أختر اللغة
الرئيسية | أخبار الكنيسة | لبنان : الأب جورج مسّوح : 1860 تاريخ وذاكرة نزاع
لبنان : الأب جورج مسّوح : 1860 تاريخ وذاكرة نزاع

لبنان : الأب جورج مسّوح : 1860 تاريخ وذاكرة نزاع

"1860 تاريخ وذاكرة نزاع" هو عنوان المؤتمر الذي عقد لثلاثة أيّام في بيروت، وشارك فيه نحو أربعين أكاديميًّا وباحثًا ينتمون إلى جامعات ومؤسّسات دراسيّة في لبنان وسوريا وتركيا وفرنسا وسويسرا

والولايات المتّحدة الأميركيّة. وتوزّعت الأوراق المقدّمة في المؤتمر على أربعة محاور: الحدث، شهود عيان، الذاكرة والتاريخ، ومقاربة نقديّة.

أحداث 1860 الطائفيّة لـمّا تنتهِ بعد. تستعيدها الذاكرات في كلّ مرّة تذرّ الفتنة الطائفيّة بقرونها منذرةً بأيّام سوداء وعجاف آتية عاجلاً أم آجلاً. أحداث عمرها قرن ونصف قرن، لكنّ آثارها ما زالت حيّة وماثلة في العقول والأفئدة. لذلك لم يتوانَ المشاركون عن المقارنة بين ما جرى سنتذاك وما يجري اليوم وما يهيّأ للغد إذا لم يتمّ تدارك الأمور والانتفاع من دروس الماضي الأليمة لتفادي مصير يكاد أن يكون محتومًا.

غاص الباحثون في سبر غور الأسباب والدوافع التي أدّت إلى الحوادث المذكورة في جبل لبنان وفي دمشق. فلم يغفلوا الأبعاد الداخليّة لها والصراعات على النفوذ والنزاعات الطائفيّة المستشرية. غير أنّهم بيّنوا أيضًا الأبعاد الخارجيّة التي فعلت فعلها السلبيّ في إذكاء النزاعات ووصولها إلى حدّ ارتكاب المجازر والمذابح والتهجير. فالسلطنة العثمانيّة بولاتها والدول الأجنبيّة بقناصلها أدّت دورًا كبيرًا في الحضّ على النزاع عبر إغداقها الوعود بالمساندة والدعم، واستجاب لها أصحاب الطوائف والمذاهب قارعين أنفار الحرب.

وأبرز المحاضرون الذين قدّموا أبحاثًا عن شهود العيان، الذين دوّنوا مذكّراتهم عن تلك الحوادث في مخطوطات بعضها لم يُنشر بعد، كيف أنّهم عبّروا عن خيبة الأمل بالدول التي حضّتهم على النزاع ثمّ تخلّت عنهم عندما تبدّلت المصالح والأهواء العليا. ففرنسا وروسيا والسلطنة العليّة وسواها من الدول استغلّت الغرائز الطائفيّة الموجودة أصلاً لدى الجماعات الدينيّة العديدة المنتشرة في بلاد الشام ولبنان لتوريطها في الحوادث ثمّ اللعب بها كما يلعب الهواء بأوراق الشجر.

كما تناول بعض المشاركين النتائج الاقتصاديّة والخسائر الهائلة التي ترتّبت عن النزاعات، والتعويضات التي صُرفت للمتضرّرين. ولم يغفل هؤلاء الإشارة إلى الفساد الذي ساد توزيع تلك التعويضات والرشاوى التي دُفعت لبعض الوجهاء ورجال الإكليروس الذين أسهموا في تحصيلها. فديمتري الدبّاس الدمشقيّ (1837-1912) الذي هاجر إلى بيروت إبّان تلك الحوادث التي دوّن أخبارها في مذكراته يقول: "كانت أكثر النقود تُدفع براطيل إلى أعضاء الكومسيونات. وصارت تباع المائة بستّين أو سبعين يأخذها أغنياء بيروت فيدفعون منها للحكومة ويقبضونها، حتّى صارت مصائب قوم لقوم فوائد".

يضيق بنا المجال هنا لعرض كلّ وقائع هذا المؤتمر، غير أنّه يسعنا القول بأنّ الأبحاث التي قُدّمت كانت على مستوى رفيع من العلميّة والدقّة والصراحة الفائقة. والمشاركون لم ينحازوا إلى سوى البحث عن الموضوعيّة والاقتراب قدر الإمكان من الحقائق التاريخيّة، إذ يتعذّر الوصول إلى حقيقة جازمة في التأريخ. وقد صدق الكاتب سليمان تقي الدين حين قال: "التأريخ السياسيّ يسيطر على التأريخ الاجتماعيّ. ولم نجد بعد رواية نقديّة تؤسّس لتجاوز ذاكرة الحروب".

هذا المؤتمر بكلّ ما دار فيه من أفكار ونقاشات مهمّ جدًّا. فالسوريّون واللبنانيّون، مسلمون ومسيحيّون، الذين يمرّون اليوم في فترة عصيبة تتحدّد فيها مصائرهم ينبغي لهم اسخلاص العبر والدروس ممّا جرى في بلادهم عام 1860 وسواه من أعوام المحن والفتن كي لا يسقطوا مجدّدًا في الفخّ الذي سقط فيه أجدادهم.

النهار 16/10/2011

عن الاتحاد الكاثوليكي العالمي للصحافة - لبنان

عضو في الإتحاد الكاثوليكي العالمي للصحافة UCIP الذي تأسس عام 1927 بهدف جمع كلمة الاعلاميين لخدمة السلام والحقيقة . يضم الإتحاد الكاثوليكي العالمي للصحافة - لبنان UCIP – LIBAN مجموعة من الإعلاميين الناشطين في مختلف الوسائل الإعلامية ومن الباحثين والأساتذة . تأسس عام 1997 بمبادرة من اللجنة الأسقفية لوسائل الإعلام استمرارا للمشاركة في التغطية الإعلامية لزيارة السعيد الذكر البابا القديس يوحنا بولس الثاني الى لبنان في أيار مايو من العام نفسه. "أوسيب لبنان" يعمل رسميا تحت اشراف مجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك في لبنان بموجب وثيقة تحمل الرقم 606 على 2000. وبموجب علم وخبر من الدولة اللبنانية رقم 122/ أد، تاريخ 12/4/2006. شعاره :" تعرفون الحق والحق يحرركم " (يوحنا 8:38 ).
كنيسة مار تقلا – بقنايا منذ 1860… كانت ملجأ المتألمين والمظلومين

كنيسة مار تقلا – بقنايا منذ 1860… كانت ملجأ المتألمين والمظلومين

إثر أحداث سنة 1860، صارت هناك هجرة لعائلة أبو جوده من مناطق الجبل، فحملوا معهم شفيعتهم القديسة تقلا. وقد بدأت أعمال بناء الكنيسة في بلدة بقنايا – المتن الشمالي ابتداء من سنة 1861 

وحتى 1870 على اسم القديسة تقلا، وحسب الوثائق الموجودة في الأرشيف، كانت الكنيسة آنذاك يُحتفل فيها بالأعياد والمناسبات المتعلقة بالرعية.أكّد الأب نبيل أبو جوده، كاهن رعية مار تقلا في بقنايا، أن هذه الكنيسة احتضنت آلام وصعوبات وأفراح أشخاص زاروها، وصَلّوا فيها، وطلبوا شفاعتها على مدى أجيال وأجيال. وأضاف: "عندما يدخل المؤمن هذه الكنيسة، ينتابه شعور رهبة لا يمكن تفسيره بالكلمات، إحساس عميق بحضور إلهي مميز جدا، فالقديسة تقلا تخَلّت عن حياتها من اجل المسيح".

قال كاهن رعية القديسة تقلا جل الديب – بقنايا المتن الشمالي الأب نبيل أبو جوده: إننا محظوظون بوجود أقدم كنيسة للقديسة تقلا على الساحل المتني، فمنذ سنة 1860 والناس يأتون من كل مكان ويطلبون شفاعة هذه القديسة، ولديهم الثقة العمياء أنّ الرب حاضر، وسيستجيب لكلّ توسلاتهم وآمالهم".

وأضاف: "حتى يومنا هذا، ما زال هناك الكثير من الناس يطلبون أن تُقام الاحتفالات الخاصة بهم في الكنيسة القديمة على رغم وجود الكنيسة الكبيرة في الرعية، حيث يشعرون بفرح وسلام يدخل أعماقهم بمجرّد وجودهم في هذا المكان".

وقال الأب نبيل أبو جوده، في عظة ألقاها بمناسبة الاحتفال الذي أقيم في الرعية، إنّ القديسة تقلا أولى الشهيدات، تبدلت انتظاراتها الدنيوية بتجليات سرّ المسيح، الذي بدّل حياتها وفتحها الى انتظارات أخرى. ولدت سنة 20 في آسيا الصغرى، في حضن عائلة وثنية غنية. كانت مخطوبة الى شاب، عندما سمعت كرازة بولس الرسول عن المسيح في أيقونية مدينتها. وَقع كلام بولس في قلبها: "ماذا يفصلني عن محبة المسيح، أشِدة أم ضيق؟ أم سيف وجوع وموت؟"، فولّد "الإيمان من السماع". تعمّقت بما سمعت وطلبت المعمودية، فتبدّلت حياتها كلها، هذه كانت حقا ولادتها الثانية التي جعلتها تُعاين سرّ ملكوت الله وتدخل في عمق الشركة مع الله، على ما قال يسوع لـ نيقوديموس: "ما لم يولد الإنسان من الماء والروح، لا يستطيع أن يعاين ملكوت الله، ولا أن يدخله".

وأضاف الأب أبو جوده: "إن واجبنا المسكوني الأول في هذا العصر هو الشهادة معا لحضور الله الحي، وبهذا نعطي العالم جوابا على ما يحتاجه: الشهادة ليسوع المسيح، الإنسان الحق والإله الحق".

تابع أبو جوده يقول: "إننا نعيش في عالم، حيث المعايير أن نكون بشرا، باتت مُهتزة؛ إذ استبدلت الأخلاقية بحساب التبعات. وإزاء هذا الأمر، علينا نحن المسيحيين الدفاع عن كرامة الإنسان غير القابلة للانتهاك، منذ الحبل بها وحتى موتها الطبيعي، في ما يخص مسائل التشخيص ما قبل الزرع وحتى الموت الرحيم… فمن دون معرفة الله، يغدو الإنسان قابلا للتلاعب به. والإيمان بالله يجب أن يعزّز تحقيق التزامنا المشترك لصالح الإنسان.

ولفت أبو جوده إلى أن الوحدة تنمو، لا بواسطة تفضيل الفرَص أو ضياعها، بل عبر ولوج أكثر عمقا في الإيمان من خلال الفكر والحياة. واستطرد قائلا: "أيُمحى العالم بسبب فساد الكبار وحتى الصغار أيضا، الذين يفكرون فقط في حساباتهم الخاصة؟ أم بسبب سطوة المخدرات القائمة على المال والجشع واللذة؟ أليس العالم مهددا بتنامي الاستعداد للعنف المُتخَفّي تحت لباس الدين؟ قد يستطيع الجوع والفقر أن يمحوا مساحات كبرى من العالم، إذا لم يَستعِر قويّا نار حب الله وحب القريب والخلائق والناس؟"

وأجاب :"إنّ الشر ليس حماقة أو جهالة، فإذا وضعنا الله حقّا في صلب حياتنا، عندها لن يستطيع الشر الاستقواء أبدا. أما بشأن مسيرة الحركة المسكونية، فشدد الأب أبو جوده في عظته على أولويّة التحَلي بالحزم والعزم في مجابهة ضغوط العلمنة، وعدم التخلي عن الأمور العظيمة المشتركة التي قرّبت المسافة بين المسيحيين وتظلّ عطية وواجبا".

وأضاف أبو جوده أن غياب الله عن مجتمعنا بات ثقيلا، وأن تاريخ وَحيه الذي تكلم عليه الكتاب المقدس، ربما صار ضربا من الماضي يبتعد شيئا فشيئا… وهنا يحضر دور الكنائس وواجبها مجتمعة في حوارها المسكوني. وأكّد أن إيمانا تفكر به وتعيشه من جديد، والذي من خلاله ومعه يدخل الله الحي إلى قلب العالم، هو وحده قادر على إنقاذ وتخليص المسيحية. فالإيمان المُعاش بعمق وسط عالم مُعلمَن، هو القوة المسكونية الأكبر التي تقودنا وتهدينا إلى الوحدة بالرب يسوع المسيح الأوحد.

وفي عالم قلق ولا مُبالٍ، تابع الأب أبو جوده، حيث يفقد أناس كثيرون التوجيه والدعم، وحيث أضحت الأمانة للحب الزوجي والصداقة هَشّة جدا وقصيرة الأمد، يَهبّ الرب القائم من الموت ليقدم لنا ملجأ ومكان نور ورجاء وثقة وسلاما وأمانا: فحيث الجفاف والموت يهددان الأغصان، هناك مستقبل وحياة وفرح بالمسيح".

وختم الأب نبيل أبو جوده: "عاشت تقلا 90 سنة ودفنت في سلوقية حيث ماتت، وأضحى قبرها ينبوعا فائضا بالنِعَم، ثمرة صمودها وصلاتها ضد قوات الشر في هذه الدنيا. وهي، على رغم التهديدات، احتملت بشجاعة وصبر وثبات عذابَ النار والوحوش والسجن والثيران والحيّات. فكانت تنجو وتنتصر، لأنها آمنت، وبصدق كبير، أن يسوع هو وحده الطريق والحق والحياة".

 

 

عن الاتحاد الكاثوليكي العالمي للصحافة - لبنان

عضو في الإتحاد الكاثوليكي العالمي للصحافة UCIP الذي تأسس عام 1927 بهدف جمع كلمة الاعلاميين لخدمة السلام والحقيقة . يضم الإتحاد الكاثوليكي العالمي للصحافة - لبنان UCIP – LIBAN مجموعة من الإعلاميين الناشطين في مختلف الوسائل الإعلامية ومن الباحثين والأساتذة . تأسس عام 1997 بمبادرة من اللجنة الأسقفية لوسائل الإعلام استمرارا للمشاركة في التغطية الإعلامية لزيارة السعيد الذكر البابا القديس يوحنا بولس الثاني الى لبنان في أيار مايو من العام نفسه. "أوسيب لبنان" يعمل رسميا تحت اشراف مجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك في لبنان بموجب وثيقة تحمل الرقم 606 على 2000. وبموجب علم وخبر من الدولة اللبنانية رقم 122/ أد، تاريخ 12/4/2006. شعاره :" تعرفون الحق والحق يحرركم " (يوحنا 8:38 ).
مقال: الطائفية السياسية في محفوظات دولة فرنسا من 1860… وحتى اليوم

مقال: الطائفية السياسية في محفوظات دولة فرنسا من 1860… وحتى اليوم

منذ اثارة مسألة الغاء الطائفية السياسية من رئيس مجلس النواب صدرت ردود فعل كثيرة متباينة في الآراء عن صوابية مناسبة التحدث عن هذه المبادرة.حصلت من البحوث التي قمت بها في هذا المضمار على كمّ كبير من المستندات، العائدة الى كيفية انشاء النظام التأسيسي الخاص بلبنان والمستقاة من محفوظات دولة فرنسا.

والفضل في هذه المراجع هو للوزير السابق ميشال اده رئيس المؤسسة المارونية للانتشار، ومنها المعلومات والاحصاءات العائدة الى التطوّر السكاني خلال المدة التي تراوح ما بين 1860 و1943، وقد ورد قسم كبير منها خلال مداخلاته على محطات التلفزة، الى الدكتور انطوان حكيم في كتابه الموثّق عن مكونات الدستور اللبناني في العام 1926.
وارتأيت انه من المفيد ان اضع هذا الكمّ الفريد من المعلومات التاريخية في تصرّف اللبنانيين، كما وردت حرفياً في المحفوظات من دون تأويل او تفسير من قبلي، حتى يتسنى لهم استقصاء ماهية هذه القضية، والتحقق من ان قانون العددية لم يكن يوماً من الايام سمة الحكم في لبنان.
على اثر حوادث عام 1860 (سنة الحركة بالعامية) ارسلت فرنسا قوة عسكرية لتثبيت الامن، بعد التقاتل الدامي بين الموارنة والدروز في غالبية مناطق جبل لبنان، ومن ثم اجرت عملية احصاء طالت الاقضية الـ 36 التي كانت في ذلك الحين توازي لبنان الحالي، بما فيه قضاء الحولة الذي تم الحاقه عام 1920 بدولة فلسطين.
وسجّلت عملية الاحصاء وجود 487600 نسمة موزعة وفق الطوائف كما يتبين في الجدول الرقم "1".
بتاريخ 9 حزيران 1861 صدر اول بروتوكول لتنظيم الحكم في لبنان مكوّن من حاكم مسيحي تعيّنه السلطة العثمانية مسؤول تجاهها، تعاونه هيئة ادارية مركزية مؤلفة من اثني عشر عضواً منهم: (يرجى مراجعة الجدول رقم 1) 2 للموارنة، 2 للدروز، 2 للروم الكاثوليك، 2 للروم الارثوذكس، 2 للشيعة و2 للسنة.
في 6 ايلول 1864 صدر تنظيم جديد للمتصرفية، الذي ألغى 7 اقضية اذ تدنى عدد اللبنانيين الى 266992 نسمة موزعة على الطوائف كما يتبين في الجدول الرقم "2" وهذا اللبنان المبتور بقي كما في السابق يحكم من مسيحي تعينه السلطة العثمانية مسؤول تجاهها، تعاونه هيئة ادارية مركزية مؤلفة من اثني عشر عضواً منهم: 4 للموارنة، 3 للدروز، 2 للروم الارثوذكس، 1 للروم الكاثوليك، 1 للسنة، 1 للشيعة.
انتهى عهد المتصرفية عام 1915 على اثر احتلال جبل لبنان من الجيش العثماني، الذي ألغى الاستقلالية التي كان يتمتع بها منذ 1864. كما حلّت السلطة العثمانية الهيئة الادارية المركزية وابدلتها بالحكم العرفي، ومركزه مدينة عاليه.
ثم تتالت الكوارث على جبل لبنان من جراء الاعتداءات التي افتعلتها السلطة العثمانية في احتجاز الاملاك الزراعية والحصاد والمواشي، مع قفل الحدود البرية والبحرية ما اوقف عمليات الاستيراد والمعونات والتحويلات من المغتربين. زد على ذلك جيوش الجراد التي اجتاحت البلاد والتي اكلت الاخضر المتبقي واليابس.
هذه الاحداث المؤلمة والكارثية التي عمّت جبل لبنان، تمثّلت بانخفاض كبير في عدد الموارنة، الذين كانوا يمثلون 58,52% في عهد المتصرفية سنة 1913 الى 32,70% سنة 1920 في كل اقضية لبنان الكبير (يرجى مراجعة الجدول "4").

مكونات الدستور اللبناني للعام 1926

وفي ما يأتي مقتطفات من كتاب الدكتور انطوان حكيم التي استقاها من محفوظات دولة فرنسا والتي تتعلق بموضوع هذا البحث: "لدى نجاح اليساريين في الانتخابات النيابية الفرنسية، استُبدل المفوّض السامي الجنرال فيفان، الذي اتسمت سياسته في الحكم بالتروّي والحكمة، بالجنرال موريس ساراي ذي الشخصية العنصرية الحاقدة والباغضة، لكل ديانة واكليروس، تابع للماسونية وجاهل كل الجهل، خصوصيات الشرق واوضاعه. اذ كان يعتبر كل متخرج من جامعة اليسوعيين منصاعاً لارادة البطريرك ولليسوعيين. ومن اخطائه السياسية الكبيرة في سوريا حركة تمرد الدروز، وفي لبنان حلّ المجلس التمثيلي الذي كانت مهمته اقتراح مشروع النظام الدستوري. وقرر اعتماد العلمنة بغية كسر نفوذ الاكليروس باصدار مشروع قرار يعدّل قانون الانتخاب بفرض الغاء توزيع المقاعد وفق التركيبة الطائفية بين اعضاء المجلس التمثيلي".
"من الآن وصاعداً لن تؤخذ في الاعتبار الطوائف المتعددة في عملية انتخاب المجلس التمثيلي. كان ساراي يتوخى من ذلك ان الناخب له الحق بأن يعطي صوته الى المرشح الذي يختاره من دون اي موجب باختيار المرشح حسب الطائفة التي ينتمي اليها".
"خلال آذار 1925 صدر مشروع القرار الآنف الذكر في كل الصحف وكانت ردود الفعل عليه كثيرة، فتنبهت الخارجية الفرنسية لهذا الامر، خاصة تجاه الانتقادات القاسية التي وجهتها البطريركية المارونية، فعمد رئيس مجلس الوزراء الفرنسي ادوار هيريو، الذي لم يكن على علم بمضمون مشروع القرار، الى توبيخ ساراي من دون ان يأخذ في حقه اي قرار. دامت هذه المشاحنات بين ساراي والخارجية الفرنسية حتى 18 حزيران 1925، تاريخ البرقية القاسية المرسلة من رئيس الوزراء التي ارغمت ساراي على الرضوخ من دون مراوغة وفي ما يأتي نص البرقية:
"لا تكون تعليماتي نافذة الا اذا حصلت الانتخابات في جبل لبنان في آخر هذا الشهر بموجب القانون الحالي، وفي كل الاقضية الانتخابية القديمة، مع توزيع المقاعد وفق النموذج الحالي واعتماد مكاتب الانتخاب في ذات الامكنة".
"وصرّح ساراي في برقية بتاريخ 23 حزيران 1925 موجهة الى الرئيس انه سيعتمد وينفّذ كل مطالب وزارة الخارجية".
وهكذا انتهت المشاحنات بين ساراي والخارجية، وعُيّن السيد جوزف بول بونكور بتاريخ 25 حزيران 1925 رئيساً للجنة دراسة الدستور، عوضاً عن ساراي الذي ترك منصبه كمفوّض سامي بتاريخ 13 تشرين الثاني 1925.
أبدل ساراي بالمفوض السامي هنري دي جوفنيل، الذي اعاد المجلس التمثيلي المنتخب بموجب القوانين النافذة وعيّن لجنة صياغة الدستور التي كان من اولى مهماتها درس الاجوبة على جملة اسئلة طرحت على ما يقارب 180 من نخبة الاعيان المختارين من كل الاقضية والمذاهب.
الجواب عن السؤال السادس: "هل يجب اعتماد الطائفية في توزيع مقاعد مجلس النواب؟".
"ورد في تقرير امين سر اللجنة شبل دموس بعد دراسة دقيقة للاجوبة التي وردت ما يأتي:
"ان السنّة في المدن الساحلية، طرابلس، بيروت وصيدا، كما سُنّة البقاع المؤيدين للوحدة السورية رفضوا الانضمام الى صياغة الدستور الجديد، بحجة انهم يعترفون بذلك بحدود لبنان الكبير 1920 ويقبلون بالانتماء اليه.
ومن اصل 132 اجابة واردة 11 منها رفضت الاشتراك وطالبت بحل المجلس التمثيلي وجميعها من خارجه". "اما الشخصيات الـ 121 الباقية فأرست مذكرة تعترف ضمنها ولو على مضض، بالنظام الطائفي كأساس للتمثيل، وذلك للأسباب الآتية:
1 – "ان الشعب اللبناني مؤلف من طوائف عدة، كل واحدة منها لها معتقداتها الدينية، وعقليتها وتراثها الخاصان بها. ان الغاء التمثيل، الطائفي يزعزع التوازن ويعطي الافضلية الى بعض الطوائف على حساب الطوائف الاخرى. وينتج عن هذا الخلل الغيرة والاحباط والغبن التي تولّد في بعض الاحيان اضطرابات دائمة".
2 – "على التمثيل البرلماني ان يعكس هيكلية البلد المؤلف من طوائف عدة، فمن الطبيعي ان تكون هذه الطوائف ممثلة جميعها لئلا يكون هذا التمثيل غير محق".
3 – "لا يزال الشعب اللبناني تحت تأثير الفكر الطائفي. لم يحن الوقت لازالة هذه الرواسب، لانه ليس من السهل التخلي عن عقلية راسخة منذ اجيال عدة".
4 – التمثيل الطائفي يحافظ على حقوق الاقليات ويبعدها عن الاحتجاجات والاعتراضات".
5 – "ان التضامن غير مكتمل بين الطوائف حتى يجرد النظام من السياسية الطائفية.
6 – "ان الشعب اللبناني غير ناضج لاعطاء الاولوية في الانتماء الى الوطن بدلا من الطوائف".
7 – "ان الطوائف في لبنان تقوم بالاعمال التي هي عادة في عهدة الاحزاب السياسية".
"يجب التذكير انه بعدما قام المفوض السامي بالاتصالات ببعض الفئات التي امتنعت عن التصويت لصالح الدستور من جراء ضغوط مورست عليها، اصبحت الطائفة الشيعية اكثر ميلا الى الالتزام. خلال كانون الثاني 1926 قام السيد الشيعي الكبير عبد الحسين شرف الدين، يرافقه ثلاثة نواب من طائفته، بزيارة بعض مندوبي المفوض السامي لاعلامهم بالاطمئنان الكبير الذي يعم الشيعة لحصولهم على اقرار المذهب الجعفري وتنظيم المحاكم الشرعية الشيعية واعترافهم بان الحركة الانفصالية قد قضي عليها وان كل الشيعة في مناطقهم ينتسبون الى وحدة لبنان الكبير".
"وقام القاضي والمفتي السني لمدينة صيدا بزيارة مماثلة، وأوضحا بأي ظروف قاسية اجبروا على توقيع المذكرة التي طالبت بإلحاق لبنان الجنوبي بدمشق ورفض الاجابة عن الاسئلة التي وجهت لهم من لجنة صياغة الدستور. وقد ثبتوا عزمهم على عدم المشاركة من الآن وصاعدا في اي اعمال انفصالية".
بعد تزويد لجنة صياغة الدستور كل هذه المعلومات، تمكنت من انهاء النص الذي صوت عليه بالاجماع في المجلس التمثيلي بتاريخ 23 ايار 1926 والذي ظل نافذا حتى 1943، السنة التي كرست عقد التفاهم بين الطوائف المسيحية والاسلامية.

النمو السكاني في لبنان
منذ عهد الانتداب حتى 1943

ان الارقام الواردة في الجدول الرقم 4 هي كما وردت في سجلات وزارة الداخلية المبنية على احصاء 1932.
عانى لبنان منذ الاستقلال، من انتكاسات عدة مهمة، عائدة في اكثر الاحيان الى انشاء دولة اسرائيل عام 1948، بدأت بحوادث 1958 مرورا بفتح لاند 1969 والاعتداءات والحروب الاسرائيلية في 1968، 1972، 1978، 1982، وخصوصا الحوادث التي اشعلت لبنان في عام 1975 وحتى 1990 وكانت لكل هذه الكوارث انعكاسات سلبية ادت الى هجرة كثيفة من المسيحيين الى بلاد الحرية والعدالة.
يضاف الى ذلك ما يأتي:
– قانون التجنيس الرقم 5247 تاريخ 20/6/1994 الذي افادت منه اكثرية عارمة من السنة، مسببة اهتزازا عميقا في التوازن الطائفي، وخاصة بالنسبة الى الطائفة المارونية.
– عدم تمكن مسيحيي الانتشار من تسجيل زيجاتهم وولادة ابنائهم لدى القنصليات اللبنانية، لانه حتى 1970 كانت اكبر الدول المضيفة للمغتربين (الولايات المتحدة – البرازيل – اميركا اللاتينية والوسطى) تمنع ازدواجية الجنسية.
نتيجة كل ما تقدم، واستنادا الى احصاءات سجلات الاحوال الشخصية في وزارة الداخلية، اصبحت نسب اللبنانيين المسجلين وفق الطوائف بتاريخ 2009 كما يأتي:
المسيحيون 34,96 في المئة – المسلمون 64,64 في المئة، اي بنقص يناهز 30 في المئة بالنسبة الى معدلات 1943.

الخلاصة

يمكن تلخيص الاستنتاجات من هذا البحث بما يأتي:
– ان العلمنة في المنطلق، وليس الغاء الطائفية، هي ترجمة لنظام تقدمي يصلح تطبيقه في كل مكان اذا اكتملت وسائل وسبل نجاحه.
– ان المسيحيين، وخاصة الموارنة الذين كانوا اكثر عددا بغالبية كاسحة، عاملوا بالمساواة الطوائف الاقل عددا.
– في العام 1926 قبل المسيحيون، وهم الغالبية كما قبل الشيعة وسنة صيدا، بان تتمثل كل الطوائف في مجلس النواب.
– ان المذكرة التي ورد نصها بحرفيته في هذا البحث والمقدمة من الاعيان (بغالبية مسيحية) الى لجنة صياغة الدستور تعطي صورة فعلية واضحة عن اوضاعنا الحالية.
للحؤول دون حدوث اعتداءات وانحرافات في ممارسة الطائفية السياسية يجب، في رأيي، اعتماد سلسلة اجراءات مهمة منها:
– قانون انتخاب يحافظ على تمثيل مختلف شرائح الوطن، ليتمكن الناخب من اختيار المرشح من معرفة شخصيته وتفاصيل برنامجه السياسي.
– ادخال عامل الثقة بين اللبنانيين باعتماد "دولة القانون" ليكون امل ولاء اللبناني الى دولته ومؤسساتها.
– اعادة كل مؤسسات الرقابة واعتماد اللامركزية الادارية.

واخيرا

– لا بد من التذكير بمضمون وصايا المغفور له سماحة الامام محمد مهدي شمس الدين، الذي تراجع عن مواقفه السابقة الى حد انه طلب بإلحاح من المسلمين، وخاصة اهل الشيعة، الاعتراف بصوابية التمثيل الطائفي في النظام اللبناني، مع الاحتفاظ بمبدأ المناصفة في المقاعد بين المسيحيين والمسلمين.
– ليس في الامكان المحافظة على "لبنان الرسالة" الا بالتصرف الوفاقي الهادئ والفريد اخلاقيا بين مختلف الطوائف بحيث يتحرر المسيحي من كل الاعتداءات والاكراه العدواني التي تشعره، من وقت الى آخر، بالسخط والاحباط، ليتمكن من وضع طاقاته وامكاناته في تصرف الدولة وليلعب دور الجسر ما بين الحضارات شارحا اهمية العيش المشترك "النظام الصالح للانسانية كافة".
من البديهي القول ان هذه الخلاصة لا تلزم أحدا الا شخصي

 

 

جدول رقم 1

المسيحيون    العدد    %    المسلمون    العدد    %
الموارنة    208180    42٫69    الدروز    44160    9٫06
الروم الارثوذكس    68040    13٫95    السنّة    76565    15٫70
الروم الكاثوليك    33475    6٫87    الشيعة    55120    11٫30
المجموع    309695    63٫51    المجموع    175845    36٫06
    المجموع        485540        99٫57
    اليهود    2060            0٫43
    المجموع العام    487600            100٫00

 

 

جدول رقم 2

المسيحيون    العدد    %    المسلمون    العدد    %
الموارنة    171800    64٫35    الدروز    28560    10٫70
الروم الارثوذكس    29426    11٫02    السنّة    7611    2٫85
الروم الكاثوليك    19370    7٫28    متوالي    9820    3٫68
المجموع    220596    82٫65    المجموع    45991    17٫23
    المجموع        266587        9٫88
    أقليات        405        0٫12
    المجموع العام        266992        100٫00

 

 

جدول رقم 3

متصرفية
المسيحيون والأقليات    العدد    %    المسلمون    العدد    %
1895    1895
الموارنة    229680    57٫49    الدروز    49812    12٫47
الروم الارثوذكس    54208    13٫57    السنّة    13576    3٫40
الروم الكاثوليك    34472    8٫63    الشيعة    16846    4٫21
المجموع    318360    79٫69           
الاقليات    936    0٫23           
    319296    79٫92        80234    20٫08
1913    1913
الموارنة    242308    58٫42    الدروز    47290    11٫40
الروم الارثوذكس    52356    12٫62    السنّة    14529    3٫50
الروم الكاثوليك    31936    7٫72    الشيعة    23413    5٫65
المجموع    326600    78٫76        85232    20٫55
الاقليات    2882    0٫69           
    329482    79٫45        85232    20٫55

 

جدول رقم 4

كل لبنان
1920    1920
الموارنة    199182    32٫70    الدروز    43633    7٫16
الروم الارثوذكس    81409    13٫37    السنّة    124786    20٫49
الروم الكاثوليك    42426    6٫96    الشيعة    104947    17٫24
المجموع    323017    53٫03        273366    44٫89
الاقليات    12561    2٫08           
    335668    55٫11        273366    44٫89

 

جدول رقم 5

المسيحيون والاقليات    العدد    %    المسلمون    العدد    %
1932    1932
الموارنة    226378    28٫82    الدروز    52047    6٫75
الروم الارثوذكس    76522    9٫74    السنة    175925    22٫40
الروم الكاثوليك    46000    5٫86    الشيعة    154208    19٫63
المجموع    348900    44٫42        383180    48٫78
الاقليات    53463    6٫80           
المجموع العام    402363    51٫22    المجموع العام    383180    48٫78
1943    1943
الموارنة    318202    30٫42    الدروز    71711    6٫85
الروم الارثوذكس    106658    10٫19    السنّة    222594    21٫27
الروم الكاثوليك    61956    5٫92    الشيعة    200698    19٫18
المجموع    486816    46٫53        495003    47٫30
الاقليات    64602    6٫17           
المجموع العام    551418    52٫70    المجموع العام    495003    47٫30
 

اميل الياس عيسى     
( الأمين العام للمؤسسة المارونية للانتشار.)

عن الاتحاد الكاثوليكي العالمي للصحافة - لبنان

عضو في الإتحاد الكاثوليكي العالمي للصحافة UCIP الذي تأسس عام 1927 بهدف جمع كلمة الاعلاميين لخدمة السلام والحقيقة . يضم الإتحاد الكاثوليكي العالمي للصحافة - لبنان UCIP – LIBAN مجموعة من الإعلاميين الناشطين في مختلف الوسائل الإعلامية ومن الباحثين والأساتذة . تأسس عام 1997 بمبادرة من اللجنة الأسقفية لوسائل الإعلام استمرارا للمشاركة في التغطية الإعلامية لزيارة السعيد الذكر البابا القديس يوحنا بولس الثاني الى لبنان في أيار مايو من العام نفسه. "أوسيب لبنان" يعمل رسميا تحت اشراف مجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك في لبنان بموجب وثيقة تحمل الرقم 606 على 2000. وبموجب علم وخبر من الدولة اللبنانية رقم 122/ أد، تاريخ 12/4/2006. شعاره :" تعرفون الحق والحق يحرركم " (يوحنا 8:38 ).