أختر اللغة
الرئيسية | أخبار الكنيسة | هل الإنسان هو فكرٌ وحريّة؟
هل الإنسان هو فكرٌ وحريّة؟
الحرية

هل الإنسان هو فكرٌ وحريّة؟

ما الإنسانُ ؟

هو كائنٌ حيٌّ، رفضَ أن يكونَ شيئا من بين الأشياء. وقَبِلَ أن يعيشَ خبرة صعبة ومُضنية! ولكي يصبح الإنسان إنسانـــــا، أي يصبحُ فاعلا ومتحوّلا إلى ما يجب أن يكون: عليه أن يحيا في اندفاع ٍ يشدّه نحو خارج ذاته – أي نحو ما هو أساسيّ – فيتوصّل إلى التوفيق بين الحقيقة الساكنـــة في داخله، فيوقظها اضطرابُ الطبيعة التي هو جزءٌ منها، فيضاف ذلك الإستيقاظُ إلى هذا الكائن( لكن ليس ذلك إضافة إلى ما هو كإنسان، أو زيادة عليه، وإنّما ذلك تحقيقٌ له وإكتمال).

اعتمد القدّيس أنسلموس في فكره الفلسفيّ على أن ليس في الخبرة البشريّى أيّ صراع، ولكنـــــــه نوعٌ من الإرتياح والإسترخاء أمام الوجود. فكان يقولُ : ” أنا أفكّر في الوجود الموجود، لأنّ الفكر يتطلّب الوجود، ويلجأ إليه من دون أن يعمل فيه أيّ تحليل “.

إنّ العلم، أي المعرفة الحقيقية، الذي يمكن التوصّل إليه بفضل الفكرة الآولى، يسمحُ لي بأن أمسكَ زمام الأشياء فأتوصّل إلى معرفة قابلة للتبادل والعطاء. وهي طريق الدخول وباب وسبيلٌ يقود الإنسان نحو ” الحضور ” إلى ذاته في إتجاه أفق ٍ يتزايد في صعوبته. فإمتلاكُ هذا النوع من العلم يساعدُ على البحث وسط هذا العالم الذي نحيا فيه، فنبلغَ الحقيقة  كشرط من شروط وجودنا في هذا العالم. إذ لا يمكن للفكر أن يتحرّر من علاقاته بهذا العالم من دون أن يعرض نفيه للضياع والهلاك والتلفْ. أن يكون الإنسان إنسانــــــــًا، يعني إذن، أن يــــصيرَ حيـــــّا وسط عالم فيه مقاييس ومساطر نحوّلها إلينا وفينا لنغيّر هذا العالم ونفسّره ولا نضيعه في وجود غير واقعيّ، لئلا يتعرّض إلى التبعثر واللهو ونسيان العلاقة بما يُشكّل كياننا نحن.

فأن يكون الإنسانُ إنسانــــــــا هو، أن يقبلَ بالنهاية ويتساءل حول ما يجبُ أن يقومَ به من سلوك : ماذا عليّ أن أفعل إزاء المستقبل القريب والبعيد؟ أن يكون الإنسان إنسانــــــــًا، يعني أن يرجو سعادة كاملة في أعماق عدم إرتياحه بوجوده الذي هو عليه، إذ عليه أن يعتادَ على الدوام أنه يكون كائن منتهٍ، ولكن فيه رغبةٌ هائلةٌ بالمطلق، هذه الرغبة تجعله يولد يومًا بعدَ يوم، ويركضُ ، ويسعى، ويخوض المغامرات والمخاطر، ومع ذلك، يعرفُ أنه يحيا حياة لمرّة واحدة فقط!.

 نرى من خلال تحليلنا في الحلقتين السابقتين لموضوعي : الوعي والحقيقة، أنّ الإنسان في أساسه: فكرٌ وحريّة

لماذا الحريّة؟                                              

يقودنا الفكرُ نحو الحقيقة، وهذه تتطلّب أن ننفصلَ عن الآنيّة. الحريّة تعني إذن: تساميًا وتجاوزا. أي، أن يعي الإنسان ذاته وحضوره في هذا العالم. فهو حاضرٌ في العالم، وحاضرٌ تجاه نفسه في آن واحد، لأنه قادرٌ بطبيعته أن يمتلك هذه الإمكانيّة بأن يكون واعيًا. كتبَ ديكارت: ” طبيعة الفكر ليس إلاّ أن يفكّر”، بحيث إنّ خبرتنا في كوننا بشرا، ليست سوى تحرّر وولوج إلى الحريّة في هذا العالم، تحت شكل ٍ عمليّ ( أي فعليّ)، وتحت شكل روحيّ في الوقت عينه. لكن هذ الامر لا يتحقق إلا بصعوبة، مع ذلك يمكنُ تجاوز الصعوبات وتلاقيها إذا ما توصّلنا إلى إيضاح  فكرة” الوعي “. فالوعي ليس شيئا، وهو غير موجود شيئيّا في هذا العالم، الوعي حالة تسمح بأن نندهش ونستغرب أمام العالم، وهي طريقة وجود الواعي تميّزه عن كلّ ما العالم.  فالوعيُ موجودٌ بمثابة قدرة، وقابليّة على طرح تساؤل جذريّ حول العالم. كما ليس الوعي، في حدّ ذاته، شيئا في شيء آخر، وإنما الوعي هو إدخالُ مسافة داخل حجاب الأشياء غيرالشفّافة، فبواسطة الوعي نتراجع قليلا إلى الوراء، فنأخذ مسافة ً من الأشياء، وبهذه المسافة إذ ما قيست بشكل ٍ صحيح، تتولّد فينا حركة، في ذهاب وإيّاب، أي ينعكسُ الفكر فينا على نفسه.

المسألة إذن في حركة مزدوجة، إنفصال ٍ وإلتصاقٍ، تتشكّل بينهما الحقيقة، وعندما نقولُ ” حركة“، هنا نعني : الحريــــة. فالحريّة مرتبطةٌ بالفكر بقوّةـ  والفكرُ يقودُ نحو الحقيقة. الحريّة، في الإنثروبولوجيا الفلسفيّة، هي الجهد الذي نقومُ به، عندما نقلعُ أنفسنا من خطأ الآن والمظاهر الخادعة. والحريّة أيضا هي كلّ جهد تجاوز. فالوجود ضائعٌ لا محالة، لكن إكتشاف معنى الوجود يستعيده.

لنعطي مثلا بسيطا: عندما نقولُ هذا، نقول: لا يمكنُ للإنسان أن يكون موجودًا في خلاف ٍ مع هذا العالم، مع ذلك، بسبب طبيعته يبقى غريبًا عن هذا المكان، أي، لا يمكن أن يكون الإنسانُ موجودًا في ما ليس له فيه مكانا، ولكي نتجنّب ضياعه في مكان آخر ليس مكانا له، علينا دائمًا أن نعيد طرح السؤال وأن نتجاوزه بلا إنقطاع دون تركه تماما. هكذا، سنرى أنّ جوهر الإنسان يكمُن في أن يكون ” متعاليًا (متساميًا)، بحيث لا يعودُ هناكَ اشياء مهمّة وأخرى ثانويّة، بالعكس، كلّ لحظة من حياته تتطلّب اتخاذ موقف وتحرّر.

يتبع

زينيت

عن ucip_Admin