أختر اللغة
الرئيسية | مقالات | صور الله المغلوطة والمشاكل النفسية الروحية التي تولدها الوسواس الدينيّ (2)
صور الله المغلوطة والمشاكل النفسية الروحية التي تولدها الوسواس الدينيّ (2)
صلاة

صور الله المغلوطة والمشاكل النفسية الروحية التي تولدها الوسواس الدينيّ (2)

الشخص المصاب بالوسواس الدينيّ ، يُسقط على الله ، الذي يلتجئُ إليه ، صوره  وإنعكاسات فكره ، والتي ستعودُ به إلى الزمن الذي به كان الإنسان يتخيّل الإله كــ ” الشمس ” أو ” الصاعقة  ” ..

أوهل يكونُ الله وراءَ الشمس أو الصاعقة ؟ لا يدري .  مع الأسف الشديد ( أقولها متنهّدا وأشهَق ..) ، الوسواسيّ يُرجعنا إلى زمن الوثنيّة  (الإنسان الوثنيّ ) ، الذي يتصوّر ، عفويّا ، وجود قدرة ٍ عُليا وراءَ الظواهر  الطبيعيّة في نوع ٍ من عالم ٍ آخر ، ما سمّاه نيتشه في كتابه ” إنتقاد الدين ” ،  عالمًا خلفيّا .  فمن جهة ، يولّد الشعور الدينيّ إلهًا يعيشُ في الماضي ، ويولّد  من جهة أخرى ، إلهًا يوضَع في عالم ٍ خلفيّ وقدرة نرتبطُ بها و ” نرضيها أو نُثير  غضبها ” ، إنّها قدرة تطلع الشمس لنا وتُنزل المطر ، لكنّها قدرةٌ أيضا ، تُرسل  الأعاصير والصواعق ، فلا بدّ هنا من إستمالة ِ عطفها … ” وسواس دينيّ “! ، وهذا  ما نراهُ اليوم متفشّيا في عالمنا .

إنّ هذه الصورة ، هي صورة ” هزليّة ” للصلاة . إنّها بكلّ معنى الكلمة ، ” صلاة  وثنيّة ” ، مريضة . فإنّ الإنسان  الذي يريدُ أن ” يستعطف – يستميل – يُليّن ، عطف  الله وقلبه ، يستعملُ صلوات (إرضاء الله) ، وذبائح من شأنها أن تُسكّن الإله القدير  . هكذا ، يظهرُ الدين بمظهر نظام ٍ ورُتب ٍ ، ” قوالب في الفكر ” ، وممارسات تُقام  لإسترضاء ولإستعطاف الإله .  هذه الرُتبْ والممارسات ، تنقلبُ إلى ” عادات ” ،  وتُعدّ هذه العادات  في ضمير مستخدمِها – مقدّسة ً . أي أنّ الإنسان ، يُقدسِنُ  العادة .. هذا هو ، إن أردنا أن نقول ، الدين المحض الخالي من الإيمان ومن علاقة ٍ  حميمية بنويّة مع الله .

الوسواسيّ ، ينظر إلى الله كــ ” قدرة عليا ، غامضة ، بعيدة ” ، أو كــ ” طاقة ٍ  جبّارة ” (الكثير من الوسواسيّين الدينيّين ، يلجأون َ لعلوم الطاقة والباطنيّات  ويتصوّرون أنها علوم حقيقيّة تستعطفُ المسيحيّة وتلتقيان ! وهذا قمّة الجهل ) ،  همّه فقط ، في صلاته ِ أو ممارساته ، أن يرضي هذه القدرة . الأمثلة كثيرة جدّا جدّا  ، وأرتأيتُ فقط ، بعضًا منها التي لا تمتّ بأيّة صلة ٍ بالمسيحيّة الحقيقيّة التي  أرادها يسوع منّا ، ولا بالصلاة التي علّمنا إيّاها يسوع ، إنّ يسوع برئٌ من هذه  الممارسات والصلوات الوثنيّة .

من أغلظ الصور الهزلية عن الله ، وألبقها صورة ” الساحر الأكبر ” ، الإله الذي  يُفيدنا في تلبية حاجاتنا (إله طلبات المشاهدين ) . القديرُ الذي نستغيث به حينَ  نضطر إلى الإعتراف بعجزنا . بهذه الحالة ، تكون الصلاة مفيدة ، تُرفَع إلى إله ٍ  يعدّ مفيدًا ، كغرض للإستهلاك الروحيّ ، وكالقائم بسدّ حاجاتنا (لمجرّد كبسة زرّ  يأتينا الله .. سخافة ! عذرًا ) .

وهناكَ من يتصوّر في إحدى زوايا فكره وخياله ، بإنه إنْ لمْ يُكمل تلاوة ”  الورديّة ” ، كأن يتركَ السرّ الرابع أو الخامس مثلا ، سوفَ تزعَل منّا أمّنا مريم  ، وسوفَ لن يقدرَ أن ينامَ ليلا ، سيُصاب بالقلق ، بإنّه لم يُكمل الصلاة المطلوبة  منه . أو هؤلاء الأشخاص الذين ، إن دخلوا الكنيسة الفلانيّة ، ولم يذهبوا فورًا إلى  تمثال يسوع أو مريم أو أحد القدّيسين ، وشغّلوا الشمعة أو الضوء الكهربائيّ مثلا ،  ذاهبًا فورًا إلى مقعده ، سوف تأتيه الأفكار الوسواسيّة المرضيّة وينزَعجُ ،  ويتقلّب في مكانه ويُراوح إلى درجة أنّه سوف لنْ يعيشَ القدّاس الإلهي كما يليق .  فقط لإنه نسيَ أن يُشعل الشمعة !  إنه وسواسٌ مرضيّ مؤلم ولا معنى له ، يجبُ  التخلّص منه . ومؤكّد أن سببَ هذه الحالات : صور مغلوطة عن الله وعن يسوع .. والخوف  من أنّ الله يراقبنا ! . أذكر أيضا ، هؤلاء الذين إنْ سقطَ صليبًا من بين أيديهم  ووقع على الأرض ، وجاءَ أحدهم غفلة ً ، و ” داسَ عليه ” ولم يعرفُ أن هناكَ صليبًا  على الأرض ، سوفَ يقول له ” أستغفر الله .. أستغفر الله .. ” ويقومُ بتقبيله كثيرًا  ، إنه تصوّر وعملٌ طفوليٌّ صبيانيٌّ .. إنه تصوّر بإنّ يسوع ، سيزعل منّا ويعاقبنا  وبإنه يحكّ بإسنانه غضبًا علينا .. وسوفَ يقومُ بالصلوات الكثيرة في الكنيسة أو في  البيت ، ” ليُكفّر عن ما حصلَ ( إسترضاء الله ) .. هاهاها ( عذرًا للفكاهة فقط لا  للإستهزاء ).

صدقا ، أني أصابُ بالتأسف الشديد ، لمثل هؤلاء الأشخاص المساكين ، المصابين بداء  ” الوسواس الدينيّ ” طبعًا ، أنا هنا أتيتُ بأبسط الأمثلة ، فهناكَ أمورًا كثيرة  معروفة ً ، لا حاجة لي أن أضعها أمامكم .. هذه  كاشفة للداء . وكما يقال (إكتشاف  الداء نصف الدواء ) ، التشخيص الإيجابيّ لها ، يعطي لنا إمكانيّة التغلّب عليها فهي  آفة ُ وطُحلب للإيمان الحيّ .

أخيرًا ، يُعطي الأب فرنسوا فاريون اليسوعيّ تحذيرًا ويقول ” إحذروا من بعض  الكلمات المستعملة مع الأولاد : والداكَ لا يريانك َ ، لكن هناكَ أحدًا يراكَ  دائمًا ، وهو الله . يا للفظاعة ! يقول فاريون . في ذلك ما يدعو إلى الإنتحار .  كشفَ لنا جان بول سارتر ، في ترجمة ذاتيّة عنوانها (الكلمات) ، أنه تعرّض للإنتحار  ، ذلك بإنه لعبَ بعيدان الكبريت فـأحرق سجّادة ، فحاولَ أن يسترَ الضررَ ،ثمّ قالَ  في نفسهِ : لن تراني أمّي ، لكن الله يراني . فهربَ وأقفلَ على نفسه في الحمّام ،  وظنّ أنه جُنّ .. قائلا في نفسه : إنّ نظرَ الله إغتضبَ ضميري ، إغتصبه للأبد. وفي  ذلك الحين أخذ يفقد الإيمانْ.

إنّ الله الذي كشفهُ لنا يسوع المسيح ليس هو ، والحمد لله ، إلهًا ينظرُ إلينا ،  بل هو إلهٌ يُعانقنا وهذا أمرٌ مختلف كلّ الإختلاف. ” الله ضميرُ المخاطَب لا  يستطيع أبدًا أن يصبح ضمير الغائبْ ” .. فالله ندعوه ” أنتَ ” ، وليس ” هو” . قد  تقولونَ لي ، لماذا الأخ إسطفان كان يقولُ دائمًا ” الله يراني ” !؟  صراحة ً ، هذا  الأمر مختلفٌ تمامًا عمّا قيل أعلاه ..  قول الأخ إسطفان ، فيه غايةٌ عميقة وهي أن  الله أبٌ يعتني بأبناءه (إنها العناية الإلهيّة ) . لكن الموقف السلبيّ الذي أوضحته  أعلاه ، لا يمتّ لمقولة الأخ أسطفان بأيّ صلة ٍ . الوسواسيّ ، يخاف ، يشعر بالذنب ،  أمامَ إلهٍ يتصوّره مراقبًا من فوق ، يزعل ، يغضبْ . الخ.

يتبع

عدي توما

عن الاتحاد الكاثوليكي العالمي للصحافة - لبنان

عضو في الإتحاد الكاثوليكي العالمي للصحافة UCIP الذي تأسس عام 1927 بهدف جمع كلمة الاعلاميين لخدمة السلام والحقيقة . يضم الإتحاد الكاثوليكي العالمي للصحافة - لبنان UCIP – LIBAN مجموعة من الإعلاميين الناشطين في مختلف الوسائل الإعلامية ومن الباحثين والأساتذة . تأسس عام 1997 بمبادرة من اللجنة الأسقفية لوسائل الإعلام استمرارا للمشاركة في التغطية الإعلامية لزيارة السعيد الذكر البابا القديس يوحنا بولس الثاني الى لبنان في أيار مايو من العام نفسه. "أوسيب لبنان" يعمل رسميا تحت اشراف مجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك في لبنان بموجب وثيقة تحمل الرقم 606 على 2000. وبموجب علم وخبر من الدولة اللبنانية رقم 122/ أد، تاريخ 12/4/2006. شعاره :" تعرفون الحق والحق يحرركم " (يوحنا 8:38 ).