أختر اللغة
الرئيسية | أخبار الكنيسة | ويلات يسوع السبعة للفريسيّين ( متى 23 : 13 – 36) بقلم البيبليّ الفرنسي كلود تاسان
ويلات يسوع السبعة للفريسيّين ( متى 23 : 13 – 36) بقلم البيبليّ الفرنسي كلود تاسان
يسوع الناصري

ويلات يسوع السبعة للفريسيّين ( متى 23 : 13 – 36) بقلم البيبليّ الفرنسي كلود تاسان

يتوجّه يسوع مباشرة نحو ” الكتبة والفريسيين المرائين ” ، عبر سبع مناشدات تسمّى ” لعنات ” . ومثل هذه المناشدات كانت تقصد أناسا يستحقّون الشفقة ، لأن هناك شرّا قد اكتنفهم . واستخدمها الأنبياء للإنباء بالكوارث التي ستحلّ بأولئك الذين ، بسوء سلوكهم ، استحقوها !

التأنيب الأوّل (الآية 13) ، يقول كلود تاسان بخصوص الآية 14 ” الويلُ … لأنكم تأكلون بيوت الأرامل ، وفي الوقت ذاته تطيلون الصلاة ، سينالكم العقاب الأشدّ . أنّ هذه الآية غائبة من مخطوطات متى ، وهي ترجعُ ولا شكّ إلى نسّاخ دُهِشوا لغياب هذه الآية الواردة في نصّ مرقس (12 : 40) . إذن ، التأنيب الأوّل هو بمثابة مفتاح لكل التعنيفات اللاحقة . فالكتبة ، مفسّرو الشريعة ، والفريسيّون الملتزمون بها بدقة ، كانت بيدهم فعليّا المفاتيح التي تمكّن الإنسان من الخضوع لسلطة الله الخيّرة . ولكنهم ، خلافا لبطرس ، الكاتب الحقيقيّ في الملكوت (متى 16 : 19) ، يتصرّفون بصفة بوّابين متسلّطين ، يُكثرون من عبارات ” ممنوع الدخول ” ، فيجدون انفسهم بالتالي خارجًا ، بسبب تصرّفاتهم التي ستفصّلها المناشدات التالية .

التأنيب الثاني (آية 15) يذكر الاقتناص الذي يمارسه اليهود . وخلافا للمعنى السلبيّ لهذه الكلمة ، ليس المقصود دعاية لكسب الوثنيّين ، وإنما قبولهم كمهتدين في الجماعة اليهوديّة . ذلك أنّ عبارة ” دخيل ” اليونانيّة Proselyte تعني ” الذي يأتي إلى ” ، إذ لم يكن للدين اليهوديّ ” مبشّرون ” بالمعنى المسيحيّ للكلمة ؛ لا بل كان الفريسيّون منقسمين بشأن قبول الدخلاء . غير أنّ أحد تيّاراتهم – وأحد ممثليه غمالائيل معلّم القديس بولس (أعمال 22 : 3) – كان يشجّع على اندماج الوثنيّين المهتدين . وكان اليهود المؤيّدون لهذا الإتجاه يستغلون اسفارهم إلى الخارج كي يعرّفوا بالله الحقيقيّ و ” بالفلسفة اليهوديّة ” ، وقد نجحوا بعض الشيء في ذلك العالم القديم ، حين كان هناك فلاسفة شعبيّون يجولون للبحث عن مؤيدين جدد .

هكذا عرف متى ، إذن ، فريسيّين غيورين يسعون إلى جعل غير اليهود ينفتحون على إيمان اسرائيل ، فهو لا ينتقدُ مثل هذه الغيرة ؛ إلاّ أنه يلومهم على أنهم يحجبون جوهر الإيمان ، حين يسعونَ إلى صوغ المهتدين وفق أساليبهم الطقسيّة وريائهم .

وحين نقرأ مكاشفات القديس بولس ، نرى أنّ بعض الواعظين المسيحيّين في الخمسينات كانوا يشدّدون كثيرًا على الممارسات اليهوديّة . ويُحتمل أن يكون هذا الإتجاه قد استمرّ ، حتى إن متى ، من خلال الفريسيّين الغيارى ، قصد أيضا مبشّرين مسيحيّين من أصل يهوديّ . فالمسيحيّ لا يهدي اخوته البشر حين يصوغهم وفق ممارساته الشخصيّة ، وإنما حين يحملهم على اكتشاف المسيح الذي ينتظر ، هو الآخر ، إهتداء المسيحيّ بالذات .

التأنيب الثالث (آية 16 – 22) ، هو بمثابة إمتداد للتأنيب السابق . ذلك أن اليهود الذين يجاهدون لهداية الوثنيّين ، يعتبرون انفسهم ، بحسب القديس بولس ” قادة عميان ” (رومة 2 : 19) . ولكم سخّف متى هذه العبارة (يقول البيلبيّ تاسان) ، حين وصف الكتبة والفريسيّين بأنهم “قادة عميان ” . ولمّا كانوا عميانا يقودون عميانا ، فهم إنما يضلّلون الذين يتبعونهم في متاهة ديانة قصيرة البصر – والشاهد على ذلك تراتبيّة باطلة في أيْمانها ، سبق أن رفضتها برمتها العظة على الجبل . وقد استُبدلت ، في الممارسة القضائيّة اليوم ، بسلسلة من المناورات ، مما يؤدي إلى الإلتجاء المستمرّ إلى ” المحاكم ” ! .

التأنيب الرابع (آية 23 – 24) يذكّر بأن اليهود كانوا يدفعون للهيكل عبر غلّتهم . وكان أكثرهم وسواسا قد جعل هذا العشر يمتدّ حتى أصغرَ التوابل ؛ ومتى لا يرفض ذلك ، ما دام هذا الوسواس لا يغطّي على الجوهريّ ، أي ذلك الحرص على “العدل والرحمة ” – وهي تهرع لسد حاجات البائسين – ، و ” الأمانة ” ، أي تلك النزاهة في كلّ علاقة؛ فبدون هذه المزايا ، تصبح الديانة ( عماوة ) ، كما يشدّد على ذلك مثلُ البعوضة والجمل ( آية 24) .

التأنيبُ الخامس (اية 25 – 26 ) ، يذكّر بطقوس التطهير بشأن غسل الاواني ، وبالمجادلات بين الفريسيّين لمعرفة ما إذا كان غسل الأواني يحقّق ، وحده ، كامل الطهارة الطقسيّة . ويسوع ، كما في متى 15 : 10 – 20 ، يحوّل الجدال : المهمّ هو الطهارة الخلقيّة الداخليّة التي تقتلعُ الطمع وكل الحواجز التي تحول دون السيطرة على الذات ، وهي بالتالي تفوقُ الحرص على الطهارة الخارجيّة . وفيما يشجبُ هذا التأنيب ، مجدّدا ، التناقض بين ما هو عليه المرء وبين ما يبدو في الظاهر ، يقصد بالتالي المسيحيّين بقدر ما يقصد الفريسيّين .

التأنيب السادس (آية 27 – 28) الذي اشتهر بعبارة ” القبور المكلّسة ” ، يكمل التأنيب السابق . لقد كانوا يبيّضون القبور كي تصبح مرئيّة حتى في الليل ، وهكذا يتجنّبون لمسها والتنجّس بها كونها تقيم صلة مع الموت . وتبدو هذه الصورة على جانب كبير من القوّة : فمن وراء ظاهر الإنسان البارّ ، قد تختفي نتانةُ الرياء وعدم الأمانة للشريعة .

التأنيب السابع (آية 19 – 31) يرتبط ، هو الآخر ، بالسابق عبر استخدام كلمة “قبور” . ففي بداية العهد الميلاديّ ، كان اليهود يشيّدون أضرحة لذكرى الأنبياء والقديسين . وبشعور عميق بالخطيئة ، كانوا يتذكّرون أن أجدادهم اضطهدوا مرسَلي الله ؛ ومن هنا نشأت أساطير بموجبها كان اشعيا قد نُشر بأمر الملك الجاحد ، وارميا قد رُجِمَ . وكان تشييد قبور لهم يعني بالتالي علامة ” ندامة ” ؛ وتلك نقطة يبني عليها يسوع برهانا ملتبسًا : فحين يعلن الكتبة والفريسيّون أنهم ، لو كانوا في أيّامهم ، لما اشتركوا في قتل الأنبياء ، فهم بذلكَ يدّعون أنهم كاملون . والواقع على يد منْ صُفّي الأنبياء ؟ على يد أناس كانوا يعتبرون أنفسهم بغير لوم ! والنتيجة : أنهم بنو أولئك الأجداد المجرمين وغير النادمين . وسوف يبرهنونَ على ذلك حين سيقع مرسَلو يسوع بين ايديهم ( اية 34) .

الحكم النهائيّ (الآية 32 – 36) يتبعُ القواعد الخطابيّة المألوفة لدى أنبياء العهد القديم ، ويعطي كلّ ثقله للتأنيب السابع . تبدأ الآية 32 بصيغة أمر ساخر يستبقُ موت يسوع : اذهبوا ، إذن ، حتى نهاية منطقكم الإجراميّ ! ومن ثمّ يأتي سؤال فيه قدر كبير من البلاغة : أناس قد سكنتهم عداوة الحيّة الشيطانيّة وملأهم سمّ الأفعى ، كيف يُفلتون من عقاب نهائيّ ؟!

يعطينا كلود تاسان ثلاثة مآخذ :

أولا : المأخذ (آية 34) ، يستعرض الإنجيليّ ، عبر يسوع المتكلّم عن المستقبل ، خلاصيّة مأساويّة عن رسالة الكنيسة تجاه يهود فلسطين : أنبياء وحكماء وكتبة آخرون من الجماعة المسيحيّة أضطهِدوا ، لا بل أُبيدوا ؛ ويقول متى أنهم ” صُلِبوا ” ، تأكيدًا منه على وحدة المصير بين يسوع ومرسَليه .

ثانيًا : العقاب (آية 35) ، سيقعُ دم يسوع ومرسَليه على المسؤولين . ولاشكّ أنّ قرّاء متى الأوائل قد استذكروا ، هنا ، نهاية أورشليم ، ورأوا فيها خاتمة مأساويّة للإضطهاد الدمويّ الذي نالَ كلّ الأبرار ، من أوّلهم حتى آخرهم : جريمة القتل الآولى كانت مقتل هابيل ( تك 4) ، والأخيرة في التاريخ البيبليّ كانت مقتل الكاهن زكريّا (2 أخبار 24 ) . إلاّ أن اليهود ، بدمجهم ، في صورة واحدة ، أشخاصًا في الكتاب المقدّس يحملون الإسم ذاته ، فقد ماثلوا ، بطيبْ الخاطر ، بين زكريا الكاهن والنبيّ زكريا (بن برخيا) . واستغلّ متى هذا الخلط ليدين ، بالتالي ، مقتل كلّ الأبرار عبر هابيل ، ومقتل كلّ الأنبياء عبر زكريّا .

ثالثا : يتجلّى تأييد الحكم (آية 36) في الجيل الذي عليه سيقع الحكم ؛ وليس المقصود هنا جيل يسوع بقدر ما هو جيل متى ، مع تلميح ٍ جديد ٍ إلى خراب أورشليم .

عدي توما / زينيت

عن الاتحاد الكاثوليكي العالمي للصحافة - لبنان

عضو في الإتحاد الكاثوليكي العالمي للصحافة UCIP الذي تأسس عام 1927 بهدف جمع كلمة الاعلاميين لخدمة السلام والحقيقة . يضم الإتحاد الكاثوليكي العالمي للصحافة - لبنان UCIP – LIBAN مجموعة من الإعلاميين الناشطين في مختلف الوسائل الإعلامية ومن الباحثين والأساتذة . تأسس عام 1997 بمبادرة من اللجنة الأسقفية لوسائل الإعلام استمرارا للمشاركة في التغطية الإعلامية لزيارة السعيد الذكر البابا القديس يوحنا بولس الثاني الى لبنان في أيار مايو من العام نفسه. "أوسيب لبنان" يعمل رسميا تحت اشراف مجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك في لبنان بموجب وثيقة تحمل الرقم 606 على 2000. وبموجب علم وخبر من الدولة اللبنانية رقم 122/ أد، تاريخ 12/4/2006. شعاره :" تعرفون الحق والحق يحرركم " (يوحنا 8:38 ).