أختر اللغة
الرئيسية | إعلام و ثقافة | الإرث التاريخي والثقافي لطرابلس ضحية الإهمال
الإرث التاريخي والثقافي لطرابلس ضحية الإهمال
الثقافة في طرابلس حركة ناشطة تبشر بآفاق جديدة ومستقبل واعد

الإرث التاريخي والثقافي لطرابلس ضحية الإهمال

شفيقة عبدالرحمن
يزخر لبنان بمعالم أثرية كثيرة، تعود إلى عصور غابرة وحضارات مختلفة تعاقبت عليه، وبدلا من أن تعير الدولة تلك الآثار ما يلزم من عناية واهتمام، لتجعل منها قبلة للسواح والزوار، أهملتها فأصبحت بحاجة ماسة إلى ترميم وإعادة تأهيل.
وتختزن طرابلس، عاصمة لبنان الثانية، إرثا تاريخيا وثقافيا كبيرا، من آثار فاطمية وصليبية وعثمانية ومملوكية، تعكس ذاكرة وعراقة شعب، وعيشا مشتركا لطالما حافظت عليه المدينة. لكن هذه المعالم الأثرية وقعت، هي أيضا، ضحية الإهمال، إن على مستوى الدولة، أو على مستوى الجمعيات الثقافية، خاصة خلال فترة الحرب الحرب الأهلية التي عصفت بلبنان.

من تلك المعالم الأثرية، معلم يجمع ما بين تراث المولويين والطرق الصوفية: إنها التكية المولوية، التي طالها الدمار والتشويه، لكنها عادت إلى الحياة بمبادرة من الحكومة التركية.

تدمري
رئيس لجنة الآثار في بلدية طرابلس الدكتور خالد تدمري، قال: “عرفت طرابلس بأنها مدينة العلم والعلماء لأن فيها اكثر من 360 معلما دينيا يتنوع بين جامعة ومسجد وزاوية وتكية ومدرسة وغيرها. وقد أحصاها جميعا الرحالة عبدالغني أبو سيفي، نهاية القرن السابع عشر، الذي قال بأن هذه المدينة فيها معالم دينية وتعليمية تفوق عدد أيام السنة، ومن أبرز هذه المعالم ذات الطابع الصوفي، التكية المولوية الواقعة عند سفح قلعة طرابلس من جهة نهر ابو علي، وهي التي تتبع الطريقة الصوفية المولوية التي مركزها مدينة كونيا في تركيا، وتتبع طريقة مولانا جلال الدين الرومي المعروف بكتابه الشهير “المثنوي”، وطريقته المولوية حيث ينشد المولوية أناشيدهم ويلتفون مع الفتلة المولوية في هذا المكان”.

وتابع: “التكية المولوية اليوم هي معلم يفوق عمره الأربعمئة عام، وهي تعد من أبرز المعالم العثمانية في لبنان، وهي الوحيدة بطرازها المعماري وبوظيفتها المعمارية. التكية المولوية منتشرة في تركيا، كما هي موجودة في عدد من بلدان العالم، منها في بلدان عربية حيث يوجود أكبر تكية مولوية خارج تركيا، وهي التكية المولوية في حلب، وتأتي بعدها مباشرة مساحة تكية طرابلس المولوية”.

أضاف: “المولوية، كطريقة صوفية، اتخذت بداية مقرا لها في المدرسة الشمسية بجوار الجامع الناصري الكبير، ومن ثم قام علي صمصمجي آغا بانشاء هذا المكان ليكون مخصصا لهذه الطريقة على ضفة النهر، في مكان رائع بمنظره ومشهده ومحيطه، حيث تقع مباشرة بمحاذاة النهر. وكانت مياه النهر تتدفق على حوافيها، ومحاطة باشجار الزيتون والبرتقال، ومشرفة على المدينة من بعيد، وتقع عند الطريق المعروفة بالطريق المولوية التي تمر تحت قلعة طرابلس، من هنا كان هذا المكان مكانا ملائما للتزهد والتصوف والعبادة والتفكر، وكانت مقصدا لكل الدراويش والعلماء والمشايخ الذين يقصدون المدينة ليقضوا اوقاتا للتزهد والتصوف فيها، ومن هنا نرى أن عمارتها تلائم هذه الوظيفة، فهي مقسمة في داخلها الى ثلاثة اقسام: القسم الأول هو القسم الذي يستقبل الضيوف من الدراويش والزائرين، وايضا الفقراء الذين يأتون ليحصلوا على الطعام مجانا، وكان الدراويش والشلبيون يقومون بتقديم هذه الأطعمة، كما يتألف هذا القسم من مطبخ وغرف لاستقبال الضيوف واسطبلات الخيول، ومن هذه التسميات التي ذكرناها يمكننا ان نعرف لماذا هناك في طرابلس عائلة المولوي وعائلة دراويش وعائلة شلبي، وكلها مناصب معروفة في الطريقة الصوفية المولوية. وآل المولوي هم من يملكون هذه التكية حتى يومنا هذا، فهي وقف ذري لآل المولوي”.

أضاف: “أما القسم الثاني من التكية، فهو مرتفع عن القسم الأول، وهو القسم الذي تدور فيه العبادة، حيث قاعة سماع خانا التي تجري فيها الفتلة المولوية، وتعرف بالتسميتين سماع خانا لأنهم يستمعون فيها الى الموسيقى الصوفية أو سما خانا لأنهم يتطلعون الى السماء اثناء دورانهم وفتلتهم المولوية، وفيها الغرفة التي كانالزوار يشاهدون منها هذه الحلقة المولوية، ويجتمع فيها اعيان طرابلس، في ذلك العصر ليتباحثوا في شؤون المدينة، بعيدا عن الأعين، وبعيدا عن الضجيج، وهي الغرفة المطلة مباشرة على النهر، وفيها المسجد الصغير حيث تقام الصلاة، أما القسم الثالث الأكثر ارتفاعا، وله قرميد اليوم، فهو مقر اقامة آل المولوي، أو كما يعرف بيت المولوي، الذين استقروا في هذا المكان حتى نهاية ال 60 من القرن الماضي، وولد هناك الشيخ فيصل المولوي رحمه الله”.

وتابع: “هذه التكية، وبعد طوفان نهر ابو علي سنة 1955، تضررت بشكل كبير بسبب دخول المياه اليها، وبعد فترة وجيزة، سقطت قبتها الأساسية بعد تشقق الجدران، وأيضا مع اندلاع الحرب الأهلية تضررت بشكل أكبر، واصبحت مقرا للنازحين والمهجرين، فسكنها عدد كبير من العائلات، أكثر من سبع عائلات في داخلها. ومع امتداد سوق الأحد، الذي كانت تقيمه البلدية في ذلك الموقع، انتشرت المساكن العشوائية في محيطها، وبلغ عددها اربعة وعشرين مسكننا غير شرعي، واختفت ايضا معالم مقام النبي خضر الذي كنا نسمع به ولا نعرف عنه أي شيء، وعندما اطلقت لجنة الآثار والتراث في بلدية طرابلس مشروع اعادة اعمار التكية المولوية، في المجلس البلدي الأسبق، في عهد الرئيس رشيد جمالي، توليت عملية تأمين هبة لها من جهة الحكومة التركية، وكانت أول هبة تقدمها الدولة التركية عبر وكالة التنسيق والتعاون “تيكا” الى لبنان. وقد وافقت رئاسة الحكومة التركية على هذا المشروع وخصصت له مبلغا يتجاوز المليوني دولار لاعادة بنائها. وقد وضعنا الخرائط التفصيلية تبعا لما كانت عليه فعلا، استنادا الى عدد كبير من الصور واللوحات المرسومة والمعلومات المكتوبة حول هذه التكية. ولحسن الحظ، وبسبب موقعها الجميل، كانت تلفت نظر كل الرحالة والرسامين والمصورين الأوائل الذين توافدوا الى هذه المدينة نهاية القرن التاسع عشر، ومطلع القرن العشرين. وتمكنا بالتالي من تحديد كامل معالمها الأثرية، ووضع مشروع ترميمي يعيدها الى ما كانت عليه. وقد تم تكليف شركة تركية لتقوم بهذه الأعمال عبر وكالة “تيكا”، واستمرت الأعمال حوالى السنتين، لكنها تعطلت بسبب الأحداث التي اصابت طرابلس، ومن ثم عادت فاستؤنفت. الآن، يمكننا القول إن اعمال الترميم انتهت تماما وانتقلنا الى المرحلة الثانية، وهي مرحلة استحداث مركز للطرق الصوفية، وتحديدا للطريقة المولوية داخل هذا البناء.”

وقال: “المشروع الذي نعمل عليه حاليا مع الجهات التركية، بالتعاون مع وزارة الثقافة التركية، التي وضعت الرؤية الداخلية لهذا المتحفن بالتعاون ايضا مع مدراء متاحف المولوية في تركيا، الذين شاركوا في وضع هذه الدراسة، سيجعل من هذه التكية مقصدا للسياح كما ولأهالي المدينة، ليتعرفوا من ناحية، على تاريخ هذه المدينة العلمي والديني، ومن ناحية أخرى، على أصول التكية المولوية وتاريخها وموقعها في مدينة كونيا، وليشاهدوا عروض الفتلة المولوية التي ستقوم البلدية بتدريب فرقة خاصة في هذا الاتجاه، وسيكون هناك نماذج ومجسمات لأشخاص تجسد الحياة اليومية التي كانت تدور في هذه التكية، مع عروض متقدمة تتبع النظم الحديثة في الصور الثلاثية الأبعاد، وعروض الليزر وغيرها، التي ستتكامل لتجعل من هذا المكان معلما سياحيا فريدا من نوعه في لبنان”.

وتابع: “مع انتهاء هذه المرحلة الثانية، ننطلق الى المرحلة الثالثة، وهي اعادة تأهيل محيط التكية بالكامل، واستحداث حديقة في محيطها. وهنا سنعمل ايضا مع “تيكا” والحكومة التركية، وربما مع مجلس الانماء والاعمار الذي خصص ايضا جزءا من مشروع احياء الارث الثقافي لهذه المنطقة، عل المشروعين يتداخلان. أيضا، ثمة نية من بلدية كونيا بالتوأمة مع بلدية طرابلس في تنفيذ هذا المشروع لأنها ستحمل اسم حديقة مولانا جلال الدين الرومي، وهذه الحديقة ستشمل أيضا موقع النبي الخضر الذي اعدنا بناءه من الصفر، بعد ان عثرنا على حجر الضريح الذي كان مثبتا، ووجدناه داخل احد البيوت العشوائية التي كانت قد اقيمت في المكان، فوجدنا الموقع واعدنا بناء هذه القبة بالكامل بناء على صورة قديمة واحدة نادرة، وقفنا عليها في ارشيف قصر يلديز في اسطنبول”.

وختم: “ان المشروع القائم حاليا للاعداد للمتحف يعتبر قيد الانجاز في تركيا، من ناحية تلزيمه لشركة تركية متخصصة في انشاء المتاحف، ومن المنتظر ان يصبح المتحف جاهزا مع نهاية الصيف المقبل، لننطلق بعدها الى تنظيم المحيط، وربما نفتتحه ايضا قبل تنظيم المحيط كي لا نطيل انتظار الناس وتشوقهم لهذا المشروع”.

بانتظار أن تتحقق الوعود، فترمم المعالم الأثرية، ليس على نطاق طرابلس فحسب، بل في كل لبنان، من حق المواطن أن يسأل: “لماذا لا تقوم الدولة، من تلقاء نفسها، بالاهتمام بإرثها الثقافي، بل تحتاج، في كل مرة، إلى مبادرات خارجية؟
وطنية

عن الاتحاد الكاثوليكي العالمي للصحافة - لبنان

عضو في الإتحاد الكاثوليكي العالمي للصحافة UCIP الذي تأسس عام 1927 بهدف جمع كلمة الاعلاميين لخدمة السلام والحقيقة . يضم الإتحاد الكاثوليكي العالمي للصحافة - لبنان UCIP – LIBAN مجموعة من الإعلاميين الناشطين في مختلف الوسائل الإعلامية ومن الباحثين والأساتذة . تأسس عام 1997 بمبادرة من اللجنة الأسقفية لوسائل الإعلام استمرارا للمشاركة في التغطية الإعلامية لزيارة السعيد الذكر البابا القديس يوحنا بولس الثاني الى لبنان في أيار مايو من العام نفسه. "أوسيب لبنان" يعمل رسميا تحت اشراف مجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك في لبنان بموجب وثيقة تحمل الرقم 606 على 2000. وبموجب علم وخبر من الدولة اللبنانية رقم 122/ أد، تاريخ 12/4/2006. شعاره :" تعرفون الحق والحق يحرركم " (يوحنا 8:38 ).