أختر اللغة
الرئيسية | أخبار الكنيسة | سلطة الحبّ .. وحقيقة الخلق القسم الثاني بقلم عدي توما
سلطة الحبّ .. وحقيقة الخلق القسم الثاني بقلم عدي توما
سرّ الله

سلطة الحبّ .. وحقيقة الخلق القسم الثاني بقلم عدي توما

سلطة الحبّ ، هي سلطةُ الخلق .. لا سلطةُ الكبت والخضوع . فالإنسان وضعهُ الله ، ليس للخضوع المريض بل ” سيّدا للعالم ” ، وكيلا ، قائمًا مقامهُ . وكما أنّ الله يتسلّط بالمحبّة والتواضع واللطافة ، كذا الإنسانُ ، أعطيَ لهُ السلطة على العالم والطبيعة والحيوانات ، ليس بالقسر والعنف والسيطرة والعنجهيّة ، بل باللطافةِ والمحبة والحنان .. ولكن ما نراهُ الآن هو عكسُ ذلكَ .

وهناكَ تشبيهٌ رائعٌ لأحد الشعراء يقول فيه : ” إنّ الله خلق العالم ، كما تخلقُ البحار القارّات ، بالانسحاب عنها ” . صورة الانسحاب ، دليلٌ على إحترام ومسافة وحريّة ولطافة من جانب الله ، من محبّة الطرف الآخر . كما نرى في حياتنا اليوميّة ، في علاقاتنا الإجتماعيّة ، الكثيرون يشمئزّون و “يتنرفزونَ” ، من شخص يلتصقُ بهم دائمًا ، بالعاميّة نقول :  ” لزقة “. من الطبيعيّ أننا لا نحب إنسان ” يتّكئ علينا ” دائمًا. عندما أكونُ في سفرة ٍ سياحيّة مثلا ، وأنا جالسٌ في الباص ، والطريق متعبٌ وطويلٌ ، كم أنزعج من هذا الشخص الجالس بقربي ، وهو متّكئ على كتفي ، ويشخُر . لا أحد يحبّ إنسان يتّكئ عليه دائمًا . وفي كلّ مرّة يتّصل بنا ، أو يأتي لزيارتنا … الخ . يجب أن يكون هناك مسافة إحترام مقدّسة تُعطي الإستنشاق لدى الطرفين . وهذه يجبُ أن تكون موجودة ، لا في علاقاتنا وصداقاتنا وزواجاتنا فقط ، بل مع الله أيضا .

في لوحة الخلق لمايكل آنجلو ، نرى أصبع الله وأصبع الإنسان ، في مخيّلة الفنان آنجلو الرائعة ، الواحد مقابل الآخر ، وكأنّ إصبع الله يقول للإنسان : أنتَ . وإصبع الإنسان يقول لله : نعم أنتَ .. ! ولا يتلامسان ، بل هناكَ ” مسافة – لطافة ” في سرّ الخلق الإلهيّ ( بين الله والإنسان فرقٌ جذريٌّ وهاوية بين المطلق والنسبيّ ، بين اللانهائيّ والنهائيّ ) ، إذن الإنسانُ يتميّز بنقص انطولوجيّ دفين ، يسميّه القديس غريغوريوس النيصيّ Diastasis  و أوغسطينوس Distensio  – المسافة بين الله والإنسان . كما أن الإنسان إقتبالٌ لحريّته من الله ، كما أنّ الإبن الإزليّ إقتبالٌ كليّ من الآب ما يستدعي من الإنسان تواضعٌ حقيقيٌّ ، قد وصفهُ البابا بنديكتوس 16 : إنّ التواضع يقبل سرّ الله ، وثيق به تعالى حتى في الظلمات (الله محبّة )   ، وليس من الصدفةِ والإعتباطيّة أن نرى المسيح ، من بعد قيامته، شخصًا آخرًا مختلفا ، أضحى من عالم الله ، إنسحبَ عن رسلهِ ، مبتعدًا عنهم ، لإنه ولكي تُخلق ” علاقة حيّة وإتصال عميق من نوع آخر ” ، يبتعد عنهم كي يكون حاضرًا بطريقةٍ أخرى في الروح القدس . وفي سرّ الإفخارستيّا المقدّسة . إنها علاقةُ خلق دائم مستمرّ ، وعلاقة محبّة وإتصال (تواصل) Continue ، وعلاقة ديناميكيّة تشدّ أواصرَ العالم والكون وتخلقه من جديد ، إنها علاقة مغناطيسيّة جاذبة ، وقد قالَ الربُّ مرّة ” وأنا متى رُفعتُ (فوق الصليب – أو في يوم الصعود ) رفعتُ إليّ الناسَ أجمعين ) .. إنّ المسيح يعطينا علاقة من نوع آخر ، ألا وهي علاقة ” تمجيد – رفع – جذب ٍ ” نحنُ نرتفعُ في نفوسنا وأجسادنا وضمائرنا لملاقاة الله الآب في إبنه بالروح . وما سرّ القربان المقدّس ، إلا علامة تشيرُ إلى هذا التواصل ، علامة الجسد والدم ، ” الجسد ” هو علامة الدخول في حياة الربّ القائم ، بقوّة المحبة والغفران ، و ” الدمّ ” ، هو علامةُ التواصل والإتصال بين الله والإنسان ، كلّ هذه العلامات القائمة هي علاقات خلق متواصل ، ودليلُ محبّة وتألّه لا حدود لها ، إنها سرّ الدعوة الإلهيّة ، فخلقُ الإنسان على صورة ” الإبن – الكلمة ” هي أساس وختم . وعلى ” المثال ” هي الدعوة الإلهيّة الأزليّة في أن نكون مشابهين ، بسرّ التجسّد ، صورة إبن الله .

فسلطةُ الخلق ، هي سلطةُ ” المحبّة والتواصل والإحترام والحريّة والعطاء والمسافة المقدسة والعلاقة مع الله ” والأكثرُ من هذا ، ما نراهُ في شخص الطفل الإلهيّ في المذود. الطفل الإلهيّ دليلُ التواضع والحنان وحضارة المحبّة ، كما نعرف أنّ كلّ طفل يولدُ في عائلاتنا ، يخلقُ الدهشة والتعجّب والمسرّة والفرح والسرور ، ويولّد الأبوّة والأمومة والمسؤوليّة ، فكيفَ وإن كانَ هذا الطفلُ هو يسوع ، طفلا إلهيّا !

من المؤكّد أنه سيخلقُ الإبتهاج والسعادة ، والفرح الكونيّ والرجاء الصالح للعالمين .. إنهُ جُعلَ لقيام من يؤمنون به بحبّ وتواضع وتخلّي ، ولسقوط من لا يوجدُ في قاموسهم سوى الكبرياء والحقد والتعجرف والتسلط واتباع الملذّات وعبادة الملوكيّة ، والكراسي الفخمة المريضة المستهلكة ، التي لا بدّ لها أن تزول وتسقط في أوحال ومزابل التاريخ البشريّ .

سلطانُ الله ، هو سلطان المحبّة .. سلطان الله الحقيقيّ ، هو سلطان ” إفراغ الذات ”

لله منطقٌ لا يفهمهُ ولا يدركه الإنسان ولا أكبرُ ملك ٍ أرضيّ زائل . لعلّ إنسان العصر الحديث اليوم ، لا زالَ يلعبُ بشجرة ” معرفة الخير والشرّ ” ، هذه التي مُنعَ منها الإنسان ، لكي لا يُفسد حقيقته إنه كائنٌ مدعوّ للإكتمال ، وبإن الهبة والنعمة هي أمامهُ دائمًا لا خلفه ، فهذه الشجرة ترمزُ لإمتياز الله الخالق . أما شجرةُ ” الحياة ” ، فهي ترمزُ للـ ” خلود ” ولو أكلَ منها الإنسان لإغتصبَ الخلود  ، في حين أنّ الخلود هبةٌ مجانيّة إلهيّة ، لا إغتصابٌ بشريّ وتعدّي على حقّ إلهيّ بالغصبْ . لهذا قال لنا يسوع : من لمْ يقبلْ ملكوت الله مثل الطفل ، لا يدخلهُ ” . الطفل لا يغتصبُ شيئا ، بل يتقبّل كلّ شيء ٍ من أبويه . فلنتعلّم من الطفل الإلهيّ : يسوع ، عيشَ الطفولة الروحيّة ، عيش المحبّة والتواضع والتخلي ، والثقة ، والبنوّة . الطفل متصلٌ بكائن آخر ، وهو الأب . ونحنُ متّصلون بالآب السماويّ من خلال يسوع المسيح المتجسّد الذي أعطانا سرّ البنوّة الإلهيّة.

زينيت

عن الاتحاد الكاثوليكي العالمي للصحافة - لبنان

عضو في الإتحاد الكاثوليكي العالمي للصحافة UCIP الذي تأسس عام 1927 بهدف جمع كلمة الاعلاميين لخدمة السلام والحقيقة . يضم الإتحاد الكاثوليكي العالمي للصحافة - لبنان UCIP – LIBAN مجموعة من الإعلاميين الناشطين في مختلف الوسائل الإعلامية ومن الباحثين والأساتذة . تأسس عام 1997 بمبادرة من اللجنة الأسقفية لوسائل الإعلام استمرارا للمشاركة في التغطية الإعلامية لزيارة السعيد الذكر البابا القديس يوحنا بولس الثاني الى لبنان في أيار مايو من العام نفسه. "أوسيب لبنان" يعمل رسميا تحت اشراف مجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك في لبنان بموجب وثيقة تحمل الرقم 606 على 2000. وبموجب علم وخبر من الدولة اللبنانية رقم 122/ أد، تاريخ 12/4/2006. شعاره :" تعرفون الحق والحق يحرركم " (يوحنا 8:38 ).