أختر اللغة
الرئيسية | أخبار الكنيسة | من المسؤول عن صلب وموت يسوع؟ اليهود أم الرومانيّين أم جماعة معيّنة؟!
من المسؤول عن صلب وموت يسوع؟ اليهود أم الرومانيّين أم جماعة معيّنة؟!
يسوع المصلوب

من المسؤول عن صلب وموت يسوع؟ اليهود أم الرومانيّين أم جماعة معيّنة؟!

سالَ حبرٌ كثير حول هذا السؤال وهذه القضيّة . وهناكَ من يقول : نعم اليهود فقط هم السبب . وهناك ، من جهة أخرى ، يقول : كلاّ ، ليس اليهود فقط هم المسؤولون عن موت يسوع بل نحنُ أيضا شاركنا في موته !

الشقّ الأوّل من الجواب هو جواب خاطئ ، والشقّ الثاني ، هو أيضا خاطئ لكن من الناحيّة المنطقيّة . لكن ، إن نظرنا إلى الشقّ الثاني من الجواب لاهوتيّا وروحانيّا ، نراهُ صحيحًا جدّا . فمن المؤكّد أننا بخطايانا وفقدان المحبّة والرحمة من قلوبنا ، وممارساتنا الرذيلة وترك الفضيلة ، والكره والبغض والعنف في العالم ، هم اليوم ، ودائمًا ، مَن يصيبون كبد وقلب الربّ !

لكن . لنعد إلى السؤال أعلاه ونجيب عليه . وسنأخذ الجواب من ” تعليم الكنيسة الكاثوليكيّة ” ، ومن كتاب Youcat (التعليم المسيحيّ الكاثوليكيّ للشبيبة) ، وأيضا المجمع الفاتيكانيّ الثاني ، ومن اللاهوتيّ الأب بيير بنوا الدومنيكيّ من كتابه الرائع ” روايات الآلام والقيامة ، ومن كتاب ” يسوع الناصريّ ج2 ” للبابا بنديكتوس السادس عشر .

يقول كتاب التعليم المسيحيّ للكنيسة الكاثوليكيّة (597) :

بالنظر إلى التعقّد التاريخيّ في محاكمة يسوع كما ظهر في النصوص الإنجيليّة ، وأيّا كانت الخطيئة الشخصيّة لأبطال الدعوى ( يهوذا ، المحفل ، بيلاطس ) التي لا يعرفها إلاّ الله ، لا تجوز نسبتُها إلى مسؤوليّة جماعيّة عند يهود أورشليم ، مع ما رافقها من صياح شعب ٍ مُهيّج ، ومع الملامات الجماعيّة التي تضمّنتها الدعوات إلى الهُدى بعد العَنصرة . فيسوع نفسُه عندما غفر على الصليب ، وبطرس بعده فسَحا في المحلّ لِـــ ” جهل ” يهود أورشليم ولرؤسائهم أيضا . وبأولى حجّة لا يمكن الإنطلاق من صياح الشعب ” ليكن دمه علينا وعلى أولادنا ” ( متى 27 : 45) ، الذي هو صيغة تأييد ٍ وموافقة ، لمدّ المسؤوليّة إلى سائر اليهود في المكان والزمان .

يقول المجمع الفاتيكانيّ الثاني : ” إنّ ما اقترفته الأيدي إبّان الآلام لا يمكن إسناده ، في غير تمييز ، إلى جميع اليهود الذين عاشوا آنذاك ، ولا إلى اليهود العائشين في عصرنا . (…) لا يجوز أن يُشهّر باليهود على أنهم مذنبونَ من الله وأنهم ملعونون كما لو كان ذلك يُستنتج من الكتاب المقدّس ” .

ويقول كتاب الــ “Youcat ” : النبيّ العجوز سمعان كان قد رأى مسبقا أنّ يسوع سيكون ” آية معرّضة للرفض ” (لوقا 2 : 34 ) . هكذا رفضت السلطات اليهوديّة بشكل جازم يسوع ، وفي الوقت عينه تبِع بعضُ الفريسيّين يسوع خفية ، مثل نيقوديموس وسمعان القيروانيّ . فيما اشتركَ أشخاص ومؤسّسات يهوديّة ورومانيّة مختلفة في دعوى يسوع (قيّافا ، يهوذا ، ومجلس الشيوخ ، وهيرودس ، وبيلاطس البنطيّ ) ، ذنبهم الفرديّ يعرفه الله وحده . أمّا الطرح القائل بأنّ جميع اليهود ، أعاشوا في ذلك الوقت أم هم يعيشون اليوم ، مذنبون في موت يسوع ، فهو طرحٌ غيرُ معقول وغيرُ ثابت على أساس الكتاب المقدّس .

يقول الأب بيير بنوا الدومنيكيّ : هناك نظريّة يدعمها اليهود بنوع خاصّ ، وحتى اليوم ، تؤكّد أنّ الرومان هم الذين أوقفوا يسوع وقتلوه صلبًا ، بحسب الشرع الرومانيّ في الإعدام . ويفسح يوحنا في المجال هنا بأنّ الرومان هم الذين عمدوا إلى الإعتقال ، بالتعاون مع بعض اليهود . وفي كتاب ٍ حديث ، إدّعى عالم يهوديّ ألمانيّ يعيش في لندن ، أنّ المسؤوليّة كلّها تقع على بيلاطس . فلقد سبق لبيلاطس ، من زمن ٍ بعيد ، أن قال لقيّافا : ” خلّصني من هذا الرجل الذي يزعجني ، وإذا لم تتحرّك أنت ، فسوف أتدخّل أنا ” . ويجمعُ قيّافا مجلس شوراه ( يوحنا 11 : 47 ) : إذا تركناه وشأنه ، آمنوا به جميعًا ، فيأتي الرومان فيدمّرون أمّتنا … أن يموت رجل واحد عن الشعب ” . وهكذا لا يتصرّف قيّافا إلاّ بضغوط رومانيّة ، ويرسل بيلاطس جنوده إلى الجتسمانيّة ، ليكون على يقين من أنّ أوامره تُنفّذ . وبموجبه ، لن يكون اليهود مسؤولين عن موت يسوع .

لنرى الآن ما يقوله البابا بنديكتوس السادس عشر من خلال فكره وعمق لاهوته وخبرته الطويلة لعلّ وعسى يضع الدواء لسؤالنا ولحيرتنا . يطرحُ البابا بنديكتوس السادس عشر في كتابه ” يسوع الناصريّ ج2 ” سؤال : من كان بالضبط أولئك المدّعون ؟ من الذي ألحّ على الحكم على يسوع بالموت ؟ في أجوبة الأناجيل تباينات ٍ ينبغي التفكير فيها . فبحسب يوحنّا : إنهم ” اليهود ” . لكن هذه العبارة عند يوحنّا لا تعني بأيّ حال – كما قد يفسّرها القارئ المعاصر – شعب اسرائيل بحدّ ذاته ، كما أنها ليس لها طابع ” عنصريّ ” . ومعروف أنّ يوحنا كان هو نفسه يهوديّا ، تمامـــًا كما كان يسوع وكلّ أتباعه . والجماعة الآولى كانت بكاملها مؤلّفة من يهود . إنّ معنى هذه العبارة عند يوحنا دقيق ومحدّد بشدّة : إنه يشير بذلك إلى أرستقراطيّة الهيكل . وهكذا نجد أنّ حلقة المدّعين ، الذين أرادوا موت يسوع ، في الإنجيل الرابع ، قد وُصِفت بدقّة وتحديد واضح : وهي بالضبط أرستقراطيّة الهيكل – لكن ، ليس من دون استثناء ، كما يدلّ على ذلك التلميح إلى نيقوديموس.

في إنجيل مرقس ، في سياق العفو عن سجين بمناسبة الفصح (بارأبّا أو يسوع) ، تبدو حلقة المدّعين أوسع : فيظهر الشعب ، فيختار إخلاء سبيل بارأبّا . إن لفظة ” Ochlos ” تعني ببساطة حشدًا مهمّا من الناس . وغالبًا ما تحمل معنى هذه الكلمة نبرة سلبية ، بمعنى ” الجمع ” . وعلى كلّ حال ، فالمقصود بهذه الكلمة ليس ” الشعب ” اليهوديّ بحدّ ذاته . فمناسبة العفو الفصحيّ عن سجين (وهذا العفو الذي لا نعرف عنه شيئا من مصادر أخرى ، لكن ، ما من سبب للشكّ في أنه كان يحصل ) ، كان يحقّ للشعب – كما كانت العادة بمناسبات عفو أخرى – القيام بإقتراح يتمّ التعبير عنه من خلال ” هتاف ” : في هذه الحال يتّخذ هتاف الشعب صفة قانونيّة . هذا الجمع هو ، في الواقع ، مجموعة الذين ، بمناسبة العفو ، احتشدوا للدفاع عن بارأبّا ، وكان هذا الأخير ، بصفته عضوًا في جماعة ثوّار انتفضوا على السلطة الرومانيّة ، بإستطاعته أن يتّكل طبعا على عدد من المتعاطفين .

إذن ، بحسب بنديكتوس السادس عشر ، كانت هناك جماعة ” بارأبّا ” ، أي الجمع ، بينما كان أتباع يسوع خائفين ومتخفّين ؛ وهكذا كان صوت الشعب ، الذي يعتمدُ عليه الشرع الرومانيّ ، تمثّله جهة واحدة . إذن ، بحسب مرقس ، إلى جانب اليهود ، أي حلقات رجال الدين ، أصحاب السلطة ، دخل فعليّا على الساحة ” الجمع ” ، أي مجموعة مؤيّدي ” بارأبّا ” ؛ لكن ، ليس الشعب اليهوديّ بحدّ ذاته .

بارأبّا (ابن الآب ) ، هو نوعٌ من صورة ماسيويّة ؛ ففي اقتراح العفو الفصحيّ ، يتواجه تفسيران للرجاء الماسيويّ . بحسب القانون الرومانيّ يتعلّق الأمر بمجرمين اثنين متّهمين بالجريمة عينها – التمرّد على السلام الرومانيّ . وواضحٌ أنّ بيلاطس كان يفضّل ” المتحمّس ” ، غير العنيف الذي كان ، في نظره ، يسوع . إلاّ أنّ رأى الجمع وسلطات الهيكل كان مغايرًا . سيكون يسوع ، هو ” بارأبّا ” معاكس لــ ” بارأبّا ” اللصّ والمجرم والإرهابي (بحسب اللفظة اليونانيّة) ، المثير للفتن . سوف تجد الإنسانيّة نفسها بإستمرار في مواجهة هذا الخيار : أن تقول : نعم للإله الحقّ الذي لا يعمل إلا بقوّة الحبّ والحقّ ، أو أن تتّكل على ما هو حسيّ ، وفي متناول اليد ، أي على العنف والشغب والكذب .

” فكلّ من يقف أمام المسيح بالكذب والغشّ والعنف والفتن وإثارة الحركات المعاكسة لمشيئة الله ، هو من يسبّب في صلب المسيح الدائم ” .

عدي توما / زينيت

عن الاتحاد الكاثوليكي العالمي للصحافة - لبنان

عضو في الإتحاد الكاثوليكي العالمي للصحافة UCIP الذي تأسس عام 1927 بهدف جمع كلمة الاعلاميين لخدمة السلام والحقيقة . يضم الإتحاد الكاثوليكي العالمي للصحافة - لبنان UCIP – LIBAN مجموعة من الإعلاميين الناشطين في مختلف الوسائل الإعلامية ومن الباحثين والأساتذة . تأسس عام 1997 بمبادرة من اللجنة الأسقفية لوسائل الإعلام استمرارا للمشاركة في التغطية الإعلامية لزيارة السعيد الذكر البابا القديس يوحنا بولس الثاني الى لبنان في أيار مايو من العام نفسه. "أوسيب لبنان" يعمل رسميا تحت اشراف مجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك في لبنان بموجب وثيقة تحمل الرقم 606 على 2000. وبموجب علم وخبر من الدولة اللبنانية رقم 122/ أد، تاريخ 12/4/2006. شعاره :" تعرفون الحق والحق يحرركم " (يوحنا 8:38 ).