أختر اللغة
الرئيسية | إعلام و ثقافة | رسالة الى روح غسّان تويني في يوم اللغة العربية
رسالة الى روح غسّان تويني في يوم اللغة العربية
النهار

رسالة الى روح غسّان تويني في يوم اللغة العربية

لا يمكن أن يمرّ يوم اللغة العربيّة من دون أن أحاول مطّ هذا اليوم وإسكانه معظم زماننا وإهتمامنا وجهودنا لطالما إتّفق معظمنا بأنّ الإنسان لسان أوّلاً يقول حتّى تراه. واللسان كلام ولا كلام من دون لغة بل لغو تجده لدى معظم الكائنات الأخرى. يتصفّى معظم الكلام أو كلّه ويترسّب حيّاً أبداً في أحضان اللغة العربيّة التي تبقى أداة تفكير أكثر منها أداة تعبير لحفظ الثقافة والحضارة العربيّة وضمان الترقي، خصوصاً في أزمنة التهديم المستورد.

إلتفتوا نحو الشمال واسألوا ؟ أين هي لغة سقراط وأرسطو وأفلاطون وفكر الاغريق وفلسفاتهم؟
ماتت بعدما إنحدرت الى الحضيض وتمّ وضعها في الزاوية بمرسوم جمهوري، وأصبحت مثل اللاتينية مهملة ولا يفهمها أحد من أبناء الإغريق اليوم.
هذا هو منحاي، أنا العربي المسكون بلغتي العربية. أسكن فيها وتسكن فيّ وأنكّس لها كل البيارق والأعلام والهامات وهي اليوم في أمكنة ناسكة لما يحلّ بها وبأهلها من جروح وتهشيم، ويجرحها كما يجرحني في صميم القلب اللغو المقصود والمكابر المسطّح لدى الكثير من الكتّاب والإعلامين والسياسيين ورجال القانون والقضاة وأساتذة المدارس والجامعات وبالطبع تلامذة وطلاب كثيرين من أبناء العرب الذين يجادلونك، خصوصاً في لبنان مثلاً، في التفريق أو الجمع بين صفتي اللبنانيّة والعربيّة عند التطرّق الى مواضيع تهمّ اللغة العربيّة.
وأعتبرتُ وكنت ما زلت أعتبر أن تلك المجادلات العلنيّة لا تضيف خردلةً الى لغة الضاد مثل حنون اللبناني الذي لم يضف إعلان إسلامه الى المسلمين خردلةً.
لكنّني أكثر من خائف، وأعترف من مسكني أيضاً وأمامي حصيلة عقودٍ من الإقامة الممتعة والجميلة بين بيروت وباريس في التعليم الجامعي والعمل البحثي المضني والصحافة مع أجيالٍ من طلاّبي وأكثر من فريق بحثي لأخرج الى النور في الـ2000 أطروحة الدكتوراه الثانية في الإعلام بعنوان: “الإعلام العربي وإنهيار السلطات اللغوية”، والدوافع إليها لا مجال لها في هذه الفسحة مختصرها الرطانة والضعف والسقوط في العاميات والإندلاقة الهائلة في ثقافة السبابات الناقرة فوق الشاشات المتنوعة والمتعددة التي تجرجر اللغة في أزقّة الكلام.
وعلى الرغم من شبه الإنقراض لمجامع اللغة العربية، وكان جدّنا فارس الخوري أحد مؤسّسي مجمع دمشق وبارعاً فخوراً في المجال، أقرأ عن صدور مرسوم أميري بإنشاء وتنظيم المجمع العلمي للغة العربية في الشارقة يرعاه بشغف لافت، كما أتابع، “الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي الذي يشغل اليوم… مكانة رفيعة بين القياديين والمثقفين العرب”. مبادرة مفرحة في زمنٍ عربي متعطّش لملامح الفرح البسيطة وأمام المبادرة تحديات لا يمكن وصفها في صيانة اللغات.
ويفرحني أيضاً أن أنشر رسالة عثرت عليها بالصدفة الى شيخ الصحافة والسياسة واللغة الرصينة الأستاذ غسّان تويني، رحمه الله، تعود الى آخر أيلول 1999 لم تنشر. حان وقت نشرها، كما أعتقد، بمناسبة، يوم اللغة العربيّة التي تنهال عليها سيول الإجتياحات.
كان الدافع إلى هذه الرسالة الخطيّة إليه، تندّر غسّان الضحوك في أكثر من لقاء في دارته في بيت مري حول مقالةٍ يوميّة كانت تستفزّني على الصفحة الأولى من جريدة “النهار” تنشر بالمحكية اللبنانية وتوقّع بإسم مستعار هو “زيّان”. وأحياناً كان ينشر في الزاوية عينها عند غياب زيّان كاتب آخر كان يوقّع بإسم: أ.ي.
تيقّنت أنّ غسّان تويني هو الألف والياء وكاتب تلك الزاوية بالعامية عند غياب زيّان. سألته. تأكّدت، وأفضى نقاشنا المتكرّر بأنّ لساننا الأوّل هو الألف والياء منذ خروجنا الفصيح على رأس القبائل المستقيمة عبر إمتداد الصحراء نحو الشمال.
وهذا نص الرسالة:
جانب الأستاذ أ.ي. المحترم
لا أعرف بالضبط السبب الذي يدفعك الى أن “تشكّ” (التعبير لغسّان تويني) مكان “زيّان” في الصفحة الأولى، فيسيل حبرك ويرتخي مسراه في عاميّةٍ مفعمة بالكفت مقابل الكبت وأنت الصديق الحاضر لغةً وأدباً. ألأنّ من يقطع دروب الثقافة والحضارة والسياسة والصحافة من ألفها الى يائها، قد يبقى بالسليقة في اللسان الأوّل؟ لا أدري مع أنّ “زيّان” يفاخر برخاوة حبره في الصور والحريّة في إطلاق اللحى لنصوصه ومع هذا، فهي لم تصل الى جرأتك أعني الكتابة بين البداية والنهاية كما ارتضيت.
قد تغفل أنّك على الصفحة الأولى من “النهار” في “نهاريات”، أي أنّك مقيم في لمعة عين الديك الأولى إذ يصافح الفجر؟ والشائع أنّ “النهار” سلطة من سلطات الفصحى والمرجع الموزون في الصحافة والسياسة والقرارات الكبرى؟
هل العربيّة في طريق “انهيار” مداميكها في لبنان وبدءاً منه؟ وضعت إنهيار يا سيّدي بين قوسين لأنّني أتلمّس حكماً حركة اللغة نحو الأسفل. إنّه مجرى الحبر السائل لا يعود الى منبع قريش أبناء عمومتنا من الغساسنة والمناذرة .
هل تضمر اللغات في عصر الكاسيت والتخزين الضوئي والإنترنت؟ وما مصائر الفتح والنصب والكسر والسكون وغيرها من الثوابت مع سرعة الإشارات الخارقة في تقنيّات الإعلام والإتّصال والتواصل؟ لماذا يرتبك الكتّاب ويرتجف السياسيون أما الحركات فيدخلون الى دوائر التسكين فيحتمون.
أتحمل العربيّة من المنعة والصلابة للإستمرار في ألسنة أولادنا وأحفادنا؟ وهل أنّ إشكاليات الفصحى والعامية تحسم، في رأي حبرك، لمصلحة الإيصال الأقرب، كما تظنّ أحياناً، إلى الجسد كما أفصحت لي؟
هذا الجسد اللبناني الذي نزل الى الساحة شبه عارٍ حاشراً منقاره الطري في حروب البواشق، ألا يكفيه هذه الثخون، إلاّ إذا كان يخرج ليلثغ مجدداً مثل الأطفال فيسيل دمه ويتلعثم بلسانه؟
هل الصحيفة وسيلة تمطّ عنقها نحو لغة الشاشات في ظنّ منها أنّها تربط اللغة بالحياة؟
إنّني صيّاد. أشكّ قصبتي منذ عشرين في بحر الحبر العربي بحثاً عن النصوص الصحفية الرخوة المفاصل. نادر صيدها، لكنّني أعبئ سلالي أحياناً من شعرات الإعلانات تملأ الجدران والساحات والإنتباه برخوياتها اللغوية، وها إنّني أتكدّر في صفحة نهارك الأولى بما هو من نوعها، وكأنّني لست أصدّق.
ولأنّني مثلك أتسلّح بالفصحى وقاف اللسان وأغاني الأندلس في منشوراتي وأبحاثي ورحلاتي العلمية، فإنّني أغنّي لك كي لا يعود زيّان سريعاً أو يطول سفره أو يستقيل كي لا أقرأ لك مجدداً نصوصاً رخوة في صدر “النهار”.
طال السفر أم قصر، فإنّ شباكي متخمة بحبي لك الكبير، وبهياكل أبحاثي الطويلة حول مستقبل العربيّة في قرن الإنهيارات.
أبحث عن لسان جدّي قبل أن يداهمنا الخراب كما الإغريق وستكون النسخة الأولى من أطروحتي بين يديك.
نسيم الخوري
النهار

عن الاتحاد الكاثوليكي العالمي للصحافة - لبنان

عضو في الإتحاد الكاثوليكي العالمي للصحافة UCIP الذي تأسس عام 1927 بهدف جمع كلمة الاعلاميين لخدمة السلام والحقيقة . يضم الإتحاد الكاثوليكي العالمي للصحافة - لبنان UCIP – LIBAN مجموعة من الإعلاميين الناشطين في مختلف الوسائل الإعلامية ومن الباحثين والأساتذة . تأسس عام 1997 بمبادرة من اللجنة الأسقفية لوسائل الإعلام استمرارا للمشاركة في التغطية الإعلامية لزيارة السعيد الذكر البابا القديس يوحنا بولس الثاني الى لبنان في أيار مايو من العام نفسه. "أوسيب لبنان" يعمل رسميا تحت اشراف مجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك في لبنان بموجب وثيقة تحمل الرقم 606 على 2000. وبموجب علم وخبر من الدولة اللبنانية رقم 122/ أد، تاريخ 12/4/2006. شعاره :" تعرفون الحق والحق يحرركم " (يوحنا 8:38 ).