أختر اللغة
الرئيسية | إعلام و ثقافة | الإنترنت في مصر تحت رحمة “الأخ الأكبر”… والهدف “مكافحة الازدراء”
الإنترنت في مصر تحت رحمة “الأخ الأكبر”… والهدف “مكافحة الازدراء”
الإنترنت

الإنترنت في مصر تحت رحمة “الأخ الأكبر”… والهدف “مكافحة الازدراء”

“لا مكان آمنا أو خاصا على الانترنت”. بخبرة أكثر من 25 عاماً في مجال الأمن الإلكتروني أهّلته لعضوية لجنة الأمن الرقمي في تحالف الناتو العسكري، يقول الباحث في مجال التكنولوجيا ساندرو غايكن هذه العبارة مبتسماً، أثناء لقائنا به في برلين الشهر الماضي، بينما كانت ابنته ذات السبع سنوات تلعب على جهاز “تابلت” لوحي بجوارنا. يشرح غايكن كيف أنَّ كلَّ تكنولوجيا حماية الخصوصية وتأمين أجهزتنا الإلكترونية يمكن اختراقها، وكلّ ما يمكن أن تساعد فيه برامج الحماية، هو أن تصعِّب عملية الاختراق فقط. في النهاية، أيّ حكومة على علاقات أمنية جيّدة بالولايات المتحدة، يمكنها الحصول على ما تريده من معلومات، بطلبه مباشرةً من الأميركيين، وإن امتلكت الحكومة الموارد اللازمة، فيمكنها شراء تكنولوجيا التجسّس التي تريدها.
عمل غايكن نفسه في مجال تصميم برامج التجسّس والمراقبة، قبل أن ينتقل إلى مجال الأمن الرقمي، حيث يعمل كمستشار للحكومة الألمانية ولعدد من الهيئات الدولية. قطاع لا يستهان به من الشركات الأوروبية في مجال التقنية، عملاؤها الأساسيون حكومات دول العالم الثالث. تتفوق الشركات الألمانية على سبيل المثال في مجال برمجيات المراقبة، وتحليل البيانات، لكنَّ القانون الألماني يمنع تلك الشركات من بيع منتجاتها داخل السوق الألمانية حماية لخصوصية المواطنين الألمان.
قبل أسابيع من لقائنا بساندرو غايكن، أعلنت وزارة الداخلية المصرية عن مناقصة لتوريد نظام لرصد المخاطر الأمنية، يمكّنها من مراقبة النشاط على الشبكات الاجتماعية، ويوفِّر أداة لتحليل آراء واتجاهات أعضاء الشبكة الاجتماعية، من خلال تجميع الإحصاءات الخاصة بالمواضيع الأكثر تداولاً جنباً إلى جنب مع اتجاهات النمو في المواضيع الأقلّ تداولاً.
حتى الآن، نتحدث عن نظم لتحليل البيانات، كتلك التي تستخدم على نطاق واسع من قبل شركات الإعلان لدراسة سوق الانترنت. لكن بينما تحتاج هذه الشركات لتلك النظم لترويج بضاعتها، فإنّ وزارة الداخلية المصرية تحتاج للنظام لمواجهة 26 خطراً أعلنت عنها في المناقصة أبرزها “ازدراء الأديان، والدعوة للخروج على الثوابت المجتمعية”… ووزارة الداخلية لن تكتفي فقط بمعرفة الخطر.

***
تخيّل استيقاظك ذات صباح، وقد قرّرت الخروج عن الثوابت المجتمعية وأعلنت ذلك لأصدقائك على “تويتر”. سوف يعلم الموظّف المكلّف بالمراقبة، بأن أحدهم يعدّ لمشروع خروج عن الثوابت، وسيخبر قادته الذين بدورهم سيطلبون معلومات أكثر. تقنياً، لن يكلِّف الأمر أكثر من زر إضافي يفتح حسابات الشخص ورسائله الخاصة، وللوزارة سوابق عدّة في مثل هذه العمليات أبرزها ما كشفته تسريبات المذيع عبد الرحيم علي في برنامج “الصندوق الأسود” الموقوف عن العرض. التجسس في تلك الحالة يتم بوضع الشخص المطلوب تحت المراقبة، لكن الوزارة تحتاج الآن إلى مراقبة جميع مستخدمي الانترنت.
منذ بضعة أيام، تأكَّد الأمر عندما نشر موقع “بازفيد” الأميركي تقريراً أعدّه ماجد عاطف، ذكر أنَّ شركة “مصر للنظم الهندسية” المعروفة
باسم See Egypt قد فازت بالمناقصة، وبدأت بتدريب كوادر من العاملين في الوزارة على استخدام برامج المراقبة الجديدة. وصرّح علي المنيسي رئيس الشركة للموقع قائلاً إنّ البرنامج الذي ستمنحه الشركة للوزارة يستخدم تقنية Deep Packet Inspection (DPI)، وهي بقدر من التبسيط المخلّ تشبه عمليّة وضع فلاتر متعدِّدة على حزم الداتا التي تدخل أو تخرج من مصر. تقوم الفلاتر بدراسة كل البيانات وتحليلها، وتشمل تلك البيانات حسابات كلّ المستخدمين المصريين ومراسلاتهم الخاصة. وحتى لا يترك شكاً في النفس أضاف علي المنيسي أن البرنامج يمكنه اختراق وسائل الاتصالات عبر الانترنت مثل “واتسآب”، و”فايبر”، وسكايب”، أو أيّ برنامج آخر إذا ما لزم الأمر، مضيفاً أنَّ “هذا النظام مماثل لذلك الذي تستخدمه معظم الحكومات الغربية، بما فيها الولايات المتحدة”.

***
بالطبع، أخفى المنيسي نصف الحقيقية، إذ انّ قوانين الحكومات الغربية تمنعها من استخدام تلك النظم محلياً على مواطنيها. شركة المنيسي واحدة من أقدم شركات التقنية المصرية، وتعمل في السوق المصريّة منذ العام 1986. وتشمل شبكة عملائها داخل مصر قائمة متنوعة منها المطارات، وبنوك محلية وعالمية، وهيئة سكك حديد مصر، ووزارة التعليم، ووزارة الصناعة، ووزارة الدفاع، والقوات الجوية، وهيئة السلاح والذخيرة. كلّ المؤسسات الحيوية تتعامل مع الشركة تقريباً، وذلك ما يعنى أن كل نظم المراقبة والإدارة في تلك المؤسسات من تصميم وإشراف شركة مصر للنظم الهندسية، والتي يبلغ رأسمالها، طبقاً لآخر تصريحات المنيسي، ربع مليار جنيه مصري.
“شركة مصر للنظم الهندسية” هي أيضاً شركة شقيقة للوحش الأميركي “بلو كوت”Blue Coat Systems   ، وهي الشركة التي يتجاوز رأسمالها 1,3 مليار دولار أميركي. وبحسب تقرير “مراسلون بلا حدود” للعام 2013، تعتبر الشركة الأميركيّة المذكورة، من أبرز خمس أعداء للانترنت، وتبيع منتجاتها إلى دول مثل السودان، والبحرين، وإيران، ولبنان، وكينيا، والسعودية، والإمارات، وتركيا. وفي العام 2011، حقَّقت الحكومة الأميركية مع الشركة بتهمة بيع تكنولوجيا للحكومة السورية، لاستخدمتها في قطع الانترنت والتجسس على مواطنيها.
ما يحدث في مصر ليس إلا جزءاً من توجهات عالمية تحكم الانترنت الآن، قد يكون اهتمام النظام المصري محدود الذكاء والامكانيات يتمثّل بمحاربة الالحاد فقط. لكنَّ بيانات المصريين التي أصبحت في يد “شركة مصر للنظم الهندسية” وبالتالي في يد “بلو كوت” لها استخدامات عدّة، كدراسة السوق واحتياجات المستخدمين وبناء رغباتهم، وحتى المراقبة والتوجيه، وخلق الإرهاب ومحاربته، إلى جانب باب التجسس المفتوح على مصراعيه وخصخصة الأمن، لتصبح قطاعات منه مسؤولية شركات خاصة.
تخيل جورج أورويل في روايته “1984” الأخ الأكبر كشاشة تلفزيون ترى وتراقب وتحكم، ننظر الآن للشاشة لكن العمى أصاب البعض بينما يتعامى الآخرون. كأنّنا نحتاج الى جورج أورويل ليشير إلى الشاشة بنفسه.

أحمد ناجي / السفير

عن الاتحاد الكاثوليكي العالمي للصحافة - لبنان

عضو في الإتحاد الكاثوليكي العالمي للصحافة UCIP الذي تأسس عام 1927 بهدف جمع كلمة الاعلاميين لخدمة السلام والحقيقة . يضم الإتحاد الكاثوليكي العالمي للصحافة - لبنان UCIP – LIBAN مجموعة من الإعلاميين الناشطين في مختلف الوسائل الإعلامية ومن الباحثين والأساتذة . تأسس عام 1997 بمبادرة من اللجنة الأسقفية لوسائل الإعلام استمرارا للمشاركة في التغطية الإعلامية لزيارة السعيد الذكر البابا القديس يوحنا بولس الثاني الى لبنان في أيار مايو من العام نفسه. "أوسيب لبنان" يعمل رسميا تحت اشراف مجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك في لبنان بموجب وثيقة تحمل الرقم 606 على 2000. وبموجب علم وخبر من الدولة اللبنانية رقم 122/ أد، تاريخ 12/4/2006. شعاره :" تعرفون الحق والحق يحرركم " (يوحنا 8:38 ).