أختر اللغة
الرئيسية | مقالات | تسليم رؤية “الجمهورية الخامسة” لسيادة قائد الجيش
تسليم رؤية “الجمهورية الخامسة” لسيادة قائد الجيش

تسليم رؤية “الجمهورية الخامسة” لسيادة قائد الجيش

شرفني سيادة قائد الجيش باستقبالي يوم أمس الواقع فيه 24 تشرين الأول 2022 لقبول تقدمة كتابي الذي ضمنته رؤيتي للبنان الجديد الصاعد من عمق حفرة انفجار مرفأ بيروت صعود الفينيق من رماده. ومع كتابي الذي سلمته باللغتين العربية والإنجليزية، له شخصيا ولمكتبه وللكلية الحربية، رفعت إليه، بكل فخر واعتزاز، الكلمة التالية:

سيادة القائد

رؤية من رَحِمِ ألمٍ إثْرَ تدنيس أرض لبنان بوطء أقدام جيش دولة غاصبة أسمها، تزويرا، “إسرائيل”. ما أذلني حينها ليس غلبة العدو وغلاظته وتفوّقه العسكري إنما ضُعفُ نظامنا وانقساماتُ شعبنا العامودية وسقوطُه المرير تحت سلاح “البروباغاندا” المستوردة، سواء اليسارية منها أو اليمينية، اللتين كانتا مُحرَّكّتين من المصدر نفسه، ومستندتين إلى عامل غريب عن الشعب اللبناني، العامل الفلسطيني، الذي أُدخل مهجَّرا، مظلوما، إلى ربوعنا وسرعان ما تحوّل إلى حصان طروادة في قلب مدننا وشرايين وطننا. إذا لا بد من التوصل إلى وحدة الشعب وصحة الانتماء والولاء للوطن.

تاريخية تطور رؤيتي هذه منصوص عنها في التمهيد المعنون “لماذا هذا الكتاب؟” أما مضمونه الفلسفي الدستوري فأختصره أولا بالجواب على السؤال الشهير: أي لبنان نريد؟ لأقول:

  1. بما يخص المساوات في المواطنة وحقوق الإنسان:

“في لبنان الذي نريده لا حضارة تحت ولا حضارة فوق، لا دين فوق ولا دين تحت، لا عائلة تحت ولا عائلة فوق، لا إقطاعية ولا مناطقية، ولا حزبية – فئوية أصولية، إنما أمة واحدة لبنانية يتكامل فيها الجميع متكائنين [1]على نحوٍ محوري في سياق حركةٍ لولبيةٍ للتاريخ حول لب هذا الكيان الذي هو كرامة الشعب المبنية على حق الإنسان في الحياة، وحرّية المعتقد وحرّية التعبير، والمشاركة العادلة في تقرير مسار يؤدّي بالجميع إلى مصير كريم واحد”. (ص. 40)

  • بما يخص المشاركة العادلة والمتوازنة في الحكم:

في الجمهورية الخامسة كل الرئاسات خدمة متساوية، والطوائف الستّ (الكبرى) متساوية في الحقوق، تتشارك في الحكم من دون تحديد أي كرسي لأي طائفة. فرئاسة الجمهورية هي لأي لبناني من هذه الطوائف الستّ، وهكذا رئاسة مجلس النوّاب، ورئاسة مجلس الوزراء، ورئاسة مجلس الشيوخ، ورئاسة المجلس الاقتصادي-الاجتماعي، وقيادة الجيش، بشرط وحيد هو ألاّ يحتلّ مسؤوليّتين شخصان من طائفة واحدة في الفترة نفسها. (ص.77) أما الطوائف الست التي تتبادلها فهي صاحبة الأقدمية التاريخية في لبنان الكبير، بعض النظر عن عددها مؤمنيها: الروم الأرثوذكس والذين منهم أيضا الروم الكاثوليك، الموارنة، السنة، الشيعة، الدروز، (وهذا ليس إلا لفترةٍ لا تزيد عن الأربعين عاما تكون الدولة الحديثة قد توصلت خلالها إلى طمأنة المواطنين على مستقبلهم “التكاؤني” دون الحاجة إلى إقحام أديانهم ومذاهبهم في السياسة.

نتيجة هاتين النقطتين تنعكس مباشرة على المساواة بين مواليد اللبنانيين بالحقوق والواجبات، فيعود بالتالي الحق لكل مولود لبناني أن “تكاغيه أمه قائلة له: “ان شاء الله أراك/ي رئيسا/تا للجمهورية”، وبالتالي تروح الأمهات تربين أولادهن على تحمل المسؤولية نفسها فيتساوى معظم اللبنانيين (وإلى ان يصبح كل اللبنانيين) بالحقوق والواجبات نفسها، ما ينعكس خيرا على الجيش حين يدافع كل جندي عن لبنان الذي لديه فيه طموح القيادة والرئاسة له أو لأولاده.  

أما قوة هذه الرؤية وصحة مبادئها وحقانيتها نستشفها من تحديد من سيعارضها:

قد يُظهر الجميع عدم امتعاضهم من فكرة التبادل هذه على صعيد القِمّة لأن في الأمر عدالة، بخاصة بعد أن يناط، بكل رئاسة، أفضلُ الصلاحيات التي تعود لها، والتي تتكامل مع بعضها بطريقة بناءة، غير تعديلية، وغير قابلة لاستغلال السلطة.

أما فيما سينعكس من هذه الرؤية الدستورية على صعيد إعادة تكوين الأحزاب في ضوء قانون انتخاب نسبي لنواب الشعب، مع لبنان دائرة واحدة، وانهاء عصر الوصوليات الفئوية المعتادة على توارث السلطة واحتكارها والمحاصصة بها، وبالتالي الاستمرار بالفساد السياسي، فهذا ما سيمتعض منه الكثيرون ويحاربوه، حتى ولو لمسوا أنه، بزوال لبنان، ستزول قيمة كل تضحياتهم، وقيمة دماء شهداء عائلاتهم وأحزابهم، حتى دماء شهداء الوطن كافة لأي فئة انتموا.

سيادة القائد

ما لم يتم العبور بلبنان من صيغة العيش المشترك إلى صيغة التكاؤن (ص. 19) سيستمر الجميع في تناتش خيرات هذا الوطن وتخزينها في الأنانيات التي لم يعد حتى النظام المالي العالمي ومصارفه كفيل بحمايتها، من دون الوصول إلى إشباع نهم الغرائز التي أسقطت كل مخافة لله الخالق، الذي ينص الدستور الحالي على اجلاله (المادة 9 من الدستور).

أما التكاؤن، وهو ما يشهد له جيشنا المفدّى اليوم أكثر من أي يوم مضى، فيجب بنظري أن يُدخَل هذا المفهوم في أساس تربية الحالة العسكرية والأمنية لما فيه من ركيزة فعالة للانتماء والأمانة ورفعٍ لقيمة الشعار المثلث “شرف، تضحية، وفاء.” فالتكاؤن يُستمد من فعل الكون (كأن) وليس من مجرد فعل الوجود والعيش المشترك القائم على (الكلأ والماء)، ويؤدي إلى الكينونة المشتركة والتي تعني “أن نكون سوية أو لا يكون لبنان”، وبالتالي تنطبق على هذه الحالة الكلمات الذهبية: “وليس بالخبز وحده يحيا الإنسان”. وعليه نؤكد في كتابنا على مسلمة إضافية: “ليس بتسوّل الأموال ولا باقتراضها ولا بالهبات المشروطة ولا بتعليق المشانق لمن خان أمانة الشعب ونهب المال العام يُنقذ الوطن، إنما بتصحيح القواعد الدستورية التي أسَّست للخيانة والجرائم العامة، وعطّلت المراجع الدستورية واستقلالية القضاء.” والفرق الوحيد هو أن ننتقل بلبناننا من مفهوم العيش معا، وليته أعطانا امانا وسلاما دائمين، إلى الكينونة معا مسخرين كل ما يمكن من انانيات ونرجسيات للتوصل إلى هذا الهدف.

عشتم سيادة القائد وعاش جيشنا الباسل الذي يحارب اليوم أشرس عدو لكيانه، وعاش لبنان.

الأب ميخائيل روحانا الأنطوني


[1]  ان نكون سوية أو لا نكون، ولا يكون لبنان الموصوف كرسالة للإنسانية. في هذا كل الفرق بين الكينونة والملكية. tre et l’avoirê L’

عن ucip_Admin