أختر اللغة
الرئيسية | أخبار الكنيسة | الغنوصيّون ، هل هم فرع منشق عن المسيحيّة؟ هل لا زال يوجد منهم الى يومنا هذا؟
الغنوصيّون ، هل هم فرع منشق عن المسيحيّة؟ هل لا زال يوجد منهم الى يومنا هذا؟
التساؤل في الإيمان

الغنوصيّون ، هل هم فرع منشق عن المسيحيّة؟ هل لا زال يوجد منهم الى يومنا هذا؟

يُسمّون ” الغنوصيّة ” ، أو ” التيارات العرفانيّة ” . كلمة ” غنوصيّة ” يونانيّة تعني (المعرفة) . والغنوصيّ هو الذي يعرف ، وقد اختصرها أحدُ أقطابها واسمه تيودوت (القرن الثاني الميلاديّ) ، بهذه الأسئلة : من نحن ؟ ماذا أصبحنا ؟ أين نحن ؟ أين ألقيَ بنا ؟ إلى أين نحن ذاهبون ؟

هو تيّار فكريّ ، يرتكزُ على مفهوم المعرفة ، وقد وصل أوجه في القرنين الثاني والثالث للميلاد في الإمبراطوريّة الرومانيّة خصوصًا . والغنوصيّة ، تعميقٌ للميل المتأصّل في الإنسان الذي يبغي الحصول على المعرفة . وقد تأثّرت ديانات كثيرة بالغنوصيّة بشكل متفاوت ، مباشرة وبقوّة : كالمانويّة – التي بدأت في القرن 3 أواسط العراق (في بابل) على يد ماني (216 – 273 م) – والصائبة – المندائيّة التي يعني إسمها بالسريانيّة الشرقيّة ” مندا دهايي ” أي معرفة الحياة ” ، وكذلك تأثر بها تيّارات ” القبالة اليهوديّة ” ، التي يعدّها البعض شكلا من أشكال الغنوصيّة .

الغنوصيّ يعدّ العالم فخـــّا نصبته القوى الشريرة ، وإنه هو الوحيد الذي يمكنه من التملّص من هذا الكون ، وذلك بفضل ” قدحة ” المعرفة ، أي تلك الشرارة الموجودة في أعماق الإنسان السحيقة .  لكن الغنوصيّة (المعرفة الحقيقيّة) لا تعطى لجميع الناس ، لأنها نعمة إلهيّة مخصّصة للمختارين فقط . والله يعطي هؤلاء أن يتّحدوا به ، وأن يسترجعوا تلك المعرفة الحقيقيّة .

يدّعي الغنوصيّون أنّ المعرفة هي طريقُ الخلاص . لا يخلص الإنسان عن طريق وحي الله لذاته في تاريخ الخلاص ، بل عن طريق وحي داخليّ يُتيح إدراك الأسرار والخفايا ، ويتناقل أسرارَه ” العارفون ” ، أتباع البدع الغنوصيّة . ترفض الغنوصيّة الكنيسة وعلاقتها التاريخيّة والخلاصيّة بشخص يسوع المسيح . فيرى بعض الغنوصيّين في شخص يسوع المسيح مجرّد إنسان إستطاع ، بواسطة وحي داخليّ شخصيّ ، الوصول إلى معرفة الله وإدراك الحقائق الإلهيّة ، وسلّم تلاميذه أسرارَ العالم السماويّ . فيما يرى غيرهم ، أنه أحد ” الإيونات أي الكائنات السماويّ المنبثقة عن ” الكمال الإلهيّ ” .

التعليم الغنوصيّ هو تعليم ” ثنائيّ ” . الغنوصيّة كما المانويّة ، هي مبدأ الثنائيّة . فالتعليم الغنوصيّ يشكّل خطرًا مزعجًا للمسيحيّين ، إذ إنه يخلط كثيرًا بين المسيحيّة والغنوصيّة . فالتعليم الغنوصيّ (المشوب بالمسيحيّة) مثلا يقول : إنّ العالم شرير وإن الإنسان يجب أن ينفصلَ ويبتعد عنه ، وإنّ الله الحقيقيّ مجهول لا أحد يمكن أن يعرفه ، وإنّ المسيح هو مرسَل الله الحقيقيّ . والخلاص الذي أعلنه المسيح لن يتمّ ، بحسب هذه النصوص ، إلا في نهاية الأزمنة . يعتقد الغنوصيّون أنّ ” الجسد سجن ” . والمادّة شريرة ويجب التخلّص منها .

إنّ معظم الأدب الغنوصيّ المسيحيّ المكتوب في اليونانيّة قد اندثرَ بسبب رفضه من قبل الكنيسة الجامعة . لكنّنا نعرف تعاليمها من خلال الردّ عليها في كتابات آباء الكنيسة ، ولا سيّما إيريناوس أسقف ليون في القرن 2 ، وإبيفانيوس أسقف سلامينا وأوغسطينوس في القرن 4 ، وكذلك من خلال ردّ الفيلسوف أفلوطين عليها في أواسط القرن الثالث . وسنة 1945 اكتشفت في صعيد مصر في نجع حمادي على بعد100 كلم من الأقصر 49 مجلّدا من المؤلّفات الغنوصيّة في ترجمة قبطيّة ، ممّا ساعد كثيرًا على معرفة الغنوصيّة . ومن تعاليمها أيضا :

1 – الثنائيّة والإزدواجيّة : ترتكزُ على ثنائيّة في كلّ المجالات (وهي لا زالت منتشرة في عالمنا اليوم ) : فهناك إله الخير وإله الشرّ ، وهناك النور والظلمة ، والمعرفة والجهل ، والحياة والموت ، والجسد والروح .

2- فتحة المعرفة : الإنسان سجين الجسد ، وسجين العالم الذي هو ظلمة ومستنقع أوحال . فبالمعرفة يتحرّر من تلك القيود التي تأسره . في أشكال الغنوصيّة الأكثر تشدّدا ، العالم كلّه شرّ وظلمة ولا خير فيه ولا نور . ويشبّه بــ” جهنّم ” .

3 – إله الغنوصيّة : هو المطلق ، ويدعوه ” بازيليد ” ، بتأثير من اليهوديّة ، ” اللاشيء ” . فيقول : لم يكن شيئا ، لا مادّة ولا جوهرًا ، ولا – لا جوهر ، لا بسيطا ولا مركّبا ، لا مدرَكا ، ولا غير مدرَك ، لا حسيّا ولا ملاكا ولا إلهًا ، وبنوع عامّ لا شيء ممّا يحمل رسمًا ” . كلّ ما يمكن أن يقال عن الله هو خطأ .

4-  الغنوصيّة ووحدة الذات : الغنوصيّ هو الروحانيّ ، المختار ، يحيا في الروح ، فيصير رائيا ، قادرًا على تقبّل نور البهاء العقليّ .

5 – الزمن والأسطورة والرمز : موضوع الزمن هو أساسيّ في الغنوصيّة ، بسبب رؤيتها للعالم . فبعض المناهج الغنوصيّة تعتقدُ بالتقمّص ، أو بسلسلة من التطهيرات بعد الموت دون أن يتضمّن ذلك رجوعًا إلى حياة الأرض . الزمن ، في نظرهم ، هو قدرٌ محتوم ، مزيجٌ من الخير والصلاح ، لذلك فهو شرير .

في عالمنا ومجتمعنا اليوم ، نعيش الغنوصيّة مثلا : عندما يطرحُ علينا أحدهم فيقول : أيّهما أفضل : هل الذهاب إلى جمعيّة للفقراء لمساعدتهم في بعض الأعمال (أو إعطاءهم مالا وتوفير السكن لهم ) ، أم الذهاب للكنيسة كلّ يوم أحد ؟! هذه غنوصيّة ثنائيّة مدمّرة. فلماذا هذه الثنائيّة في الحياة ؟! الأفضل أن نعمل الإثنين معًا . وأيضا : هناك إمّا أبيض وإما أسود في الحياة … أوليس في الحياة ألوانٌ أخرى ! إلخ من الأمور الأخرى التي ، من خلال عيشنا الواقع اليوميّ ، نستطيع الكشف عنها .

موضوع الغنوصيّة طويل جدّا ويحتاجُ لمقالات ، لكن هذا بالمختصر فقط .

عدي توما / زينيت

عن الاتحاد الكاثوليكي العالمي للصحافة - لبنان

عضو في الإتحاد الكاثوليكي العالمي للصحافة UCIP الذي تأسس عام 1927 بهدف جمع كلمة الاعلاميين لخدمة السلام والحقيقة . يضم الإتحاد الكاثوليكي العالمي للصحافة - لبنان UCIP – LIBAN مجموعة من الإعلاميين الناشطين في مختلف الوسائل الإعلامية ومن الباحثين والأساتذة . تأسس عام 1997 بمبادرة من اللجنة الأسقفية لوسائل الإعلام استمرارا للمشاركة في التغطية الإعلامية لزيارة السعيد الذكر البابا القديس يوحنا بولس الثاني الى لبنان في أيار مايو من العام نفسه. "أوسيب لبنان" يعمل رسميا تحت اشراف مجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك في لبنان بموجب وثيقة تحمل الرقم 606 على 2000. وبموجب علم وخبر من الدولة اللبنانية رقم 122/ أد، تاريخ 12/4/2006. شعاره :" تعرفون الحق والحق يحرركم " (يوحنا 8:38 ).