أختر اللغة
الرئيسية | أخبار الكنيسة | راعويّة الزواج لـ “فرح الحبّ” على المحك
راعويّة الزواج لـ “فرح الحبّ” على المحك
الزواج

راعويّة الزواج لـ “فرح الحبّ” على المحك

1- إنتظارات “متوقّعة”!
قبل صدور الإرشاد الرسوليّ حول العائلة بعنوان “فرح الحب” من قبل البابا فرنسيس (8 نيسان 2016)، وخلال سينودوسَي 2014-2015، وما جرى من مناقشات واقتراحات من قبل أساقفة الكنيسة الكاثوليكيّة بمشاركة العلمانيين: عائلات، مراقبين، وأهل اختصاص؛ كانت هناك إنتظارات لنتائج وتوصيات لأعمال المجمعَين. ترقبٌ، متابعةٌ، مرافقةٌ لخلاصة تقارير وتعاليم الكنيسة، معبّرًا عنها الإرشاد الرسوليّ “فرح الحبّ” حول العائلة.
كانت الإنتظارات مرتقبة وبشكل حثيث، لأنّ موضوع العائلة يهمّ ويطاول معظم المجتمعات والحضارات. تابع قسم كبير من سكّان الكرة الأرضيّة أعمال المشاركين وبطريقة متواصلة وجديّة، متأملين “بحلول” لبعض الإشكاليات وطروحات للمشاكل والصعوبات، التي يواجهها الزواج والعائلة معًا. لقد أخذت مواضيع: الحبّ والزواج والعائلة وما ينتج عنها إهتمامًا وحيّزًا كبيرًا في الإعلام والمجتمع والجماعات المسيحيّة. هذه المواضيع جميعها تدلّ على أهمية وضرورة العائلة والزواج والحبّ، لما تتعرَض له هذه العائلات من ضغوطات جمّة وعلى مختلف الصُعد.
قبل صدور الإرشاد الرسوليّ، كانت التكهنات كثيرة ومتعدّدة. وطُرحت الأسئلة باتّجاه المواضيع الحسّاسة والدقيقة حتى ذهب كُثر بعيدًا في التفكير: أنّ البابا سيعدّل ربما بلاهوت سرّ الزواج. انتظر أبناء الكنيسة صدور الإرشاد الرسوليّ لا سيّما في ظلّ الأوضاع الصعبة والدقيقة التي يمرّ بها العالم أجمع. فتلك الأوضاع تؤثّر على الزواج والعائلة، بطريقة سلبيّة ومؤذية، ممّا يؤدي إلى انكماش في العلاقة بين الناس وأزمات حادّة وخطرة من خلال الحياة الاجتماعيّة والروحيّة والاقتصاديّة، وبما أنّ التحديّات التي تواجه الزواج والعائلة كثيرةً، في عصرٍ بات يفقد التوازن والاستقرار، كان لا بدّ للكنيسة، من متابعة مسيرتها التعليميّة والراعويّة، بمواجهة تلك التحديّات وإعطاء التوجيهات اللازمة والضروريّة، بهدف الدفاع عن الزواج “الحرّ” و”الالتزام” المقدّس بسرّ الزواج، والمحافظة على العائلة.
نعم، كان المؤمنون ينتظرون من أعمال السينودسَين، حلول ملموسة وعمليّة (راعويّة)، للتحديّات والصعوبات والعراقيل على جميع الصُعد، التي تواجه الثنائي (المرأة والرجل) والعائلة، كما إعطاء بعض الأجوبة المُقنعة ومثال على ذلك: تفهّم أوضاع العائلات المجروحة والمتألّمة ومنهم المطلّقين والمتزوّجين ثانيةً، والتي تعيش الخيبات و”الإقصاء” و”الحرمان” من تناول القربان المقدّس. كذلك أوضاع “المطلّقين” و”المساكنة” والزواج المدنيّ و”الارتباط الحرّ” وإلى آخره (تعليم الكنيسة الخُلُقي والحياة الجنسيّة). فهؤلاء لا ينتظرون فقط معالجة “أوضاعهم”، بالاستقبال والتفهّم والإصغاء والمرافقة؛ أو بكلمات التعزية والتشجيع، أو بالإرشادات والنصائح. بل ينتظرون من آباء السينودوس امتلاك الشجاعة والقدرة والآلية لمداواة جروحاتهم، وتقديم الحلول العمليّة، والسُبُل المناسبة، والعلاجات الشافية، بفتح ثغرات في تطبيق سرّ الزواج وعيشه.
نعم، خلال فترة أعمال السينودسَين وقبل صدور الإرشاد الرسوليّ، كان المؤمنون يأملون من آباء السينودوس، أخذ خيارات راعويّة شجاعة، تكون عمليّة، وحسيّة، ومنظورة، وملموسة في ما خصّ، الإشكاليات اللاهوتيّة والقانونّية والخلقيّة والراعويّة، للصعوبات وللعراقيل والمشاكل المتراكمة.
نعم، كان من الطبيعيّ لهؤلاء الأشخاص، وبسبب التزامهم بعقيدة الكنيسة ولاهوتها وروحانيتها، أن ينتظروا “مخارج راعويّة”، من أجل عيش الأسرار وتطبيقها. كما ترقّب الذين يواجهون التحديّات والصعوبات والمشاكل على جميع الصُعد، أن يستمدّوا “بعض” الحلول واكتساب معرفة المواجهة وتحقيق دعوتهم من خلال سرّ الزواج، بالعودة إلى تعاليم الإنجيل والكنيسة.
نعم، انتظر المعمّدون من تلك الأعمال المجمعيّة، بارقة رجاء وأمل فيما خصّ التأكيد على قدسيّة الحبّ والزواج والعائلة، وذلك بنشر تلك المبادئ والمفاهيم الصحيحة التي تنبع من مشروع الخالق للبشريّة والتي جسّدها وعلّمها يسوع المسيح.
نعم، انتظر المسيحيّون من آباء السينودوس، التشديد على الإعداد لسرّ الزواج، والتربية على الحبّ والإيمان، والمتابعة الحثيثة والمرافقة المستمرة، لأوضاع المتزوّجين، لا سيّما في ما خصّ حياتهم الروحيّة، وعلاقتهم الإيمانيّة مع الله وتعاليمه. كما انتظروا، مساندة الكنيسة، لخطواتهم وخياراتهم، والسير معهم، بالرغم من الأخطاء والهفوات؛ نحو الهدف المنشود أَلاَ وهو الفرح.
نعم، انتظر المؤمنون بسرّ الزواج، من “السلطة” في الكنيسة عدم الإدانة، بل الرحمة وبثّ الأمل والرجاء، والصبر في قلوب المتزوّجين، وأفراد العائلات المسيحيّة، التي هي بحاجة دائمة إلى أن ترى أبواب الكنيسة “مفتوحة”، فتستقبلهم وتداوي جروحاتهم، وتُرشدهم نحو المخلّص والخلاص، كي يتعلّموا الانفتاح على نور الإنجيل، وعيشه من خلال شهاداتهم الحيّة، التي تنقل البشارة، ممّا يُسهم في عيش سرّ الزواج، على ضوء المسيح المُحبّ للجميع، ولا سيّما للمتعثّرين والضعفاء منهم.
2- راعويّة الزواج والعائلة
إنّ السيّد المسيح هو راعي الرعاة “أنا هو الراعي الصالح” (يو 10: 1)، كما الله أيضًا يرعى شعبه “الربُّ راعيَّ” (مزمور 23). وبما أنّ يسوع المسيح هو راعي الرعاة الأعظم، لا بدّ للكنيسة أن تستمدّ هدفها من رأس الكنيسة، أَلاَ وهو الربّ يسوع المسيح المخلّص؛ “أمّا أنا فقد أتيت لكي تكون لهم حياة أفضل” (يو 10: 10). فالحياة التي يعطيها الربّ، هي الحياة الفضلى والمليئة، التي تتوق نحو الحياة الأبدية، “أنا هو الطريق والحقّ والحياة”. نستنتج أنّ كنيسة يسوع هي الطريق إلى الحياة والخلاص، لأنّها تشكّل جسد المسيح السرّي؛ ومن خلالها، يُصبح المعمّدون والمؤمنون به، أعضاء في جسده الحيّ والمُحيي.
يستند مفهوم اللاهوت الراعويّ ومبادئه على شخص يسوع وأعماله ورسالته تجاه البشريّة جمعاء. فالذين آمنوا به بعدما التقى بهم، وتعرّفوا عليه، من خلال كلماته وعجائبه، تابع يسوع رسالته الخلاصيّة من خلال أعمال حسيّة ومنظورة وملموسة وذلك بفضل عمل الروح.
فالروح الذي وهبه للكنيسة، من أجل المشاركة في تحقيق مشروعه الخلاصيّ للعالم؛ “اللاهوت الراعويّ هو تأمل علميّ في الكنيسة التي تتكوّن كلّ يوم، بقوّة الروح، باعتبارها “سرّ الخلاص الشامل” ووسيلة حيّة للخلاص بيسوع المسيح”، بواسطة خدمة الكلمة والأسرار والمحبّة”.
إنّ فكرة العمل الراعويّ تعود إلى يسوع المسيح، الراعي الأعظم، الذي يحافظ على الرعيّة ويحرسها. فالرعيّة هي جماعة المؤمنين المعمّدين، التي تكوّن جسد المسيح السرّي بقوّة الروح القدس، وتمثّل كنيسة المسيح على الأرض. فهي جماعة شركة، تقوم على المحبّة والتضامن والإيمان والرجاء. إنّها شاهدة لمحبّة الله من خلال عيش الأسرار ولا سيّما سرّ الإفخارستيّا.
تقوم رسالة الكنيسة على العمل دومًا على ثبات المؤمنين في الجسد السرّي، واستمرار الغذاء منه بالعبادة والأسرار، كما من خلال التعليم والشركة والخدمة والبشارة والشهادة. وبهذا الخصوص تذكّر قوانين الكنائس الشرقيّة عدد 289:”بمهام العمل الراعويّ الثلاث “التعليم والتقديس والتدبير. وقد تسلَّمها الأساقفة من الربّ، بوصفهم خلفاء الرسل، ليمارسوها خدمةً مقدّسةً مع الكهنة معاونيهم”. وهذا دليل وتعبير واضح، أنّ يسوع المسيح هو راعي الرعاة، الحاضر دومًا من أجل حماية “قطيعه” وخلاصه. ويمكننا القول أنّ التنشئة والتعليم أو التربية على الإيمان تُسهم جميعها في حفظ الإيمان، وتعميقه، وتنميته، وتثبيته لدى المؤمنين. كلّ هذا يؤدّي إلى تقديس الناس بالنعمة الإلهيّة، للّذين وصلتهم البشارة السارّة من خلال التعليم والتنشئة والتبشير. وأمّا التدبير فهو تحقيق لنتائج النعمة والإيمان وممارسة الصلاة، محقّقين جماعة مسيحيّة تعيش إيمانها من خلال الشركة، والوحدة وبالأخص المصالحة والمحبّة.
بالمطلق، يتطلّب العمل الراعويّ: المحبّة، والحبّ، وعدم الإدانة، والرحمة، والاتّضاع، والحكمة (التمييز، والسهر، والتضحية، واحتمال العذاب، والفرح، والتعليم، والشهادة الحسنة)، وإلى آخره.
تنبع مبادئ ومفاهيم راعويّة الزواج والعائلة من تعاليم الكنيسة اللاهوتيّة؛ كما تطبَّق عمليًّا تلك الحقائق والصور المُستمدة من الكتاب المقدّس وشخص يسوع المسيح. “إنّ ميزة الإيمان المسيحيّ ليست في نظام لاهوتيّ، أو في استرداد أكثر أو أقل مهارة لمعطيات العلوم الإنسانيّة، كما لا نجده في عقيدة، ولكن في شخص تمّت مقابلته والاعتراف أمامه، وهو حكمة الله ونوره: يسوع المسيح”. إنّ راعويّة الزواج والعائلة هي في خدمة وتصرّف المتزوّجين والعائلة؛ بما أوتيت من معطيات، ومؤهّلات، ومقدّرات من خلال الحضور الفعّال أي: التعليم والتنشئة والمرافقة والمتابعة، من أجل تعزيز سرّ الزواج، وتثبيت الثنائيّ (الرجل والمرأة) في خياره المقدّس.
إنّها تساهم في الإعداد للزواج والمرافقة ما بعد الزواج، من أجل تدعيم الرباط المقدّس وإنجاح ذلك الالتزام أكثر، المبنيّ على الحريّة الداخليّة والإرادة الحرّة.
ومن بين الأعمال التي تقوم بها راعويّة الزواج أو الأهداف التي تحقّقها، نذكر على سبيل المثال: العمل على الإعداد لسرّ الزواج، الذي لا يهدف فقط إلى التنشئة والتدريب والتحضير لإنجاح الحياة الزوجيّة، بل أيضًا إلى تحقيق الأنجلة الجديدة، أي التبشير الجديد بالإنجيل. فهي تربّي على الإيمان أي تُحيي التنشئة الإيمانيّة والروحيّة أو تعمّقها أو تنمّيها أو تثبّتها. زِد على ذلك، الاهتمام بنشر مفاهيم الحبّ ومبادئه وتقديم المساعدة على اكتشاف، قدر المستطاع، ما يتطلّب الزواج على الصعيد الاجتماعيّ والنفسيّ والعلائقيّ وإلى آخره. “إنّ راعويّة الزواج والعائلة يمكنها أن تساعد الأزواج المستقبليّين، وخصوصًا غير الممارسين (لإيمانهم)، على التعمّق أو إعادة اكتشاف إيمانهم من خلال العمل الجماعيّ ذي الأهميّة الثلاثيّة: الإنسانيّة والأخلاقيّة والروحيّة، خصوصًا في الأوقات الصعبة. هذه الراعويّة تخدم المخطوبين من خلال وسائل جديدة وتدابير من الأنجلة الجديدة. وهذا يعني نمط حياة جديدة مشرّبة بوجود ربّانيّ يصوغ الحياة الروحيّة للعروس والعريس”.
أخيرًا يتطلّب من راعويّة الزواج والعائلة، أن تأخذ بعين الاعتبار كلّ المعطيات والأوضاع، والتغييرات وظروف الحياة التي تواجه شباب اليوم ولا سيّما المتزوّجين منهم. من هنا عليها ابتكار وسائل جديدة ومنظورة. كما رسم الاستراتجيات والخطط وتطبيق الرؤية الواضحة، من أجل تحقيق أهداف سرّ الزواج والمتزوّجين. “يجب أن تتصرّف راعويّة الزواج بشكل مختلف، وذلك باستخدام خطاب جديد وعبارات جديدة بالإضافة إلى اعتماد تدابير وأدوات جديدة، ووسائل متطوّرة، وطرق مختلفة لجعل الكنيسة أكثر حضورًا كونها مكانًا للقاء حقيقيّ بين الله والخطيبين”.
3- راعويّة “فرح الحبّ” المتجدّدة
تذكّر الكنيسة المؤمنين بأنّها أمّ ومعلّمة. وعلى هذا الأساس تعمل دومًا من أجل خلاص المعمّدين. العمل الراعويّ هو أحد الصور المعبّرة عن حقيقة عقيدة الكنيسة وحياتها.
إنّ الإرشاد الرسوليّ “فرح الحبّ”، يوضّح ويشرح ويؤكّد ويطبّق، تعاليم الكنيسة حول العائلة والزواج والحبّ، بطريقة عمليّة وواقعيّة وروحيّة وإنسانيّة. ويغوص الإرشاد الراعويّ، في التفاصيل بطريقة دقيقة، من أجل توضيح المبادئ والمفاهيم، التي تطاول عيش الحبّ والحياة المشتركة بين المرأة والرجل. إنّه إرشاد تعليمي، يصلح أن يكون عنوانًا وطريقًا، لعيش الحبّ من خلال الزواج المقدّس وبناء عائلة متضامنة، تصبو نحو الفرح المبنيّ على الإيمان والرجاء والمحبّة.
نذكّر ببعض المواضيع التي تطرّق إليها الإرشاد، وحاول المعالجة، بتقديم الإرشادات والنصائح، وعرض المعلومات الضروريّة، وإيجاد “بعض” الطرائق والوسائل، لمواجهة الصعوبات والمشاكل، بطرح “بعض” الحلول الواقعيّة والعمليّة. ومن أحد مهمّات السينودوس (2015)، إيجاد خطوط عمل واقعيّة وعمليّة من أجل راعويّة الزواج والعائلة. تحدّثت الوثيقة الإعداديّة لسينودوس الأساقفة (2013)، وتحت عنوان “التحدّيات الراعويّة للعائلة في إطار الأنجلة” عن الزيجات المختلطة، وتعدّد الزوجات، والزيجات المنظمة، وثقافة عدم الالتزام وعدم الاستقرار المفترض مسبقًا في العلاقة، وإعادة تركيب فكرة العائلة، والتيّارات الفكريّة التعدديّة النسبيّة في مفهوم الزواج، والزواج المدنيّ والمساكنة، واتّحاد المثليين، وأوضاع المطلّقين والمتزوّجين ثانية. كما عالج السينودوس من خلال أوراق العمل والمداخلات والنقاشات والحوارات ضمن فرق صغيرة قضايا: الحبّ ومبادئه، والزواج ونقل البشارة، من خلال أفراد العائلة، والتحديّات التي تواجه الأطفال والأولاد وتربيتهم، والاهتمام بالمسنين، والمشاكل الاجتماعيّة والاقتصاديّة التي تؤثّر سلبًا على حياة العائلة، وأزمة الإيمان والضغوط الخارجيّة على أفراد العائلة، ومسألة الفقر والبطالة وأخيرًا دور العلمانيّ في إعلان الإنجيل في العائلة وإلى آخره.
يعرض الإرشاد الرسوليّ “فرح العطاء”، في الفصل السادس بعنوان “بعض الامكانيّات الراعويّة”، مقترحات أكثر فاعليّة وعمليّة، لتحقيق راعويّة متجدّدة عنوانها الرحمة وعدم الإدانة، والتي تكوّنت من مسيرة السينودوس، التي ساهمت في تصوّر بضرورة البحث عن طرق ووسائل رعويّة جديدة، تؤكّد على اهتمام الكنيسة بالمحافظة والسهر على أبنائها.
ويقول الإرشاد بهذا الخصوص:”الكنيسة تتوق للوصول إلى جميع العائلات عبر تفهّم متواضع، ورغبتها “هي مرافقة العائلات وكلّ عائلة، كي تكتشف أفضل السُبُل لتخطي الصعوبات التي تواجهها في مسيرتها ]…[ فإنّ هذا يحتاج إلى مجهود في التبشير والتعليم الدينيّ داخل العائلة، مجهود يرشدها في هذا الاتجاه” (عدد 200). وركّز البابا على ضرورة تفعيل عمل الرعيّة الراعويّ، مع تحضير وتنشئة الرعاة، لمرافقة الأزواج في حياتهم. كما المساهمة الفعّالة في الإعداد لسرّ الزواج. “يجب لرعويّة ما قبل الزفاف ولرعويّة الزواج أن تكونا، قبل كلّ شيء، رعويّة الرباط الوثيق، حيث يتمّ تقديم كلّ العناصر التي تساعد سواء على إنضاج الحبّ أو على التغلّب على الأوقات الصعبة… ]…[ إنّما يجب أن تتكوّن أيضًا في مسارات عملية، ومن نصائح واقعيّة، ومن استراتيجيات مستمدة من الخبرة، ومن إرشدات نفسيّة…” (عدد 211)
وتابع الإرشاد الرسوليّ توجيهاته الراعويّة، مؤكّدًا على أهميّة وضرورة مرافقة ومتابعة المتزوّجين، في السنوات الأولى من الحياة الزوجيّة (عدد 217-225). وهنا يدعو البابا، الرعايا والحركات الرسوليّة وإلى آخره، للمساهمة في مرافقة الأزواج عبر اللقاءات، والمحاضرات، والإرشاد، وورش العمل، والمساحات الروحيّة والإنسانيّة والعلميّة والعمليّة. وكلّ هذا من أجل مواجهة الأزمات والتحديّات وحلّ “بعض” المشاكل والصعوبات على ضوء المحبّة والتسامح، (عدد 231-238) “دعونا نقترب الآن من الأزمات الزوجيّة بنظرة لا تتجاهل حجم الألم والحسرة التي تحمله” (عدد 234). وتطرّق الإرشاد إلى الأزمات الشخصيّة المرتبطة بالصعوبات الاقتصاديّة، والعمل، والعاطفة، والأزمات الاجتماعيّة والروحيّة، والعلائقيّة، والنفسيّة (قبول الآخر، والتواصل…). وعالج الإرشاد أيضًا أوضاع المنفصلين والمطلّقين من خلال المرافقة والمتابعة “يجب اعتبار الانفصال العلاج الأخير، بعد أن خابت كلّ المحاولات المعقولة الأخرى” (عدد 241). وطلب البابا كلّ الاحترام للأشخاص المطلّقين، الذين يعيشون إتّحادًا جديدًا، مع إشراكهم في حياة الجماعة الكنسيّة، وذلك بممارسة فضيلة الفطنة و”التمييز”.
يمكننا القول، بأنّ راعويّة الزواج والعائلة، التي أرساها الإرشاد “فرح الحبّ”، عزّزت الأمل والرجاء في قلوب المتزوّجين والمؤهّلين لسرّ الزواج، لا سيّما من خلال تفهّم أوضاعهم الصعبة، وبالأخص العائلات المجروحة. لقد شرّع “أبواب” الكنيسة، لاستقبال توبتهم ومساعدتهم للعودة، إلى عيش إيمانهم، وذلك تحت راية نور الحقيقة. زِد على ذلك، أصدر البابا من خلال وثيقة (قبل إصدار الإرشاد):”هو تبسيط إجراءات الإعلان المحتمل لبطلان الزواج” (عدد 244). طلب البابا “تبسيط” و”تسريع” وبقدر الإمكان مجانيًّا، معاملات بطلان الزواج.
أخيرًا، حثَّ البابا فرنسيس الآباء والأمّهات على ضرورة تعزيز تربية الأبناء وتنشئتهم على القيم الأخلاقيّة والإنسانيّة والفضائل الإلهيّة: الإيمان والرجاء والمحبّة. وذكّر الإرشاد أنّ العائلة هي المدرسة الأولى للقيم، لأنّها الإطار التربويّ الطبيعيّ، فتحدّث مطوّلاً عن التربية الجنسيّة التي تصبّ في خانة الحبّ والزواج والعائلة؛ كما عن نقل الإيمان، من خلال التربية والتنشئة الإيمانيّة، للأولاد من قبل الأهل.
“إنّ فعل نقل الإيمان إلى الأطفال …]…[ يسمح للعائلة بأن تُصبح مُبشّرة بالإنجيل” (عدد 289). “وهكذا تتكوّن العائلة كناشط في العمل الراعويّ، من خلال الإعلان الواضح للإنجيل” (عدد 290).
4- خيارات محقّقة
بعد عرضنا لواقع راعويّة الزواج والعائلة، من خلال الإرشاد الرسوليّ والراعويّ “فرح الحبّ”، ولو باختصار، يتبيّن لنا أنّ الكنيسة الأمّ، تبقى الحصن المنيع، التي تأخذ على عاتقها سرّ الزواج والعائلة. فهي تدافع عن قضايا ومبادئ مقدّسة وسامية، تخصّ البشرية جمعاء. نعم، هي تدافع عن خيارات أبنائها، وتعضدهم، وترافقهم، بالرغم من الضعف، والفشل، والتنكّر أحيانًا للحقيقة. تبقى الكنيسة بكلّ قوّتها وضعفها، الملاذ الأمين للمؤمنين، لأنّها أوّلاً كنيسة السيّد المسيح، التي تحمل الحقيقة والفرح والحبّ والغفران، كما الخلاص للمؤمنين، بالرغم من الخطايا والضياع ورفض الحياة، المعطاة من الخالق.
نجح سينودوس الآباء باختياره موضوع الزواج والحبّ والعائلة؛ فأحدث في مقرّراته وخياراته الرعويّة، خرقًا مهمًّا، في معالجة قضيّة الزواج، لا سيّما لبعض مشاكله وصعوباته، التي “تؤذي” مفاهيم الحبّ ومبادئه وطريقة عيشه. لقد عرض الواقع والتحديّات، فأتى ببارقة أمل ورجاء، يُبلسم الجروحات بإعطائه حركة واسعة من التضامن والاحترام والتفهّم وعدم الإدانة أو الحكم المُبرَم، بل بفتح “الأبواب”. لقد رفض الآباء التخلّي عن أحد، بالرغم من إعلانهم للواقع وللحقيقة؛ حقيقة مستوجبات سرّ الزواج، بتسليط الضوء على إعادة فهم مبادئ الحبّ ومفاهيمه، كما على معنى الزواج المسيحيّ المبنيّ على الوحيّ الإلهيّ.
إنّ الخيارات التي قدّمها الإرشاد الرسوليّ، لم تعتمد فقط على “النظريّات”، وإنّما على خبرات معاشة من قبل عائلات كثيرة؛ أكّدت أنّ الحبّ والزواج، بإمكانهما الاستمرار، إذا عرف الرجل والمرأة، الإصغاء إلى صوت الحبّ ومتطلبات الزواج؛ وبذلك ينعمان بالفرح. فتلك الخيارات الراعويّة عمليّة وبالإمكان تطبيقها. ومن جديد خصّص الإرشاد وخياراته في الفصل الثامن، للأشخاص المجروحين في خياراتهم الزوجيّة، طريقًا للتعامل مع حالاتهم من خلال “المرافقة” و”التمييز” و”قبول الضعف”. “إنّ الكنيسة …]…[ تعي ضعف الكثير من أبنائها… إنّ الكنيسة… تنظر بمحبّة إلى أولئك الذين يشاركون في حياتها بطريقة غير مكتملة… يجب على الكنيسة أن ترافق باهتمام وحرص أبنائها الأكثر ضعفًا، الذين يعانون من حبٍّ مجروح ومفقود، مانحة إيّاهم ثقة ورجاء…” (عدد 291). ومن أجل تحقيق هدف راعويّة الزواج من خلال الإرشاد الرسوليّ، اقترح البابا من جديد “التدرّج في الراعويّة”، “…هؤلاء الذين يشكّلون جزءًا من الكنيسة هُم بحاجة إلى عناية رعويّة رحيمة ومشجعة. في الواقع، يقع على عاتق الرعاة، لا فقط تشجيع الزواج المسيحيّ، بل ممارسة “التمييز الرعويّ حيال حالات الكثيرين من الذين لا يعيشون بعد هذا الواقع” ويتابع الإرشاد بهذا الخصوص “من المفيد، أثناء التمييز الرعويّ، “تحديد العناصر التي قد تعزّز التبشير والنموّ الإنسانيّ والروحيّ” (عدد 293). وهذا التدرّج يندرج بمحاولة إدماج الجميع وممارسة الرحمة والرأفة مع الجميع لأنّ الرحمة كما يذكر البابا “غير مستحقة وغير مشروطة ومجانيّة” (عدد 297). فهذا التدرّج ينطبق على المتزوّجين مدنيًّا والمطلّقين والمتزوّجين ثانيةً وغيرهم من حالات. فالرعاة مدعوّون لمرافقة هؤلاء الأشخاص على (وعن) طريق “التمييز” بحسب تعاليم الكنيسة مع اعتماد معايير، غير متناسين المحافظة على الحقيقة، كما عدم الإدانة، “يطلب منّا الإنجيل نفسه عدم الحكم وإدانة الآخرين (متى 7: 1؛ لو 6: 37) (عدد 308)؛ أي ممارسة الرحمة.
نعم، لقد أوجد الإرشاد الرسوليّ خيارات رعويّة ملموسة ومناسبة ومتجدّدة وناجحة وشجاعة، وعنوانها الاستقبال والاحترام والرحمة. فالرحمة لا تلغي الحقيقة والعدالة “وبالتوافق الكامل مع السنة اليوبيليّة التي تعيشها الكنيسة إنّ المفتاح المناسب لقراءة وفهم هذه الوثيقة هو منطق الرحمة الراعويّة، …]…[ أمّا الفصل الثامن فيشكّل دعوة إلى الرحمة والتمييز الراعويّ إزاء الأوضاع التي لا تجيب بالكامل على النموذج الذي يقدّمه الربّ” و”الرحمة هي ملء العدالة والظهور المنير لحقيقة الله” (عدد 311).
فالرحمة لا تلغي الالتزامات المتأتية من وثاق الزواج، والتي تستمر أيضًا حتى عندما يضعف التعبير عن الحبّ البشريّ أو انتهائه. وأخيرًا يدعو البابا إلى “أنّ المجهود الراعويّ لتدعيم الزيجات (الزواجات) واستباق الانفصال هو أهمّ من إتّباع راعويّة الفشل والإخفاقات” (عدد 307).
نعم، إنّ وثيقة “فرح الحب”، هي “دستور” للعائلة، كما أنّها تُعتبر “ميثاقًا” لعائلة الغد. فالإرشاد، يؤكّد أنّ الرجل والمرأة، بإمكانهما التغلّب على الأزمات، من خلال حصولهما على المساعدة الضروريّة، والحضور الفعّال، والمتابعة والمرافقة عبر النعمة. من هنا، توجد إمكانيّة لتطبيق الإرشاد، لأنّه يتحدّث بلغة واقعيّة، وعمليّة ورعويّة. فهو يحمل الإنجيل، لكلّ شخص ابتعد أو بعيد، من خلال إعادته بعمليّة اندماج (إدماج) تدريجيّ. الإرشاد الراعويّ، هو وسيلة وطريق الاندماج والتكامل، الذي يساعد ويسهّل لهؤلاء الأشخاص، الاقتراب تدريجيًّا، إلى أسلوب حياة الإنجيل. فإرشاد هؤلاء المؤمنين، إلى سلوك طريق التوبة، والابتعاد عن الخطيئة، والاهتداء إلى الحقيقة، كي يستعيدوا النموّ في حقيقة الحبّ. نعم، يريد الإرشاد، إعلان إنجيل العائلة، بأسلوب جديد، وبلغة جديدة. أي إعلان الزواج والعائلة أنّهما بشرى سارّة للمجتمع وللكنيسة أيضًا.
الأب نجيب بعقليني الأنطوني
أليتيا

عن الاتحاد الكاثوليكي العالمي للصحافة - لبنان

عضو في الإتحاد الكاثوليكي العالمي للصحافة UCIP الذي تأسس عام 1927 بهدف جمع كلمة الاعلاميين لخدمة السلام والحقيقة . يضم الإتحاد الكاثوليكي العالمي للصحافة - لبنان UCIP – LIBAN مجموعة من الإعلاميين الناشطين في مختلف الوسائل الإعلامية ومن الباحثين والأساتذة . تأسس عام 1997 بمبادرة من اللجنة الأسقفية لوسائل الإعلام استمرارا للمشاركة في التغطية الإعلامية لزيارة السعيد الذكر البابا القديس يوحنا بولس الثاني الى لبنان في أيار مايو من العام نفسه. "أوسيب لبنان" يعمل رسميا تحت اشراف مجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك في لبنان بموجب وثيقة تحمل الرقم 606 على 2000. وبموجب علم وخبر من الدولة اللبنانية رقم 122/ أد، تاريخ 12/4/2006. شعاره :" تعرفون الحق والحق يحرركم " (يوحنا 8:38 ).