أختر اللغة
الرئيسية | إعلام و ثقافة | الخطيئةُ غبارٌ على جبين تاريخ لبنان
الخطيئةُ غبارٌ على جبين تاريخ لبنان
الخطيئةُ غبارٌ على جبين تاريخ لبنان

الخطيئةُ غبارٌ على جبين تاريخ لبنان

روايةُ الخطيئة للروائية والشاعرة والناقدة نسرين بلوط، الصادرة عن دار ناريمان للطباعة والنشر، تتناول حقبةً تاريخيةً مهمة من تاريخ لبنان. الروايةُ كما حصرتها الكاتبة، تدور بين عامَي 1840 و1875.أهمّية هذه الرواية لا تكمن في الأسلوب السلس فقط، بل في كيفية التعامل مع التاريخ والجغرافيا من حيث الدقة والترتيب والتمادي في الوصف للشخصيات التاريخية العظيمة التي مرّت في ذاك الزمن دون إثارة ملل القارئ، بل العكس، تجذبه على نحوٍ ميتافيزيقي الذي عادةً ينقسم إلى قسمين البعد والطبيعة، وهما العنصران الأساسيان في رواية الكاتبة نسرين.

الدقة تلفت الأنظار في الوصف وتجعل الفكر في حالة ارتياح من دون أن يرتبك أو يقع في مطبّات الالتواء في السرد.

الكاتبة تنبش في غبار التاريخ، تسبر غورَ أعماقٍ تناساها البعض، ولكنها ما زالت مطموسةً في معالم التاريخ وبين ملامحه، وهي الطائفية المذهبية التي زرعها العثمانيون في قلوب اللبنانيين وتجذّرت لتثمرَ أشجاراً من الحقد الأعمى.

الخطيئةُ تتناول القصة الحقيقية لطانيوس شاهين، وقد أسمته الكاتبة في روايتها «بطرس»، ربما لتتجنّب نقدَ البعض في بعض المجازات التي أُدخلت في سياق الأحداث حتى تعطي للرواية المزيدَ من التشويق، ورغم أنّ البطلة هي راهبة تدعى ميرا شاور، من عائلة إقطاعية معروفة، إلّا أنها بطلة ظاهرية فقط، لأنّ البطل الأساسي كان طانيوس شاهين الذي رفض المذلّة والخنوع وثار على خطيئة الفتنة والتعصّب الديني والمذهبي وحتى السياسي، وقاد ثورة الفلاحين ضد الإقطاعيين الذين نهبوا في الأرض تسلّطاً واستعباداً. وقد تمكّنت الروائية أن تسلّط الضوء على المجزرة التي حدثت في زحلة عام 1860، والتي كانت مذبحة دامية خلّدها الزمن، عاراً على جبين اللبنانيين.

«الخطيئة» رواية تنتفض وتحتدم وترفض كل المسارات الملتوية للإنسانية، والكاتبة فيها تكتب بأسلوب تاريخي جديد، تحوّل فيها التاريخ إلى رواية، والأبطال إلى رموز، بأسلوب متدفّق لم يعتمده أحدٌ من قبل. ممّا يدفعنا لتصنيفها في هذا الإطار البديع.

لا شك أنّ الأبطال في الرواية كثيرون، ونحن لسنا في صدد أن نفصّل أو نحلّل هنا، ولكنّ كلاً منهم يحتلّ مكانه المناسب له، تماماً كلعبة الشطرنج، يتوزّعون ويفترقون ثم يلتقون في مواقف إنسانية منها ما هو جميل ومنها ما هو مؤلم بل فادح الألم.

الجنس المكبوت يدخل في الرواية بشكل عفوي، لا تتعمّده الكاتبة للإثارة بل تحتويه في اللاوعي، لأنها تقمّصت تماماً شخصياتِ عالمِ روايتها، ولا
بدّ أنهم أتعبوها كما ذكرت في أحد حواراتها، لأنهم متقلّبون مزاجيّون، يميلون مع كل ريح ويستميلون القارئ معهم في رحلة عبر التاريخ لا يخفت بريقها حتى بعد الإنتهاء من قراءة الرواية.

حسب ما أرادت نسرين بلوط أن توعزه لنا، بأننا لا نستطيع أن نغيّر التاريخ ولكننا نقدر أن ننبش بحذر في الخطيئة التي تجثم كالغبار على جبينه، لنتّعظ ونثور كما فعل طانيوس شاهين وكما فعلت الراهبة ميرا التي لم تُعقها خطيئة الجسد من أن تكمل مسيرتها بقوة وإرادة وعزيمة حيّة لتبرهن عن قوّة وثورة وتحرّر.

عابد البطل الأرستقراطي، الذي تقع ميرا في غرامه والذي ينتمي إلى دين غير دينها، إذ إنه درزي المذهب، لم يستطع رغم اعتراضه على جور الإقطاعيين أن ينقذ ميرا من خطيئتهما سويّاً. وغيره من الشخصيات الهامة التي نتجت عن تلك الخطيئة أو سبقتها من حيث الزمن.

في الرواية لا نستطيع أن نحكم على ميرا بالبراءة، ولكننا لا نستطيع أن نزجّها في سجن الإتهام، لأنها برهنت لنا أنّ خطيئة الجسد لا تُقاس بخطيئة التعصّب والتطرّف، وأنّ الإنسانية هي أسمى ما في الأوطان، ونهاية الرواية صادمة، لم نكن نتوقّعها ونتركها للقارئ حتى لا نشوّه عنصر المفاجأة.

إذن، التسلسل، التشويق، الإثارة ثمّ المفاجأة اجتمعت جميعها في تلك الرواية التاريخية التي لا يمكن أن تتوارى وراء حجب الليل، وقد أخرجتها الكاتبة من الظلام إلى العتمة، إذ كتبت عبر صفحتها تلك العبارة التي لخّصت الرواية: «لأنّ الخطيئة لم تُخلق للنور بل للظلام… خالفتُ كلّ ما هو مألوف ومقدَّس في مجتمعاتنا وسحبتها من ركن العتمة الى رحاب النور… شكراً لكل مَن حضر توقيع روايتي «الخطيئة، شكراً للراهبة ميرا بطلة الرواية».
كريم حسامي
الجمهورية

عن ucip_Admin