أختر اللغة
الرئيسية | أخبار الكنيسة | لبنان يُعانق جذوره… ذخائر مار مارون في دياره
لبنان يُعانق جذوره… ذخائر مار مارون في دياره
مار مارون

لبنان يُعانق جذوره… ذخائر مار مارون في دياره

أتوا يستقبلونه بخشوع المؤمنين، بلهفة المشتاقين، بتوبة الضالّين، برجاء الزاهدين، بفتور المتردّدين، بفرحهم، بحزنهم… بكلّ ما يتخبّطون به من مشاعر، بآمالهم وآلامهم، بكلّ ما تحمله أنفاسهم من أوجاع وما يُثقل أجسادهم من ضيقات. توافَدوا إلى كنيسة القديس مارون في الجمّيزة، من كلّ حدبٍ وصوب ليستقبلوا تمثاله القادم من روما وذخائرَه من فولينينو- إيطاليا، لمناسبة عيده في 9 شباط.أبَت سهام أن تدخل كنيسة القديس مارون، إلّا حافية القدمين، «بِنتي مِش عم تجيب ولاد ونادرا لمار مارون»، أمّا ريما فوقفَت أمام تمثال السيّدة العذراء في دار الكنيسة، عن شمال الباب، تُتمتم في أذنها: «بَعدِيلي جوزي عن القمار».

غصّت كنيسة القديس مارون بنوايا المؤمنين ليلة أمس، وحدها الجدّة فريال لم يُسمَع صوتها، فكانت تُمسك المسبحة بشمالها ومن وقتٍ إلى آخر ترسم إشارة الصليب بيمينها، معلِنةً انتهاءَ بيت من المسبحة وانتقالها إلى الثاني، إلّا أنّنا لم نتردّد في الاقتراب منها، نسألها: «على نيّة من تُصَلّين؟»، فكان ردّها: «ع نيّة لبنان وزعماؤه، لـ ألله يهدّي البال، عَ نيّة الأمن والسلام، شبِعنا يا بنتي مناكفات».

أمّا رياض فوقفَ محدودبَ الظهر وحيداً أمام المذبح يصلّي، مرّةً يجول بنظره على الورود البِيض التي ازدانت بها الكنيسة، ومراراً يتأمّل صورة القدّيس مارون في الوسط، «عيلتي كلّها سَبقتني، بالحرب إجِت قذيفة بنِص البيت»، سرعان ما اغرورقَت عيناه بالدموع عاجزاً عن الصمود في وجه موجةِ الحنين التي تُلاطم قلبَه، «أكيد بِشتقلن، وحدي بالهدني».

تعدّدت نوايا المؤمنين، منهم من استسلمَ لدموعه، منهم من استرجَع أوجاعَه فعجزَ عن رفع رأسِه، منهم من تَملّكته حرارةُ الإيمان ففضّلَ الصلاة ساجداً على ركبتَيه… وكثُر غلبَهم الفضول، فوقفوا متأهّبين، يُمسكون هواتفَهم يلتقطون الصوَر، بانتظار وصول التمثال والذخائر. تعدّدت المشاهدات في كنيسة القديس مارون الذي يعني اسمُه «السيّد الصغير»، قبل أن يبدأ الحدثُ المنتظر.

أبي صالح: «هو جامع الكلّ»

وسط غمرةِ التحضيرات لاستقبال تمثال القديس مارون وذخائره في قداس احتفالي، أعربَ الخوري ريشارد أبي صالح خادمُ رعية مار مارون عن أهمّية هذا العيد، «هذه المناسبة لا تعني عيدَ شفيع رعية فقط، إنّما تكتسب بُعداً وطنياً، فمعظم الكنائس تحتفل بعيده، مثل الكنيسة الأرثوذكسية…

والمارونية، نظراً إلى أنّه في الفترة التي عاش فيها مارون وحتى وفاته قرابة العام 410 م، كانت لا تزال الكنيسة موحّدة ولم تنقسم في مسارها التاريخي بعد، لذا فالقديس مارون جامعٌ الكلّ وتُكرّمه الكنائس كافّة».

وتابعَ حديثه لـ«الجمهورية»: «لا شكّ في أنّ القديس مارون يحتلّ جزءاً كبيراً في تأسيس الكنيسة المارونية، فهو أبو الطائفة، وملهِم الحياة المارونية، فقد عاش نسقَ حياةِ التقشّف، وفي العراء، حياتُه جذبَت الكثير ممّن حوله لكي يتشبّهوا به، أفراد وجماعات تأثّروا به، فتكوّنَت الأديرة والبيوت على اسمه «بيت مارون»، وتوسّعت الكنيسة وازدهرَت».

ما الذي يُميّز عيد مار مارون هذا العام عن الأعوام المنصرمة؟ أجاب أبي صالح: «كانت الاحتفالات تقتصر على القداديس ومِن ضِمنها القدّاس الرسمي الذي يشارك فيه رئيس الجمهورية وأركان الدولة اللبنانية بالإضافة إلى السفراء والقناصل المعتمدين، لكنْ وبعدما أعلنَ سيّدنا البطريرك مار بشارة بطرس الراعي عنوان السنة «الشهادة والشهداء»، أردنا إعداد شيءٍ مميّز، نظراً إلى أنّ مارون يشكّل عنواناً كبيراً للشهادة ليسوع المسيح، من هنا وُلِدت الفكرة».

وما يميّز العيد هذه السنة أنّنا «وضَعنا العام 2010 في كنيسة بازيليك القديس بطرس في الفاتيكان، تمثالاً للقديس مارون لمناسبة مرور 1600 سنة على وفاته، نحَته نحّات إسباني، بارتفاع نحو 4 أمتار ونصف المتر من الرخام الطلياني.

واليوم بعد مرور 7 سنوات، أردنا أن يكون هناك صدى لهذا التمثال، لذا فإنّ النحّات عينه أعدَّ تمثالاً أصغرَ، بطول متر و45 سنتمتراً مصنوعاً من خشب الأرز، ومطليّاً بورق الذهب، يزِنُ نحو 60 كيلوغراماً، تمّ شحنُه من روما إلى لبنان».

ويضيف: «يحمل شخص مار مارون في يده مجسّماً عن الكنيسة المارونية، وفي داخلها ذخائرُه، بقايا من جثمانه، كونه القلبَ النابض للكنيسة المارونية».

ولفتَ أبي صالح إلى أنّ الذخائر من إيطاليا، قائلاً: «صحيح أنه لم يُدفن هناك بعد وفاتِه، ومِن شدّة محبّة مَن عرفوه في الماضي اختلفَت القرى آنذاك في أحقّية الاحتفاظ بجثمانه، فنشبَ صراع في ما بينهم، ولكن تُجمع الدراسات على أنّه دُفن في قورش المكان الذي عاش فيه، ولكنّ جثمانه مع التاريخ لم يبقَ في قورش، فكان الموارنة ينقلون معهم بقاياه مع تنقّلِهم وتوسّعِهم، وبعد الحروب الصليبية، أعَدنا اكتشافَ بقايا القديس مارون قرابة القرن السابع عشر»، مشيراً إلى أنّ «التمثال والذخائر ستبقى في الكنيسة أمام المؤمنين».

«طلاب سلام»

ومساءً، على وقعِ معانقة الأجراس لسُحب السماء، بدأت أعداد المؤمنين تتضاعف، وعند السادسة والنصف ترَأس رئيس أساقفة بيروت المطران بولس مطر الذبيحة الإلهية.

بعد الإنجيل ألقى مطر عظةً، أبرزُ ما جاء فيها: «نحن طلّاب مصالحة وسلام مع جميع الناس. شكراً للرب على هذا العيد على كنيستنا، نصَلّي لأجلها ولأجل آبائنا بالإيمان ولكلّ عائلة، ولكلّ شبابنا ليكونوا في المستقبل مكمِّلين هذا التراث العظيم، تراث مار مارون والموارنة الثقافي والإيماني والروحي والفكري والاجتماعي… تعالوا نتماسك كلّنا لنحافظ على الوطن ويكون درّةَ الأوطان في هذه المنطقة».

وفي سياق متّصل، أعربَ مطر عن غبطته لـ«الجمهورية» في هذه المناسبة، قائلاً: «عيد القديس مارون فرصة جامعة لأبناء الوطن، منذ الاستقلال أخذ هذا الطابع، إذ تُشارك الدولة بمختلف مؤسّساتها من رئيس الجمهورية، إلى رئيس مجلس النواب إلى رئيس مجلس الوزراء، من الطوائف كافة، وهذه علامة أنّ الدولة اللبنانية تكنّ كلَّ المحبّة لهذا العيد لِما فيه من خيرٍ لهذا الوطن… الصلاة تَجمعنا، الكنيسة جامعة لأبنائها بكلّ محبة، وسلام».

واعتبَر مطر «أنّ هذا العيد فرصة لتشديد وحدتِنا، يضعُنا أمام مسؤولياتنا الوطنية، لذا يجب أن نعطي الوطن، وليس أن نأخذ منه على الدوام، علينا التعاون مع بعضنا لحلّ مشكلاتنا، كذلك علينا تفعيلُ ضميرنا، فبين أيدينا وطنٌ، يجب أن نُحكّم ضميرَنا في تحديد مصيره، وأن نكون المَثل الصالح في المنطقة، كلّ الآمال موجودة في عيد مار مارون».

ويضيف: «آمل أن يكون عيد مار مارون فرصةً لتقريب وجهات النظر في إدارة شؤون لبنان، فتنتعش مؤسساته، وبالتالي تجد الأجيالُ المقبلة وطناً يُلبّي طموحاتها».

في الختام، يكفي أن نتذكّر بعضَ ما ورد في رسالة القديس يوحنا فم الذهب إلى القديس مارون، حين قال له: «لأنّ عيون المحبّة تخرق من طبعها الابعاد ولا يضعفها طول الزمان»… لنتأكّد أنّ هذا «السيّد الصغير» الذي توفّي منذ العام 410 م، على الدوام معنا، لا تفصلنا عنه مسافات، والتاريخ فرصة للعودة إلى جذورنا، فرصة لنختبرَ فيه حضورَ الله الذي يمكن أن يتحقّق بمعونة القديس مارون.
الجمهورية

عن الاتحاد الكاثوليكي العالمي للصحافة - لبنان

عضو في الإتحاد الكاثوليكي العالمي للصحافة UCIP الذي تأسس عام 1927 بهدف جمع كلمة الاعلاميين لخدمة السلام والحقيقة . يضم الإتحاد الكاثوليكي العالمي للصحافة - لبنان UCIP – LIBAN مجموعة من الإعلاميين الناشطين في مختلف الوسائل الإعلامية ومن الباحثين والأساتذة . تأسس عام 1997 بمبادرة من اللجنة الأسقفية لوسائل الإعلام استمرارا للمشاركة في التغطية الإعلامية لزيارة السعيد الذكر البابا القديس يوحنا بولس الثاني الى لبنان في أيار مايو من العام نفسه. "أوسيب لبنان" يعمل رسميا تحت اشراف مجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك في لبنان بموجب وثيقة تحمل الرقم 606 على 2000. وبموجب علم وخبر من الدولة اللبنانية رقم 122/ أد، تاريخ 12/4/2006. شعاره :" تعرفون الحق والحق يحرركم " (يوحنا 8:38 ).