مقصد السواح من كلّ أنحاء لبنان والعالم… وشهد على شفاء مرضى

عكار ـ جهاد نافع
تختزن عكار الكثير من القلاع الاثرية والمعابد الدينية المسيحية والاسلامية الاقدم في العالم ورغم ذلك فان آثار عكار لا تزال دون الحد الادنى من الرعاية والاهتمام..
ولعل المعابد والاديرة المسيحية المنتشرة في ارجاء عكار كلها هي تلك التي تعود الى عهد الصليبيين والبيزنطييين ومنها المعابد التي تأسست فوق انقاض معابد فينيقية لا تزال معالمها ماثلة للعيان من جبل اكروم الى القموعة الى عرقة الى ضفاف النهر الكبير واينما اتجهت في بلدات وقرى عكارية عديدة كأن المنطقة عبارة عن متحف طبيعي لا يحتاج الا الى عناية كي تنشط السياحة بمختلف اشكالها من دينية الى علمية وتأريخية..
من هذه الاثار التي تعتبر من اهم المواقع الدينية الاثرية ولا تزال اليوم مقصدا لرواد السياحة الدينية من كل المناطق اللبنانية، دير سيدة القلعة في بلدة منجز العكارية التي تشتهر بانها تعوم على كنوز اثرية لا تزال مدفونة في باطن الارض،هذه البلدة التي اعتادت على احياء عيد سيدة القلعة في الثامن من ايلول كل عام فتتحول شوارع البلدة الى مهرجانات كبرى في باحة الدير الاثري الذي سجلت في ارجائها سلسلة معجزات لا يزال يرويها الخلف عن السلف..
تأسس الدير سنة 1128ميلادية على انقاض قلعة فيليكس في عهد الصليبيين..
تلك القلعة التي عرفت باسم فيليكس (السعيد) تقع على ضفاف وادي النهر الكبير تحيط بها غابات دهرية.
وحتى اليوم لا تزال في هذا الموقع الاثري بقايا هياكل قديمة لعبادة الاوثان مع ثلاثة آبار اصطناعية.
وقد عثر المنقبون بين هذه الهياكل على حجر اسود نقش عليه اسم الاله (فورتين) إله الحظ والاقدار عند الرومان واليونان، وعثر ايضا على نقوش لاسم يوناني واخرى نقوش تعود للعهد الاول من المسيحية سنة 1978 عثرت بعثة فرنسية نقبت بين الهياكل على موقع يحوي ادوات يعود تاريخ صنعها الى 800 الف سنة كحد ادنى بحيث يعتبر الموقع الثاني من حيث الاقدمية كموقع سابق للتاريخ. ولعل الفينيقيين شيدوا هيكلا لاحد آلهتهم فيه.
حين وصل الصليبيون الى المنطقة استولوا على القلعة ورممها اميرهم جيلبير دي بوي لوران ثم باعها لامير طرابلس ريموند سان جيل بمبلغ 450 الف فرنك بيزنطي.
بعد ذلك استولى فرسان القديس يوحنا على القلعة وبنوا فيها معبدا على اسم شفيعهم يوحنا والى اليوم تعرف باسم كنيسة القديس يوحنا.
تعرض الدير في حقبات عديدة للخراب ولثناء انتقال الملك الظاهر بيبرس الى القبيات في طريقه الى حصن عكار استولى على الدير والقلعة.
ونقلا عن رواة ان الدير شهد على شفاء مرضى كثر نذروا انفسهم للدير الذي تم نذره على اسم السيدة العذراء وان فرسان القديس يوحنا قبل ذهابهم الى القتال يضعون اسلحتهم عند اقدام السيدة العذراء لتباركها وليعودوا منصورين وكانوا يردون اسباب النصر اليها.
وقد اعتاد سكان المنطقة منذ ذلك العهد والى اليوم الى زيارة العذراء في الدير والابتهال اليها.
وتقول الرواية ان احد ابناء بلدة منجز المدعو يوسف المريض نذر السكن في الدير حتى الممات. وانه بنى كوخا في الجوار الى ان تسلمت جمعية الآباء اليسوعيين سنة 1892 الدير وجعلته مقرا للرسالة المسيحية في المنطقة.
وفي سنة 1895 انشأت الجمعية مدرسة لتعليم الاحداث ورممت الكنيسة.
وسنة 1925 تسلمت الرهبانية المارونية المدرسة وحولتها الى دير قانوني في عهد الاب العام اغناطيوس داغر.
ثم وهب احد ابناء منجز ابراهيم الخوري قطعة ارض من املاكه وجعلها ضمن وقف الدير وانشات كنيسة صغيرة من حجارة مرصوفة وفي جوارها اربع غرف للسكن واهتم يوسف المريض بالدير حتى سنة 1895 حيث اتفق الاب يوسف برنيه اليسوعي مع ابناء منجز على تجديد الكنيسة وفتح مدرسة فيها استقطبت طلاب العلم من قضاء الحصن وتلكلخ في سوريا ومن زغرتا ورشعين وقرى الجومة في عكار
وتخرج من هذه المدرسة قضاة ومحامون واطباء وبقيت المدرسة ناشطة يتخرج منها الطلاب من كل الطوائف حتى العام 1925 حيث تم تسليمها الى الرهبان اللبنانيين من الرهبان اليسوعيين.
الى اليوم لا تزال سيدة القلعة تستقطب الزائرين والسواح والمؤمنين على مدار السنة لكن في الثامن من كل ايلول تشهد اندفاع الزائرين من كل لبنان لنيل بركة سيدة القلعة العجائبية.

جهاد نافع / الديار