أختر اللغة
الرئيسية | أخبار الكنيسة | تذكار ارتفاع الصليب المقدَّس
تذكار ارتفاع الصليب المقدَّس
الصليب

تذكار ارتفاع الصليب المقدَّس

بعد موت وقيامة الربّ يسوع المسيح، قام عددٌ من اليهود بدفن الصلبان الثلاثة وردم قبرِ المُخَلِّص، لإخفاء معالم الجريمة، ومحاولة إخفاء أدِلَّة القيامة من الصليب المُجَرَّد من المصلوب، إلى القبر الفارغ من زائريه. واستراح شرقنا يومها من عود الصليب لمدّة تقارب القرنين من الزمان. إلى أن قّرَّر الامبراطور قسطنطين مع أمّه القدّيسة هيلانة إيجاد الصليب، وعند العثور على الصلبان الثلاثة اقترح القدّيس كيرلُّس بطريرك أورشليم وضع جثة على الصلبان لمعرفة صليب المسيح من صلبان اللصوص، وعند وضع الجثة على الصليب الأخير عادت الحياة للميت، وتوصّلوا إلى معرفة صليب الربّ من صلبان اللصوص. عندها قامت الفرق العسكرية المكلَّفة بالبحث عن الصليب بإضرام النار على قمم الجبال كعلامة مُتَّفق على حدوثها عند إيجاد الصليب، وحدث هذا في الرابع عشر من أيلول، لذلك ما زلنا إلى اليوم نضرم النار على قمم الجبال في هذا التذكار احتفالاً بالمناسبة ولتأكيد تمسُّكنا بالصليب كما نتمسَّك بالقيامة.
قلت سابقًا إنَّ الشرق استراح من عود الصليب لمدَّةِ قرنين من الزمان، قد نكون استرحنا منه يومها، كما نستريح اليوم، إذ إنّ ما تبقّى من صليب ربِّنا يقبع في روما بعيدًا عن شرقنا وفي عناية السدّة البابوية.
نعم لقد استرحنا من صليب الربّ الخشبيّ وأبعدناه أو أُبعِدَ عنا قسرًا أو طواعيةً، وفي الحالتين ليس هذا ما يهمّنا، فمنذ أن وُجِدَ الصليب على أرضنا ونحن في هروبٍ مستمرٍّ منه، وكلّما هربنا من صليبٍ ارتفع لنا صليبٌ أخر بالمرصاد، واشتعلت النارُ فرحًا أو غَمًّا، لإبلاغ العالم بأننا وجدنا صليبنا الجديد…
فمن حسن حظِّنا أننا وُلدنا في بلاد المُخَلِّص، ومن حسن حظِّنا “أو من سوءِهِ” أن الصليب هو الجسر الوحيد إلى بلادنا في السماء! ومن غيرة الربّ على قطيعه الشرقيّ أنه لا يعدمنا جسرًا لبلوغ حضرته…
نَعَم لقد عُلِّقنا على الصليب، هذا العرش الذي ارتفع عليه ربّنا يوم أراد مخاطبة شعبه، فخاطبنا بذاته، خاطبنا بالكلمة، وما كانت الكلمة سوى الحبّ، وبهذا الحُبّ نلنا الخلاص وافتُدينا بدم ربِّنا!…
نعم لقد عُلِّقنا على راية الصليب، وهي العلم الوحيد في العالم الذي ارتوى بدم السيِّدِ، لا بدم الجنود ولا بدمِ الشعب، وهي العلم الوحيد الذي ليس لبلاده جغرافية، وليس لبلاده تاريخ يقاس بالوقت أو الزمن، فالزمن على الصليب هو زمن الخلاص!…
نعم لقد عُلِّقنا على الصليب، نحن الذين نَكْره الانكسار ونكره الهزيمة، لم يشأ لنا ربنا أن نموت نيامًا، فوهبنا الصليب لنموت كالأشجار، ونتحوَّل كالصليب إلى شجرة الحياة، وتقطفنا الأرضُ ثمرة أو علامة لأبديَّة تبدأ في أجسادنا ولا تنتهي!…
نعم لقد عُلِّقنا على الصليب، كعلامة للنهاية، ولبداية ما ليس له نهاية… لقد ارتفعنا على الخشبة في شرقٍ يعبقُ بحساباتٍ وهمية للربح والخسارة، فمَنْ مِنَالعقلاء قد يرى في صليبنا نصرًا؟! ومَن مِنّا إذا عاد إلى المنطق المتعارف عليه يقتنع بأن النصر يكمن في صليبه؟!
نعم لقد خسرنا، هُجِّرنا، ذُبحنا، نقصنا… نعم لقد هُزمنا وأضحت أجسادنا حقل اختبارٍ لكلّ أداة تعذيب ولكل وسيلة إعدام يبتدعها العقل البشريّ، نعم لقد تعبت منّا مسامير الصليب، وأضحى الخشب تحت جثثنا يَئِنُّ ويُجَنُّ من عنادنا…
ونحن لسنا مثل مَنِ ارتفع على الصليب قبلنا، قد نكون كاللصوص الذين رافقوه في لحظاته الأخيره قبل تسليمه الروح، قد نكون مرغمين على امتطاء صلباننا كما أُرغمنا على الولادة في هذا الشرق، وكما يُرغَمُ المُدان على الجلوس على كرسي الكهرباء أو على اعتلاء منصَّة المشنقة… إلا أنّ الثابت الوحيد هو الصليب، لا وبل ربّ الصليب، ويبقى لنا أن نختار، قد نموت كضحايا، وقد نُقتَلُ كالأبرياء الذين يتصدَّرون عناوين الأخبار، وقد يُصبح الكرسيّ المدولب أو فراش المستشفى صليبنا المرفوض، قد نموت موتًا لا علامة من بعده ولا قيامة، وقد يصبح الصليب خيارنا الأصيل، فيصبح الموت لعبتنا، ويصبح الردى نزهتنا…
نعم بهذه العلامة ننتصر! بصليب ربّنا ننتصر، والكلمة الأخيرة ليست لمملكة الشرّ ولا لطواغيت الأرض، فالكلمة الأخيرة لربِّنا وإلهنا يسوع المسيح، الكلمة الأخيرة محبّة! الكلمة الأخيرة وعد الربّ الصادق لنا، الكلمة الأخيرة قيامة ! وقيامة! وقيامة!
الشدياق يوسف “رامي” فاضل
النهار

عن الاتحاد الكاثوليكي العالمي للصحافة - لبنان

عضو في الإتحاد الكاثوليكي العالمي للصحافة UCIP الذي تأسس عام 1927 بهدف جمع كلمة الاعلاميين لخدمة السلام والحقيقة . يضم الإتحاد الكاثوليكي العالمي للصحافة - لبنان UCIP – LIBAN مجموعة من الإعلاميين الناشطين في مختلف الوسائل الإعلامية ومن الباحثين والأساتذة . تأسس عام 1997 بمبادرة من اللجنة الأسقفية لوسائل الإعلام استمرارا للمشاركة في التغطية الإعلامية لزيارة السعيد الذكر البابا القديس يوحنا بولس الثاني الى لبنان في أيار مايو من العام نفسه. "أوسيب لبنان" يعمل رسميا تحت اشراف مجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك في لبنان بموجب وثيقة تحمل الرقم 606 على 2000. وبموجب علم وخبر من الدولة اللبنانية رقم 122/ أد، تاريخ 12/4/2006. شعاره :" تعرفون الحق والحق يحرركم " (يوحنا 8:38 ).