أختر اللغة
الرئيسية | مقالات | بقايا شواطئ بيروت: ما يجب رفضُه
بقايا شواطئ بيروت: ما يجب رفضُه

بقايا شواطئ بيروت: ما يجب رفضُه

يشكل المخطط التوجيهي الشامل لترتيب الأراضي اللبنانية (SDATL) الذي أُقر رسمياً عام 2009 الإطار القانوني الأساسي الذي يحدد التوجه الاستراتيجي لعمل المؤسسات الرسمية والبلديات نحو تنمية متجانسة للأراضي اللبنانية والذي يجب أن تندرج ضمنه كافة القرارات المتعلقة بالتنظيم المدني واستعمال الأراضي.

يعتبر هذا المخطط أن خصائص الشواطئ اللبنانية (الشواطئ الرملية القليلة المتبقية والمواقع المميزة والكرانيش البحرية) تشكلّ ثروات لا بديل لها ينبغي المحافظة عليها وعدم التفريط بها. كما يؤكد المخطط التوجيهي الشامل أن الأملاك العامة البحرية لا يمكن أن يُسمح البناء عليها أو إقامة المنشآت الثابتة الخاصة عليها كالردم أو السناسيل أو المارينا، وأن القانون يسمح فقط بإقامة المنشآت الموقتة التي لا أساسات لها والتي لا تبدِّل في معالم الشواطىء ولا تمنع وصول الجميع إليها. ويعتبر المخطط التوجيهي الشامل أن المراسيم التي يُمنح بموجبها الحق لأصحاب العقارات المتاخمة للأملاك العامة البحرية استثمار هذه الأملاك لا يمكن أن تُفسَّر بشكل يناقض القانون.
أما بالنسبة إلى شاطىء بيروت فإن المخطط التوجيهي الشامل يحدد أولويات ثلاث يعتبرها ذات قيمة قصوى ينبغي استعمال الوسائل القانونية كافة من أجل حمايتها: كورنيش عين المريسة من فندق السان جورج حتى الحمام العسكري، خليج الروشة والأراضي الصخرية المحيطة به، الشواطىء الرملية في رملة البيضاء والجناح، ولا يفرق المخطط التوجيهي الشامل بين الأملاك العامة والعقارات الخاصة إذ يعتبر أن حماية هذه المواقع ترتدي أهمية وطنية قصوى.
بالنسبة إلى مشروع “الإيدن روك”، لن ندخل هنا في نقاش قانوني حول ملكية العقارات التي يُبنى عليها المشروع إذ لا نمتلك المعلومات الدقيقة لهذه الغاية. سنكتفي بملاحظتين عائدتين للترخيص الذي أُعطي لبناء هذا المشروع: أولاً، إن المشروع المنوي إنشاؤه لا يحترم نظام البناء للمنطقة العاشرة لمدينة بيروت إن من حيث معدلات الاستثمار أو من حيث عدد طوابق البناء، ويحجب منظر البحر من الطريق، مما يخالف كل القوانين التي وُضعت منذ عشرات السنين بهدف حماية شواطىء العاصمة. وفي حين تم الترخيص لهذا المشروع بمرسوم جمهوري خاص في عهد الرئيس إميل لحود، فإن هذا المرسوم يخالف كل ما حدده المخطط التوجيهي الشامل لترتيب الأراضي اللبنانية، وبشكل خاص ما نص عليه هذا المخطط بالنسبة إلى شواطئ بيروت.
ثانياً، إن المشروع يلحظ إقامة منشآت ثابتة على الأملاك العامة البحرية وردم البحر وإقامة مارينا مما يخالف القانون الذي يسمح فقط بالترخيص بإقامة منشآت موقتة على الأملاك العامة البحرية. بناءً على ذلك كان من واجب المجلس البلدي، بصفته ممثلاً لمصالح سكان بيروت وحامياً للمصلحة العامة، أن يحتج لدى المراجع المختصة وأن يسعى لفرض تعديلات أساسية على هذا المشروع بهدف التقليل من آثاره السلبية على البيئة والطبيعة المميزة لشواطئ العاصمة.
عوضاً عن ذلك أعلن المجلس البلدي الجديد أن ليس بإمكانه التدخل في مشروع مُقام على أملاك خاصة ووافق على الترخيص للمشروع دون إدخال أَي تعديل، مكتفياً بالتأكيد على أنه لن يسمح بالتعدي على المسبح الشعبي في الرملة البيضاء، متجاهلاً كون القسم الأكبر من شواطىء بيروت قد أصبح ملكاً خاصاً. يمكننا أن نستنتج مما تقدم أن هذا المجلس سوف يقف مكتوف الأيدي تجاه كل المشاريع التي قد تُقدَّم لإستثمار العقارات الخاصة الواقعة على الواجهة البحرية لبيروت، وذلك بحجة عدم قدرته على استملاك كافة هذه العقارات، الأمر الذي قد يرهق خزينته.
لكن هذا المنطق الذي يتذرع به المجلس البلدي لا أساس له من الصحة. إذ ليس المطلوب بأي حال من الأحوال أن يتم استملاك كافة العقارات الخاصة على الواجهة البحرية لبيروت، بل المطلوب فرض شروط لاستثمار هذه العقارات حفاظاً على المصلحة العامة وتماشياً مع ما نصّ عليه المخطط التوجيهي الشامل لترتيب الأراضي اللبنانية. إن فرض مثل هذه الشروط لا يشكل انتقاصاً من حقوق أصحاب العقارات الخاصة يؤدي إلى تبرير المطالبة بتعويضات للمالكين. ففي حين يضمن القانون اللبناني حماية الأملاك الخاصة، يُخضع كيفية استثمار هذه الأملاك للشروط التي تحددها القوانين. أي أن المالك لا يستطيع أن يتصرف بملكه كما يشاء بل عليه أن يخضع للشروط القانونية التي تمليها عليه السلطات العامة.
فالمجلس الأعلى للتنظيم المدني يفرض مثلاً على الأملاك الخاصة الواقعة ضمن المناطق الحرجية والزراعية شروط بناء “قاسية”، إن من حيث معدلات الاستثمار التي لا تتعدى نسبة الخمسة في المئة من مساحة العقار أو من حيث السماح ببناء طابق واحد أو اثنين على الأكثر أو حتى من حيث تحديد طبيعة الاستعمالات المسموحة والممنوعة. ولا تخلق هذه الشروط التي يفرضها القانون على كيفية استثمار الأملاك الخاصة أي حق بالتعويض لمالكي العقارات، حتى لو أدت الشروط إلى تخفيض معدلات الاستثمار وارتفاع الأبنية وعدد الطوابق بالنسبة لما كان عليه الأمر قبل إقرار نظام البناء الجديد. فمعدلات الاستثمار وارتفاع الأبنية وغيرها من الشروط لا تخلق أية حقوق مكتسبة لمالكي العقارات بل تخضع لكيفية تطور المناطق واستعمالات الأراضي كما تحددها السلطات المختصة حفاظاً على المصلحة العامة.
إن المجلس البلدي لمدينة بيروت له الصلاحية الكاملة بالنسبة إلى تحديد أنظمة البناء في العاصمة. وإذا كان المجلس البلدي الجديد حريصاً على حماية الواجهة البحرية للعاصمة والدفاع عن حقوق سكانها، عليه أن يؤكد على احترام شروط البناء في المنطقتين التاسعة والعاشرة لشواطئ بيروت كما حددها القانون دون أية زيادة إن من حيث معدلات الاستثمار أو ارتفاع الأبنية وعدد الطوابق أو غيرها من الشروط الفنية. لا بل، أكثر من ذلك، عليه أن يعمل على تعديل هذه الشروط بهدف فرض شروط جديدة من شأنها أن تؤمن حماية أفضل لما تبقى من شواطئ.
كما على المجلس البلدي رفض استصدار مراسيم تهدف إلى السماح بإقامة مشاريع لا تحترم شروط البناء هذه. وإذا أقدمت السلطات المعنية على إصدار مثل هذه المراسيم على رغم معارضة المجلس البلدي، على الأخير أن يتوجه للرأي العام لشرح ملابسات الأمر والامتناع عن القبول بترخيص الأعمال التي تؤدي إلى تشويه الواجهة البحرية للمدينة ومنع سكان بيروت من الاستمتاع بشواطئها. حينها، يكون المجلس البلدي الجديد قد أثبت دوره كممثل للمصلحة العامة لسكان بيروت. أمّا إذا امتنع المجلس عن اتخاذ مثل هذه المواقف فستتأكد مخاوف الذين اعتبروا أن تركيبة هذا المجلس أتت للدفاع عن مصالح أصحاب النفوذ وليس للدفاع عن المصلحة العامة لسكان بيروت.
جاد ثابت
النهار

عن الاتحاد الكاثوليكي العالمي للصحافة - لبنان

عضو في الإتحاد الكاثوليكي العالمي للصحافة UCIP الذي تأسس عام 1927 بهدف جمع كلمة الاعلاميين لخدمة السلام والحقيقة . يضم الإتحاد الكاثوليكي العالمي للصحافة - لبنان UCIP – LIBAN مجموعة من الإعلاميين الناشطين في مختلف الوسائل الإعلامية ومن الباحثين والأساتذة . تأسس عام 1997 بمبادرة من اللجنة الأسقفية لوسائل الإعلام استمرارا للمشاركة في التغطية الإعلامية لزيارة السعيد الذكر البابا القديس يوحنا بولس الثاني الى لبنان في أيار مايو من العام نفسه. "أوسيب لبنان" يعمل رسميا تحت اشراف مجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك في لبنان بموجب وثيقة تحمل الرقم 606 على 2000. وبموجب علم وخبر من الدولة اللبنانية رقم 122/ أد، تاريخ 12/4/2006. شعاره :" تعرفون الحق والحق يحرركم " (يوحنا 8:38 ).