أختر اللغة
الرئيسية | إعلام و ثقافة | عندما تستيقظ الصين … بقلم الدكتور إيلي مخول
عندما تستيقظ الصين … بقلم الدكتور إيلي مخول

عندما تستيقظ الصين … بقلم الدكتور إيلي مخول

إعداد الدكتور إيلي مخول

“دع الصين تنام، لأنه عندما تستيقظ الصين، فإن العالم بأسره سيرتعش”. الجميع يعرف أن هذا التنبّؤ الواضح المنسوب الى نابوليون في العام 1816: لا يهم إن لم يجد أحد أثرًا لهذا الزعم في كتاباته، إلاّ أنه يعبّر عن قلق خفيّ ويتجدّد دائمًا، من أن القرن التاسع عشر لن يتردّد في وصفه ڊ ” الخطر الأصفر”، وعاد اليوم يطرح نفسه، في شكل غزو جديد، غزو القمصان وغيرها من الفساتين القطنية، بانتظار البقية. وباتت الصين تُخيف بعدد سكانها الذي يمثّل ربع البشرية، وخضوعها لنظام نصف شيوعي ونصف رأسماليّ مكتنف بالأسرار، مفتوحة أمام التجارة الدولية.

في كتابه هل نعرف الصين؟، نصحَنا رينيه إيتيامبل، قبل نصف قرن، بـ “دراسة تاريخها وثقافتها” لكي “نحكم بصورة عادلة” على واقعها اليوم. تلك الثلاثة آلاف سنة من التاريخ كانت  بادئ ذي بدء، مناسبة لوضع بعض الأفكار الشائعة على المحك. هل صحيح أن الصين عالم مغلق لا يمكن عبوره وإمبراطورية ثابتة منغلقة خلف جدار لا يمكن اختراقه؟ وهل صحيح أن الصينيين اخترعوا كل شيء قبل غيرهم، الورق، الكتاب، البارود، العملة الورقية، البوصلة والسوق العالمية ؟

وكيف يمكن إذن أن نفسر أن هذه الإمبراطورية التي تعود إلى ألف عام والمطبوعة ببيروقراطية نموذجية قد تخلّفت عن الانطلاقة الصناعيّة وسقطت خلال القرن التاسع عشر في أيدي الغربيين الذين قاموا بتخديرها بالأفيون. وحتى إذا كانت المصيبة، في الصين أيضًا، تقع دائمًا على عاتق النساء، فمن الصعب أن نُرجع كل شيء إلى خطأ ارتكبته Cixiالرهيبة، تلك المومس السابقة الموهوبة، التي رُفّعت إلى رتبة أمبراطورة وارثة الصَّداق، المعاصرة والمنافسة التّعِسة لـلملكة فيكتوريا!

إذا عدنا بالذاكرة إلى تلك العهود العديدة التي عاشتها الصين، لا يسعنا إلاّ أن نأخذ بنبوءة نابليون. فقد استغرق الأمر بعض الوقت حتى تستوعب ثورة 1911، وفظائع أمراء الحرب، والعقود من السنين التي استغرقتها الحرب الأهلية ومآسي الماويّة. أمّا اليوم، وبعيداً عن الفوضى التي سقطت فيها روسيا ما بعد الاتحاد السوفيتي، تستطيع شنغهاي استئناف نموّها.

من هذه الإنتفاضة المذهلة، هل يجب أن نبحث عن الأسرار في الصين الأبدية، في حكمة كونفوشيوس أو في تصوّر للعالم يتأكّد كثقافة مضادّة في وجه النّزعة الفردية الغربية؟ وهل يجب علينا أن نخشاها؟

حول هذه النقطة، قد لا يتّفق أتباع الطاويّة (فلسفة دينية على تعاليم لاوتسو الصيني، القرن السادس ق. م.) والطب الصّيني مع المتخصّصين في الجغرافيا السياسيّة. فما هي مقوّمات الطب الصيني ؟

فن تجنب المرض

الطبيب الجيّد ليس من انتصرعلى المرض، بل بالأحرى

من ينجح في منع حدوثه.

تعود أقدم شهادات مكتوبة عن الطب في الصين إلى العصور القديمة (كانت تُنسب الأمراض إلى عمل الشياطين). لكن أوّل مؤلَّف طبيّ تقليديّ، هو المنسوب الى الأمبراطور الأصفر المسمّى (هوانغدي نيجينغ)، والذي كتب في جزء كبير منه في وقت لاحق: قبل بداية عصرنا بقليل.

من الناحية المثالية، يعتبرالطبّ الصيني وقائيًا في المقام الأول، حتى إن لم نتردّد أبدًا، إزاء مواجهة الواقع المرضي، في اللجوء إلى أدوية عنيفة أحيانًا لمحاولة علاجه. المصطلح الصيني zhi يعني “العناية” وأيضًا “الحكم”، “معالجة الأمور”. الطبيب الجيّد ليس من انتصرعلى المرض، بل من نجح في منع مريضه من الوقوع فيه، تمامًا كالقائد الجيّد الذي يفوز دون قتال.

لذلك يجب عليه ضمان توازن متناغم بين الوظائف العضوية وعمليات تجديد الجسم ونظام  حياة المريض. منذ القِدم، جرى لهذا الغرض تشجيع ممارسة “تقنيّات الحفاظ على الحياة” (yangsheng): التدليك، حركات بدنيّة، تمارين التنفس، أساليب التركيز الذهني …

أبعد من علم التشريح، يهتم الأطباء بشكل خاص بظواهر إنحسار وتدفّق مكونّات معينة من الجسم مثل السوائل و “التنفس” (جوهر الكون المادّي والمتعدّد الأشكال) والعلاقات القائمة بين هذه الأجزاء المختلفة، والأعضاء والنظام الكوني. ذلك أن تنظيم التنفس في جميع أنحاء الجسم أساسيّ لضمان صحّة جيدة.

عندما يحدث المرض فجأة، يقوم الطبيب بتشخيصه من بين أشياء أخرى من خلال جسّ النبض وفحص اللّسان. إذ ان مبحثَ الأمراض، أي فقد التوازن بين عناصر الجسم المختلفة، يمكن ربطُه إمّا بالتجاوزات الخارجية (البرد، الحرارة، الريح، النار، الرطوبة، الجفاف)، أو الداخلية، مثل الإنفعالات السبعة ( الفرح، الغضب، الحزن، الخوف، إمعان الفكر، الأسى، الهلع).

الأساليب العلاجية الصينية الأكثر شيوعا هي “الكيّ”، والوخز بالإبر والمعالجة بالأدوية. يرتكز الكيّ على استعمال المُكسة، مخاريط أو أعواد من مسحوق الأرطماسيّة (نبتة عطِرة) وحرقها على الجلد، والهدف من ذلك هو، بفعل حرارة المكسة، تحفيز نقاط معينة من الجسم.

هذه النقاط، المشتركة مع تلك التي حدّدها وخز الإبر، تُعدّ ببضعة مئات. ويتم تعيينها على سطح الجسم على قنوات “وهمية” (لا تتوافق مع الأوعية الدموية أو الأعصاب) يُفترض أن تتوافق مع مسار التنفس (qi) في الجسم. أمّا التأبير فيقوم على استخدام إبر معدنية رفيعة جدًا (يوجد منها تقليديًا تسعة أنواع) على تلك النقاط نفسها، هنا أيضًا للتأثير على التنفس وتنظيمه.

يعود تاريخ الكيّ والوخز بالإبر إلى حوالي القرن الثاني قبل الميلاد. وفقا لهاتين العمليتين، من خلال التدخل على سطح الجسم، يريد الطبيب التأثيرعلى داخله. ومع ذلك يلجأ أيضا إلى علاجات تُستخلص بالإغلاء، الى مساحيق أو أقراص، مستفيدًا بالتالي من مادة طبية جدّ غنيّة. تتكوّن الأدوية إما من نباتات (الزنجبيل أو الرّاوَند أو البيش أو الجينسنغ) على سبيل المثال لا الحصر، علمًا بأن هناك مئات النباتات) أو مواد حيوانية (عظم نمِر، عقرب، أفعى…) أو معادن (الزَّنجَفر ورهج الغار- الزرنيخ الأحمر…).

يشكّل “الطب الصيني التقليدي” الذي يدرَّس رسمياً ويمارس حاليًّ في الصين مزيجًا من بعض النظريات والتقنيات التي المعتمدة منذ العصورالقديمة. واليوم يستخدم الصينيون على حدّ سواء هذا الطب التقليدي والعلاجات ذات النمط الغربي.

غنيّ عن القول أن الحالة الصحية في الصين تعتمد كثيرًا على الظروف الاجتماعية والاقتصادية، وهي جدّ متنوّعة في البلاد، بيد أن الاهتمام التقليدي بالجسم يساهم بالتأكيد في توفير نوعيّة صحّيّة مُرضية.

عن ucip_Admin