أختر اللغة
الرئيسية | أخبار الكنيسة | سلطة الحبّ .. وحقيقة الخلق بقلم عدي توما
سلطة الحبّ .. وحقيقة الخلق بقلم عدي توما
الصلاة

سلطة الحبّ .. وحقيقة الخلق بقلم عدي توما

إنّ الله ، كما يقولُ الكتابُ المقدّس ،  ” خلقَ الإنسان على (صورته ومثاله) ” ، لكن هذه الصورة ، ليست كأيّة صورة عبثيّة ، فمن المؤكّد أنّ لها أساسٌ ، ألا وهي : أنّ الله خلقَ الإنسان على صورة ” الإبن ” .. أي ، ليست صورة فوتوغرافية جامدة في زمان ومكان محدّدين . بل إنّ أصل الإنسان هو ” مطلقٌ ” . وهذا ما تثبتهُ لنا كلمةُ ” مثاله ” ؛ فإن كانت الـ ” صورة ” تشيرُ إلى الختم المطلق والأساسيّ ( أي بالعقل – الحريّة – الحبّ – الإرادة ) ، فإنّ الـ “مثال” يشيرُ إلى الكمال والاكتمال Completion ، أو نستطيعُ أن نعبّر عنه بـ ” ديمومة Continuance  (أو تحقيق ) مستمرّ . وهذا ما يلمّح إليه الكتاب المقدّس أيضا بصورة ” التراب ” ، رمزيّة التراب . وهنا ، يجبُ أن نستبعدَ أيّ تشبيهات ٍ طفوليّة ، صبيانيّة هزليّة ، أو حتّى كارتونيّة تجعلُ منّا أناسًا سذجا ، متصوّرين بإنّ الله قامَ وأخذ ترابًا ، ومزجهُ بالماء ، وشكّل إنسانا ، ثمّ وبعدَ أن إكتملَ النحت والصنع ، نفخَ في منخريه ” الروح ” فصارَ الإنسانُ ” نفسًا حيّة ” . وكأنّ الخلق ، في هذه النظرة ، لا يخرجُ عن إطار الفكاهةِ والسذاجة والتصوّر الصبيانيّ المريض ، الذي لا يريدُ ، ولو قليلا ، أن يكسرَ حجابَ الإنغلاق العقليّ ، ويضعُ بدلا منهُ ، البصيرة والإنفتاح ، وإدراك الأمور بطريقةٍ أكثرَ جدّية وصدقيّة .

إنّ خلق الإنسان قد تمّ ” من ملء ” باللاتينيّة Ex plenitudine كما يقول الإنجيل ” ومن ملئهِ نلنا بأجمعنا ، نعمة فوقَ نعمة ” يو 1 : 16 ، وأيضا قد تمّ ” من حبّ ” Ex amore   ، ” الله محبّة ” 1 يوحنا 4 : 8 .

إذن ، لنكن هنا حذرين في إستعمال المصطلحات والتعابير : إنّ الله خلق الإنسان ” من ملئه – من حبّه” ، لا ” من العدم ” ؛ فالأخير لا وجود له بحدّ ذاتهِ إلا بالنسبة إلينا نحن المحدودين ، وليس هو مادّة سابقة خلق الله بها العالم . أما بالنسبةِ إلى الله ، فالعدم لا وجودَ لهُ ، لإنّ الأمور مكشوفةٌ أمامه كلّها. وهناكَ تعبيرٌ آبائيّ رائع يقول : إنّ الله خلق كلّ شيء ٍ ” من عدم ” ، أي (من لا شيء – من أجل لا شيء ) ، أي لا يوجد محرّك في داخل الله يدعو للأنانيّة والمصلحة النفعيّة أو الغاية النرجسيّة !.

الحبّ هو سرُّ الخلق ، ويجبُ أن نُسقطَ كلّ أوهامنا وتصوّراتنا الجامحة ، التي تُصوّر لنا أنّ الله ، في خلقه ، تسلّط بأسلوب ٍ تعسفيّ على الإنسان ، كسيّد مستبدّ كبير . دعونا من هذه التصوّرات والمخيّلات والأفلام الهزليّة السخيفة ، التي تشوّه لا صورة الله فقط ، بل والأكثر ، صورة العالم والإنسانيّة . دعونا نفكّر بمنطق ومصداقيّة وبعقلانيّة ، فليس الله ضدّ العقل والمنطق أبدًا ، ولم يحثنا  من أن ندحض الفكر والعقل والمنطق ، ونركُنهم جانبًا ونهتمّ فقط بالروحانيّات حصرًا ، فهذا قمّة الجهل والغباء المطبق (عذرا على الوصف ) .. تعليمُ الكنيسة واضح في هذه المسألة ، العقل والإيمان يسيران سويّة ولا يتعارضان ، قد يكونُ الإيمانُ  فوقَ العقل والمنطق ، لكن ليس مخالفا وضدهما أبدًا ، فكما أنّ الأعجوبة ليست مخالفة لقوانين الطبيعة ، بل هي ما وراء قوانين الطبيعة ، كذا الإيمان هو ماورائيّ وليس مخالفا للمنطق ، وكما قال أحدُ الآباء القديسين ” للقلب (الإيمان ) منطقٌ لا يفهمهُ العقل! .

وكما أنّ  في موضوع الثالوث الأقدس ، لا يمكننا أن نستوعبهُ ونضعهُ في ميزان العقل والمنطق ، بل نقدرُ أن ندخلَ في ” عقلانيّة سرّ الثالوث ” .

إذن ، نعودُ ما قلناهُ أعلاه ، خلق الله كان بلا سببٍ ولا حاجةٍ في نفسهِ ، إن أردنا أن نقول ، إن سببَ الخلق هو ” الحبّ – المحبّة ” ، وما سببُ الحبّ – المحبّة ؟! هل نقدرُ أن نجيبَ على هذا السؤال ؟ .. نقول : سبب الحبّ هو الحبّ ولا غير .

إستبعادُ التسلّط والسيطرة والسلطة ، في سرّ الخلق ، سوف يعطينا مدىً بعيدًا ، مستقبليّا للفهم السليم والمقبول . وعلينا أن نضعَ في سلّة حياتنا ، منطق المحبّة ، لا منطق  السلطة والسيطرة ، التي وإن كانت في البداية خفيفة على الفكر وبسيطة ، بحسب ما نرى ، لكنّها قد تُصبح في المستقبل وبمرور الوقت ، مرضا وكارثة كبيرة تدمّر نفوسنا ومن هم حولنا ، وقد تتحوّل إلى ” عنجهيّة وساديّة قاتلة ” نعكسها على الله ، ثمّ تنعكسُ في تعاملاتنا اليوميّة مع بعضنا البعض ، وهذا ما نراهُ اليوم في أسياد العالم ورؤساءه .

زينيت

عن الاتحاد الكاثوليكي العالمي للصحافة - لبنان

عضو في الإتحاد الكاثوليكي العالمي للصحافة UCIP الذي تأسس عام 1927 بهدف جمع كلمة الاعلاميين لخدمة السلام والحقيقة . يضم الإتحاد الكاثوليكي العالمي للصحافة - لبنان UCIP – LIBAN مجموعة من الإعلاميين الناشطين في مختلف الوسائل الإعلامية ومن الباحثين والأساتذة . تأسس عام 1997 بمبادرة من اللجنة الأسقفية لوسائل الإعلام استمرارا للمشاركة في التغطية الإعلامية لزيارة السعيد الذكر البابا القديس يوحنا بولس الثاني الى لبنان في أيار مايو من العام نفسه. "أوسيب لبنان" يعمل رسميا تحت اشراف مجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك في لبنان بموجب وثيقة تحمل الرقم 606 على 2000. وبموجب علم وخبر من الدولة اللبنانية رقم 122/ أد، تاريخ 12/4/2006. شعاره :" تعرفون الحق والحق يحرركم " (يوحنا 8:38 ).