أختر اللغة
الرئيسية | أخبار الكنيسة | “فرح الحبّ” والإعداد للزواج – 2
“فرح الحبّ” والإعداد للزواج – 2

“فرح الحبّ” والإعداد للزواج – 2

3 – نجاحات ملتبسة

استَقَت راعويّة الزواج والعائلة رؤية الكنيسة وتعليمها بخصوص سرّ الزواج والعائلة، من خلال الإرشاد الرسوليّ “وظائف العائلة المسيحيّة في عالم اليوم” الصادر عن البابا يوحنّا بولس الثاني (1981). هذا التعليم الصادر عن أساقفة العالم الكاثوليك، ركّز على الإعداد للزواج في القسم الرابع من الإرشاد تحت عنوان “العناية الرعويّة بالعائلة”. وضع تصوّرًا وبرنامجًا من أجل تحقيق نجاحات ظاهرة للعيان، كما للحدّ من فشل بعض الزيجات. “وينبغي اعتبار الإعداد للزواج ووضعه موضع العمل عمليّة تتمّ تدريجيًّا وباستمرار. وهذا يقتضي له في الواقع ثلاث مراحل: الإعداد البعيد، والقريب والمباشر”.[1] هل نجحت راعويّة الزواج والعائلة بإقناع الشباب بأهميّة وضرورة الإعداد للزواج؟ هل نجحت بتحقيق ما تصبو إليه من خلال رؤيتها ونظرتها ومعالجتها لأمور كثيرة تعترض مسيرة الثنائيّ؟ هل حدَّ الإعداد من وتيرة البطلان والهجر والانفصال؟ هل هناك من نجاحات حقّقها الإعداد؟ أم هناك زيجات ناجحة بعيدة عن مسيرة الإعداد؟ هل نجاحات الزيجات تبقى ملتبسة؟ ولمَن يعود الفضل في تأسيس عائلات مؤمنة، متماسكة، متّحدة، مستقرّة في حياتها المشتركة التي يعبّر عنها بنجاحات أو بالأحرى بالسير في الطريق التي تؤدّي إلى ثبات العائلة واستمرارها؟ هل الفضل للإعداد فقط؟ أم هناك أيضًا عوامل كثيرة تُسهم في نجاحات الثنائيّ؟. “يساعد التعليم… ]…[ على تلقي تدريب بشريّ أساسيّ لزواجٍ صحيح ]…[ يعتبر الإعداد للزواج ضرورة ملحّة…]…[ هو تعلّم يتعلّق بالحفاظ على الحياة المشتركة في جميع أشكالها ومراحلها العمريّة]…[ يتطلّب التدريب سنوات عديدة ويشمل جميع مراحل الحياة”.[2]

إنّ الصعوبات والمشاكل التي تواجه شباب اليوم، لا سيّما المتزوّجين الجُدد، تعود إلى عدّة أسباب. أمّا الذين يتابعون تنشئة على جميع الصُعد، من خلال تربية الأهل ومُثُلِهم، كما من خلال الآخرين، يستطيعون مواجهة العراقيل وإيجاد حلول لمشاكلهم. يقول الإرشاد الرسوليّ “في وظائف العائلة في عالم اليوم”: “…جهلهم كيفية مواجهة الصعوبات الجديدة وحلّها، لافتقارهم إلى قواعد ثابتة يتصرّفون بموجبها. لكن الاختبار يعلّم أنّ الشبّان الذين توفَّرَ لهم إعداد جيّد للحياة العائليّة، يتقدّمون، على وجه العموم، أكثر من سواهم…]…[ من أجل تذليل الصعوبات التي تعترض سبيل الكثيرين من الأزواج، وعلى الأخص من أجل رعاية ما يعقد من زواجات، رعاية أكيدة تضمن لها النُضج والنجاح” (عدد 66).

بالمطلق، يتساءل شباب اليوم حول ما تقدّمه راعويّة الزواج والعائلة لهم. وتتساءل راعويّة الزواج والعائلة ماذا يفعل الشباب للاستعداد لتأسيس حياة مشتركة وعائليّة وكيف؟ من هنا نؤكّد أنّ نجاح حياة الثنائيّ مرتبط أيضًا بعمليّة الإعداد وكيفيّة التعامل مع هذا المسار. لذا، من أجل نجاحات غير ملتبسة، أو بالأحرى مؤكدة مبنية علىعملية الإعداد، والتحضير المُسبق، من خلال برامج، تعرضها الكنيسة، وتقدّمها لشباب اليوم؛ يجب أن يكون الإعداد أكثر من مجرّد خيار، بل أن يكون ضرورة مطلقة وحاجة ماسة من خلال متابعة حثيثة، بطريقة علميّة وعمليّة، بهدف نجاح مسيرة الحبّ وثباته واستمراره، المبنيّ على “تفاهمات” و”انسجامات” و”تفاعلات” إيجابيّة، تؤدّي إلى نجاحات محققة وواضحة.

إنّ التدريب الإنسانيّ للخطّاب من خلال الدورات التدريبيّة واللقاءات المتعدّدة، والحوارات والنقاشات مع سائر الخطّاب، كما اكتساب المعلومات والتزوّد بالإرشادات والنصائح، يعزّز التنشئة الإنسانيّة والأخلاقيّة والروحيّة. ممّا يؤدّي إلى القدرة على “التمييز” للقيام بخيارات ناجحة، كما إلى اكتشاف ما يتطلّب مشروع الزواج، أي مشروع الحياة. “يمكننا أن نستنتج، بهدف الرؤية الجديدة لإعداد أفضل لسرّ الزواج، أنّ التدريب يخفّف من المخاطر والمشاكل والصعوبات التي قد تواجه الخاطبين من جهة، ويساعدهم على مواجهة أيّ أمرٍ مفاجئ بشجاعة من جهة أخرى”.[3]

يمكننا القول أنّ معظم الشباب ولا سيّما الخطّاب منهم، يُدرك أنّ مشروع الحياة؛ أي الحياة الزوجيّة، يتطلّب إرادة قويّة، وقدرة على القبول بالواقع (إذا كان غير مريح) والعمل على تغييره نحو الأفضل مع المحافظة عليه، وذلك بفضل الدخول بعمليّة التنشئة قبل الزواج كما على قبول المرافقة بعد الزواج، والتأقلم مع المنطق والعلم وخبرات الآخرين الإيجابيّة وحتى السلبيّة منها. هذا النمط من التفكير يوفّره الإعداد المُسبق للزواج. “يوفّر هذا الإعداد للزواج فرصة للخاطبين لينضجوا ويكبروا. فيمكنهم التخلّي عن أوهامهم الخرافيّة ليستشرفوا المستقبل بطريقة بنّاءة وأكثر موضوعيّة. لكن بالتأكيد لن تكون لديهم حلول جاهزة، بل أدوات يحتاجون إليها لإيجاد الحلول”.[4]

نعود ونكرّر بعض الأسئلة التي يطرحها شباب اليوم أو الذين يتحضّرون لتحمّل مسؤوليّة الالتزام والارتباط بالحياة المشتركة، بكلّ إرادة ووعي واختيار ومنها: هل الإعداد الذي يسبق الاحتفال بالزواج ضروريّ؟ كيف يرى الخطّاب والشباب هذا الإعداد التي تقدّمه راعويّة الزواج والعائلة؟ هل شباب اليوم يأخذ على محمل الجدّ ذلك الإعداد؟ هل هو فعّال وكافٍ لنجاح مشروع الزواج؟ هل هو إلزاميّ أم اختياريّ؟. “يتساءل البعض إذا كان الإعداد البعيد يقتصر على التثقيف الجنسيّ والعاطفيّ؟ بشكل عام، هذا ما يظنّه الشباب، متجاهلين حقيقة أنّ هذا التفصيل ليس سوى عنصر واحد، ولكنّه أساسيّ وضروريّ في هذا التدريب. ويبقى هذا التدريب خطوة مهمّة جدًّا وإيجابيّة لتطوير الزوجين. هو أكثر من تعلّم، هو تثقيف ضروريّ للشباب ليصبحوا بالغين ويواجهوا المستقبل وواقع الحياة، بجرأة ومسؤولية وشجاعة من خلال الالتزام الجادّ أمام الله والحياة المسيحيّة والمجتمع. وترسم المسار الأوّليّ للإعداد البعيد للزواج ثلاث مؤسسات اجتماعيّة وروحيّة: الأسرة والمدرسة والكنيسة”.[5]

إنّ نجاحات الحياة كثيرة وعلى أكثر من أي صعيد. الحبّ والزواج عاملان مهمّان وأساسيّان وضروريّان لتكوين الحياة البشريّة على الأرض. يأخذ النجاح مداه بتفاعله ومردوده الإيجابيّ على الثنائيّ، من خلال تحقيق الذات، لا سيّما مع النصف الآخر، وذلك عبر الزواج المقدّس. تطاول النجاحات المتعدّدة والكثيرة، عدد كبير من الرجال والنساء، وذلك بدعوتهم للسيّد المسيح، الذي قدّس الزواج ورفعه إلى مرتبة السرّ، ليبارك ارتباطهما ويقدّسه ويرافق حياتهما التي تتوق نحو القداسة.

ينجح الإعداد، ومن دون أي لُبس فيه، عندما يستقي مضمونه من التبشير بالإنجيل، أي التربية على الحسّ الجماعي والانفتاح على المحبّة، ممّا يساهم في نموّ روحيّ، يستطيع أن يحقّق نجاحات، بالاتّكال على الروح القدس والمنطق والحبّ. “إنّ الإعداد ضروريّ…]…[ وهذه الضرورة تدفع الشباب إلى تحمّل مسؤوليّة خيارهم وقرارهم وإعدادهم للزواج. إنّها تنير طريقهم قبل المخاطرة بالسير فيها…]…[ يساعد على مواجهة طريقة العيش معًا ونوعيّتها…]…[ هذا الإعداد هو مساعدة الأسرة في بناء ذاتها على أُسُس ثابتة لتكون سعيدة”.[6] [1] يوحنّا بولس الثاني، الإرشاد الرسوليّ، في وظائف العائلة المسيحيّة في عالم اليوم، العدد 66.

[2] نجيب بعقليني، الإعداد لسرّ الزواج في الكنيسة المارونيّة في لبنان، مكتب راعويّة الزواج والعائلة، الدائرة البطريركيّة المارونيّة، بكركي- لبنان، 2014، ص 276 و277

[3] المرجع السابق، ص 330

[4] المرجع السابق، ص 329

[5] المرجع السابق، ص 345

[6]نجيب بعقليني، الطريق إلى الزواج، الجامعة الأنطونيّة، لبنان، 2007، ص 145
زينيت

عن الاتحاد الكاثوليكي العالمي للصحافة - لبنان

عضو في الإتحاد الكاثوليكي العالمي للصحافة UCIP الذي تأسس عام 1927 بهدف جمع كلمة الاعلاميين لخدمة السلام والحقيقة . يضم الإتحاد الكاثوليكي العالمي للصحافة - لبنان UCIP – LIBAN مجموعة من الإعلاميين الناشطين في مختلف الوسائل الإعلامية ومن الباحثين والأساتذة . تأسس عام 1997 بمبادرة من اللجنة الأسقفية لوسائل الإعلام استمرارا للمشاركة في التغطية الإعلامية لزيارة السعيد الذكر البابا القديس يوحنا بولس الثاني الى لبنان في أيار مايو من العام نفسه. "أوسيب لبنان" يعمل رسميا تحت اشراف مجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك في لبنان بموجب وثيقة تحمل الرقم 606 على 2000. وبموجب علم وخبر من الدولة اللبنانية رقم 122/ أد، تاريخ 12/4/2006. شعاره :" تعرفون الحق والحق يحرركم " (يوحنا 8:38 ).