أختر اللغة
الرئيسية | إعلام و ثقافة | العنبر، صَمغ متحجّر كاتم للأسرار منذ ملايين السنين
العنبر، صَمغ متحجّر كاتم للأسرار منذ ملايين السنين
العنبر، صَمغ متحجّر كاتم للأسرار منذ ملايين السنين

العنبر، صَمغ متحجّر كاتم للأسرار منذ ملايين السنين

العنبر، (المعروف أيضا بالكهرمان) صَمغ زيتيّ تفرزه الصنوبريّات ويستعمل لصنع أشياء تزيينية. ورغم أنه ليس معدنيّا، إلاّ  أنه يستخدم أحيانا كحجر كريم. ثمّة عدة “أحجار كريمة” عضوية: اللآلئ، الصّدَف أو عِرق اللّؤلؤ، السّبَج، العاج، المَرجان (الأحمر أو الأسود) وغيرها. وهناك العنبر الأزرق والعنبر الرمادي..

يُعتبر درب العنبر مع درب القصدير واحدا من أهم طرق التجارة في العصور القديمة. وكان يربط في العصر البرونزي بحر البلطيق بالأبيض المتوسط مرورا بمجاري أنهر فيسلا (بولونيا)، إلبِه (يقطع أوروبا الوسطى) والدانوب (أوروبا الوسطى والشرقية).

منذ  ذلك العصر راحت شعوب المتوسط من مصريين وإغريق وفينيقيين تستورد العنبر عبر البحر الأسود والبلطيق سالكة الطرق البرية على طول مجاري تلك الأنهر.

يعتبر العنبر مادّة ثمينة لدراسة المجموعة الحيوانية في تلك الأزمنة الغابرة وتطورها على مرّ العصور، حيث انحبست حشرات وعناكب داخل الصمغ الذي سقط على الأرض ودفن تحت طبقات طينيّة، وظلّت محفوظة تماما داخله وتُمكن مراقبته على الوجه الأكمل بالأبعاد الثلاثية  بعكس سائر الأجسام المتحجّرة.

أمّا المعلومات التي يوفّرها العنبر فلا تعدّ ولا تحصى: وهي تتيح دراسة التطوّر الجيولوجي (الخاص بعلم طبقات الأرض) والبيئوي شكليّا وكذلك نسبة الأوكسجسن الموجودة في الهواء وتركيب الماء والهواء والحرارة المكتنفة (المحيطة) والتنوّع الذي كان موجودا ومقارنتها بالعوامل الحيويّة واللاّ حيويّة . ثم إن العنبر يساعد العلماء الإختصاصيين بالحشرات وعلماء الإحاثة (يبحثون في أشكال الحياة في العصور الجيولوجية السالفة كما تمثّلها المتحجرات الحيوانية والنباتية) في فهم الظواهر البيئويّة  التي حصلت في تاريخ تطور بيئتنا.

العنبر اللّبناني

يرى البروفسور داني عازار، الاختصاصي في العلوم الجيولوجية والبيولوجية والبيئوية في الجامعة اللبنانية أن عنبر لبنان هو ثروة وطنية يمكن إضافتها الى غيرها من الموارد الغنية والمتنوّعة التي تميّز بيئتنا.

تعتبر أماكن اكتشاف العنبر اللبناني الأقدم من نوعها في العالم حتى اليوم. فمنذ وجود الديناصوريات ليس ثمّة  موقع آخر غير لبنان تمّ فيه العثور على العنبر الذي يحتوي على حشرات متحجرّة ترقى إلى العصر الطباشيري المتأخّر عندما كانت بلادنا أشبه بدلتا فسيحة حارّة ورطبة. في غابتها المداريّة الكثيفة والمظلمة كانت تنمو سرخسيّات متشجِّرة وصنوبريّات صمغيّة وأولى النباتات المُزهرة. وكان وضع لبنان الجغرافي شبه استوائيّ، ما ساعد في ظهور عدد كبير من أنواع الحشرات. في ذلك الزمن تكوّن عنبر لبنان. من هنا غِناه بالوفرة التي تشهد على تلك الحقبة. لقد تمّ اكتشاف ما يقارب الـ400 مَكمَن للعنبر على طول سلسلة جبل لبنان من بشرّي في الشمال حتى جزين في الجنوب، ما يشكّل 10% من أراضيه.

تكمن أهمية العنبر اللبنانيّ ليس فقط في قِدم أماكن اكتشافه، إنما أيضا في العصر الذي تكوّنت فيه، ذلك العصر الذي عرفت فيه البيئة واحدا من أكبر التغيّرات، كونه تميّز بظهور 90% من المجموعة النباتية الحالية: بمعنى آخر، إن العنبر اللبناني هو الوحيد الذي يرقى الى تلك الحقبة والذي يوفّر هذا النوع من المعلومات.

بفضل العنبر اللبناني أمكن تحقيقُ عدد من الاكتشافات العلمية التي تعتبر بمثابة إحصاء للمجموعتين الحيوانية والنباتية وإعادة تشكيل بيئة العصر الجيولوجي القديم وفرضيّة جديدة للنباتات. تلك الاكتشافات هي المفتاح لفهم تطور عدد كبير من فصائل الحشرات في عصرنا…

هل تعلم:

أن أقدم فراشات في العالم محفوظة في العنبر اللبناني…

أن أقدم مزاوجة  بين الحشرات قد امكن مراقبتها في عنبر لبنان …

أن أقدم طفيليات معروفة في العالم…قُراد يعيش على حشرة قد امكن مراقبته في عنبر لبنان.

أن أقدم حِرذَون هو محفوظ في عنبر لبنان.

أن أقدم مَعديّة الأرجل محبوسة في العنبر اللبناني.

يذكر أن عنبر لبنان كان وراء فكرة فيلم “الحديقة الجوراسية”.

بالرغم من الأهمية الحشريّاتية والإحاثيّة والبيئويّة التي يمتاز بها عنبر لبنان، إلاّ أن أماكن اكتشافه، بحسب البروفسور عازار، ليست محميّة كمعظم المواقع البيئوية والجيولوجية والإحاثيّة اللبنانية.

ويضيف د. عازار قائلا: مما يؤسف له أننا ما زلنا نفتقر إلى متحف للتاريخ الطبيعيّ نعرض فيه مواردنا من تلك اللّقيّات. ذلك أن عددا كبيرا من نماذج العنبر اللبناني التي تشكّل جزءا من مجموعته الخاصّة، إضافة الى أحجار معدِنية وصخور ومستحجرات  ومقتنيات زملائه قد أودِعت في متحف التاريخ الطبيعي بباريس، علاوة على المستَحجَرات العائدة للسيد بيار أبي سعد. وكلّها تعبّر عن جمال الطبيعة الجيولوجية واليئوية الذي تتميّز به تربتُنا وتعتبر جزءا من تراثنا الوطني يستحق التعريف به في بلدنا.

يلي صور عن بعض قطع العنبر التي تحتوي على ما تمّ وصفه أعلاه.

 

إعداد ايلي مخول

 

عن ucip_Admin