أختر اللغة
الرئيسية | إعلام و ثقافة | لماذا يعتدون على الإعلاميين؟
لماذا يعتدون على الإعلاميين؟

لماذا يعتدون على الإعلاميين؟

كانت وقائع الاعتداء على بعض الزملاء الإعلاميين، أثناء زيارتهم موقع الانفجار الكارثى فى الكنيسة البطرسية، الأسبوع الماضى، موضع اهتمام وتركيز بالغين على المستويات السياسية والإعلامية والمجتمعية.لقد ذهب هؤلاء الزملاء إلى موقع التفجير الإرهابى، لكى يقوموا بدورهم فى تغطية الأحداث، ونقل الوقائع المهمة إلى جمهورهم؛ وهو أمر حدث ويحدث فى مصر وجميع دول العالم، وقلما أثار امتعاضاً أو استفزازاً للجماهير.

لكن بعض المتواجدين فى موقع الحدث قاموا باستهداف ثلاثة من هؤلاء الزملاء، واعتدوا عليهم جسدياً ولفظياً، قبل أن يتم إخراجهم بصعوبة من موقع الحدث.

ثمة تفسيران رئيسان لهذه الواقعة، أولهما أن «قلة مندسة»، ذات أغراض سياسية أو فكرية معينة، قامت بشن هذا الهجوم على الزملاء الإعلاميين، وشجعت عدداً من الحاضرين من أفراد الجمهور العادى على القيام بالفعل نفسه.

أما التفسير الثانى لهذه الواقعة، فلا يخرج عن كون هذا الاعتداء «تعبيراً عن موقف يتبلور ويتصاعد ضد الإعلام والإعلاميين بصفة عامة، وضد هؤلاء الزملاء، وما يمثلونه، على الصعيد المهنى، بصفة خاصة».

من جانبى أبدو أكثر ميلاً لتبنى التفسير الثانى، دون أن يعنى هذا استبعاد التفسير الأول كلية.

فى السطور التالية، سأسعى من خلال طريقة السؤال والجواب، إلى شرح ما أعتقد أنه الأسباب التى أدت إلى وقوع تلك الأحداث:

س: فى أى سياق وقعت أحداث الاعتداء على هؤلاء الزملاء الإعلاميين؟

ج: سيمكننا الحديث عن سياق سياسى متوتر ومحتقن. سنفترض أساساً أن معظم الحاضرين فى المشهد آنذاك فى أقصى درجات الغم والتوتر والشعور بالاضطهاد. سنفترض أيضاً أنهم يحملون هموماً متراكمة، وأن عناصر مظلومية متكاملة تتكرس كل يوم فى عالمهم.

هؤلاء أيضاً يعيشون سياقاً مجتمعياً مأزوماً، بسبب تضافر هموم وأعباء اجتماعية متشابكة، وهم أيضاً يعانون اقتصادياً، حتى الميسورون بينهم، وأعضاء الشرائح الأعلى فى الطبقة الوسطى، طالتهم الضغوط العارمة، الناجمة عن الركود الاقتصادى، وانهيار سعر العملة الوطنية.

س: لكن ما ذنب الإعلام والإعلاميين؟

ج: إن قطاعاً كبيراً من أفراد الجمهور يشعر بأن الإعلام سبب رئيس فى تردى الأوضاع العامة. ليس هذا فقط، إن القيادة السياسية تقول ذلك وتلح عليه فى أحيان عديدة. الرئيس نفسه سبق أن حمّل الإعلام والإعلاميين مسؤولية وقوع كوارث ومشكلات فى علاقات مصر الخارجية.

هناك شعور مهيمن، وانطباع يسود بأن الإعلام يلعب أدواراً تخريبية، والبعض يفضل أن يعلق المسؤولية فى رقبة الإعلام.

س: الإعلام صناعة معقدة ومتشابكة، ويقوم عليها كثيرون، فلماذا توجه أسهم النقد فقط إلى مقدمى البرامج؟

ج: الجمهور البسيط وغير المتخصص لا يعرف تفاصيل صناعة الإعلام وخباياها. لا يعرف الكثير من أفراد الجمهور أن مالك الوسيلة الإعلامية يمكنه أن يتحكم بدرجة كبيرة فى أنماط المحتوى المقدمة عبرها، ولا يعرف أيضاً أن بعض الأجهزة والهيئات تقود الأداء الإعلامى فى اتجاهات معينة. إن هذا الجمهور ينظر إلى الإعلامى الذى يخرج لمخاطبته على الهواء باعتباره كل شىء، ومسؤولاً عن كل شىء.

البعض يطالب الإعلاميين البارزين باتخاذ قرارات، أو رفع مظالم، أو تخصيص مبالغ مالية من الموازنة العامة، أو إيقاف خلل أو تعيين قصور، أو معاقبة مخطئين.

البعض لا يفهم دور الإعلامى وطبيعة عمله، ويعتبره باباً للخلاص، وعنواناً للحل، وطريقاً لتسوية المشكلات.

س: وما السبب فى ذلك؟

ج: السبب فى ذلك يتعلق بضعف الدولة، وتهافت مؤسساتها، وعجزها عن الوفاء بأدوارها. فى تلك المساحات التى تنشأ بسبب تضعضع دور الدولة وعجز المؤسسات، يزدهر نفوذ الإعلام والإعلاميين. يعتدى هؤلاء الإعلاميون على تلك المساحات الفارغة، ويعتبرونها حقاً خالصاً لهم، وبدلاً من القيام بوظيفتهم فى شرح الأوضاع وتفسيرها وإتاحة الفرص للأطراف المعنية للتعبير عن مواقفها، يقومون بملء هذه المساحة، وتكريس أنفسهم كأصحاب سلطان.

س: كيف يحدث هذا؟

ج: لا يفرق عدد كبير من زملائنا الإعلاميين بين وظيفة الصحفى ووظيفة القائد. إنهم ينخرطون فى المعارك، باعتبارهم أطرافاً، ويخلطون بين أدوارهم المفترضة فى الإخبار والإعلام والشرح والتوضيح، وبين أدوارهم التى يحبونها والمتمثلة فى القيادة والسلطة والنفوذ والتأثير و«غسل أمخاخ» بعض أفراد الجمهور.

س: وما علاقة هذا بالاعتداء الذى جرى؟

ج: يوضح هذا أسباب وقوع هذا الاعتداء، فالجمهور محتقن ومتوتر، ويعيش فى سياق من المعاناة السياسية والفكرية والاجتماعية، والسلطة تُغرى بالإعلام، وتعتبره مسؤولاً عن التردى والخلل، ومعظم الإعلاميين يكرسون أدوارهم كقادة وجنود فى المعارك، وليس كناقلى وشارحى أخبار، وبعض أفراد الجمهور يعانى اقتصادياً، وهو يعتقد أن الإعلاميين يحصلون على رواتب ومزايا كبيرة، وأنهم مع ذلك يبدلون مواقفهم فى كثير من الأحيان، ويتاجرون فى هموم الناس.

س: أشرح هذا لأسباب الاعتداء الذى وقع بحق الإعلاميين، أم تبرير له؟

ج: إن هذا مجرد شرح، أو محاولة للتفسير، لا يوجد أى تبرير للاعتداء اللفظى أو البدنى على أى شخص مهما صدر عنه. هذا الاعتداء مرفوض ولا يخدم حرية الصحافة ولا مهنيتها، ولا يجب أن يقع مرة أخرى. لكن هذه محاولة للفهم، وإدراك الأسباب التى أدت إلى هذا الموقف.

س: وماذا نقول لأطراف هذه الواقعة المحزنة؟

ج: الدولة لا يجب أن تُغرى بالإعلام والإعلاميين. لم يكن الإعلام مسؤولاً عن أزمات «ريجينى» أو «الصادرات الغذائية المصرية للسودان» أو «سد النهضة»، رغم ارتكابه الأخطاء الفادحة، بل على الدولة أن تجتهد لتنظيم الإعلام وصيانة فرصه فى التقدم المهنى والتمتع بالحرية. والجمهور له أن ينتقد الأداء الإعلامى، ويعبر عن موقفه الرافض أو الناقد بلياقة ووفق القانون، والأهم من ذلك أن يتوقف عن متابعة أداء الإعلاميين الذين يعتقد فى عدم نزاهتهم أو نقص مهنيتهم. والصحفى يجب أن يظل صحفياً، لا أكثر ولا أقل.

فى عالم الصحافة، لا يوجد ما هو أفضل من معالجة لا تخدم سوى الجمهور، ولا تهدف سوى إلى إظهار الحقيقة. فالصحافة مهنة صعبة جداً، تحفل بالتفاصيل الدقيقة والمعقدة، ولا يجب أن يعمل بها سوى من يؤمن بدورها وأهميته، ويمتلك الوسائل والقدرات اللازمة للوفاء بمهمته، ولا يدعى لنفسه دوراً آخر.. «أكبر» أو «أصغر» من ذلك.
موقع المصري اليوم

عن الاتحاد الكاثوليكي العالمي للصحافة - لبنان

عضو في الإتحاد الكاثوليكي العالمي للصحافة UCIP الذي تأسس عام 1927 بهدف جمع كلمة الاعلاميين لخدمة السلام والحقيقة . يضم الإتحاد الكاثوليكي العالمي للصحافة - لبنان UCIP – LIBAN مجموعة من الإعلاميين الناشطين في مختلف الوسائل الإعلامية ومن الباحثين والأساتذة . تأسس عام 1997 بمبادرة من اللجنة الأسقفية لوسائل الإعلام استمرارا للمشاركة في التغطية الإعلامية لزيارة السعيد الذكر البابا القديس يوحنا بولس الثاني الى لبنان في أيار مايو من العام نفسه. "أوسيب لبنان" يعمل رسميا تحت اشراف مجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك في لبنان بموجب وثيقة تحمل الرقم 606 على 2000. وبموجب علم وخبر من الدولة اللبنانية رقم 122/ أد، تاريخ 12/4/2006. شعاره :" تعرفون الحق والحق يحرركم " (يوحنا 8:38 ).