في العائلة المارونيّة، كما ويطال أيضًا أسس العلاقة بين الأهل والأولاد، وبين العائلة وأفراد المجتمع. كذلك طاول التغيير عالم التواصل والنظرة إلى مفاهيم الأخلاق والقيم الإنسانيّة، مع التأكيد أنّ كلّ تغيير وتطوّر يتّسمان بوجهين: واحد إيجابي والآخر سلبي.

إنّ العائلة المارونيّة في لبنان لهي كنز ثمين. فالبرغم من نتائج الحروب التي عصفت بالبلاد والتحوّلات السريعة والصعوبات الكبيرة والمخاطر المتعددة، بقيت العائلة المارونيّة متماسكة ووفية لدعوتها ورسالتها، فهي مثال للأمانة والوحدة والمحبّة.

إنّ حضارة القرن الواحد والعشرين، بسلوكيتّها المنحرفة، وتصرفاتها الغريبة، ونمطها الإستهلاكي الفاحش، ونزعتها الفردية، مع ما يرافقها من تسلط وتطوّر سريع في عالم الإتّصال والتواصل، وظهور صراع الحضارات، وتنامي الأصوليات والتطرّف الديني وأمور عصفت بالعائلة المارونيّة وتُمعن في ضرب مستقبلها ومصيرها، كما تطال بنية المجتمع ككلّ. فالعائلة مستهدفة في صميمها وكينونتها وأسسها، كما في قيمها الإنجيليّة الثابتة.

تعتبر العائلة المارونيّة بتربيتها وأمانتها قدوة وهذا ما يفسّر بقاءها متّحدة ومتماسكة في حبّها، فهي معروفة بفرادتها وتعاضد أفرادها وغناها الروحي، كما أنّها إحدى ركائز المجتمع وجوهره وقلبه. والحياة العائليّة هي خاصيّة ذات أهمية في المجتمع اللبناني. من هنا لا بدّ من العمل على تطوّر العائلة على جميع الأصعدة وذلك من خلال استنباط الوسائل الحديثة والطرائق المتجدّدة التي تجعلها تستمر في تجدّدها إنسانيًّا وروحيًّا. وهكذا تبقى أرضًا خصبة لتنامي العطف والتعاضد والأخلاق والسلام والمحبّة العميقة. وتجسّد العائلة الكنيسة البيتية التي تعيش نعمة سرّ الزواج، وتصبح جماعة إيمان وصلاة، فتساهم في بناء ملكوت الله على الأرض من خلال الكلمة والصلاة وخدمة الحياة البشرية.

وعليه، فمن غير المنطق هدر الوقت في التوقّف عند الحنين إلى الماضي، وتجاهل الهدف الأساسي، إن لم يكن الأوحد، ألا وهو السعي إلى التجدد وبناء مستقبل أفضل.

إمتازت العائلة المارونيّة بالروح الرسوليّة وتعلّقها بالوطن والأرض، كما تعلّقها بالكنيسة التي هي بالمطلق مرجعية روحيّة ووطنية وإجتماعيّة. فالهوية الوطنية للموارنة، ضمن منظومة تعدّد الطوائف، تنتمي للكنيسة الحامية لأبنائها. وكما أشرنا سابقًا فإنّ العائلة المارونيّة تواجه اليوم تحديات جمّة وعلى جميع الأصعدة. من هنا لا بدّ لراعوية العائلة أن تقرأ بعمق الواقع المستجدّ، بهدف العمل على إستنباط سبل ملائمة، من شأنها أن تحافظ على هوية العائلة ورسالتها وأن تجدّد روحانيتها كما تفهمّها ومراعاتها لبعض أوضاع المعمّدين الذين لا يلتزمون بتوجّهات الكنيسة. لا بدّ أن نلفت الإنتباه إلى معاناة العائلة المارونيّة بسبب تلك التحوّلات السريعة من النواحي الإقتصادية، الإجتماعيّة، السياسيّة والأخلاقيّة وإلى تطوّر الظروف الحياتيّة ومنها: الوضع الإقتصادي المتردّي وانتشار البطالة، وتقلّص فرص العمل وصعوبة الحصول على مسكن، وعدم القدرة على تأمين إحتياجات الحياة اليوميّة، وظاهرة الزواج المدني والمختلف، والمساكنة العلنية، وغير العلنية، وتعدد العلاقات العاطفية-الجنسية خارج إطار سرّ الزواج، وحرّية الممارسة الجنسية، واللجوء إلى تعاطي المخدرات والكحول والميسر، وازدياد القلق على المستقبل والإحباط من الواقع الأليم، ناهيكَ عن ممارسة العنف المنزلي، وتفاقم الخلافات الزوجية، والأعباء المترتبة من جرّاء عمل المرأة، والإنفصال بين الزوجين، وتراجع نسبة الزيجات، والصراعات السياسية والحزبية، والتناحر الطائفي والمذهبي، وتفشّي الفساد، والتعصب، والأصولية، وهيمنة الإعلام والإعلان لبعض البرامج والإعلانات المهدّمة، وفقدان المواطنة وروح المسؤولية، والخوف المستمرّ من عدم إستمرار وجود العائلة المسيحيّة في الوطن، وواقع الهجرة الذي ساعد على شرذمة العائلة، كذلك الهجرة الداخلية، أمور تساهم في زعزعة أسس العائلة ورسالتها ودورها في المجتمع. نرى من خلال واقع العائلة اليوم، وفي خضّم العولمة، تحوّلاً في عيش الإيمان المسيحي وممارسته، لا سيّما عدم الإلتزام بالطقوس الليتورجية والاحتفال بالأسرار المقدّسة والعلاقة العميقة مع السيّد المسيح.

من هنا حاجة العائلة الملحّة إلى تنشئة دينية ومعلومات جدّية وصحيحة، وضرورة إعلان إيمانها وعيشه بحسب تعاليم السيّد المسيح وكنيسته. فالتراجع الواضح في فهم الإنجيل وتطبيقه أدّى إلى تفاقم ظاهرة تفكّك العائلة، وبروز نزعة ماديّة وإستهلاكيّة، أدّت إلى ضياع بعض القيم الأخلاقيّة وتفشّي المظاهر الخارجية، الأمر الذي أدّى إلى خمور من العلاقات الإجتماعية. والتعلّق بالمقابل بالمفاهيم الخاطئة للحريّة، والتمسك برفض المساواة الحقيقية بين الرجل والمرأة. إضافة إلى ذلك فإنّ عدم تفهّم وتنظيم حياة المرأة المهنية يُربك حياة العائلة.

إنّ سرعة التغيير في الإطار الإجتماعي إضافة إلى الوضع الإقتصادي المتردي، إنعكس سلبًا على الحياة العائليّة، ممّا أدّى إلى زيادة الضغط والتوترات والمنازعات في ما بين أفراد العائلة، ممّا يؤثّر سلباً على كافة أفراد المجتمع. الوضع الراهن للعائلة في لبنان والشرق الأوسط متقارب جدًّا، لا سيّما فيما يتعلّق بتهديد الوجود المسيحي وإلغائه بسبب تنامي الأصوليات والتطرّف الديني وعدم قبول فكرة “العيش معًا”، والآخر المختلف.

كلّ هذه التحديات المطروحة على الكنيسة اليوم، تستدعي درس الواقع، وتبني خطة مستقبلية، وتنفيذ إستراتيجية واضحة، ممّا يعني إعداد مقترحات وإعتماد حلول عمليّة بهدف تثبيت وضع العائلة وتحسينه للحفاظ عليها، ممّا قد يحول دون تفاقم الأزمة. فتلك التحديات التي ذكرناها آنفًا تدفع براعوية الزواج والعائلة إلى معالجة بعض القضايا والصعوبات التي تواجه شبيبة الكنيسة المارونيّة وعائلاتها، إن من حيث فهم الإيمان وعيشه، وإن على صعيد هشاشة إدراك البُعد الإنساني الذي يُلزم بالتعامل معه بطريقة صحيحة وسليمة وذلك من خلال المحافظة على روح الأنسنة وتعميق الناحية الإنسانيّة، التي بدورها تؤدّي إلى إنشراح الثنائي ونمّوه من خلال حبّ صادق وعميق مبني على إحترام الآخر وقبوله والتضحية المشتركة من أجل تربية عائلة مسيحيّة موّحدة تستقي تعاليمها من الخالق.

3- المقترحات والحلول

ومن أجل بناء عائلي صلب ومتين نقترح بعض الحلول:

–       الإقتناع بضرورة الإنفتاح والعمل على الأنجلة الجديدة التي تحتاجها الكنيسة المارونيّة أكثر من أي وقت مضى، وذلك من خلال إستعمال الوسائل الحديثة والطرائق المتجددة التي تحاكي فكر المعمّد وقلبه.

–       العمل بطريقة جدّية وجديدة لعيش الإيمان وممارسته في العائلة والمجتمع، وإحيائه من خلال القول والعمل.

–       التنشئة الدائمة لأبناء الكنيسة حول الإيمان، والعقيدة، والأسرار، لا سيّما سرّ الزواج بإبراز قيمته المقدَّسَة والمقدِّسَة.

–       ضرورة إنفتاح العائلة على الإيمان لنقله لأبنائها من خلال الإنجيل والصلاة ومشاركتها في خدمة الكلمة ونشرها وذلك بصفتها “جماعة مبشرة”، كما يُطلب منها مرافقة المعمّدين غير الممارسين لإيمانهم.

–       المساهمة في عيش الفضائل الإلهيّة: الإيمان والرجاء والمحبّة، وهكذا تُسهم العائلة في تحمّل مسؤوليّة رسالة الكنيسة.

–       الدعوة إلى مواكبة التحولات والتغييرات التي تطرأ دومًا على حياة العائلة بطريقة إيجابية، من دون التنكّر لمبادئها وقيمها ورسالتها، باستنباط راعوية متجددة للعائلة، من خلال طرائق متطوّرة ووسائل جديدة، كمواكبة التطوّرات والحداثة وعصر العولمة مسارٌ جديد من أجل تدعيم حياة الشراكة العائلية، وإنعاش رسالتها وتثبيت دورها كمدرسة للفضائل والمبادئ الأخلاقية والإنسانيّة.

–       حثّ الشباب الماروني للعودة إلى الينابيع والجذور المسيحيّة، من خلال التعلّق بالقيم الإنسانيّة والأخلاقية والدفاع عن حقوق الإنسان. لا بدّ من التركيز على قدسية الحبّ، من خلال الإنتماء للكنيسة والإلتزام بتعاليمها المستقاة من الإنجيل المقدّس (فالإلتزام لا يقبَل ولا يتحمّل التجزئة أو الإنتقائية)، وإظهار كيانيّة الهوية المسيحيّة بالتمسك بسرّ الزواج والابتعاد عن فكرة الزواج المدني الذي هو بمثابة ترتيب قانوني غير كافٍ لصنع زواج ديني وروحيّ.

–       التنشئة الصحيحة على المبادئ والمفاهيم الأساسية للعائلة وللزواج، لا سيّما الإهتمام بالتربية على الحبّ من خلال التنشئة في العائلة والمدرسة والحركات الرسوليّة في الكنيسة والمجتمع.

–       العمل على جدّية الإعداد لسرّ الزواج، من خلال مراحل التحضير: البعيد، القريب والمباشر، لا سيّما تفعيل دور مراكز الإعداد للزواج، مع تطويرها وتنظيمها بشتى الوسائل المتاحة، من أجل الإعداد لزيجات ناجحة، مع التوعية على روحانية سرّ الزواج وقدسيته وأهميته في عملية الخلاص وعيش الإيمان. فالإعداد هو رابط ومساحة للأنجلة الجديدة.

–       تفعيل راعوية الزواج والعائلة ومرافقة العائلات الناشئة عن قرب للحدّ من أخطار التفكّك ومواجهة الصعوبات والأزمات بطريقة علمية وعملية وبروح مسيحيّة. فراعوية الزواج والعائلة ملزمة بتحسين تنشئة ضمير وأفكار المؤمنين وتصرفاتهم، ومرافقتهم لعيش حياة مسيحية ناجحة، دون الاكتفاء بالشكليات الإجتماعيّة والممارسات السطحية اللتان تعبّران في بعض الأحيان بطريقة غامضة ومغلوطة عن جوهر سرّ الزواج وقيم العائلة المسيحيّة. من هنا لا بدّ من التعامل برفق وحنان ورعاية خاصةً مع الأشخاص الذين يعيشون المساكنة من دون زواج مدني أو ديني، المطلّقون الذين عقدوا زواجًا جديداً مع بقاء الرباط الزوجي السابق، فلا يتمكنون من قبول سرَّي المصالحة والقربان، ناهيكَ عن معاناة الأولاد الذين يعيشون في ظلّ زواج غير شرعي، وتربيتهم، وأولئك الذين اختاروا الزواج المدني وبالتالي حرموا أنفسهم من الحصول على الأسرار، إجراء إنساني لم ولن يسمح بالمساومة على الشريعة الإلهيّة الموحاة والطبيعية، وعلى تعليم الكنيسة الرسمي مع السعي إلى العمل معهم للتوصّل إلى حلول كنسية.

–       إحياء لجان العائلات والجماعات العائلية في الرعايا التي تساهم، في مرافقة الأُسَر، في تأمين المناخات والمناسبات لممارسة الإيمان وعيش الحياة المسيحية ونشر الإنجيل.

–       نشر تعاليم الكنيسة المتعلقة بالأخلاقيات والعلوم البيولوجيّة والطبّية، مثل الإنجاب، والتبنّي، والإجهاض، والتلقيح الإصطناعي، واستعمال الواقي الذكري، وحبوب منع الحمل والمثلية الجنسية، إلى آخره…، أمور تطال الأزواج والأولاد، ممّا يحتّم السهر على تطبيق تلك المبادئ بروح الإنجيل وبحسب إرادة الخالق.

–       إنشاء مراكز للإصغاء وللمصالحة، لتأمين الإرشاد الروحي والإصغاء إلى الأزواج، من أجل إيجاد حلول لمشكلات العائلة وصعوباتها في شتّى الميادين.

–       فرض الموضوعيّة في المحاكم الكنسيّة لكي تعمل على تحقيق العدالة والإنصاف وتخفيف وطأة  النزاعات بين الأزواج بروح مسيحيّة، مع إحترام حقوق الأفراد ولا سيّما الأولاد. ممّا يلزم التفتيش على حلول مناسبة لحالات بطلان الزواج والإنفصال الزوجي.

–       مطالبة الحكومات بتأمين قوانين وتشريعات ووسائل العيش الكريم للعائلات من أجل المشاركة الفعّالة في خدمة المجتمع، كما يطلب تحديث قوانين الأحوال الشخصية وتطبيقها من قبل القضاء المدني، ممّا يساهم في تبنّي قوانين تحمي العائلة. إجراءات مماثلة تعزّز نجاح التقارب بين الطوائف.

4- الكنيسة في خدمة أبنائها

أخيرًا لا بدّ من التذكير بأنّ العائلة، ومن خلال حياة الشراكة بين الأزواج والأولاد، هي مسارٌ ومسيرة نحو القداسة. من هنا يتوجّب على العائلة أن تسهر على الفضائل الإلهيّة وتعزّز نجاح القيم الإنسانيّة والأخلاقيّة، حاملة لواء الحبّ المقدّس والسعادة “المعقولة” و”الممكنة” لأفرادها وأفراد المجتمع. إنّ العائلة المارونيّة هي مكان الأنجلة الجديدة لا سيّما في هذه المنطقة التي تمرّ بظروف صعبة وقاسية، والمهدّدة دومًا في وجودها. فالإيمان الواعي والعميق والراسخ على الصخرة يثبّت العائلة والكنيسة في هذه الأرض المقدّسة التي زارها السيّد المسيح. من هنا يقع على عاتق المسؤولين في الكنيسة المارونية السهر الدائم من أجل مساندة العائلة على جميع الأصعدة، لا سيّما في مجال إكتشاف الإيمان وإحيائه، والذي يبقى الوسيلة الأولى لتخطّي الصعوبات والتفتيش عن الحلول. فالإيمان المقرون بالأعمال الصالحة هو المبدأ والغاية لوجود الإنسان المسيحي. نذكّر بأنّ عمل الكنيسة هو إعلان الإيمان وعرضه من أجل خير الإنسان، كلّ إنسان. وعلى الدولة تأمين حياة لائقة بالمواطنين كي يمارسوا مواطنيتّهم على أكمل وجه، فيغدو البُعد الإيماني مكمّلاً روحيًّا للكيان الإجتماعي. فتأمين التعليم والعمل والمسكن والطبابة والحياة التقاعديّة أمور تقع على عاتق الدولة المولجة رعاية وتوفير سبل الحياة الكريمة إلى مواطنيها. علمًا أنّ المسيحيين، وبالأخصّ بعض الموارنة، تختلط عليهم الأمور، إذ يعتقدون أنّ كنيستهم مُلزمة بتأمين ضرورات الحياة، والتي هي أوّلاً وأخيرًا من واجبات الدولة.

إنّ أهم عوامل نجاح العائلة هو الإعداد الجيّد للزواج، من خلال مراحله ولا سيّما في مراكز الإعداد التي أوتيت من عطايا ومواهب وحسن إدارة وعلم، وعملت على توعية الشباب على أهمية دورهم الطليعي في بناء مؤسسة الزواج بهدف تأسيس عائلات لبنانيّة مسيحيّة حيّة، تبذل ما بوسعها للحفاظ على رباط المحبّة والقيم وعلى وحدة الأفراد والجماعات والحركات الرسوليّة المسيحية ونموّها في كنف العائلة. من هنا يدرك شبابنا وشاباتنا الموارنة بأنّ التواصل المستمر مع الكنيسة ومؤسساتها ولجانها يُسهم في حماية العائلة قدر المستطاع من آفات التيارات والعادات والسلوك أللأخلاقية. تؤكّد الكنيسة بأنّ الزواج رجاء يتحقق كلّ يوم من خلال الشريكين، وينمو بالزرع الصالح والتواصل العميق والحبّ الصادق، كما بالمحن والتضحيات ويتأصّل بالمسامحة ويُثمر بالوفاق المتبادل، ليبلغ الزوجان في وئامٍ متبادل إلى “قامة ملء المسيح”.

نأمل من سينودس الأساقفة الذي سينعقد في روما في تشرين الأوّل 2014 حول “التحديات الراعوية للعائلة في إطار الأنجلة”، أن يعزّز موقع العائلة ودورها في الألفيّة الثالثة، لتبقى شهادة للحبّ والتضامن من أجل مجتمع سليم مُعافى من أمراضه الكثيرة والمتزايدة.

الأب نجيب بعقليني

دكتور في اللاهوت الراعوي

أخصّائي في راعوية الزواج والعائلة

[1]   يوحنّا بولس الثاني، وظائف العائلة المسيحية في عالم اليوم، عدد 17

2 المجمع البطريركي الماروني، النصوص التوصيات، بكركي، 2006 ص.345

المراجع:

–       الكتاب المقدّس.

–       المجمع الفاتيكاني الثاني، دستور عقائدي في الكنيسة، نور الأمم.

–       المجمع الفاتيكاني الثاني، دستور رعائي الكنيسة في عالم اليوم، فرح ورجاء.

–       يوحنّا بولس الثاني، في وظائف العائلة المسيحيّة في عالم اليوم، المركز الكاثوليكي للإعلام، 1981

–       المجمع البطريركي الماروني، النصوص والتوصيات، بكركي، 2006

–       من العائلة إلى العائلة… أيّة عائلة، اليوم؟ منشورات جامعة سيّدة اللويزة، لبنان، 2002

–       التربية في العائلة: أي دور للأهل والإعلام؟ منشورات جامعة سيّدة اللويزة، لبنان، 2004

–       كلوديا أبي نادر ونجيب بعقليني، كي نبقى معًا: الزواج: واقع وآفاق، الجامعة الأنطونيّة، لبنان، 2005

–       نجيب بعقليني، الطريق إلى الزواج، الجامعة الأنطونيّة، لبنان، 2007

ملاحظة: أفكارٌ راعوية تُصلح لسينودس الأساقفة في روما (تشرين الأوّل 2014) حول “التحدّيات الراعويّة للعائلة في إطار الأنجلة”.

بقلم الأب الدكتور نجيب بعقليني / زينيت

 

عن الاتحاد الكاثوليكي العالمي للصحافة - لبنان

عضو في الإتحاد الكاثوليكي العالمي للصحافة UCIP الذي تأسس عام 1927 بهدف جمع كلمة الاعلاميين لخدمة السلام والحقيقة . يضم الإتحاد الكاثوليكي العالمي للصحافة - لبنان UCIP – LIBAN مجموعة من الإعلاميين الناشطين في مختلف الوسائل الإعلامية ومن الباحثين والأساتذة . تأسس عام 1997 بمبادرة من اللجنة الأسقفية لوسائل الإعلام استمرارا للمشاركة في التغطية الإعلامية لزيارة السعيد الذكر البابا القديس يوحنا بولس الثاني الى لبنان في أيار مايو من العام نفسه. "أوسيب لبنان" يعمل رسميا تحت اشراف مجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك في لبنان بموجب وثيقة تحمل الرقم 606 على 2000. وبموجب علم وخبر من الدولة اللبنانية رقم 122/ أد، تاريخ 12/4/2006. شعاره :" تعرفون الحق والحق يحرركم " (يوحنا 8:38 ).