أختر اللغة
الرئيسية | إعلام و ثقافة | الدكتور بستاني… لهب لبناني
الدكتور بستاني… لهب لبناني
الدكتور بستاني... لهب لبناني

الدكتور بستاني… لهب لبناني

من قرية بقرقاشا الجردية الشمالية المسيحية الرابضة بهدوء على مقربة من بلدة بشري الرافلة بالعزة والاباء، هاجر الجد الاول لعائلة «البساتنة» ابو محفوظ عام 1560 الى بلدة دير القمر على عهد الامير الدرزي «المناكف والمتمرّد» قرقماز، والد الاميرين فخر الدين ويونس اللذين كانت أمهما قد خبأتهما عند موارنة سهيلة – كسروان تحت جناح آل خازن، وكان للأخوين ابي صقر ابراهيم وشقيقه ابي صافي مكانة في ديوان الامير لاحقاً.

يومها، كانت دير القمر قد تحولت الى حاضرة لبنانية كبرى من دروز وموارنة شبيهة ببلدة عمشيت الجبيلية من حيث الثقافة والتسامح. وفي بطاح بقرقاشا الجردية اشتهرت ارض ابي محفوظ تحت اسم «البستان»، حيث أولاها الجدّ كل مهارة فلاحية، فزرعها بتنوّع الاشجار المثمرة الى سهول القمح والعدس والشعير.

ومن هذا البستان الرافل بالخصب والعطاء اكتسبت عائلة محفوظ لقب «البساتنة»، وكانت لحظة حلولها في دير القمر مكان «العائلة البستانية» مجزأة او متفرّعة الى «جيب»، وكان الدكتور فؤاد افرام البستاني من «جب افرام».

ولد فؤاد نهار الثلاثاء في 15 آب عام 1906 من أب هو ضابط كبير في الجند اللبناني (رتبة يوزباشي)، وأم هي املي ابنة منصور القبع من دير القمر.

وعلى هذا المنوال، نشأ فؤاد متميّزاً بين افراد العائلة، عامراً بحكايات واساطير المير بشير الشهابي (عكس ما يتناول عنه في قرى جبل لبنان).

ثم كَبر في الحياة متنزّهاً في جنائن ما زالت دوحاتها البواسق تترنّح على ذكر غارسها كما تتراقص نوافيرها، وتهدر شلالاتها بمآثر بانيها. ومن مرافقته لأبيه اليوزباشي، فهم الطفل شخصية المير وتمكّن ان يتلوها في سرديّاته مثل «على عهد الامير» و»في بلد الامير» وفي أقصوصته «لماذا»؟

وقع في نصيبه ترميم ديوان شاعر الامير المعلّم نقولا الترك دارساً مخطوطاته الست الشهيرة، وأعاد بناء قصر الترك الذي شيّده له المير الشهابي عام 1806 فأعاده كما كان في «مندلوته» و«لواوينه» وغرفه ونوافيره.

عرف فؤاد اللغات الاجنبية حتى السريانية والتركية، لكنه مال بشغف كبير الى العربية، وفي مذكراته يقول: «بعد ان بدأتُ أقرأ كَرجاً في العربية، كان أول كتاب طالعته هو «نهج البلاغة» لعلي بن ابي طالب، ثم «مجمع البحرين» لناصيف اليازجي».

وكانت الغبطة القصوى في قراءته البستاني المهاجر وديع البستاني في ترجماته لعمر المختار الفارسي المشهور في الميتولوجيا الوطنية.

ومع ذلك حذفه للنسيان النظام الديني وحرب كل الميتولوجيا الايرانية المبهرة في خصوصيتها، بما في ذلك «قوم من الفرس» فتّشوا وخطوا بموقع المسيح السرّي، فقدّموا المرّ واللبان وسجدوا ولم يعودوا الى الملك الروماني بل ذهبوا شرقاً تحت نور وهّاج من كوكب الشرق. لو كان فؤاد حيّاً لا ينتقد بلاد «الشاهنامة» (61 ألف بيت) من موقع عربي واسلامي قح، مرحّباً بهذا الشعب العملاق ونسائه بعيون اكمها.

قبل ان يصبح فؤاد رئيساً للجامعة اللبنانية على مدى 17 عاماً ترك فرادته وهي «الروائع» بحجم 57 جزءاً، الاول منها عن المفكر الخليفة علي بن ابي طالب مُستخلصاً: «انّ الشعر الجاهلي هو المظهر الوحيد للأدب العربي، بمعنى انه أدب شعب يعبّر عن عقلية العرب وحدهم وصيغة الجمع وافر الدلالة على الواقع، فإنما هو آداب لغة تكلمت بها عدة شعوب».

هذا الرأي يخالف منطق الدكتور طه حسين، والمصري احمد امين، وواضع اساس النحول في الشعر العربي المفكر والاركيولوجي الافرنسي ارنست ريتان.

كان الدكتور فؤاد افرام البستاني نهضوياً لبنانياً – عربياً الى لا حدود، وصديقاً صدامياً مع الرئيس التنويري كميل نمر شمعون، والمستشار السياسي للجبهة اللبنانية، وهو الذي دفعها لزيارة الرئيس السوري في الشام.

وضّاح يوسف الحلو
الجمهورية

عن ucip_Admin