أختر اللغة
الرئيسية | أخبار الكنيسة | “العنف في مفهوم الدين وكيفية مواجهته” في المركز الكاثوليكي للإعلام
“العنف في مفهوم الدين وكيفية مواجهته” في المركز الكاثوليكي للإعلام
المركز الكاثوليكي للإعلام

“العنف في مفهوم الدين وكيفية مواجهته” في المركز الكاثوليكي للإعلام

عقدت ظهر أمس ندوة صحفية في المركز الكاثوليكي للإعلام، بدعوة من اللجنة الأسقفية لوسائل الإعلام حول “العنف في مفهوم الدين وكيفية مواجهته”، ترأس الندوة رئيس اساقفة بيروت ورئيس اللجنة الأسقفية لوسائل الإعلام المطران بولس مطر، وشارك فيها: المفتي الجعفري الممتاز أحمد قبلان، مدير عام الأوقاف الإسلامية سماحة الشيخ هشام خليفة، ومدير المركز الكاثوليكي للإعلام الخوري عبده أبو كسم، وحضور عدد كبير من المهتمين والإعلاميين.

رحب المطران مطر بالحضور وقال:

“قبلَ الحديثِ عن التَّناقضِ بين العنفِ الإرهابيِّ وبين دينَي المحبَّةِ والرَّحمةِ على حدٍّ سواء، نجد أنفسَنا مُضطرِّين ويا للأسف أن نستنكرَ ما جاءَ في إحدى الصُّحفِ اللبنانيَّةِ الغرَّاء نقلاً على أوساط قالت أنَّها مُقرَّبةٌ من بكركي من قولٍ منسُوبٍ لِسيِّدِها بأنَّ حزب الله هو الَّذي منعَ بسلاحِهِ وصولَ داعش إلى قضاءِ كسروان وإلى جونيه بالذَّات عاصمةِ هذا القضاء.”

تابع: “وإذْ نُذكِّرُ بالقواعد الأدبيَّةِ للعملِ الصَّحافيِّ الَّتي تفرضُ استقاءَ المعلوماتِ من مصادرِها الرَّسميَّةِ وليس عن طريقِ الإشاعاتِ والأقاويل، نلفتُ أيضًا إلى أنَّ هذا الكلامَ الملصَقَ زُورًا بغبطتِهِ لا يَمتُّ بصلةٍ إلى تفكيرِ السيِّد البطريرك ولا إلى التَّعاليم الَّتي يُعلِّمُها جهارًا وينشرُها عبرَ وسائل الإعلام منذ عشرات السِّنين حيثُ يُردَّدُ أنَّ المسيحيِّين وكذلك المسلمين، لا يبغون حمايةً لنفوسِهِم من أحدٍ بلْ جُلَّ ما يبغونه هو أن تُؤمَّنَ حقوقُهُم وكراماتُهم من قِبَلِ السُّلطاتِ الشَّرعيَّةِ المختصَّةِ ومن قِبَلِ الدَّولةِ وحدها ودون سِواها.”

أضاف: “لا بلْ أكثر من ذلك فإنَّ غبطةَ البطريرك بشارة الرَّاعي الكلِّيِّ الطُّوبى هو البطريركُ السَّابع والسَّبعون في سلسلة البطاركة الموارنة الَّذين ثبَّتوا عملَهُم مع شعبِهِم وجماعتِهِم في الكنيسةِ على مواقف يناقضُ تمامًا المقولةَ المنسوبةَ إلى البطريرك الحالي وهو السَّابع والسبعون وهي أنَّ الموارنة والمسيحيِّين في لبنانَ بخاصَّةٍ وفي الشَّرقِ بصورةٍ عامَّةٍ سَعَوا على الدَّوام وراءَ رفضِ الحمايةِ من أحدٍ ووراءَ تأمينِ هذه الحماية لهم ولغيرِهم من المواطنين على أساسِ مسؤوليَّةِ الدَّولةِ عن أمنِ الجميع. ولذلك كان همُّهم الدَّائمُ وعلى مدى مئاتِ السِّنين أن يَبنوا دولةً لهم ولإخوانهم على أرضِ الوطنِ تكون الحامِيةَ لهم جميعًا وتؤمِّنُ لهم وحدةَ المسارِ والمصير.”

تابع: “فلا يُمكن لبطريرك هو رئيس لهذه الجماعةِ اللبنانيَّةِ المعروفةِ بِمُجاهرتِها برفضِ الحمايةِ ورفضِ الحال الذمِّيَّة منذُ مئات السِّنين أن يقولَ كلامًا يُناقضُ فكرَهُ وفكرَ شعبِهِ الثَّابتِ ثباتَ الحقِّ في الدِّفاعِ عن كرامتِهِ وعن كرامةِ الإنسانِ عندَهُ وعندَ الآخرين في آنٍ. لذلك نَدعُو أخواننا أهلَ الصَّحافةِ إلى اعتمادِ الدقَّةِ في نقلِ أيِّ خبرٍ وأيَّة مَقولةٍ وإلى اللُّجوءِ إلى التَّصريحاتِ الرَّسميَّةِ للرُّؤساء وإلى ما يصدرُ عنهم بوضوحٍ ومن غير لبسٍ لئلاَّ يُسهمُوا في عمليَّةِ تضليلِ النَّاس وحرفهم عن سُبُلِ الحقِّ بلا رادِعٍ ولا مسؤوليَّة.”

وقال: “بالعودةِ إلى موضوعِ العنفِ وعلاقتِهِ بالإيمانِ، يجدرُ بنا جميعًا العودة إلى أصولِ الدِّين ومَعَانيه السَّاميةِ لِنُدركَ أنَّه لا يتآلفُ مع العنفِ أبدًا، وأنَّ العنفَ هو مُنافٍ للدِّينِ وخارجٌ عليه خروجًا كبيرًا. فالعنفُ لا يتَّفقُ مع الحرِّيَّةِ الَّتي مَنَّ بها اللهُ على النَّاس، إذْ خلقَهُم أحرارًا وجعلَهُم مسؤولين تجاهَهُ وتجاهَهُ وحده. والدِّينُ الإسلاميُّ كما المسيحيُّ يؤمنُ بهذه الحرِّيَّةِ لأنَّه يؤمنُ بالثَّوابِ والعقابِ وباليوم الآخر حيثُ يُجازي اللهُ كلَّ إنسانٍ على أعمالِهِ، لا بلْ على العكس، فإنَّ الإسلامَ يقولُ عن المؤمنين أنَّهم لا يخافون يومًا تتقلَّب فيه القلوب والأبصار لِيُجزيهم الله بما عملوا، وأنَّ الإسلامَ يذهبُ إلى قولٍ هو آيةٌ في الوضوح، «مَن شاء فليؤمن ومَن شاء فليكفر». وليس سوى الله وحده حسيب».”

أضاف: “فالعباداتُ هي لله وحدهِ وليس لأيِّ إنسانٍ شأن بعباداتِ غيرِهِ. أمَّا المعاملاتُ فمفروض بشأنها على النَّاسِ جميعًا أن يعتبرُوا بعضَهُم متساوين مع بعض. فيُقيموا السُّلطةَ المدنيَّةَ لتسييرِ شؤون الحياة الدُّنيا بما يحترمُ حقوقَ الله من جهةٍ وحقوقَ النَّاسِ من جهةٍ أخرى. أمَّا الدَّولةُ الإسلاميَّةُ فهي الدَّولةُ الَّتي نرى صورةً لها مشرقةً في عهودِ الخلفاءِ الرَّاشدين حيثُ كان الحكمُ شَورى بين المؤمنين وحيثُ كان التَّسامحُ مع أهلِ الأديان ولا سيَّما أهل الكتابِ سيِّدَ الموقفِ وحيثُ برزَ عدلُ عمر ابن الخطاب آيةً في حُسنِ التَّعاملِ مع الجميعِ بمعزلٍ عن دينِهِم وحيثُ بلغَ علي ابن أبي طالب قمَّةَ الحكمةِ في ممارسةِ الحكمِ وإقامةِ سلطةِ الدَّولة.”

وتساءل: “نحنُ اليومَ نسألُ أيَّ باحثٍ في أمور الدَّولة الإسلاميَّة إذا كانت قد تجسَّدت كلِّيًّا إلى الآن ومنذُ وجودِها؛ فنقول ما هي مكانةُ غير المسلمين في هذه الدَّولة؟ هل هُم مواطنون لإخوانهم وشركاءُ مصيرٍ معهم في السَّعي وراءَ الخبزِ ووراءَ الكرامةِ والمساواة؟ وهل يُمكن أن نتجاهلَ اليومَ بأنَّ ثلثَ المسلمين في العالمِ يعيشُ في دُولٍ غير إسلاميَّةٍ وأنَّ المسيحيِّين أيضًا يحيَون بأعدادٍ مماثلةٍ في بلدان غير مسيحيَّة؟ فكيف يكونُ التَّعاملُ العالميُّ بين الشُّعوبِ وعلى أيِّ أساسٍ يقومُ؟ هل يقومُ على العنفِ أمْ على الحقِّ وعلى الرِّضى وعلى المواثيق؟ وهل لا نرى أنَّ العنفَ هو اغتصابٌ للسُّلطةِ ونقضٌ للعلاقةِ بين البشرِ على ما يعلِّم الإسلامُ ذاته بأنَّ لا فضلَ لِعَربيٍّ على أعجميٍّ إلاَّ بالتَّقوى؟”

تابع: “أمَّا تكفيرُ النَّاس ومحاسبتُهم على أساسِ الدِّينِ والإيمانِ فهو خروجٌ عن الإسلامِ وقواعدِهِ الثَّابتة. وهذا أمرٌ ننتظرُ من أخوانِنا المسلمين مُعالجتَهُ فكريًّا قبلَ أن يُعالَجَ بالعنفِ والقوَّةِ كما يفكِّرُ البعضُ لأنَّ هذه المعالجةَ العنيفةَ بالإضافةِ إلى أنَّها لا تأتي بحلٍّ ولا تُزيلُ الخطأَ والشَّرَّ من الوجودِ، تبقى معالجةً غير دينيَّةٍ لأنَّها تخرجُ عن قواعد احترامِ حقوقِ الله في حُكمِهِ فلا إلهَ إلاَّهُ يُحاكمُ النَّاسَ ويُحاسبُهم في يومِ القيامة.”

أضاف: “على هذه الأسُسِ الرَّاسِخةِ من الدِّينِ الحاضِنِ للحرِّيَّةِ ومن الدُّنيا في توجُّهِها نحوَ احترامِ حقوقِ النَّاسِ وكراماتِهِم جميعًا نطرحُ السُّؤالَ اليومَ حولَ العالمِ العربيِّ والإسلاميِّ من حولِنا وحول تواجهاتِ بعض أبنائه في حنينِهِم إلى الخلافةِ دونَ النَّظرِ بِدَورِ هذه الخلافةِ ولا بما قدَّمتهُ الخلافةُ التَّاريخيَّةُ من قِيَمٍ وبما عرفَتهُ من تصرُّفاتٍ شخصيَّةٍ تعلَّقت بشخصِ الحاكِمين أكثر ممَّا تعلَّقت بالإيمانِ القويمِ؟”

تابع: “وليس عن سبيلِ الصُّدفِ أن يكونَ العالمُ العربيُّ اليومَ بحاجةٍ إلى إعادةِ النَّظرِ بدساتير دُوَلِه وذلك بعد مرورِ مئة عام على غيابِ السَّلطنةِ العثمانيَّةِ الَّتي حكمَتهُ باسمِ نظامِ المِلَلِ وبعد نقضِ هذا الحُكمِ من الشَّعبِ التُّركيِّ بنفسِهِ قبلَ أن ينقضَهُ الآخرون. فبدلاً من أن نغرقَ بالعنفِ في أيَّامِنا الحاضرةِ، وأن نُعِيدَ النَّظرَ بالحدودِ القائمةِ بينَ دُوَلِنا يجدرُ بنا أن نتمسَّكَ أكثر فأكثر بالحرِّيَّةِ وبكرامةِ الإنسانِ وأن نفتِّشَ معًا وعلى هذا الأساسِ عن قيمٍ للحكمِ تحفظُ حقَّ اللهِ وحقَّ الإنسانِ في آنٍ معًا. فالعنفُ المتفلِّتُ من عقالِهِ اليومَ، هو تهديدٌ لكلِّ مكتسباتِ العربِ عبرَ تاريخِهِم وهو غرقٌ في مستنقعاتِ اللاَّ عقلانيَّةِ، واللاَّ إنسانيَّةِ واللاَّ حقوقيَّةِ بشكلٍ رهيبٍ.”

وختم سيادته ” فيا أهلَ العقلِ جميعًا ويا أهلَ الحكمةِ، إنَّ التَّعاونَ فيما بينكم على حلِّ مشاكل اليوم يبقى هو الأساس لإنقاذِ البيتِ وأهلِهِ من الضَّياع. وإنَّكم لن تُحرَمُوا هذه الحكمة إذا ما طلبتموها من الرَّبِّ صانعِها، وإنَّ اللهَ الَّذي خلقَكُم بدونِكُم لا يريدُ أن يخلِّصَكُم بدونكم. فَبِيَدِكم بعض خلاصِكُم. فهيَّا على الفلاحِ جميعًا لعلَّكم تفلحون.”

 

ثم كانت مداخلة الشيخ أحمد قبلان قدم فيها نموذجاً عن حقيقة الدين الإسلامي وكل الأديان السماوية قائلاً:

“بالعقل العقائدي في الإسلام، أللهُ هو مصدر الوجود، وهو الضَّامِن الكوني والتَّشريعي للإنسان بسعة وجوديَّة الإنسان وأدوارهِ الوظيفيَّة، بعيداً عن لونِه وجنسِهِ ومعتقده. ويلزم مِن هذا المعنى أنَّ العنف كعنف  ممنوعٌ شَرْعَاً ومنبوذ، ولا يمكن أن يكتسب الشَّرعيَّة أو التَّأييد السَّمَاوِي.”

تابع: “لكن لا بُدَّ مِن تمييز العنف عن “أدوار القُوَّة”، لأنَّ الشَّرع الإسلامي حَدَّدَ للقوَّة وظائف لا بُدَّ منها، مثل حماية الفرد والجماعة والصّيغة المدنيَّة كعنوان للحقوق المحميَّة، بل وَسَّعَ مِن إطارها ليشمل حماية الضَّعيف والمظلوم مهما كان دِيْنُهُ أو مِلَّته أو اعتقاده. لدرجة أنَّ الحيثيَّة الشَّرعيَّة في العراق وسوريا أوجبت الدّفَاع عن الإيزيديين والمسيحيين والأكراد بل والملاحِدة، وسقطَ في سبيل ذلك شهداء، لأنَّ مضبط القُوَّة كعنوان للشرعيَّة يكمُن بوجوب استعمالها لردع ظُلم، أو منع مفسدة، أو ردّ باطل أو حماية حق.”

أضاف: “ويُمكِن بهذه العجالة أن أشير إلى أنَّ القوَّة وظيفة حمائيَّة أكثر منها وظيفة فعل ابتدائي، لدرجة أنَّ اللهَ طرَّزَ شرعيَّة القتال في سبيله بقوله: ((قَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ “الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ”, وَلاَ تَعْتَدُواْ, إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ)). فأكَّد أنَّ “دفعَ العدوان” هو سَبِيْلُهُ، وليس اختلاق العدوان.! لذا قيَّدَهُ بالذين يُقَاتِلُونَكم، ثمَّ قال: ((وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ)). أي لا تتجاوز مِن حَدِّ المعتدي إلى غيره. ”

وقال: “وبتعبير أصرح بالبنية الإسلاميَّة، الإسلام دِيْنُ الكلمة وليس دِينَ السَّيف، وهو قوله: ((ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ، وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ)). “

تابع: “بخلفيَّة أنَّ العلاقة مع الآخر المختلف عَقَدِيَّاً، محورُها العقل، وليس القوَّة.! على أنَّ الله تعالى حسم مطلقيَّة الجدل بقوله: ((لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ))، لأنَّ الدِّين فِعل قَلْب.!”

أضاف: “يبقى أنَّ هناك مَن يعتقد أنَّ القوَّة طموح وظيفي لِنَشر الدِِّين، وجوابه ليس في القرآن أو السّنَّة النَّبويَّة مدرك لهذا القول، لأنَّ اللهَ في معرض بيان قانون الدَّعوة حدَّد ذلك((بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ))، وقَنَّنَ الجَدَل الوجودي والأداة المعتمدة بين العقول المختلفة عقديَّاً ((بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ)) بمضبط العقول والنُّقُول التي أسَّسَت للمعروف دِيْنَاً للأخلاق المدنيَّة، وهو  واحدٌ مِن بُطُون قوله تعالى: ((فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ* لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ)): نافياً بذلك عقليَّة السَّيف أو القوَّة، لأنَّها ليست أداةً مقبولة بمضبط السَّمَاء ومرادات الدّعوة أو الإقناع.”

تابع : “نعم يبقى النِّقَاش في ردع الظُّلم، وسعة الوسيلة في ذلك، وهذا جوابُهُ بالحدِّ الفاصِل بين شرعيَّة القُوَّة وقُوَّة الشَّرعيَّة، وبهذه الحيثيَّة يتمُّ بَتر خصوصيَّة العنف عن القُوَّة، لأنَّ الأديان والعقول لا تُدِيْن مطلق القُوَّة، بل خصوص القوَّة الآثمة، أو القوَّة اللامشروعة، وينتُج عن ذلك أنَّ القوَّة التي تَنصُرُ الإيزيديين أو المسيحيين أو الأكراد في كوباني، هي قوَّة مُبَرَّرة بالعقل والنَّقل، بل مُلْزِمَةٌ بالضرورتَين.”

أضاف: “بتعبير آخر الإنسان “هو المقدَّس الأوَّل” بالفقه الوجودي الأوسع مِن فقه السُّلوك، وهو مُرَاد قوله تعالى: ((وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ)): ليس “تكريم وجود” فحسب، بل بسعة ما يعنيه ضمان الإنسان كدور وظيفي ومقصد وجودي ومحلّ أعَمِّي لكرامةِ الله تعالى. وبهذه الحيثيَّة أوجبَ اللهُ تعالى اعتماد القوَّة كضَامِن لحفظ هذا الإنسان بسَعَة حقوقِهِ، مُؤَكّداً أنَّ أية قوَّة تخالِف الشَّجرة الحقوقيَّة للنَّوع الإنساني بسعة قول الإمام علي: ((الرَّعيّة صنفان: إمَّا أخٌ لك في الدِّين أو نظير لك في الخَلق) هي عُنْفٌ مُحَرَّم ومحظور، ويجب ردعُهُ ومخالفته.”

وقال “أصرَّ الإسلام على أنَّ مقولة “إنْ ضَرَبكَ على خدِّك الأيمن، فأدِر له خَدَّك الأيسر” تصلح كضرورة أخلاقيَّة، لكنَّهَا لا تَصلُح لحماية الإنسان كقيمةٍ وجوديَّة في عالَمٍ تتناهشُهُ الذّئَاب.! بمعنى أنَّ تَرْك المسيحيين السُّوريين أو العراقيين أو الإيزيديين أمام “ذِئْب التَّكفير” كادَ يلتهمهم جميعاً، لذا وجَبَت القُوَّة المشروعة لمنع الظُّلم لا لِتَكرِيْسِهِ، وهو ما أقرَّتهُ “بيانات روما” المتتالية جرَّاء ما طال المسيحيين، أو غيرهم في سوريا والعراق.”

وقال: “الإنسان كقيمة وجوديَّة هو حيثيَّة حقوقيَّة محميَّة وواجبة الحفظ، ببعد النَّظَر عن هذا الإنسان: فرد أو جماعة أو اجتماع مدني. لذا، فإنَّ “هذا الإنسان” بهذه الحيثيّة لا يجوز ترويعه بالقوَّة لدعوة، أو لاختلاف عَقَدِي، أو لخصومة فكريَّة أو لتنفيذ مشروع سياسي، أو لغَلَبَة ديمغرافيَّة، أو لطموح جغرافي، أو لمطلب سُلطَوِي.”

وختم بالقول: “الخصومة الحقوقيَّة ليست مُبَرِّرَاً للسَّيف، بل مورداً للغَلَبَة الفكريَّة،
كما أنَّ الأداة السِّلميَّة بمختلف عناوينها هي مركز الدّعم الحقوقي في الإسلام، ومنها حقوقيَّة الفرد والجماعة بسلميَّة حياتِها، لأنّ كلَّ موطِن لا تبريرَ للقوَّةِ فيه، هو “عُنف”.

 

ثم كانت مداخلة الشيخ هشام خليفة فقال:

“لقد أولى الاسلام اهتماماً كبيراً وبالغاً لكل ما من شأنه أن يحافظ على سلامة الحياة الانسانية واستقرارها، وكل ما من شأنه أن يحمي كرامة الانسان ويصون مقومات وجوده وأمنه ورخائه لذلك نراه يركز توجيهاته لأتباعه بضرورة العناية بها، بل إننا نستطيع ان نؤكد أن كل التشريعات والقوانين التي سنها الاسلام وحد حدودها هي لحفظ وجود الانسان ولحفظ أمنه، ولقد ذكر ذلك مرات متعددة في الآيات القرآنية والأحاديث الشريفة وحذر من أن التعدي على العقل أو الروح أو العرض أو الفكر أو الملكية هو من الكبائر والعظائم والتي تهدد مرتكبها بالعقاب الشديد في الدنيا وفي الآخرة.”

تابع: “والضرب بيد من حديد على يد أي فرد أو جماعة أو مجموعة مهما كانت عددها وحجمها ومهما كانت آراؤها وادعاءاتها ان هي عملت على خرق السلم الانساني والأمن البشري في تجاوز هذه الحقوق واشاعة الاضطراب والقلق والخوف في المجتمع لذلك قال الله تعالى: )ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ)

أضاف: “قال الله تعالى نَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ) آية 33 من سورة المائدة. ولقد حدد العلماء من هم المحاربون لله ولرسوله فقالوا : إن المحارب المقصود في هذه الآية هو كل إنسان خرج في الطريق العام واشهر سلاحاً مخيفاً للناس معرضاً أمنهم وحياتهم للخطر، فإنه محارب قاطع طريق تجري عليه احكام المحاربين.”

ورأى “أن ما يحدث مؤخراً من تقدم الجماعات المسلحة وعمليات القتل والذبح والاعمال التي تؤدي الى ازهاق أرواح الأبرياء من المسلمين وغيرهم ممن دخلوا بلاد الاسلام أو من هم يعيشون بيننا ومعنا واجراماً نراه عملاً مبتوراً معاقاً ينتج إما عن نفسية وعقلية مريضة لا يستقيم تفكيرها ولا أولوياتها ولا تعي ظروف ومصالح الأمة اليوم، او هي ناتجة عن مؤامرة كبيرة وخطيرة تنفذها ايد عربية واسلامية ولكن بتخطيط وعقلية وتدبير صهيوني استعماري يسعى لفتح فجوة وخرق جدار الأمن العربي والاسلامي ليسهل عليه السيطرة على كل المنطقة الهيمنة الماكرة والخبيثة وتحطيم الهيبة والمنعة المعنوية التي تحيط ببعض الدول العربية والاسلامية. لذلك فإن فرض عقوبات قاسية على الارهابيين قد تكون رادعة لهم عن التعدي على الأبرياء والآمنين.”

أضاف: وإننا اذا عدنا لنستقرىء الأصول الاسلامية لوجدنا ان الاسلام هو اختيار إلهي اسماً ومضمونا، وما كان هذا الاختيار عن عبث أو لغو، بل ليفهم العام ان الاسلام له من اسمه نصيب، بل هو عنوان عليه وعلى كل تشريعاته، فاصل مادته السلام، وربه الذي أنزله اسمه السلام، والجنة التي وعدها بها سماها دار السلام، والتحية التي اختارها لهم تحية السلام ويوم يلقونه تحيتهم فيها سلام، وسميت عواصمهم على مدى التاريخ بدار السلام، كل ذلك لتربية اتباعه على أن دينهم هو دين السلام الحق وانهم ناشروه في العالم وبين الناس قال رسوله محمد صلى الله عليه وسلم: “افشوا السلام بينكم”.

تايع “ومن أجل أن يكون السلام حقيقياً وواقعياً وثابتاً ومصاناً من تلاعب اصحاب الاهواء والأغراض واصحاب القلوب المريضة والعقول الناقصة والنفوس الشريرة أوجب على أصحاب السلطة وعلى المجتمع كله حماية وصيانة الأمن ولو أدى ذلك الى استعمال القوة، لمنع الجرائم والتعديات، ولمنع الحروب ان لم تكن للدفاع عن الانسان وسلامته، فالاسلام هو ايضا ضد الحروب لمجرد التوسع والسيطرة او لبسط النفوذ السياسي والاقتصادي وضد حروب الانتقام والعدوان وهو ضد حروب التخريب والتدمير والإفساد.”

أضاف “إنَّ كل ظاهرة من ظواهر الخروج على الأصول الفكرية الاساسية للأمة اي التي اجمعت عليها مرجعيات الأمة عبر الأجيال والقرون، هي ظواهر سلبية مرضية لفئات تنسب نفسها للاسلام وتتصرف عكس حقيقته وروحانيته وخلاف اصوله وتعتمد الفروع الجزئية بدل الأصول الأساسية فيختل عندها الميزان وتصبح شبيهة بحركة الخوارج الأولى التي كانت ترى في نفسها من الدين والإيمان ما لا تراه في غيرها من المسلمين، بل وصل بها الأمر الى تضليل سائر الأمة واحياناً الى تكفيرها مما أجاز لها استخدام العنف والقتل. ”

وخلص في النهاية إلى القول : “إن الاسلام ومنذ اللحظة الأولى لظهوره في زمن النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، لا يعرف الاعتداء ولا الظلم ولا الارهاب، بل كان دائماً في موقف الدفاع والحماية لاتباعه بل لسلامة الانسان وان اي تعدي على ذلك يقابل من الاسلام بكل جدية وصرامة وقسوة وان اي تصرف من أي شخص حتى لو كان من المسلمين يخالف هذه الحقائق ويؤدي الى تصرفات خاطئة خالية من الحكمة والعقلانية، فهذه التصرفات تعني أصحابها فقط وهم يتحملون مسؤوليتها ونتاجها ولا تعني الاسلام كدين اختاره الله تعالى ديناً خاتماً للبشرية ولكل الانسانية ولجميع افراد الجنس البشري قاطبة.”

وختم بالقول “لذلك أصبح من الواجب اليوم على جميع الأمة حكاماً ومسؤولين أمنيين وسياسيين واعلاميين ورجال فكر ورجال دين أن تتوحد جهودهم وبكل جدية وحزم لمحاربة فكر التطرف الذي ينتج ارهاباً وعنفاً. واعمالاً اجرامية مرفوضة ومدانة من كل الشرائع والقوانين وخاصة الاسلام.”

 

واختتمت الندوة بكلمة الخوري عبده أبو كسم فقال:

“صاحب السيادة، أصحاب السماحة، تعالوا نطلق اليوم من هذا المركز نداءً إلى كل السياسيين ورؤساء الأحزاب وإلى كل اللبنانيين، ندعو فيه إلى بناء استراتيجية تحمل اسم “استراتيجية التماسك اللبناني” تؤسس لبناء جبهة لبنانية وطنية، هدفها الأول والأخير حماية لبنان من الأخطار المحدقة به، وتمتين الوحدة الوطنية، التي تشكل الدرع الحصين والسلاح الأمضى في مواجهة ما يحصل، إذ أن السلاح الفعّال لهذه المرحلة يكمن في تضامننا ومحبتنا وتماسكنا مع بعضنا البعض.”

تابع “ومما لا شك فيه أن هذا التماسك يتعزّز عبر المؤسسات الرسمية للدولة وعلى رأسها رئاسة الجمهورية، والمطلوب اليوم هو انتخاب رئيس للجمهورية، ومن ثم انتخاب مجلس نيابي، وإلاّ نحن ننتقل من فراغ إلى فراغ وهذا من شأنه أن يضرب الكيان اللبناني.”

وختم بالقول: “ما دمنا متماسكين متضامنين هكذا، فلا خوف على لبنان”.

 

 

عن الاتحاد الكاثوليكي العالمي للصحافة - لبنان

عضو في الإتحاد الكاثوليكي العالمي للصحافة UCIP الذي تأسس عام 1927 بهدف جمع كلمة الاعلاميين لخدمة السلام والحقيقة . يضم الإتحاد الكاثوليكي العالمي للصحافة - لبنان UCIP – LIBAN مجموعة من الإعلاميين الناشطين في مختلف الوسائل الإعلامية ومن الباحثين والأساتذة . تأسس عام 1997 بمبادرة من اللجنة الأسقفية لوسائل الإعلام استمرارا للمشاركة في التغطية الإعلامية لزيارة السعيد الذكر البابا القديس يوحنا بولس الثاني الى لبنان في أيار مايو من العام نفسه. "أوسيب لبنان" يعمل رسميا تحت اشراف مجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك في لبنان بموجب وثيقة تحمل الرقم 606 على 2000. وبموجب علم وخبر من الدولة اللبنانية رقم 122/ أد، تاريخ 12/4/2006. شعاره :" تعرفون الحق والحق يحرركم " (يوحنا 8:38 ).