أختر اللغة
الرئيسية | مقالات | تاريخيّة المعجزات تكثير الخبز (3) – حلقةٌ فرعيّة !
تاريخيّة المعجزات تكثير الخبز (3) – حلقةٌ فرعيّة !
تكثير الخبز

تاريخيّة المعجزات تكثير الخبز (3) – حلقةٌ فرعيّة !

إنّ معظمَ صعوباتنا في موضوع المعجزات ، تنشأ عن أنّ الذين تقدّمونا  جعلوا من المعجزة ِ (برهانا ) ، وأمرًا يُثبَت علميّا ، في حين أنها قبل  كلّ شيء ” علامة ” تُدرك بالإيمان . وبعبارة أخرى ، ننسى أن للمعجزة وجهين  ومستويين من المعنى : وجهًا منظورًا (الحادثة الخارقة التي يستطيعُ كلّ  إنسان أن يلاحظها ) ، ووجهًا غير منظور (وهي المعنى اللاهوتيّ الذي يدركه  المؤمن ) .

طريقتان للنظر إلى الأمور :

إنْ قدّمت زهرة  لعالم ٍ في النباتْ ، يكونُ ردّ فعله ردّ فعل عالم ٍ  أختصاصيّ ، فيسأل : ” ما هذا ” ؟ ، وهو يحلّل الزهرة ويصنّفها ، وإن كان  يجهلها ،فلن يألو جهدًا حتى يهتدي إلى أصلها . وإنْ قدّم شابّ زهرة لخطيبته  ، فإنّها ترى فيها ” رسالة ” ، لإنّ هذه الزهرة تعبّر لها عن شيء ما ، فلا  يكون سؤالها  : “ما هذا ؟ ” ، بل ” ما يعني هذا ” ؟ . هكذا يُنظر إلى  الزهرة نفسها من زاويتين متباينتين في المعنى ، مع أنّ هاتين النظرتين لا  تتعارضان في الجوهر – فبين علماء النبات عشّاق أيضا – وإن أختلفتا في  المدلول كلّ الإختلاف ظاهريّا . أمام ثوران بركان ٍ ، يقوم الأختصاصيّ ببحث  ٍ علميّ ، محاولا أن يحدّد أسبابه ويعرف معدّل تكراره وقوانينه .. في حين  أنّ رجلا متديّنا من المعتقدين بإن لكلّ شيء روحًا يأتي بتفسير لاهوتيّ ،  فيقول على سبيل المثال : إنّ آلهة َ الجحيم في حالة غضب ، يقذفونَ بالنار  من أعلى الجبل ..” فالواحد ينظرُ من مستوى الحدث نفسه فيسأل: ” ما هذا ؟ ” ،  والآخر يعبّر عنت المعنى الذي يراهُ فيسأل : ” ما معنى هذا “؟.

إنّ الكتاب المقدّس ، لا بل بعض النصوص اليونانيّة أو اليهوديّة  ، تروي  لنا معجزات . فهل نستطيعُ ، من خلال هذه الروايات ، أن نعرف حقيقة ما جرى ؟  . نعترف بإنّ ذلك أمرٌ شاق ، كثيرًا ما يكونُ غير ممكن ٍ ، وهو في آخر  الأمر بلا فائدة تُذكر .

ليست هذه الروايات ” محاضر شرطة ” ، بل شهادات المؤمنين . كان أهل تلكَ  العصور يعيشونَ في عالم ٍ متدّين يرون فيه ظهور الله أو الآلهة أمرًا  طبيعيّا ، فلا يبالونَ بالحادثة التاريخيّة ولا يتساءلون  : ” ما هذا ؟ ” ،  إذ كانوا يسلّمون بها عفويّا ، بل يهتمّون بمعناها متسائلين : ” ما معنى  هذا ؟ ” من قِبَل مَنْ أو من قِبل ما يكلّمنا هذا ؟ . فحين نبحثُ في تلك  الروايات القديمة ، ليسَ علينا أوّلا أن نستفهمَ (كيفَ وأين ومتى وقعتْ هذه  الحادثة ) ، بل بالأحرى ” لماذا رُويَتْ “؟ .

ولكن ، من جهة أخرى ، إذا أتينا بتفسير بشريّ أو لاهوتيّ في حادثة ٍ  معيّنة ، فلا يعني ذلك أنها لم تقع ! ، إن قالَ أحدُ المعتقدين بإن لكلّ  شيء روحًا لنا ، ” إن الآلهة َ يقذفون بالنار من أعلى الجبل ” ، وكان هذا  الإنسان سليم العقل ِ ، أستخلصنا أنّ أمرًا خارقا يجري على ذلك الجبل . هل  في إمكاننا أن نستوضح الأمر ؟  إن كنّا لا نعرفُ شيئا عن ذلك البلد وعن  الظروف التي يعيش أهله فيها ، لا شكّ أننا لا نستطيعُ أن نبتّ ، هل ما جرى  هو ثوران بركان أم عاصفة هوجاء ! .. فلا بدّ لنا ، والحالة هذه ، أن نعيدَ  وضع الرواية إلى إطارها التاريخيّ الجغرافيّ .

ماذا جرى في البحر الأحمر ،  أو في سيناء ، أو في بحيرة طبريّة ، أو في  البريّة حيث تكثير الخبز ؟ من المستحيل لنا أن نعرف ، ولا شكّ، بل من العبث  أيضا ، أن نحاول معرفة ما جرى . لكن ما نعرفهُ جيّدا ، هو أنّ أمرًا ما قد  حدث !  وإنّ الشعبَ أو التلاميذ قد شعروا بإن حادثة خارقة واكتشفوا فيه أن  الله يناديهم . فلا يسعنا إلا أن نبتسمَ أمام المحاولات التي يقومُ بها  بعضهم لمعرفة ما جرى في معجزات يسوع ، أو للبحث عن ” رواسبها التاريخيّة ” ،  وألاّ جعلنا ذلك نحيدُ عن الهدف الجوهريّ . يكفينا أن نعلمَ أنّ التلاميذ ”  شعروا ” حيال تلك الأحداث ( أي أحداث كانت ؟ الأمر لا يهمّ ) ، بإنّ الله  كان يعملُ عن يد هذا الإنسان ، وأنه يظهر من ما وراء هذا الشخص ويعطي رسالة  خلاصيّة تريدُ فقط أن تقول للآخر : أجبْ بالإيمان والمحبّة على هذه  الرسالة بالقبول والطاعة ! .

زينيت

عن الاتحاد الكاثوليكي العالمي للصحافة - لبنان

عضو في الإتحاد الكاثوليكي العالمي للصحافة UCIP الذي تأسس عام 1927 بهدف جمع كلمة الاعلاميين لخدمة السلام والحقيقة . يضم الإتحاد الكاثوليكي العالمي للصحافة - لبنان UCIP – LIBAN مجموعة من الإعلاميين الناشطين في مختلف الوسائل الإعلامية ومن الباحثين والأساتذة . تأسس عام 1997 بمبادرة من اللجنة الأسقفية لوسائل الإعلام استمرارا للمشاركة في التغطية الإعلامية لزيارة السعيد الذكر البابا القديس يوحنا بولس الثاني الى لبنان في أيار مايو من العام نفسه. "أوسيب لبنان" يعمل رسميا تحت اشراف مجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك في لبنان بموجب وثيقة تحمل الرقم 606 على 2000. وبموجب علم وخبر من الدولة اللبنانية رقم 122/ أد، تاريخ 12/4/2006. شعاره :" تعرفون الحق والحق يحرركم " (يوحنا 8:38 ).