أختر اللغة
الرئيسية | أخبار الكنيسة | وداع الشاعر سعيد عقل في كاتدرائية مار جرجس المارونية الراعي:أحب لبنان وأعلاه إلى قمم الأوطان وأغنى سنيه بما حباه الله من نبوغ
وداع الشاعر سعيد عقل في كاتدرائية مار جرجس المارونية الراعي:أحب لبنان وأعلاه إلى قمم الأوطان وأغنى سنيه بما حباه الله من نبوغ
الراحل الكبير سعيد عقل في نعشه المصنوع من الصخر والأرز

وداع الشاعر سعيد عقل في كاتدرائية مار جرجس المارونية الراعي:أحب لبنان وأعلاه إلى قمم الأوطان وأغنى سنيه بما حباه الله من نبوغ

ترأس البطريرك الماروني مار بشاره بطرس الراعي، الصلاة الجنائزية على روح الشاعر الكبير سعيد عقل، في كنيسة مار جرجس المارونية وسط بيروت، يعاونه عدد من المطارنة وحشد من الكهنة.

حضر الصلاة وزير الثقافة ريمون عريجي ممثلا رئيس مجلس النواب نبيه بري، رئيس مجلس الوزراء تمام سلام، الرئيسان ميشال سليمان وأمين الجميل، الرئيس حسين الحسيني، النائب عاصم عراجي ممثلا الرئيس سعد الحريري، وزير الاعلام رمزي جريج، وزير العمل سجعان قزي، السفير البابوي غابرييل كاتشا، رئيس تكتل الاصلاح والتغيير النائب ميشال عون، النواب بهية الحريري، طوني أبو خاطر، نعمة الله ابي نصر، ابراهيم كنعان، جان أوغاسابيان، اميل رحمه، آغوب بقرادونيان، نبيل نقولا، الوزراء السابقون: سليم ورده، الياس حنا، وديع الخازن، يوسف سلامه، سليم جريصاتي، خليل الهراوي، غابي ليون، العميد شامل روكز ممثلا قائد الجيش العماد ميشال سليمان، العميد فؤاد حميد الخوري ممثلا المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء ابراهيم بصبوص، العميد فادي الخواجة ممثلا المدير العام للامن العام اللواء عباس ابراهيم، مستشار الرئيس سعد الحريري داوود الصايغ، رفيق شلالا، ميشال عقل.

كما حضر الفنانون ماجدة الرومي، الياس الرحباني وأولاد منصور الرحباني، عبد الحليم كركلا، الشاعر طلال حيدر، الدكتور انطوان صفير، رئيس مرفأ طرابلس السابق انطوان حبيب، ادارة جامعة سيدة اللويزة والاساتذة وحشد من الطلاب.

وكان جثمان الراحل الكبير وصل عند العاشرة والدقيقة الخمسين الى كنيسة مار جرجس المارونية وسط بيروت، محمولا على نعش مصنوع من صخر جبل لبنان ومن خشب الأرز محفور عليه كلمة لبنان، حيث حمل على الأكف حتى سجي في داخل الكنيسة. وقد وزع المنظمون من جامعة سيدة اللويزه ومحبو الراحل الكبير على الحضور مناديل حمراء مزينة باسم سعيد عقل.

وقد وضعت أكاليل من الزهر باسم الرئيس بري، الرئيس سلام، الرئيس الحريري، الرئيس فؤاد السنيورة، العماد ميشال عون، الوزير سليمان فرنجيه، الوزير جبران باسيل، حزب حراس الأرز، مدير المخابرات في الجيش العميد ادمون فاضل، جامعة سيدة الويزه وغيرهم.

الراعي
وبعد تلاوة الانجيل المقدس من الاستاذ عقل عقل نسيب الراحل الكبير، القى الراعي الكلمة الآتية:

“يشبه ملكوت السماوات كنزا ولؤلؤة” (متى 13: 44-45)

1 – ملكوت السماوات هو سر الله المتجلي في التاريخ بشخص يسوع المسيح، الإله – الإنسان، الذي هو الكنز واللؤلؤة. من يكتشفهما يمتلئ فرحا، ويسعى بكل ما لديه من طاقات روحية ومادية للحصول عليهما. وإذا فعل باخ إزاءهما كل شيء آخر وفقد قيمته، وبلغت الحياة ملئها ومعناها. هذا هو اختبار القديس بولس الرسول الذي اعتبر خسرانا الأشياء التي كانت له في السابق ربحا. بل أعد كل شيء خسرانا إزاء الربح الفائق أي معرفة يسوع المسيح (راجع فيل3: 7-8).

2 – هذا هو سر عملاق الأدب والشعر الدكتور سعيد عقل، شاعر لبنان الحلم والعنفوان والجمال، إبن زحله العزيزة، عروس البقاع، المولود على كتف البردوني. إننا نودعه بالأسى الشديد والصلاة، في لبنان والعالم العربي ودنيا الانتشار. غياب وجهه خسارة كبيرة، لكن نتاجه العظيم، شعرا ونثرا وقصائد ومسرحيات، يبقيه حيا في العقول والضمائر والقلوب، جيلا بعد جيل، فيظل ذخرا أدبيا وفكريا وحضاريا للأجيال المتعاقبة. سئل ذات يوم عن بداية حياته فقال: “بدأت بقراءة اللاهوت الذي هو أعظم من الفلسفة، وأعظم من العلم، وأعظم من الفن. ورغم حبي لهذه الأمور، فإن حب اللاهوت أكبر. عندما يدرسه الإنسان يصبح صاحب الكمال”. وقال: “أنا أتعبد للمطلق الذي هو الجودة والجمال. أما النقص والبشاعة فيوجعانني” (راجع جريدة الأنوار، 29/11/2014). وجد سعيد عقل كنزه ولؤلؤته في الجمال الإلهي المسكوب في الطبيعة والإنسان والوطن اللبناني. ففرح وراح يصنع الجمال بموهبته الشعرية والأدبية، ويزرع الفرح.

3 – يغيب عن عمر مئة وسنتين، وقد أغناها بما حباه الله من نبوغ، وما اقتنى من ثقافة واسعة، هو الذي قرأ روائع التراث العالمي، شعرا ونثرا، وفلسفة وعلما وفنا. وغاص في نتاج كل من CorneilleوRacine وShakespeare و Paul Verlaine و Paul Valéry و Baudelaire؛ وتعمق في اللاهوت المسيحي وكسب منه المحبة والفرح وفضيلة الثورة على كل التواء وانحراف وضعف، ودرس تاريخ الإسلام وفقهه، حتى غدا طليعة المثقفين في هذا الشرق.

في مطلع الثلاثينات، وهو بعد دون سن العشرين كتب بجرأة وصراحة في العديد من صحف زمانه: البرق والمعرض ولسان الحال والجريدة ومجلة الصياد؛ ثم علم تباعا الأجيال في مدرسة الآداب العليا، ومدرسة الآداب التابعة للأكاديمية اللبنانية للفنون الجميلة في دار المعلمين، وفي الجامعة اللبنانية وجامعة الروح القدس – الكسليك وجامعة سيدة اللويزه.

4 – أما نتاجه في الكتابة والتأليف فبدأه سنة 1935، وهو بعمر ثلاث وعشرين سنة، بمسرحية “بنت يفتاح” وهي أولى مسرحيات لبنان الكلاسيكية، ونالت جائزة “الجامعة الأدبية”، وأتبعها بقصيدة “فخر الدين” المطولة التاريخية الوطنية، وبرهن فيها أن الشعر يقدر أن يؤرخ ويظل شعرا مضيئا. وبعد سنتين أصدر قصيدته “مريم المجدلية” وأظهر فيها الشعر سكرة كثيفة الجمال جوهرها الموسيقى. ومن بعدها قصيدة “سميراميس” المعروفة برمزيتها الموسيقية. ثم كانت رائعته الشعرية مسرحية “قدموس” سنة 1944، وقدم فيها لونا جديدا من الملاحم التي تهز ضمير الأمة، وترفع لبنان على عرش الشعر في العالم. وفي مطلع الخمسينات كان ديوانه “رندلى”، مجموعة قصائد غزلية، ذات نفس إيقاعي – صوري جمالي، ما حمل العديد من الأهلين على تسمية بناتهم بهذا الاسم؛ ثم كتيبه النثري “مشكلة النخبة” الذي طالب فيه بإعادة النظر في كل شيء من السياسة إلى الفكر والفن. وكم سمعناه يردد: “هدفي أن تكون بلادي شيئا عظيما. فالبلدان ليست بالكبر، بل بالجودة”. وثار على السياسيين اللبنانيين، إذ صرح مرة: “إنني أسكت بعض المرات عن فرد مخطئ، وأتساهل مع الأخطاء في الأدب، ولكن بحق السياسة لا أسكت. أنا من طبعي لا أكره، ولكني أكره السياسيين الذين ضيعوا الفرص على بلادي” (راجع الأنوار 29/11/2014).

ولا مجال لإكمال سلسلة آثاره في الستينات والسبعينات والثمانينات وقد بلغ عددها عشرة، ما عدا كتاب “خماسيات” باللغتين اللبنانية والفصحى (1992)، وديوان شعر بالفرنسية اسمه “الذهب قصائد”. كما يترك بين أوراقه عدة دواوين مخطوطة وجاهزة للطبع. هذا فضلا عن قصائده في العديد من المناسبات، وقد غنى بعضها مطربون (راجع جريدة المستقبل 29/12/2014).

5 – هذا سعيد عقل الذي كان يعتزم في شبابه التخصص في الهندسة المعمارية، أضحى مهندسا حقيقيا في سبك شعره ونثره بالشكلية والرمزية والإيحائية والإيقاعية. فبرع فيها كمهندس معماري ونحات ورسام وجوهرجي، مزاوجا بين تأثيراته الفكرية والثقافية، اللبنانية والعربية والفرنسية والإنكليزية. فالشعر عنده ليس فقط كلمات وأفكارا بل وبخاصة جمالية وشكلية، وبهاء تعبيري ولغة وبناء (المرجع نفسه، مقال بول شاوول).

6 – وأحب لبنان وأعلاه إلى قمم الأوطان. وهو القائل: “أحب لبنان أكثر من نفسي”. وكان يعتبره وطنا غير عادي. فكم نقب في تاريخه السحيق والوسيط، مكتشفا العباقرة الكبار الذين يعرفهم العالم، ولا يعرف أنهم من مدن الساحل اللبناني القديمة: قدموس أبو الأبجدية، وموخوس مكتشف الذرة، وأقليد سيد الهندسة، وبيتاغوراس عالم الرياضيات، وسواهم ممن بنوا أعمدة المعرفة والحضارة في العالم القديم، فضلا عن مدرسة بيروت أم الشرائع. وكم عظم تاريخ مدن لبنان العريقة: بعلبك وجبيل وصور وصيدا وقانا وطرابلس وبيروت. وقدم في كتابه “لبنان إن حكى” سفرا لبنانيا يختصر جمالات لبنان التاريخ والعلم والحضارة.

7 – سعيد عقل هو هذا الفنان الذي قضى حياته الطويلة في بحث دائم عن المعنى العميق للأشياء، ورغبة حارة في التوصل إلى التعبير عن العالم الفائق الوصف. فكان ينهل من النبع الصافي، نبع الإنجيل وعلم اللاهوت، مثل شعراء المسيحية القديسين أمثال افرام السرياني ويعقوب السروجي وأغسطينوس وأمبروسيوس وغريغوريوس النيصي، وكان قولهم المأثور: “إن فننا الأوحد هو الإيمان، والمسيح هو ترنيمنا”. وقد مزجوا شعرهم بالموسيقى المقدسة والتعبير اللحني عن إيمانهم وإيمان الكنيسة. فقرنوا “الجمال” “بالخير”، ونقلوا النفوس، عبر دروب الفن، من المحسوس إلى الأبدي (راجع قداسة البابا يوحنا بولس الثاني إلى أهل الفن، 7). فوضع بدوره مشروع “قداس ماروني” عبر فيه عن كل إيمانه وشغفه بالمسيح الإله والإنسان.

8 – سعيد عقل، الشاعر والأديب ومهندس النفس الوطنية، سلك هذا الدرب الرفيع، مستنيرا بالروح الإلهي المبدع والملهم. كان يدرك أن هذا الروح الإلهي هو الفنان الخفي في الكون، وموزع مواهب الإلهامات الإبداعية التي يتجذر فيها كل نتاج فني أصيل. وكان يؤمن أن النسمة الإلهية للروح المبدع تأتي لملاقاة عبقرية الإنسان، وتحفز طاقاته الإبداعية، وتجعله يعيش “لحظات نعمة” مع المطلق الذي يتعالاه (المرجع نفسه، 15). واعتبر مع المفكر والكاتب الروسي دوستويفسكي: “إن الجمال وحده سيخلص العالم”.

9 – كل حياة سعيد عقل كانت استعدادا وتوقا لرؤية الجمال الإلهي الفائق. ولذلك صلى وتركها لنا صلاة ننشدها في كنائسنا:

أعطنا رب، قبل كل عطاء أن نحط التفاتة في سناك
كل ما دون وجهك الجم وهم أعطنا، رب، أعطنا أن نراك

انتقل بسلام، أيها الشاعر والأديب العملاق والمؤمن المصلي، إلى رحاب الجمال الإلهي في السماء. وأنت القائل بتوق: “ما أحلى من يسوع إلا رؤية يسوع”.

وليجد العزاء في هذا كل الذين يبكونك وبخاصة أسرتك ومدينة زحله ومجلسها البلدي وجامعة سيدة اللويزه، بل كل لبنان. هنيئا لك لقد وجدت “الكنز واللؤلؤة”، ملكوت السماء، الذي تدخل أبواب مجده بنعمة الآب والابن والروح القدس، آمين.

وطنية

عن الاتحاد الكاثوليكي العالمي للصحافة - لبنان

عضو في الإتحاد الكاثوليكي العالمي للصحافة UCIP الذي تأسس عام 1927 بهدف جمع كلمة الاعلاميين لخدمة السلام والحقيقة . يضم الإتحاد الكاثوليكي العالمي للصحافة - لبنان UCIP – LIBAN مجموعة من الإعلاميين الناشطين في مختلف الوسائل الإعلامية ومن الباحثين والأساتذة . تأسس عام 1997 بمبادرة من اللجنة الأسقفية لوسائل الإعلام استمرارا للمشاركة في التغطية الإعلامية لزيارة السعيد الذكر البابا القديس يوحنا بولس الثاني الى لبنان في أيار مايو من العام نفسه. "أوسيب لبنان" يعمل رسميا تحت اشراف مجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك في لبنان بموجب وثيقة تحمل الرقم 606 على 2000. وبموجب علم وخبر من الدولة اللبنانية رقم 122/ أد، تاريخ 12/4/2006. شعاره :" تعرفون الحق والحق يحرركم " (يوحنا 8:38 ).