أختر اللغة
الرئيسية | إعلام و ثقافة | حكايات عن مسيرة هيكل الإعلامية
حكايات عن مسيرة هيكل الإعلامية
الصحفي محمد حسنين هيكل

حكايات عن مسيرة هيكل الإعلامية

قبل أقل من سنة أطل محمد حسنين هيكل على مشاهدي التلفزيون ليخبرهم أنه سيتوقف عن الكتابة، وعن الظهور على الشاشة الفضية. وبعدما كرر، في مناسبات أخرى، عبارة “الاستئذان بالانصراف” كتب له الزميل أمين الغفاري رسالة مفتوحة في جريدة “العربي” تحت عنوان “إني أعترض”.

قال الغفاري في الرسالة ما خلاصته إنه لا يحق للجندي التخلي عن سلاحه والانسحاب من المعركة. وعلق هيكل على إعتراض الغفاري بمداخلة تلفزيونية قال فيها: “إن المسألة ليست عناداً من جانبنا، ولا هي تمثل إنسحاباً من المعركة، وإنما هي وليدة ظروف صحية إستوجبت إتخاذ مثل هذا القرار الصعب”. وكانت تلك المرة الأولى التي يكشف فيها هيكل عن مرضه أمام الرأي العام.
ويبدو أن العنوان المثير الذي إستخدمه الغفاري منقول عن عنوان سبق لهيكل أن نشره في صحيفة “الأهرام” أثناء إعتراضه على مباحثات الوحدة بين العراق وسوريا ومصر. وشكّل إعتراض هيكل مطلع الستينات مصدراً للقلق والغضب، بدليل أن التظاهرات الشعبية ملأت شوارع دمشق استنكاراً لموقف “حزب البعث”. وهرع العقيد لؤي الأتاسي الى القاهرة بهدف إقناع الرئيس جمال عبدالناصر بضرورة التدخل العاجل.
وحاول عبدالناصر التبرؤ من عامل التحريض، مؤكداً للأتاسي أنه يقرأ مقالات هيكل بعد نشرها، شأنه شأن سائر القراء. ثم أبدى احتجاجه على هشاشة الحكومة التي تترنح جراء مقال في صحيفة. وحقيقة الأمر أن التظاهرات إنفجرت بطريقة غير مسبوقة لأن مقالات هيكل كانت تُفسَّر كموقف رسمي غير معلن لما يضمره عبدالناصر.
يعترف مؤرخو الثورة المصرية بأن عبدالناصر كان يميل الى منح القاصّ ورئيس تحرير “روز اليوسف”، إحسان عبدالقدوس، مركزاً إعلامياً مرموقاً. والسبب أن الحملة الاعلامية التي شنها في المجلة ضد الملك فاروق، وأعوانه المتورطين في عملية الأسلحة الفاسدة، أمنت للثورة جواً مؤيداً على الصعيد الشعبي. وقد روى لي الأستاذ إحسان أن ضابطاً، في جماعة الضباط الأحرار، كان يزوده بالمعلومات حول صفقة الأسلحة الفاسدة، الأمر الذي مهَّد الأجواء لانقلاب 1952. وقال إنه إستُبعِدَ فجأة عن تولي هذا المركز بعدما توقفت والدته روزا اليوسف، مؤسسة المجلة ومحركها السياسي، عن دعم الثورة لأسباب تتعلق بنهجها الديكتاتوري العسكري. ولقد دفع إحسان بعد فترة قصيرة ثمن معارضة والدته بأن زجّه الانقلابيون في السجن.
خلال هذا الوقت، أمَّن هيكل صلات مباشرة مع عبدالناصر الذي اختاره لرسم الخطوط السياسية العريضة للثورة.
وللتدليل على المعاملة الاستثنائية التي خصّ بها الرئيس عبدالناصر صديقه هيكل، أشركه في غالبية الزيارات الرسمية التي كان يقوم بها للخارج. كذلك إختاره للمشاركة في القرارات المهمة التي تخص أمن مصر وسلامتها. والأمثلة على هذا المنحى كثيرة، بينها إلحاقه بعضوية الوفد الرسمي الذي زار موسكو بهدف الحصول على صواريخ أرض – جو كسلاح ردع لمواجهة حرب الاستنزاف التي فرضتها مصر على اسرائيل بعد هزيمة 1867. وعندما تقدم هيكل ليصافح بريجنيف، أطلق الزعيم السوفياتي صيحة إعتراض، مردداً كلمة “بروبوغندست”. ثم طلب من المترجم نقل تخوفه الى الوفد المصري، لأن “الأهرام” ستنشر الخبر ولو أدى ذلك الى إغاظة واشنطن. والتفت عبدالناصر نحو هيكل ليُشعره بدقة الموقف، ويقول له بصوت منخفض: “بلاش تبوّظ لنا الصفقة يا هيكل… علشان سبق صحافي”. ورد هيكل بقوله: إن نشر الصواريخ فوق أرض مصر عمل لا يمكن إخفاؤه عن عيون الأقمار الاصطناعية الاميركية.
ولما نُقِلت حجة هيكل الى بريجنيف، إقترح أن يجلس مع رئيس الاستخبارات (كي جي بي) في حينه، يوري اندروبوف، لبحث تداعيات هذا الموضوع الشائك. وهكذا إجتمع هيكل مع اندروبوف، الذي خلف بريجنيف في رئاسة اللجنة المركزية، واتفق معه على إصدار نشرة مضللة حول عدد الصواريخ ومواقع قواعدها. ويُستدَل من هذه الحادثة أن عبدالناصر كان يأتمن هيكل على المشاركة في إتخاذ قرارات وطنية تتعلق بأمن البلاد وسلامة أوضاعها الداخلية.
وفي سجل هيكل قائمة طويلة من الزيارات التي كلفه بها عبدالناصر. وكانت أهمها زيارة للجزائر مع عبدالحكيم عامر، عقب إعتقال الرئيس أحمد بن بللا على يد منافسه هواري بومدين. ومع أنه حاول مقابلة بن بللا في السجن، إلا أن بومدين رفض طلبه، مدعياً أن المشكلة جزائرية بحتة وليس لمصر أي دور فيها. وعاد الى القاهرة ليكتب في “الأهرام” مقالة على صفحتين تحت عنوان: “الليل الطويل… الطويل”.
والثابت أن محمد حسنين هيكل كان مدفوعاً بالحفاظ على أفضل العلاقات مع أصدقاء عبدالناصر… حتى بعد وفاته. وكان حريصاً على زيارة معمر القذافي وحافظ الأسد للتداول معهما في الشؤون العربية. وفي أول مرة قدّم زوجته هدايت علوي تيمور الى الرئيس حافظ الأسد، قال لها إنه يعرفه رئيساً منذ عشرين سنة. وعلق الأسد على هذا التعريف بالقول إنه عكف على مطالعة تحقيقات زوجها منذ أربعين سنة. ورد هيكل على الفور بأن الإطلاع على مقالاتي يكلف بضعة قروش، ثم تطوى الجريدة، في حين أنت ثابت في موقع الرئاسة.
وتدل اللقاءات التي تمت بين حافظ الأسد وهيكل على إحترام وتقدير عميقَيْن. وأذكر مرة أنني دعوتُ هيكل الى الغداء في مطعم “سيدني” بفندق فاندوم، عندما كان يزور لبنان وسوريا في آخر التسعينات. وفي تمام الساعة التاسعة صباحاً إتصل بي ليعتذر عن الغداء، لأن موعداً طارئاً حدده له الرئيس حافظ الأسد. ولما التقينا في اليوم التالي أخبرني أنه حذر الرئيس من خطر توريث نجله بشار لأن الاشتراكية الصحيحة لا تقبل مبدأ التوريث الإقطاعي.
وكان هيكل، في جلساته الخاصة، يحرص على إستذكار الشخصيات المدين لها النظام الناصري بخدمات لا تُنسى. ويأتي اميل بستاني (مؤسس شركة الكات) في طليعة هذه الشخصيات.
والحكاية، حسب الرواة، بدأت عقب إنتهاء حرب السويس (1956) وحاجة عبدالناصر الى صور التقطها مصور صحيفة “التلغراف” اللندنية. وعندما إتصل هيكل بالبستاني وأرسل له عبدالناصر قطباً إعلامياً ليبلغه الرسالة، إنطلق اميل بطائرته الخاصة الى لندن. وكانت النتيجة مئات الصور المرعبة وُضِعَت أمام كل عضو في مجلس الأمن، الأمر الذي ساعد عبدالناصر على ربح المعركة السياسية ضد بريطانيا.
وهذا ما شجع عبدالناصر على اختيار بستاني خلفاً لفؤاد شهاب في رئاسة جمهورية لبنان. ولكن القدَر لم يحقق هذه الأمنية، وإنما بقي هيكل وفياً لتلك الصداقة بدليل أن برامج زياراته للندن لا تخلو من غداء تقليدي مع كريمة اميل بستاني… ميرنا.
وعندما زار الرئيس عبدالناصر مدينة جدة، بعد إعلان المصالحة مع المملكة العربية السعودية، رافقه هيكل مع عدد من الإعلاميين والمسؤولين. وعقب إنتهاء الجلسة الأولى من المحادثات، طلب عبدالناصر من العاهل السعودي إستقبال هيكل لإجراء حديث حول الزيارة. واعتذر فيصل بلباقة، لأن هناك أكثر من عشرين صحافياً لبنانياً سبق وقدموا الطلب ذاته. لذلك قال إنه لن يجري أي حديث خاص مع هيكل أو سواه. واستغرب عبدالناصر جواب فيصل، وراح يعدد المكاسب السياسية التي تجنيها المملكة من وراء نشر الحديث في جريدة “الأهرام”. وهز الملك فيصل رأسه، مؤكداً أنه يعرف أهميتها من خلال المقالات المسيئة وغير الصادقة التي كتبها هيكل عن الدبابات التي اقتحمت بوابات مكة المكرمة. وعاد هيكل الى القاهرة دون أن يحظى بإجراء أي حديث مع العاهل السعودي.
ذكرتُ هذه الواقعة لأبيَّن الأهمية الاستثنائية التي أولاها عبدالناصر لهيكل.
بقي أن نذكر أن هناك عدداً كبيراً من الصحافيين العرب والأجانب يرى في هيكل موظفاً ذكياً خدم النظام الناصري، وسخَّر موهبته لتدبيج مقالات كانت أشبه ببيانات رسمية مغلفة بأسلوب شيّق ومادة دسمة.
ثم ظهر في دور جديد بعد وفاة عبدالناصر، وبروز خلفه أنور السادات الذي عارضه هيكل من خلال كتابيه: “سنوات الغليان” و”خريف الغضب”. أي أنه قدَّم أفضل ما عند الصحافي المتمرس بأصول المهنة عبر مرحلتين متباعدتين. كل هذا، كي يثبت للقراء أنه لم يكن من صنع غيره… وأنه لم يكن ظلاً لأحد!
النهار

عن الاتحاد الكاثوليكي العالمي للصحافة - لبنان

عضو في الإتحاد الكاثوليكي العالمي للصحافة UCIP الذي تأسس عام 1927 بهدف جمع كلمة الاعلاميين لخدمة السلام والحقيقة . يضم الإتحاد الكاثوليكي العالمي للصحافة - لبنان UCIP – LIBAN مجموعة من الإعلاميين الناشطين في مختلف الوسائل الإعلامية ومن الباحثين والأساتذة . تأسس عام 1997 بمبادرة من اللجنة الأسقفية لوسائل الإعلام استمرارا للمشاركة في التغطية الإعلامية لزيارة السعيد الذكر البابا القديس يوحنا بولس الثاني الى لبنان في أيار مايو من العام نفسه. "أوسيب لبنان" يعمل رسميا تحت اشراف مجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك في لبنان بموجب وثيقة تحمل الرقم 606 على 2000. وبموجب علم وخبر من الدولة اللبنانية رقم 122/ أد، تاريخ 12/4/2006. شعاره :" تعرفون الحق والحق يحرركم " (يوحنا 8:38 ).