أختر اللغة
الرئيسية | إعلام و ثقافة | رياح الشرق رياح الغرب: أسطورة من أساطير الشرق الأقصى
رياح الشرق رياح الغرب: أسطورة من أساطير الشرق الأقصى
رياح الشرق رياح الغرب: أسطورة من أساطير الشرق الأقصى

رياح الشرق رياح الغرب: أسطورة من أساطير الشرق الأقصى

كأنّنا نقرأ أسطورةً من أساطير الشرق الأقصى ونحن نتفحّص رواية «رياح الشرق..رياح الغرب»، التي تشبه الحكاية الخرافية في أحداثها، ولكن العجب فيها أنّها مأخوذة من صلب الواقع الصيني الذي تدور في إطاره الحكاية.

الكاتبة بيرل باك، الحائزة على جائزة نوبل، هي أميركية الأصل ولكنّها عاشت أيام صباها في الصين واختبرت الحضارة وعاداتها الغريبة فيها، واقتبَست منها شخوصَ روايتها فحمَّلتها الكثير من الهموم التي تَصدَّع بها المجتمع الصيني في ذلك الحين…

حين كانت الفتاة مجبَرةً على ربط قدميها وتقييدهما بالأربطة حتى تبدوَا بشكلٍ مبهِر مِثل الدمية الصغيرة، بغضّ النظر عمّا تعانيه الفتاة من الوجع اللامحتمل الذي كان يودي بها في بعض الأحيان نحو الموت المفجع.

رجعية في الحياة

كواي لان بطلة الرواية، هي فتاة صينية اعتادت على هذا النمط الرجعي من الحياة، حيث تعتزل الفتاة تعليمها باكراً وتنشغل بربطِ قدميها وإعداد نفسِها للزواج في تعلّم كيفيةِ طاعة زوجها وأمِّه التي يجب أن تتقنَ إعداد الشاي لها وتهيئة الجوّ الملائم لنَيل رضاها.

تتزوّج من طبيبٍ صينيّ زواجاً تقليديّاََ، حيث نُذرت من قبَل أبيها للزواج منه بصفته ابنَ صديقِه، على نهج العائلات الارستقراطية التي تُزوّج الطفلين الرضيعين منذ تفتُّحِ بصريهما للحياة. ولكنّ زوجها يمتلك من العادات الغربية ما يَجعلها تجفل منه، فهو يعلّق الستائرَ التي كان من المحرّم عليها في بيت أبيها المتعدّد الزوجات أن تتجرّأ حتى على التحديق فيها، ويطلب منها أن تصعد الدرج إلى الطابق العلوي، وهذا أمرٌ لم تعتَده بقدمين مربوطتين متجمدتين على قالبٍ تحمّلت كلّ الألم من أجل تجميله بشكلٍ متناسق، ولدهشتِها الكبرى يطلب منها أن تنزَع أربطة قدميها إن أرادت لزواجهما أن يستمرّ، لأنّ الوجع الذي تتكبّده من غير طائل قد يعود عليها بالوبال وتفقد صحتها جراءه. تتردّد كثيراً في البداية ولكنّها تضطر للاستجابة له لأنها اعتادت على تنفيذ أوامر زوجها كما علّمتها أمّها. وتكتشف أنّ حالة قدميها سيئة جداً ولكنّ العلاج الذي قدّمه لها زوجها جعلها تمشي بطريقة طبيعية رويداً رويداً.

يعزّز زوجها إحساسَها معه بأنّه حبيبها لا سيّدها كما أمرَتها أمّها أن تعتبره، وليثبتَ لها تحرّر أفكارِه وجدواها ينتقل بها إلى منزل منفصل عن أبويه، وهذا بمثابة عارٍ في تقاليدهم. ثمّ يأبى بشدّة أن يسلّم طفلَه بعد أن تنجبَه له إلى والديه لتربيته، كما اقتضت العادات الصينية، لأنه يؤمن بأنّها تقاليد بالية تهمّش من دور الإنسانية الحقّة.

عقدة الرواية

تزداد عقدة الرواية تدهوراً عندما يصمّم أخوها أن يتزوج من امرأة أجنبية وهو أمرٌ محرّمٌ في عقيدتهم وعاداتهم، وهم الذين يَعبدون الآلهة التي تنصّ عليهم لطاعتها أن يبذلوا الغالي والرخيص من أجل تحصين أنفسِهم من شرورها. تموت أمّها كمداً لأجلِ عناد أخيها وتشبّثِه بزوجته الغريبة، ويَحرمه أبوهما من الميراث.

في نهاية الرواية عزفٌ على التحرّر من الرسف في الأغلال البالية للعادات، واعتناق لمبدأ الحب الذي يصنع المعجزات.

أمّا الثغرات السردية فهي موجودة في فواصل أساسية من الرواية، مِثل زوج البطلة كواي لان الذي يُلقّنها حياة التحرر والانفتاح وهو نفسُه الذي خضع لأوامر والديه في مسألة ارتباطه التقليدي بفتاة لا يعرفها ولم يرَها من قبل، ولم تتّضح ثورته من عدمِها في ثنايا الرواية، كلّ ما وضّحته الكاتبة هو أنه أراد الانعتاق من شرنقة التخلّفِ الذي يضجّ به مجتمعه، فلماذا لم يرفض الزواج من الأساس كما رفضَ أموراً أساسية أخرى تقلّ أهمّيةً عن قدسية الارتباط؟

لقد جعلت منه الكاتبة خانعاً لمشيئتها حتى تستطيع أن تحرّكَ أحداث الرواية على هواها، وهو أمرٌ لامنطقي في تبرير العلّة والمعلّل، بالرغم من أنّ الانسياب العذب يتجلى في باقي أجزاء وفصول روايتها والرياح تعزف على وتيرة متباينة بين الشرق والغرب، وجعلتنا نعيش أسطورةً من أساطير الشرق الأقصى باحتدام لمرايا الواقع الأليم فيها.

 الجمهورية

عن ucip_Admin