أختر اللغة
الرئيسية | إعلام و ثقافة | غزو البلهاء
غزو البلهاء

غزو البلهاء

قد لا يخفى على أحد «ظاهرة» طرْح دور النّشر مؤلّفات لا يرقى معظمها إلى مستوى يؤهّلها أن تكون بين أيدي القرّاء، سواء من حيث المادّة التي تتضمّنها، أم من حيث الأسلوب، وهشاشة الصّوغ. بات شغل الكثير من «الّلاهين» في المدّة الأخيرة، والّذين يستخّفون بعقل المتلقّي هو نشر ما يخطر في بالهم، من دون أن يتوافر في ما يُكتَب معايير الكتابة الإبداعيّة. ولا يُقصَد هنا أنّ الكتابة يفتَرض أن» تؤطّر» بقيود معيّنة، لكن أقلّه أن يراعي الكاتب فنيّة العرض وجديّة الطرح. وإن كان ما يطلق عليه اسم ديوان شعريّ فحريٌّ به أن يمتلك خواصّ الشعر. وأمّا ما يُسمّيه البعض من كتاباتهم «رواية» فحدّث ولا حرج، فهناك العديد من الكتب التي تصدر شهريًّا عن دور النّشر اللبنانيّة وغيرها لا تتوافر فيها خصائص الرّواية، لا من قريب ولا من بعيد. ويظنّ من كتب(ت) أنّه(ا) بمجرّد إقحام بعض الأسماء والأحداث، تمّت الحكاية! من دون أيّ توظيف للأبعاد الفنيّة والاجتماعيّة والحضاريّة في النّصّ. ناهيك عمن يكتب نصوصًا «بالوكالة» ليتمّ إسنادها إلى ذوي وذوات الألقاب، ولا يقبل الواحد منهم بأقلّ من لقب «أديب عربيّ» وإن كان له إصدار يتيم، فكيف إن صار له إخوة؟
أمّا حفلات التوقيع، فقد تحوّلت في معظمها طقوسًا اجتماعية ومجاملات، ونأت من الطابع النّقدي الذي يعود بالفائدة على الباحث والمتلقّي في آن، وبتّ تجد كتبًا تســجّل أرقامًا فلكيّة لا لقيمة أدبيّة أو فكريّة، بل بسبب طبيعة العلاقات الاجتماعيّة التي يُحسن صاحب(ة) الكتاب أو الناشر نسجْها. في المقابل تجد كتبًا نقديّة وفكريّة تصلح أن تكون مقررات جامعــية، لكن لا تنال حقّها من الدّراسة أو من التّسويق، ويكون الباحث قد اجتهد باحثًا عن المعرفة لوضعها بين أيدي القرّاء، طامعًا في رفْع نسبة الوعي عند المواطنين جميعًا، ولا يكون همّه أن يتوجّه إلى المثقّف أو إلى النّخبة فحسب.
والمسؤوليّة لا تقع فقط على من يُنَصِّب نفسه(ا) شاعرًا(ة) أو كاتبًا(ة) إنّما أيضًا على دور النّشر، والمدققين فيها، والذين يتولّون مهمّة إبداء الرأي في المخطوطة، وإن كانت صالحة للنّشر أم لا. فهل كل مَن كتب على وسائل التّواصل الاجتماعي: «آه أحببتك…/ طال انتظاري/» وانتقل إلى سطر جديد، ونال لايكات من أصدقائه الافتراضيين صار مخوّلًا أن يصدر ديوانًا؟!
وإن كانت أدوات مثل تويتر وفيسبوك_ على حدّ قول إمبرتو إيكّو_ «تمنح حقّ الكلام لفيالق من الحمقى، ممن كانوا يتكلّمون في البارات فقط بعد تناول كأس من النبيذ، من دون أن يتسبّبوا بأيّ ضرر للمجتمع، وكان يتمّ إسكاتهم فورًا، أمّا الآن فلهم الحقّ بالكلام مثلهم مثل من يحمل جائزة نوبل».
مع كل التّقدير للجهود المبذولة من قبل الباحثين، ودور النّشر التي لا تزال تحافظ على رسالتها، وبالإذن من» إيكّو»، إنّ ما نشهده من إصدارات لا تحترم عقل القارئ العادي، وتنفرّه من القراءة بالّلغة العربيّة، تدفعنا بكلّ أسف إلى القول: «إنّه غزو البلهاء».
نازك بيدر
السفير

عن الاتحاد الكاثوليكي العالمي للصحافة - لبنان

عضو في الإتحاد الكاثوليكي العالمي للصحافة UCIP الذي تأسس عام 1927 بهدف جمع كلمة الاعلاميين لخدمة السلام والحقيقة . يضم الإتحاد الكاثوليكي العالمي للصحافة - لبنان UCIP – LIBAN مجموعة من الإعلاميين الناشطين في مختلف الوسائل الإعلامية ومن الباحثين والأساتذة . تأسس عام 1997 بمبادرة من اللجنة الأسقفية لوسائل الإعلام استمرارا للمشاركة في التغطية الإعلامية لزيارة السعيد الذكر البابا القديس يوحنا بولس الثاني الى لبنان في أيار مايو من العام نفسه. "أوسيب لبنان" يعمل رسميا تحت اشراف مجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك في لبنان بموجب وثيقة تحمل الرقم 606 على 2000. وبموجب علم وخبر من الدولة اللبنانية رقم 122/ أد، تاريخ 12/4/2006. شعاره :" تعرفون الحق والحق يحرركم " (يوحنا 8:38 ).