أختر اللغة
الرئيسية | أخبار الكنيسة | المطران يوسف رزق: حَبر كبير للدّين والدّنيا (1780-1865)
المطران يوسف رزق: حَبر كبير للدّين والدّنيا (1780-1865)

المطران يوسف رزق: حَبر كبير للدّين والدّنيا (1780-1865)

جوزاف ب. ابي راشد
وُلد الفتى حنا ابن توما ابي رزق الجزيني في جزّين سنة 1780. إرتاد مدرسة الضيعة، ثم صَرْح العلم العريق في غوسطا. ونشأ بين كبار عين ورقة الذين ملأوا الدنيا وشغلوا الناس طوال القرن التاسع عشر والعشرين اللذين اطلقا قطار العلم والمعرفة في لبنان والشرق.
أورثه والده حب الأرض والشغف بالعلم، والتمسّك بالدين والمحافظة على القيم والاخلاق النبيلة، حتى أنه غرف، على يد كاهن الرعية، مبادئ اللغتين العربية والسريانية والمسائل الحسابية.
عام 1797، كان النائب البطريركي يوحنا الحلو، أسقف عكا، البطريرك لاحقاً، يتفقّد الرعيّة في جزين ومنطقتها، ويستقطب طلاباً جدداً للكهنوت، استرعت انتباهه نباهةحنا ابو رزق البالغ من العمر 17 سنة، وكان ذكياً ورعاً، فوافق ليصبح كاهناً.
فمنذ القرن الثامن كان تلاميذ مار مارون يعلّمون المؤمنين أصول اللغة السريانية، لغة التراث الديني والروحي، وبعض المواد العلمية والفلسفية والرياضيات. ومع بداية القرن العاشر استطاعت الكنيسة المارونية ان تهيّئ، في الغرب، فتياناً موارنة اكتسبوا العلم واللغات، وعادوا اليها كهنة واحباراً نشروا، في بقاع الوطن، العلم والثقافة، وقد ازداد عددهم ومناصبهم بعد تاريخ براءة تأسيس المدرسة المارونية في روما، وتوصية المجمع اللبناني 1736 في اللويزة.
بعد خمس سنوات من التحصيل العلمي والتدريس في عين ورقة، عاد رزق الى جزين 1808 لينال، على مذابح كنيستها درجة الكهنوت، ويتكنّى باسم يوسف، وينال حقوق النيابة وزيارة الابرشية. فاهتمّ، في جزين، بتعزيز الزراعة وتربية المواشي وتفحّص اراضي الابرشية، وفكّر وشرع ببناء “المدرسة العتيقة” فشيّدها، باربعة أقبية على مراحل (طولها 40 متراً، وعرضها 10 امتار، وعلوها 7 امتار) وكانت لخدمة أبرشية صور وصيدا. وبعد ان امضى ثلاث سنوات نائباً عاماً بدأ بانشاء “مدرسة مار يوسف جزين” والذي تأجل الاستمرار فيه بسبب حب الجزيني للمطران يوسف اسطفان الذي استدعاه لتسلّم ادارة مدرسة عين ورقة، كما بنى الى جانب المدرسة كنيسة على اسم شفيعه مار يوسف 1861 واقفاً ارزاقه على العلم والثقافة.
أصيبت جزين في الصميم اثناء مجازر الستّين، وذُبح الكثيرون بحد سكّين الاقارب والجيران، فأرسل المطران معونات زراعية وغذائية، وأمّن أعمالاً للعاطلين عن العمل، وأنهى مدرسة جزين 1865، (بثلاثة الاف ليرة انكليزية). كانت ايرادات الوقفيّة نحواً من مئة ليرة ذهباً سنوياً. وكان رزق ملجأ الضعيف ووسيط الخير في جزين واقليمها يلجأون اليه في شدائدهم ومصاعبهم فيدافع عنهم ويحمل قضاياهم الى المعنيين.
أقامت له جزين تمثالاً ضمن حديقة تحمل اسمه بمناسة مرور مئة وخمسين سنة على انتقاله.
امّا قصة مدرسة عين ورقة فتلخّص بالآتي:
لفت الشاب الجزيني نظر معلمه الجليل، في عين ورقة، الخوري خير الله اسطفان، لما رآه فيه من اندفاع وغيرة وتميّز في الدراسة وأحبّه المطران يوسف اسطفان بسبب ما اكتشفه فيه من نباهة وفطنة وذكاء ودراية وحسن تدبير وعلم وغيرة مزدانة بالقداسة، فأوصى كقاضي نصارى جبل لبنان، ورئيس مدرسة عين ورقة، أقاربه، أصحاب الولاية على المدرسة “بان ينتخبوا له خلفاً في رئاستها الخوري يوحنا ابي رزق أحد تلامذتها”، اذ قال “إذا شئتم نموّ هذه المدرسة فرئّسوا عليها هذا الكاهن”
اصبح رزق ذا مكان عالٍ في منطقته وكاهناً ذا شأن متسامٍ في كنيسته ورجل علم وعمل في حياته ماوجّه البطريرك ومطارنة الطائفة الى مجمع انتشار الايمان في 20 حزيران 1835: “لايوجد أنسب من المطران يوسف رزق لتسلّم مهمة رئاسة المدرسة لانه مجتهد وأمين”.
لما تسلّم ادارة عين ورقة بدأ عملية الاصلاح من خلال اتخاذه قرارات جذرية في طريقة ادارتها: كضبط النفقات وتحديد النسب المئوية للشركاء، من كل العائلات، كما برع في اكتساب المعارف وإتقان اللغات، وفي اعمال الحقول ورعاية المواشي، فبرز نجم الفلاح القدير والراعي الواعد، وإذ كان ثلث المدرسة صخراً أصمّ أفناه رزق بيديه شغلاً وبالمهدّة، وداوم على هذا العمل وحده يومياً مدى سنة ونصف. كان يضرب بالمهدّة 150 ضربة دفعة واحدة بلا راحة، وكان رجل صلاة يردّد “ربِّ أعنّي ولا تعِنْ عليّ”.
حسّن احوال المدرسة المادية والمعنوية، اذ سيؤسس لمساعدة الفلاحين في مجمل مناطق جبل لبنان، لتحسين الانتاج الزراعي وكميّته، من خلال التوجيه الى استعمال التقنيات الحديثة. وسدّد دين عين ورقة، كان مدخولها لا يزيد عن عشرة آلاف قرش، ووجدها مدينة بمبلغ سبعين الف قرش ودفع عنها 700 ليرة، ومنع الاعتداء على أوقافها، وانشأ لها أحراشاً وعقارات بقيمة 1500 كيس، واشترى لها أرزاقاً جديدة بقيمة ضعف ديونها، كالأراضي الزراعية والبيوت والمطاحن، ونشر شبكة علاقات تجارية واسعة في لبنان والشرق. وواكب المطران رزق ازدهار صناعة الحرير وأسهم في هذا التطور واستثمر فيه، ما أسهم في نمو المدرسة، كانت عين ورقة تربّي ثمان واق بزر (حرير) فقط، من الساحل الى الجرد، فأتى رزق يربي 90 وقية بزر ساحل جرد.
انشأ كنيستها المزينة بالنقوش والفسيفساء والصور والادوات الكنائسية الفاخرة.
كل هذا أهّله لرئاسة “أم مدارس سوريا ولبنان” ولانتدابه، من قبل رؤسائه، لاخطر المهمات، وجعل منه حبراً معيناً ومنقذاً لعين ورقة.
ومنذ ذلك الوقت كان في أساس نجاح المدرسة وتطورها وازدهارها بتشجيع من البطريرك حبيش لتكون “اول مدرسة عالية للكنيسة المارونية”، فاعلى رزق بناء كنيستها وشاد الابنية الجديدة، وادخل اليها، بالاضافة الى تعليمها العربية والسريانية، تعليم الايطالية واللاتينية منذ عام 1826، واللغة الفرنسية منذ عام 1860، والفلسفة واللاهوت العقائدي والادبي، وسعى الى تنصيب كاتدرا العلوم الفلسفية واللاهوتية 1840، بإذن من مجمع انتشار الايمان في روما.واضطلع بادوار على مختلف الصعد السياسية والعمرانية والكنسية. ولفت اليه نظر البطريرك حبيش الذي سلّمه رئاسة المدرسة سنة 1825، ورفعه الى درجة الاسقفية سنة 1829 وجعله رئيساً فخرياً لاساقفة قورش.
كان على عين ورقة أن تسدّ فراغ اغلاق المدرسة المارونية في روما 1808، فاشترى لها كتب القواعد باللغة الايطالية من روما، وجملتها 20 كتاب غراماطيق واربعة قواميس.
أفادت عين ورقة لبنان والنهضة العربية، اذ خرّجت العديد من رجالات القرن التاسع عشر والعشرين في: الخطابة والفلسفة واللاهوت والشعر واللغة العربية والرياضيات والموسيقى والتاريخ والفقه.
طالع رزق كتب اللاهوت النظري والادبي والقوانين الكنسية وأصول الشريعة المدنية والمارونية. كان في حياته الروحية قدوة لتلاميذه ومعارفه، يحرص على اداء فروض الصلاة في اوقاتها وعلى ممارسة الاماتات واعمال التقشف، ورعاً في عبادته، ولا يجلس في الكنيسة، بل يكون دائماً منتصباً في ركوعه، وتمثّل دائماً بالقول: “ان البطالة قبر الاحياء”، وكان ذا شخصية قوية، جريئاً وبعيداً عن المحاباة والمداهنة، وكان في حياته الاجتماعية والسياسية شديد المقاومة لارباب السلطة. ما عدّ السبب الابرز في ابعاده مرتين عن الكرسي البطريركي الذي كان المرشّح الدائم لتوليه، وقد حالت التحولات السياسية التي شهدها القرن 19 دون وصوله الى هذا المطلب الرفيع. بينما كان البطاركة الذين عاصرهم يوكلون اليه المهمات الديبلوماسية الرفيعة والقضايا الوطنية الشائكة.
قصته من أهم قصص نضال الكنيسة المارونية لنشر العلم وتثقيف الاكليروس والشعب.
أرسل له رئيس مجمع انتشار الايمان يُعلمه برضى الحبر الاعظم على كل ما يقوم به من أجل صالح طائفته. اما الحبر الاعظم بيوس التاسع فقد باركه وأهداهُ كأساً ذهبية للتقديس، هي الاثر الوحيد الذي حُفظ عنه، وقد أهداه نابليون الثالث عصا نفيسة للتقديس لم تزل في عين ورقة.
مات في عين ورقة راكعاً يصلّي ليلة عيد الغطاس 1865. دُفن في المدرسة التي بناها، ورثاه المطران يوسف الدبس “وما زال أهل المدرسة وأهل كسروان يتذكرون فضله وشهامته ديناً ودنيا”.

“المطران يوسف رزق 1780-1865 رزق جزين… رزقة عين ورقة ولبنان” تأليف الخوري ميخائيل قنبر.
النهار

عن الاتحاد الكاثوليكي العالمي للصحافة - لبنان

عضو في الإتحاد الكاثوليكي العالمي للصحافة UCIP الذي تأسس عام 1927 بهدف جمع كلمة الاعلاميين لخدمة السلام والحقيقة . يضم الإتحاد الكاثوليكي العالمي للصحافة - لبنان UCIP – LIBAN مجموعة من الإعلاميين الناشطين في مختلف الوسائل الإعلامية ومن الباحثين والأساتذة . تأسس عام 1997 بمبادرة من اللجنة الأسقفية لوسائل الإعلام استمرارا للمشاركة في التغطية الإعلامية لزيارة السعيد الذكر البابا القديس يوحنا بولس الثاني الى لبنان في أيار مايو من العام نفسه. "أوسيب لبنان" يعمل رسميا تحت اشراف مجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك في لبنان بموجب وثيقة تحمل الرقم 606 على 2000. وبموجب علم وخبر من الدولة اللبنانية رقم 122/ أد، تاريخ 12/4/2006. شعاره :" تعرفون الحق والحق يحرركم " (يوحنا 8:38 ).