أختر اللغة
الرئيسية | أخبار الكنيسة | حالة المعمّدين المطلّقين مدنيّاً تزوَّجوا مرّة ثانية وإمكانية منحهم المناولة الإفخارستيّة (3)
حالة المعمّدين المطلّقين مدنيّاً تزوَّجوا مرّة ثانية وإمكانية منحهم المناولة الإفخارستيّة (3)
الطلاق

حالة المعمّدين المطلّقين مدنيّاً تزوَّجوا مرّة ثانية وإمكانية منحهم المناولة الإفخارستيّة (3)

في القرون الأولى، فسّر معظم آباء الكنيسة هذه الجملة “أما أنا فأقول لكم إن من طلق امرأته إلا لعلة الزنى يجعلها تزني، و من تزوج مطلقة فأنه يزني” (متى 5: 32)بقولهم إنّه يحق للرجل أن يطلّق زوجته الزانيّة، ولكن من غير أن يباح لأيّ منهما بعقد زواج آخر، بل يسعيان إلى المصالحة حسب قول بولس الرسول، الذي يذكر وصيّة من السيد المسيح نفسه: “أمّا المتزوّجون فأوصيهم، لا أنا بل الرب: أن لا تفارق المرأة رجلها. وإن فارقته، فلتلبث غير متزوّجة، أو فلتصالح رجلها؛ وأن لا يترك الرجل امرأته” (1 كو 7: 10- 11). ويحكم بولس بقساوة على الزنى حيث يستسلم الانسان إلى خطيئة جسد هو هيكل الروح القدس، بعد أن افتداه المسيح (6: 15- 20).

من هذا المنظور، تمّ طرح مسألة ذات أهمية كبرى على تعاليم الكنيسة القديمة حول عدم انحلال الزواج، لأنّ الطلاق كان قد ترسخ بصلابة في العادات وفي تشاريع الوثنيين. اتخذ الكتّاب الكنسيون والآباء في القرون الثلاثة الأولى تياراً معاكساً ضد الشرائع والإجراءات الوثنيّة، سواء في الغرب أم في الشرق، مؤكّدين على عدم انحلال الزواج على أساس نصّ الانجيليّ متى الرسول الفصل التاسع عشر وسفر التكوين في الفصلين الأول والثاني. نذكر على سبيل المثال: جوستينوس، أثناغوراس، كليمنتص الاسكندري[1]، مشيرين بشكل خاصّ إلى جانب الالتزام الأدبي لرؤية المسيحية الجديدة عن الزواج، فربطوا على أساس النصّ أفسس 5، 22-33 بشكل متكرر الحياة الزواجيّة لدى المسيحيين مع صورة أمانة الله المطلقة مع شعبه وأمانة المسيح الحصريّة والنهائيّة مع كنيسته. لذا، وثاق الزواج، الطبيعي غير قابل للانحلال. وفيما بعد أصبح الاتّحاد الإلهي لا يتوقف على كونه رمزاً لاهوتيّاً للاتّحاد الزواجيّ، إنّما يمثّل أيضاً النموذج الضروري لفهم الهيكلية القانونيّة للزواج الكنسي. والأخلاق المسيحية المعلّمة من الآباء والمعاشة بشهادة مؤمني الإنجيل نجحت في معارضة التحلّل الأخلاقي في العادات، في توقيف الطلاقات وفي إعطاء مساندة صحيحة وكرامة كبرى للزواج. فالحياة المسيحية منحت للمؤسّسة الزواجيّة أكثر قيمة اجتماعية، أكثر كرامة أخلاقية وقوّة قانونيّة: الزواج هو واحد وغير قابل للانحلال الوثاق الذي يشكله رضى الرجل والمرأة الأحرار[2].

لعل أفضل وسيلة لعرض المصادر التشريعية الكنسيّة للطلاق هو اتباع تسلسلها التاريخي، من قوانين الرسل وقرارات المجامع المسكونيّة التي صاغت العقيدة في نصوص مستندة إلى الكتاب المقدس و آراء الأباء:

1-قوانين الرسل: إنّ قوانين الرسل تعدّ التنظيم الكنسي للكنائس في الإيبارشيات الشرقيّة (التي كانت مقيمة تحت الأمبراطورية الرومانيّة) على شكل قوانين. نذكر من هذه القوانين القانون 5:”لا يجوز لأسقف أو قس أو شماس أن يصرف عنه امرأته (يطلقها) بحجة الورع. فإن أبعدها فليقطع من الشركة وأن أصرّ على غيه فليسقط”[3].

يوضّح القانون الطابع الإخلاقيّ للعلاقات الجنسية والزوجيّة في الزواج الشرعيّ، ورفضه لأي انقطاع للوثاق الزواجيّ للاكليريكيين مهما كان السبب، حتّى ولو كان لهدف تصوفيّ. لكن إذا أقرّ الزوج والزوجة بملء حريتهما بالانفصال لتكريس الذات لله، هذا ليس فقط مسموح، وإنّما لا يمكن منعه بأي طريقة. فالقانون يفترض وجود حالة تخل عن الزوجات لأسباب تصوفية، وكان هذا الفعل يُعدّ جريمة خطيرة في الديانة المسيحية. وكان القصاص بإبعاد الشخص عن الحياة الاكليريكية لوقت محدد حتى يعود عن قراره. أما اذا تشبث بقراره هذا، يجب إبعاده و إسقاطه من كل درجة كنسية. هذه القاعدة تتطابق مع وصية الرّبّ: ما عدا في حالة الزنى، ليس هناك أي سبب يحول إلى تطليق الزوجة (متى 5: 32). والقديس بولس الرسول يضيف بهذا الخصوص:”لا يمنع أحدكما الآخر إلاّ على اتّفاق بينكما وإلى حين كي تتفرغا للصلاة، ثُمَّ عودا إلى الحياة الزوجيّة لئلاَّ يُجرّ بكما الشيطان لقلّة عفتكما”؛ “أأنت مرتبط بامرأة؟ فلا تطلب الفراق”(1قورنتس 7: 5 و 27). كما وأنّ القانون الخامس يصدّ بعض الشيع في ذلك الزمان والتي كانت ترفض الزواج لأنه شر (الغنوسيين، مانيكي) [4].

2-مجمع إلفيرا (اسبانيا) سنة 300-303: ق. 9: “كذلك يحظر على المرأة المؤمنة التي تركت زوجها المؤمن الزاني، وتزوجت آخر، أن تتزوّج: وإذا تزوجت فلا تقبل المناولة قبل أن يخرج من الدنيا الذي تركته أولاً، إلاّ ربما إذا استدعت (ذلك) ضرورة المرض”[5].

3-مجمع أنقرة (314): منعت قوانين هذا المجمع تعدد الزواجات ويؤكّد رفضه لزواج المطلقين: القانون 20: “اذا زنت امرأة رجل أو اذا زنى رجل نرى أن يقبل الزاني في الشركة التامة بعد قضائه سبع سنوات في درجات الندامة السالف ذكرها”. يقول هيفيله: “إن أبسط أيضاًح لهذا القانون هو أن الرجل أو المرأة إذا نقض أحدهما عهدالزواج يجب أن يقضي سبع سنوات في الندامة. على أن كثيرين لا يقبلون هذا التفسير لان النص يشير إلى عقاب الرجل لا غير[6].

4-مجمع قيصرية الجديدة (314-319): وجد مجمع قيصريّة الجديدة حالة، يرى أن الطلاق ليس بمسموح فحسب انّما هو مفروض على أعضاء الاكليروس. فقد أقرّ في القانون 8 : “إذا زنت امرأة رجل من الشعب و حكم عليها جهراً فزوجها لا يستطيع ان يدخل في الخدمة الكهنوتية. أما إذا زنت بعد سيامته فيجب عليه أن يطلقها. أما إذا أبقاها فلا يجوز له بعد أن يقوم بأي عمل من واجبات رتبته الكهنوتية”[7].

5-مجمع قرطاجة (419): مجمع عام للكنيسة الأفريقية، وكان من بين المشتركين 240 أسقفاً، منهم القديس أوغسطينوس. قوانينه تشكل جزءاً من الجسم القانونيّ الرسمي للكنيسة الشرقيّة. نصّ القانون 102: “قد استحسن المجمع أنه حسب التعليم الأنجيلي الرسولي أي رجل افترق عن امرأته أو أية امرأة انفصلت عن رجلها لا يجوز لأحدهما أن يتزوج شخصاً آخر بل يجب أن يبقى على الحالة التي هو فيها اذا لم يتصالحا. ومن يخالف هذه الشريعة يرغم على الإقامة مع التائبين”. ويجب أن نطلب إصدار شريعة امبراطورية في هذا الشأن”[8].

في عام 542 قلّص الامبراطور جوستينيانوس الأسباب الشرعية للطلاق الأحادي الجانب وألغى ذلك التوافقي, الذي أدخل من جديد في عام 566 من خليفته ميشل الثالث. كان توجّه التشريع من حقبة قسطنطين إلى حقبة يوستينانوس نحو تقليل عدد الطلاقات، ليس بمنعهما بشكل صريح لكن بعدم السماح بها إلاّ لسبب وبإنزال عقوبات ضدّ الأزواج الذين كانوا يلتجئون إليها. والأخلاق المسيحية التي علّمها آباء الكنيسة وشهد لها المؤمنون نجحت بمعارضة عادات فاسدة وكبح الطلاقات. فقد منحت المسيحية لمؤسّسة الزواج أهمية اجتماعية كبرى، كرامة أخلاقية وقانونيّة[9].

حسب القواعد التنظيمية التي تمّ اصدارها في مجمع ترولّو، التي تشكّل في الشرق نظاماً كنسيّاً خاصاً بالكنيسة اليونانيّة. القانون 87 من مجمع ترولّو ينصّ: “إنّ المرأة التي تترك زوجها وتلتصق برجل آخر تعد زانيّة كما يقول القديس باسيليوس الإلهي الذي أخذ ذلك على أحسن وجه من نبوة ارميا: “أذا سرّح الرجل امرأته فذهبت من عنده وصارت لرجل آخر فهل يرجع إليها ألا تتدنس تلك الارض تدنساً” (3: 1) وأيضاً “من امسك الزانيّة فهو ذو سفه ونفاق” (أمثال 18: 22). ولذلك فاذا تبيّن أن المرأة تركت زوجها بدون سبب فهو أهل للسماح وأما هي فمستحقة للعقاب. ويمكن أن يصفح عنه ليبقى في شركة الكنيسة. أما الذي يترك المرأة التي تزوج بها شرعاً ويأخذ امرأة غيرها فقد ارتكب جريمة الزنى حسب حكم الرب. وقد حدد آباؤنا أن من كانوا على هذه الصفة يجب أن يبقوا مع النائحين سنة ومع السامعين سنتين ومع الراكعين ثلاث سنوات وفي السنة السابعة يقضون مع المؤمنين ويحسبون أهلاً لتناول القربان الطاهر (هذا إذا تابوا بسكب العبرات)”[10].

هذا القانون-يقول سلاخس-مهمّ لأنه الوحيد الذي يشابه زنى الرجل بزنى المرأة. وفي عقلية ذلك الزمان فقط لا أمانة المرأة نحو زوجها أخذت بعين الاعتبار سواء في قانون العقوبات سواء في قانون العائلة[11]. “فكان الزنى بالنسبة للرجل، كمصطلح تقنيّ، هو فقط زنى يرتكب مع امرأة متزوجة مع آخر؛ ولم ينظر إلى لاأمانة الزوج نحو زوجته كأنّه “فحشاء”. بكل تاكيد، آباء الكبدوكيا كانوا بالإجماع مع إدانة كل تمييز بخصوص فعل الزنى. هذا بالرغم من قبول القديس باسيليوس (329-379) هذا التمييز كأمر واقع، كضرورة قانونيّة مقرّرة – يقول-“إنّها العادة”؛ إذن ضرورة قانونيّة”[12].

من المفسّرين البيزنطيين في القرن الثاني عشر، زوناراس الذي أشار عند تحليله نصّ قانون 87 من مجمع ترولّو ، إلى نصّ متى الانجيلي (5، 32): “الآباء القديسون، طبقاً لكلمة الربّ، يُعدّون المرأة التي تترك زوجها بدون سبب وتتزوج آخر، زانيّة؛ وعندما تريد العودة إلى زوجها، إذا هو لم يردها، لا تمكن أن تقبل، لأنها ملوثة. لذلك، يقول القانون إن المرأة، التي بدون سبب تترك الزوج، تستحق عقوبة كنسية، أي المقررة على الزناة…لكن، إذا هي تترك الزوج لسبب صوابي…، ستكون قابلة للعفو، وتفرض على الرجل عقوبة كنسية، لأنه سبب خطيئة المرأة…”[13].

[1] Cf. SABBARESE L., Il matrimonio canonico nell’ordine della natura e della grazia, 122.

[2] Cf. FAGIOLO V., L’influsso del cristianesimo sull’evoluzione dell’istituto matrimoniale romano, in: Ephemerdes iuris canonici, 1957, I, 57-71.

[3] راجع حنانيا الياس كسّاب، مجموعة الشرع الكنسي، ص. 851.

[4] Già l’Apostolo aveva richiamato l’attenzione del suo fedelissimo Timoteo su questo fatto: ” Negli ultimi tempi, alcuni si allontaneranno dalla fede, divenuti seguaci dello spirito d’inganno e degli insegnamenti dei demoni… impedendo di sposarsi…”. 1Tim. 4, 1-3.

[5] راجع راجع دنتسنغر-هونرمان،الكنيسةالكاثوليكيّةفيوثائقها،الجزءالأول،ترجمةالمطرانيوحنَّامنصور –الآبحنّاالفاخوري,منشوراتالمكتبةالبولسية، 2001، ص. 42.

[6] راجع حنانيا الياس كسّاب، مجموعة الشرع الكنسي، ص. 137-138.

[7] راجع المرجع السابق، ص. 147.

[8] راجع المرجع السابق، ص. 727.

[9] Cf. FAGIOLO V., “Le proprietà essenziali del matrimonio”, in: Il matrimonio sacramento nell’ordinamento canonico vigente, in: Studi Giuridici XXXI,Città del Vaticano (1993), 146.

[10] راجع حنانيا الياس كسّاب، مجموعة الشرع الكنسي، ص. 601.

[11] Cf. SALACHAS D., Il diritto canonico delle chiese orientali nel primo millennio, 276.

[12] “Per l’uomo l’adulterio in quanto termine tecnico, è soltanto l’adulterio che commette con una donna sposata con un altro; l’infedeltà di un uomo verso la propria moglie non è vista che come una semplice “fornicazione”. Certo i Padri Cappadoci erano unanimi nel condannare ogni distinzione quanto al delitto di adulterio. Ciò nonostante, san Basilio accetta questa distinzione come un dato di fatto, come una necessità giuridica stabilita-egli dice- °per consuetudine”; dunque come una necessità canonica”. Cf. PITSAKIS C., “Le droit matrimonial dans les canons du Concile in Trullo”, in: Annuarium Historiae Conciliorum 24 (1992), 184; Cf. SALACHAS D., Il diritto canonico delle chiese orientali nel primo millennio, 276.

[13] “I santi padri, secondo la parola del Signore, considerano la donna che senza ragione abbandona il proprio marito e ne sposa un altro, come adultera; e qualora essa volesse ritornare al suo marito, se egli non la vuole, essa non potrà essere accolta, poiché è già contaminata. Dunque il canone dice che la donna, che senza ragione abbandona il marito, è degna di pene canoniche, cioè quelle imposte agli adulteri…però, se essa abbandona il marito per giusta causa…., sarà scusabile, e all’uomo sarà imposta la pena canonica, poiché egli è la causa del paeccato della donna….”. Cf. SALACHAS D., Il sacramento del matrimonio nel Nuovo Diritto…, 40

الأب د. ريمون جرجس / زينيت

عن الاتحاد الكاثوليكي العالمي للصحافة - لبنان

عضو في الإتحاد الكاثوليكي العالمي للصحافة UCIP الذي تأسس عام 1927 بهدف جمع كلمة الاعلاميين لخدمة السلام والحقيقة . يضم الإتحاد الكاثوليكي العالمي للصحافة - لبنان UCIP – LIBAN مجموعة من الإعلاميين الناشطين في مختلف الوسائل الإعلامية ومن الباحثين والأساتذة . تأسس عام 1997 بمبادرة من اللجنة الأسقفية لوسائل الإعلام استمرارا للمشاركة في التغطية الإعلامية لزيارة السعيد الذكر البابا القديس يوحنا بولس الثاني الى لبنان في أيار مايو من العام نفسه. "أوسيب لبنان" يعمل رسميا تحت اشراف مجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك في لبنان بموجب وثيقة تحمل الرقم 606 على 2000. وبموجب علم وخبر من الدولة اللبنانية رقم 122/ أد، تاريخ 12/4/2006. شعاره :" تعرفون الحق والحق يحرركم " (يوحنا 8:38 ).