أختر اللغة
الرئيسية | أخبار الكنيسة | جسد المسيح وحضوره في القربان المقدّس بقلم عدي توما
جسد المسيح وحضوره في القربان المقدّس بقلم عدي توما
القربان المقدس

جسد المسيح وحضوره في القربان المقدّس بقلم عدي توما

في عالم البشر هذا ،  وقد انحصرَ في شبكة من العلامات والمعاني، فإنّ حضور المسيح الحقيقيّ في القربان المقدّس يجب أن يُحصَر  بإعتباره حضورًا يُرسل اشارته إليّ ، ولإنّه كذلك فهو لا يكون حقيقيّا إلاّ بقدر ما أفهم المقصود منه .

الحضور الحقيقيّ يجبُ أن يُحصَر في إطار الإيمان ، أو في إطار ٍ شخصيّ ، على ألاّ يُخلَط بالوجود الطبيعيّ . إنّ الحضور الحقيقيّ ، هو تجسيد لوجود أكثر إتساعًا ، وجود عالميّ يقولُ لنا ، إنّ الربّ ليس الدائرة وحسب ، ولكنّه النقطة ، ليس المحيط فحسب ، ولكنّه المركز .

يرى العالم واللاهوتيّ تيلار دي شاردان ، أنّ التجسّد يبدأ مع الخلق ، وقد نميلُ كلّنا إلى الإعتقاد ، أنّ التجسّد قد تمّ حين حبلت العذراء مريم بالمسيح ؛ والواقع أنّ التجسّد هو حركة تبدأ في عمق المادّة الأصليّة . يقالُ أحيانا ؛ إنّ الأنبياء وإنتظار الشعب اليهوديّ قد أعدّو لهذا التجسّد ، وهذا غير صحيح … لإنّ التجسد قد بدأ من الذرّة الآولى (كما يقول الأب اليسوعيّ هنري بولاد ) .

يومًا ما ، تحقّق هذا الحضور الشائع والشامل في شكل بشر من لحم ودم – يسوع الناصريّ – لماذا هذا التجسّد ؟ هل كان ضروريّا ؟ نعم ! فلكي نفهمَ هذا الحضور في حقيقته الكاملة ، وفي كثافته ، كان يحتاجُ إلى التجسّد في شخص محسوس .

هل كانَ وجود يسوع هذا في الجسد حضورًا حقيقيّا لكلمة الله ؟ نعم ، ومع ذلك ، فإنّ هذا الجسد ، وهذا الوجه ، كانا تعبيرًا عن شيء أبعد وأعمق وأشدّ خصوصيّة ، وهو شخص بذاته .

الجسد ، يحقّق كياننا العميق في الزمان والمكان المحدّدين ، إلاّ أنه في الحقيقة ، ألا يفيضُ حضورنا عن أجسادنا ؛ أليسَ هذا ” الحضور ” غير قابل للقياس لهذه الحقيقة الطبيعيّة التي لا يمكنُ أن نراها أو نلمسها ؟ هل يمكنني أن أقول إنّي سجين هذا الجسد ؟ بالطبع ، فلا طريقة أخرى لديّ أظهرَ بها لنفسي أنّ هذا الجسد هو جسدي . ولكن هذا الجسد ، وهو يفسّر شخصي ، فإنّه يخونه في الوقت نفسه ، لإنه لا يُعبّر إلاّ عن جزء ٍ ضئيل ، لإنّ شخصي يفيضُ عن جسدي من النواحي كافة ، أو كما قال باسكال : “الإنسانُ يُجاوِز الإنسان بما لا نهاية ” .

تؤكّد الكنيسة ، أنّ القربان المقدّس هو سرّ حضور المسيح الحقيقيّ اليوم بالصفة نفسها ، كما كان جسده الطبيعيّ والتاريخيّ هو سرّ حضوره على الأرض منذ ألفي سنة . المسيحُ الذي جسّد حضوره في بدن ٍ من اللحم طوال الثلاث والثلاثين سنة التي عاشها على الأرض ، أرادَ أن يجسّد هذا الحضور نفسه لجميع الأجيال المقبلة ، وذلك في ” حقيقة ماديّة ” ، ولكنّها مختلفة عن حضوره الطبيعيّ العينيّ التاريخيّ . لذلك ، قدّم إلينا ( القربان – الإفخارستيّا ) .

” إنّ وجود الإنسان الصامت وهو في حالة عبادة ، يجيب على وجود الربّ الصامت أيضا في القربان ” .

Transsubstantiation  ، تحوّل الجوهر ؛ حين حاولَ علماء اللاهوت في القرون الوسطى التعبير ، في عبارات فلسفيّة ، عمّا يحدث أثناء القدّاس ، لجأوا إلى هذه الكلمة الفنيّة . الخبز والخمر اللذين ليسا إلاّ طعامًا ماديّا ، أصبحا ، على أثر تقديسهما في القدّاس ، عاملين لوجود يسوع المسيح الحقيقيّ . لقد حدث تحوّل للجوهر ، تحوّل من جوهر إلى جوهر .

ليس أمامَنا سحرٌ أو آلاعيبُ مُهرّج كما في السيرك !. فإذا قمنا بتحليل كيمائيّ في المعمل للخبز والخمر ، قبلَ التقديس وبعده ، سنجدُ أنّها ذاتها الخبز والخمر (نحنُ هنا لا نتكلّم عن الأعاجيب التي حصلت وتحصل  كما في أعجوبة لوتشانو في إيطاليا ) . فالمادّة التي يتكوّنان منها ، في بنائها الذريّ أو الجزئيّ ، هي ذاتها قبل التقديس وبعده ؛ لإنّ الطبيعيّ والكيمائيّ ليسا على مستوى المادّة ، بل هما على مستوى الأحداث . هذا إذا استعملنا في الشرح ، الطريقة الفلسفيّة التقليديّة الخاصّة .

حبيبان يتنزّهان في حديقة ، وإذا بالفتاة تقطفُ زهرة وتقدّمها إلى حبيبها . هذه الزهرة تتوقّف فجأة عن كونها مجرّد زهرة لتصبح ” رسالة ” و ” علامة ” و ” تعبيرًا ” عن حبّ الفتاة . فحين قطفت الفتاةُ الزهرة ، وحين قدّمتها ؛ فقد غيّرت من معناها ومن القصد ، وبالتالي ، من الجوهر .

في حالة القربان المقدّس ، الخبز والخمر لم يكن لهما أيّ معنى بخلاف أنّهما طعامٌ عاديّ ، وأصبحا بحسب نيّة المسيح – أو الكاهن – جسدُ المسيح ودمه ، حاملَين حضوره ، تغيّر المعنى والقصد . هذه النظرة تُجنّبنا الوقوع في مذهب السحر والأسطوريّة ، فكلّ شيء في الإفخارستيّا تمّ على مستوى القصديّة والمعنى . الإيمانُ ، هو المطلوب في تناولنا لجسد الربّ .

قدّم الأب إيف دو مونشوفيل ، في مقال مهمّ عن القربان مثالَ الفأر وهو يقرض القربان المقدّس بعد تقديسه ، وبيّن أنه من الغباء الإعتقاد أنّ هذا الفأر كان ” يتناول جسد المسيح ” ! .

تؤمن الكنيسة بــ ” التحوّل الجوهريّ ” ، ولا تؤمنُ بــ” الإستبدال ” .

زينيت

عن الاتحاد الكاثوليكي العالمي للصحافة - لبنان

عضو في الإتحاد الكاثوليكي العالمي للصحافة UCIP الذي تأسس عام 1927 بهدف جمع كلمة الاعلاميين لخدمة السلام والحقيقة . يضم الإتحاد الكاثوليكي العالمي للصحافة - لبنان UCIP – LIBAN مجموعة من الإعلاميين الناشطين في مختلف الوسائل الإعلامية ومن الباحثين والأساتذة . تأسس عام 1997 بمبادرة من اللجنة الأسقفية لوسائل الإعلام استمرارا للمشاركة في التغطية الإعلامية لزيارة السعيد الذكر البابا القديس يوحنا بولس الثاني الى لبنان في أيار مايو من العام نفسه. "أوسيب لبنان" يعمل رسميا تحت اشراف مجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك في لبنان بموجب وثيقة تحمل الرقم 606 على 2000. وبموجب علم وخبر من الدولة اللبنانية رقم 122/ أد، تاريخ 12/4/2006. شعاره :" تعرفون الحق والحق يحرركم " (يوحنا 8:38 ).