أختر اللغة
الرئيسية | إعلام و ثقافة | ماذا فعلت الترجمات الإنكليزية بـ “أنا كارينينا” وتولستوي؟
ماذا فعلت الترجمات الإنكليزية بـ “أنا كارينينا” وتولستوي؟
مشهد من فيلم آنا كارينينا من إخراج جو رايت

ماذا فعلت الترجمات الإنكليزية بـ “أنا كارينينا” وتولستوي؟

تُرجمت معظم الأعمال الأدبية الروسيّة إلى اللغة الإنكليزية، لكن هل استطاعت هذه الترجمات أن تصل إلى هدفها المنشود، وتنقل الأفكار بشكل صحيح ودقيق. صحيفة “نيويورك ريفيو أوف بوكس” (العدد 11، 2016)، تناولت هذا الموضوع في مقالة لها بعنوان “الجوارب”، عرضت فيه آراءً وترجماتٍ متعددة ومختلفة للرواية الشهيرة “آنا كارنينا” للكاتب الروسي (تولستوي).

يتقنُ معظمُ المثقفين الروس اللغة الإنكليزية بالإضافة إلى إتقانهم اللغة الفرنسية، بينما نجد أن قلة من المثقفين الإنكليز يحاولون قراءة الأعمال الأدبية الروسية باللغة الأُم، فهم يعتمدون بشكلٍ كبير على الكتب المُترجمة إلى الإنكليزية من قبل كونستانس غارني أو الثنائي الإنكليزي لويس وايلمر موود. وفي عام 1997، طرأ تغيير جديد على عالم الأدب الروسي المُترجم، حيث وضع الثنائي ريتشارد بيفر ولاريسا فولخونسكي يدهما على مُعظم الكتب الروسية وعملوا على ترجمتها وتحويلها إلى لغةٍ إنكليزيةٍ بسيطة وغير مناسبة. الشيء الأهم في هذا التغيير أنهُ وبشكلٍ مفاجئ، لم ترفض المؤسسات والمجموعات النقدية هذه الأعمال، بل تأثرت بها واعتمدت عليها بدلاً من أعمال غارنيت وموود والمترجمين القدماء الآخرين؛ فعندما ترغب في شراء بعض كتب تولستوي أو غوغول أو دوستوفيسكي، فإن معظم ما تحصلُ إليه هو كتبٌ مترجمة بقلم بيفر وفولخونسكي. وتعليقا على هذه الحالة التي وصل إليها الأدبُ الروسي، استخدم الكاتب غاري سول مورسون كلمة “مأساة” ليعبر عن إحساسه بالكارثة التي حلّت على الأدب الروسي منذ ظهور الثنائي بيفر وفولخونسكي؛ إذ تبدو أعمالهما – بالنسبة إليه – مميزة وكاملة ظاهرياً فقط، لكن بالمعاينة الدقيقة يجدها بسيطة وزائفة، وما يقلقه أكثر هو “إذا اختار التلامذة والقراء أعمال (ب، ف) فهم على الأغلب سيسلمون ويعتبرون أن الأدب الروسي يفقد أسلوبهُ المميز مع مرور الوقت أو أنهُ سيضيع بالنسبة إليهم”.

أهداف سامية
في مقابلة مع الثنائي الثري العام 2015، وجه المذيع سؤالا لـ بيفر مشيراً إلى تعليق صدر عنهُ العام 2005 وهو “ذات مرة أشرت إلى إن إحدى أهدافك السامية كمترجم هو أن تُساعد على تنشيط اللغة الإنكليزية، هل يُمكنك أن تُفسر لنا ما الذي تعنيه بذلك؟ وكان جوابُه “أصبحت الأعمال الأميريكية باردة وأنانية وغير ممتعة وعلينا إخراجها من هذه الحالة. ما أحبه في الترجمة هو حرية الحركة التي تمنحني إيّاها (في التنقل) بين اللغتين، والأهم من هذا كُله يجبُ عليّ أن أساهم في إغناء لغتي، اللغة الإنكليزية. هذه الفكرة الشاذة عن مهمة ودور المترجم تقوي شعورنا بالصعوبة والكارثة التي يواجهها مُدرسي الأدب الروسي المُترجم عندما يُضطر تلامذتهم قراءة أعمال (بيفر وفولخونسكي).
المرة الأولى التي سمعتُ فيها عن (ب، ف)، كانت عندما تلقيتُ بريدا إلكترونيا من الكاتبة (آنا شابيرو)، تحدثت فيه عن قراءتها لرواية “آنا كارنينا” بقلم بيفر وفولخونسكي، ورأت بأن ترجمتهما مغلوطة بشكل كبير، كالذي يحولُ الطعام إلى خشب وتتركُ تأثيرا سيئا لدى القارئ.
“لطالما علمتُ أن تولستوي كاتبٌ لا يمكن تدميره لأنه بسيط وكلماته تصطف وتتموضع كالقرميد، بالإضافة إلى كونه كاتبٌ شفاف ولا يمكنك أن تفهمه بشكل خاطئ، لكنك لا يمكن لك أن تفهم (ب، ف) بشكل صحيح، إذ عملا على إضافة نكهات سيئة على النص وخيّل لي أن بيفر يعتقد أن ترجمته تصحح كلمات تولستوي، ويعتبر نفسهُ كاتبٌ أفضلُ منه بكثير”.
قرأتُ الرواية ذاتها وأدركت ما كانت تعنيه (آنا شابيرو)، وبالمقارنة مع الكتاب ذاته المُترجم من قبل غارنيت، لأنك تجد أن لغتها الإنكليزية الدقيقة وشعورها المتواجد بين السطور قد استُبدل بكلمات تشبه شخصا يعزفُ على البيانو ولا يفقهُ أي شيء عن الموسيقى.
يمكننا رؤية روعة الترجمة لدى (غارنيت) على سبيل المثال، في مقطع موجود في الفصل الثامن من الكتاب الثالث لـ “آنا كارنينا”. تدور الأحداث هنا في منزل شخصية دولي اوبلونسكي القُروي، وتحضر دولي نفسها الآن لأخذ أطفالها إلى قداس يوم الأحد. يصف تولستوي هنا عدم اكتراث دولي بمظهلرها الخارجي، تُترجم غارنيت هذا المقطع إلى: “صففت (داريا اليكسندروفنا) شعرها وارتدت ملابسها بعناية وحماسة. في قديم الأيام كانت تهتم بملابسها لإرضاء نفسها كي تبدو جميلة ولتكون مُحترمة، وعندما كبُرت أكثر أصبح هذا الإهتمام لا طعمة له أكثر فأكثر، لكن الآن عادت تشعر بالمتعة والمرح عند الإهتمام بمظهرها مجددا. نظرت إلى نفسها في المرآة، بدت لطيفة”.
أما ترجمة (بيفر وفولخونسكي) كانت: “صففت داريا أليكسندروفنا شعرها وارتدت ملابسها بعناية وحماسة، اعتادت في مرات سابقة أن تهتم بمظهرها لإرضاء نفسها وعندما كبُرت أصبحت كارهة للإعتناء بملبسها، فقد رأت أنها فقدت مظهرها الجيد، لكن الآن عادت لتهتم بنفسها بسرور وحماسة. نظرت للمرة الأخيرة في المرآة، بدت ظريفة”.
استخدم تولستوي “بدت جيدة” أو “بخير” ليشير إلى مظهر دولي الحالي، ترجمت غارنيت هذه العبارة إلى “بدت لطيفة” واستطاعت أن توصل الشعور الموجود في هذه الفقرة أكثر من أي كاتب آخر قام بترجمة الرواية وهي الأفضل بينهم على الإطلاق، فعلى سبيل المثال ترجم (لويس وايلمر موود) هذه الكلمات إلى “بدت جيدة” واعتبرها البعض أفضل من ترجمة (ب، ف) “بدت ظريفة”.

أخطاء
على الرغم من التفوق الموجود في أسلوب غارنيت إلا أنها عُرفت بارتكاب الأخطاء الكثيرة بسبب سرعتها أثناء الترجمة واللغة القديمة التي تستخدمها، الأمر الذي جعل من صدور الترجمات اللاحقة أمرا مُلحا، ولكن في الوقت نفسه هناك أصواتٌ تقول: نعم استخدمت غارنيت البعض من العبارات والكلمات القديمة التي لا يستخدمها أحد هذه الأيام لكن هذا الأمر لا يُعتبر عيبا فنحن نجد هذه النثرات من اللغة القديمة وغير العصرية في روايات “ديكنز وترولوبي وجورج إيليوت” فهل ينبغي أن تُعاد كتابة كل هذه الروايات من جديد بحس عصري”.
بالإضافة إلى كل هذه الترجمات لرواية “آنا كارنينا”، صدرت مؤخرا ترجمة جديدة لها في عام 2014 بقلم ماريان شوارتز ومن خلال قراءتها تجد أنها محاولة جديدة لجعل تولستوي يظهر بمظهر المعاصر الأخرق ويستخدم لغة روسية هزيلة، وأتى كل من (بيفر وفولخونسكي) ليحسنوا له أسلوبه وليطوروا من لغتهم في الوقت ذاته، ومؤخرا انضم لهم شوارتز وبأسلوبٍ تفوق على فظاظتهم وهفواتهم. تبين كل هذا في الرواية وبخاصة عندما دمّر شوارتز أهم المشاهد في الرواية، عندما تفادت “كيتي” محاولة أختها للتخفيف عنها بعد ما رفضها “فرونسكي”، إضافة إلى استخدامه ألفاظا جديدة وغريبة لا يمكن فهمها أو غض البصر عنها.
الأمثلة عن الأدب الروسي المترجم كثيرة ولا تتوقف عند هذا الحد، ففي أي طرف أنت في عالم الترجمة الواسع هذا؟ ويجب على المترجم أن يُراعي اهتمامات من؟ يتوجب عليه أن يُراعي اهتمامات القُراء ذوي الحاجات البسيطة، الذين يطالبون فقط بالترجمة المتطورة بدلاً من عرقلة فهمهم ومتعتهم، أم أنه يجب أن يُراعي القراء الأكثر تطورا الذين يريدون معرفة الكتاب الأصل. إن كنت تعتقد أن هؤلاء أو سواهم على حق أو على باطل، فعليك أن تُعبر عن وجهتك في هذا النزاع القائم حول ترجمة الأعمال الأدبية الروسية.
إعداد وترجمة: نيرمين موسى
السفير

عن الاتحاد الكاثوليكي العالمي للصحافة - لبنان

عضو في الإتحاد الكاثوليكي العالمي للصحافة UCIP الذي تأسس عام 1927 بهدف جمع كلمة الاعلاميين لخدمة السلام والحقيقة . يضم الإتحاد الكاثوليكي العالمي للصحافة - لبنان UCIP – LIBAN مجموعة من الإعلاميين الناشطين في مختلف الوسائل الإعلامية ومن الباحثين والأساتذة . تأسس عام 1997 بمبادرة من اللجنة الأسقفية لوسائل الإعلام استمرارا للمشاركة في التغطية الإعلامية لزيارة السعيد الذكر البابا القديس يوحنا بولس الثاني الى لبنان في أيار مايو من العام نفسه. "أوسيب لبنان" يعمل رسميا تحت اشراف مجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك في لبنان بموجب وثيقة تحمل الرقم 606 على 2000. وبموجب علم وخبر من الدولة اللبنانية رقم 122/ أد، تاريخ 12/4/2006. شعاره :" تعرفون الحق والحق يحرركم " (يوحنا 8:38 ).