أختر اللغة
الرئيسية | إعلام و ثقافة | بين حرية إبداء الرأي وحقوق الآخرين والكاريكاتور
بين حرية إبداء الرأي وحقوق الآخرين والكاريكاتور
حرية الرأي والتعبير

بين حرية إبداء الرأي وحقوق الآخرين والكاريكاتور

نحمد الله على أنها هذه المرة، حبلت عند غيرنا ولم تلد عندنا، بل كانت فقط، حيث اختتم الموضوع بمجرد مجادلات، وإن جاءت أحيانا حامية، إلا أنها بقيت بعيدة عن العنف.
لكن هل كل مرة تسلم الجرة؟
اللافت ان في بلادنا يكثر التنوع فيغنينا، لكن ترك الامور على غاربها يخشى معه ان ينقلب السحر على الساحر. ففي كل مرة تحتدم الاختلافات، تطفو على السطح مخاوف الانفجار الوخيم. فالغنى الفاحش غير المضبوط له مساوئه ايضا، وطبعا، وإلا لما سمّي فاحشا.
كثيرا ما يظهر في مجتمعنا، الغني بالاختلافات في وجهات النظر، مواقف لا يعالجها “أطباؤها” المختصون، فاما ان تترك من دون معالجة، وإما ان يدخل على الخط من لم يؤت المعرفة والخبرة لذلك، فتتفاقم الامور.
آخر موضوع (حتى الآن) عرض نفسه على الرأي العام، فأشغله، ولكن من دون أن يشعله، كان مسألة “شارلي ايبدو”، فكثر المؤيدون والمعترضون على حد سواء في كل الاتجاهات وبالنسبة لجميع المسائل المثارة.
هناك من يتساءل: هل هناك حرية لإبداء الرأي في هذا العالم، في لبنان وسواه؟ وكيف يمكن تحديد هذه الحرية؟ أين تبدأ؟ وأين تنتهي؟ والرأي يبدى بالقول او بالفعل او بالكتابة أو بالرسم او بالكاريكاتور (Caricature)… وبسائر أشكال وأنواع التعبير.
هل هذا الابداء مطلق، ومن دون حد، أم هناك حدود؟ وهل المطلق موجود في هذه الدنيا؟ أم أنه في دائرة الله فقط؟ ومن له القول الفصل في هذه الامور كلها، والذي لا بد من ان يكون موجودا؟
مشوار بسيط نقوم به في رحاب القانون وفي ضوئه، الذي ينظم حياتنا، إذ أنه المرجع الفصل في الامور الجدلية، على الرغم من تعطيل بعض دوره في شكل فاضح ومبهر للبصر والبصيرة. والكل يعلم ان هذا التعطيل يضر بشؤوننا العامة والخاصة، لكنه يسكت عن ذلك لغاية في نفس يعقوب.
منذ مطلع القرن العشرين انتشر الكلام والتشريع على الحريات العامة، ومنها حرية المعتقد والفكر والقول والكتابة… الخ، وصدرت الاعلانات الوطنية والعالمية والمعاهدات الدولية في هذا الخصوص، حتى أصبح من غير الجائز أن يتنكر لها انسان وإلا…
قد تقف انت من جانب وتقول: هذا رأيي، ويقف آخر من الجانب الآخر ويقول برأي مخالف. المهم أولا في الموضوع أن تقبل وقوف الآخر، وقوله، وأن يقبل الآخر ان تقول أنت… وبعدها يتم النقاش بالمفاضلة فيرجح الرأي “الأنفع للعيال”، لا أن تفرض رأيك او يفرض رأيه بصرف النظر عن الجهة التي تكون فيها الحقيقة والنفع للجنس البشري.
وليس بالضرورة ان يكون الحق من جهتك دائما، كما ليس بأن يكون ما تقوله أنت هو الصواب. وهنا يقتضي الحرص على ألا يشكل ما تقوله إساءة للآخر، فيدخل هنا القانون لمنعه او للمعاقبة عليه.
ففي لبنان، وفي كل الدول والمجتمعات التي قطعت شوطا طويلا في الحضارة، قوانين تحكم هذه الامور. في لبنان مثلا “قانون الموجبات والعقود” وسواه، وهي كلها تفصل علاقات المواطنين في ما بينهم. كما أن هناك قانون العقوبات وغيره من القوانين الجزائية التي تشارك في تحديد هذه الحقوق وترتب العقوبات على الاعتداء عليها او تجاوزها. ويا حبذا لو كان في لبنان مرجع يرشد الناس استباقيا الى هذه الأمور فيتجنبون ويجنّبون انفسهم والغير مضار الصدامات العقيمة.
أنت تملك حق إبداء الرأي بلا شك، ولكن سواك ايضا يملك هذا الحق وحقوقا شخصية كثيرة أخرى يحميها له القانون ولا يحق لك الاعتداء عليها والاضرار بها.
من هنا وعلى هذه الأسس يمكن قياس تصرف الناس اثناء الاختلاف في الرأي سواء كانت في مناسبة “شارلي ايبدو” او غيرها.
ولا بد من طرح سؤال عن الكاريكاتور (Caricature)، فهل هو تعبير عن الرأي أو من ضمن وسائل التعبير، ويبيح كل شيء او له ضوابط.
الكاريكاتور لم يحدد في القانون اللبناني، ولا أتيح (حتى سنة 2006) للمحاكم اللبنانية ان تحدده اجتهادا، مع انه قضية فيها الكثير من النسبية والاستنسابية التي قد تتبدل من قضية الى أخرى. فالكاريكاتور غير محظّر نشره (كما يخطر على بال البعض) لأن الغرض من نشره الترفيه عن القارئ. المهم في الموضوع كله ان نعبّر عن رأينا، بل جعل التعبير عن الرأي موجبا لا حق فقط، لكن شرط أن لا يحوي هذا التعبير ما من شأنه ان يسيء الى الآخر.
وإن أساء فليس للمتضرر سوى اللجوء الى المراجع المختصة المحددة بموجب قوانيننا، لأنها هي وبوسيلتها الوحيدة، تعالج مثل هذه القضايا، أي بالحسنى.
وبعد ذلك، بل حتى قبله، فان كل ما لا يعجبنا في هذه الدنيا “وهناك الكثير منها”، يمكننا انتقاده ورفضه والدعوة الى تطويره وتعديله دونما حاجة الى استعمال عنف الكلام، او الصورة، أو المظهر، او غير ذلك.
ويا ليتنا عندما نتصرف، نتذكر دائما المزمور المرنّم: “اجعل يا رب حارسا لفمي وباباً حريصا على شفتي”.

أستاذ مادة قانون الإعلام

المحامي عادل بطرس

 

عن الاتحاد الكاثوليكي العالمي للصحافة - لبنان

عضو في الإتحاد الكاثوليكي العالمي للصحافة UCIP الذي تأسس عام 1927 بهدف جمع كلمة الاعلاميين لخدمة السلام والحقيقة . يضم الإتحاد الكاثوليكي العالمي للصحافة - لبنان UCIP – LIBAN مجموعة من الإعلاميين الناشطين في مختلف الوسائل الإعلامية ومن الباحثين والأساتذة . تأسس عام 1997 بمبادرة من اللجنة الأسقفية لوسائل الإعلام استمرارا للمشاركة في التغطية الإعلامية لزيارة السعيد الذكر البابا القديس يوحنا بولس الثاني الى لبنان في أيار مايو من العام نفسه. "أوسيب لبنان" يعمل رسميا تحت اشراف مجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك في لبنان بموجب وثيقة تحمل الرقم 606 على 2000. وبموجب علم وخبر من الدولة اللبنانية رقم 122/ أد، تاريخ 12/4/2006. شعاره :" تعرفون الحق والحق يحرركم " (يوحنا 8:38 ).