أختر اللغة
الرئيسية | إعلام و ثقافة | ليلةُ صيفٍ إهدِنية حالمة… حفلُ افتتاحِ «إهدنيات» ليس كالحفلات
ليلةُ صيفٍ إهدِنية حالمة… حفلُ افتتاحِ «إهدنيات» ليس كالحفلات
ليلةُ صيفٍ إهدِنية حالمة... حفلُ افتتاحِ «إهدنيات» ليس كالحفلات

ليلةُ صيفٍ إهدِنية حالمة… حفلُ افتتاحِ «إهدنيات» ليس كالحفلات

تلبس إهدن المنطقة الجبلية الشمالية أجمل أثواب الفن في شهر آب سنوياً، منذ العام 2004. فنانون من لبنان والعالم العربي والعالم، زاروا إهدن وغنّوا للآلاف بين جبالها العالية. لكنّ افتتاحَ «إهدنيات» هذا العام لم يكُن عادياً، ولا تقليدياً، ولا استعراضياً. كان ضخماً بكمية الفنون التي جمعها ومُدهشاً بموسيقاه وإخراجه، وبسيطاً حقيقياً في آن، هدفه فنّي ثقافي.
هذا الافتتاح الذي دمج دهشة السينما وروعة الموسيقى بخلطةٍ إخراجية ناجحة، يُعدّ علامةً فارقةً في تاريخ افتتاح المهرجانات في لبنان، وفي سجلّ حفلات «إهدنيات»، ويؤسّس لتحوّلٍ فنّيٍّ في المهرجانات حان وقتُه.

افتُتح مهرجان «إهدنيات» 2017، ليل السبت بالعمل الفني «Cine Orchestre» الذي جمع السينما والموسيقى بخلطة مميّزة من إعداد وإخراج جورج خباز، بمشاركة الأوركسترا الفلهارمونية اللبنانية بقيادة لبنان بعلبكي، التي تتألّف من 70 عازفاً من لبنان والخارج.

تحليق «سوبرمان» وتخييل «كاوبوي»

ضمن مشهدية تجمع الغناء والمسرح والرقص والموسيقى والسينما، عزفت الأوركسترا موسيقى أبرز الأفلام السينمائية العالمية والمحلية.
الافتتاح بموسيقى فيلم «Cinema Paradiso»، حيث حوّلت مشاهد الفيلم المعروضة على شاشة خلفيّة ضخمة، أعضاء الأوركسترا السبعين إلى خيالات، لتكون كلّ نوتة موسيقية وحركة يد من لبنان بعلبكي متماهية مع نظرة عينين أو حركة شفتين في المَشاهد الظاهرة على الشاشة.

المشهديةُ البصريّة بحدّ ذاتها ضخمة الوقع، منظر الآلات الموسيقية المتنوّعة النغم والروعة المُجتمعة على المسرح بمُفرده يضفي رهبة على الافتتاح، وكيف إن «كانَ ما كان».

كان حقيقياً لدرجة الحلم، الموسيقى الضخمة المتماهية بدقّة الثواني مع المشاهد المُختارة من الأفلام تزرع فيك المشاعر ذاتها التي خالجتك عند مشاهدتك الفيلم للمرة الأولى، وتسرق منك ردة الفعل نفسها. تُخيفك وتأخذك إلى عالم التشويق في «Psycho» أحد روائع هيتشكوك و«Indiana Jones» أحد أهم أعمال ستيفن سبيلبرغ، تُدهش عينيك وقلبك في «Superman» و«Star wars»، وحالما يظهر Al Pacino في فيلم «The Godfather» حتى تتسابق النوتات الموسيقية وأصوات الحاضرين على التعبير عن الدهشة «waw». الحبّ والشباب والماضي والذكريات، كلّها تُستعاد مع موسيقى «Singing in the rain» و«Romeo and Juliet» و»Les Miserables».

وما أن ظهر شارلي شابلن على الشاشة بمشاهد من «Modern Times» حتى علت الضحكات في إهدن، لتترافق موسيقاه الشهيرة مع التصفيق وهزّ الرؤوس والدندنة. يمكنك تركيب أيّ كلمات على هذه الموسيقى والغناء. ختم «بافوس» الأغنية على المسرح بـ»تعوا عزغرتا كلوا كبة زغرتاوية».

صبي دخل عالم السينما منذ الصِغر، ذاك العالم الذي يلجأ إليه الهاربون والحالمون والموجوعون، وكان حاضراً على المسرح يُخبرنا حكايته وحكاية السينما، متدرّجاً صوته من الشيخوخة إلى الطفولة.

لوحات راقصة، وصلات غنائية، وصلات مسرحية وإضاءة خاصة ومؤثرات إخراجية ترافقت مع الموسيقى والمشاهد المعروضة على الشاشة. «سوبرمان» حقيقي طار فوق الجمهور ليل السبت في إهدن و«كاوبوي» خيّل امام الحاضرين، بشارة مفرّج غنّى «Romeo&Juliet»، وفي اختتام الليلة الحالمة في إهدن انهمر المطر على المسرح مع موسيقى فيلم «singing in the rain»، ضمن مشهد مسرحي جمع روي خوري الذي غنّى ورقص مع راقصاتٍ حملن المظلات.

أسعد وقصيدة للأخوين رحباني

اللفتة الأبرز في هذا الحفل، التي حرّكت الحنين إلى أيام عز الفن والمسرح والسينما في لبنان، هي المرور السريع الرمزي للممثل عبدالله حمصي (أسعد) أمام الحضور مرندحاً موال «عيني ما تشوف النوم يا ديب حاكمها قلق ونعاس…»، وفي الموازاة يظهر على الشاشة «أسعد» الشاب في فيلم «سفربرلك» مارّاً في ضيع لبنان «الأخضر الحلو».

«عبدووو» تصرخ فيروز على «شطّ جبيل» في نهاية «سفربرلك»، ليردّ إحسان صادق «عَدلة هون بلدنا وبدنا نرجع، انطرينا نحنا جايين…».
نوستالجيا أدمعت الأعين، شوقاً وتوقاً، كما عزّةً وفخراً بماضينا وكبارنا وأساس وطننا.

«سفر برلك» و«بياع الخواتم» و«بنت الحارس»، أفلام الأخوين رحباني وفيروز الثلاثة التي تختزن صُور لبنان وتاريخه وحُلمه وأهله، الأفلام التي جمعت أهمّ الأسماء وحاكت القصص التي لا تُنسى واختزنت أروع الأغنيات. بَخل علينا مُعدّو هذا العمل الفني الجميل في إهدن بمقطوعة موسيقية من أحد الأفلام الثلاثة. فبعد مرور «أسعد» ليتنا سمِعنا موسيقى «يا طير يا طاير على طْراف الدني» من «سفر برلك».

تكريم الأخوين رحباني كان بقصيدة كتبها وألقاها جورج خباز، خلال مرور صوَر لعاصي ومنصور على الشاشة، مُستوحاة من عناوين أفلامهما ومسرحياتهما، يُقارن فيها خباز بين لبنان الحاضر ولبنان الأخوين رحباني.

«…خلصت بعيونّا الأحلام وكل يوم بيوم من عيش وبعدنا مْنِلحق الحِكاّم ومن قِلّن يعيش يعيش. عم نربّي هالاولاد حتى يهاجروا مع الريح واللي بقيوا بهالبلاد بقيوا نواطير مفاتيح، الحلم سفر ومحطّة وهرب من هالعيشة المرّة، بعدا ماشية هالخطة والمؤامرة مستمرة… لبنان بيوعدك يا عاصي رح يبقى لفكرك صديق رح يتخطّى المعاصي ويحلّق طير الفينيق… وعَصوت فيروز نسهر وكلمات الضمير تهزّ، انشالله بعودة العسكر رح يرجع موسم العز».

تكريم الإنجازات المحلية

قدّم جورج خباز أيضاً تحية للمخرجين السينمائيين اللبنانيين، من خلال ربط لعناوين أبرز أعمالهم، راوياً قصة السينما اللبنانية، التي دمّرتها الحرب، والتي عادت بزخم وستبقى ويبقى لبنان «رغم كل شي».

أمّا فليما المُخرجة اللبنانية نادين لبكي «كاراميل» و«هلأ لوين»، اللذان اعتُبرا نقلة في السينما اللبنانية الحديثة، فكانت لهما الحصة المحلّية الأكبر، وقُدّمت موسيقى وأغنيات الفيلمين «يا مرايتي»، «كيفو هالحلو» و«حشيشة قلبي» (موسيقى خالد مزنر وكلمات تانيا صالح) بصوت الفنانة تانيا صالح وبعزف حيّ من الأوركسترا الفلهارمونية على مسرح «إهدنيات».

بدوره، قدّم جورج خباز على المسرح أغنية «بناتي صار عندن خيّ» من فيلمه السينمائي «غدي»، وصعد بعد انتهاء الأغنية بطل الفيلم إيمانويل خيرالله وهو من الأولاد ذوي الاحتياجات الخاصة على المسرح، لينعكس تصفيق الجمهور سعادةً في قلب إيمانويل الذي لوّح بحرارة للحاضرين.

جميلٌ ومُختلف ما كان في إهدن ليل السبت، جوّ بارد وهادئ زاد من نوستالجيّة الليلة. دخول النائب سليمان فرنجية وزوجته رئيسة لجنة مهرجان «إهدنيات» ريما فرنجية كان هادئاً وبسيطاً بدوره، كذلك حضور عدد من الشخصيات السياسية والفنية والسينمائية والإعلامية.

لم تمتلئ بالكامل المدرجات التي تسِع لثلاثة آلاف شخص ليل السبت في إهدن، وهنا تُسجّل هذه المخاطرة للجنة المهرجان بالإصرار على تقديم عمل ثقافي نُخبوي في افتتاح «إهدنيات» في ظلّ طفرة الحفلات والمصاعب التي تواجه المهرجانات الكُبرى غير الربحية. عسى أن يكون هذا الافتتاح، افتتاحاً لأنواعٍ إبداعية جديدة من المهرجانات غير مُأطّرة ومُعلّبة.

وتستمرّ الليالي الإهدنية لصيف 2017، مع حفلين لضيف إهدن الثابت الفنان العراقي كاظم الساهر في 4 و5 آب المقبل، لِتُستكمل بليلة رومنسية أيضاً مع الفنان الفرنسي ميشال ساردو في 11 آب، على أن يُخصّص «إهدنيات» ليلة للفرقة اللبنانية «مشروع ليلى» التي حقّقت نجاحات محلية وخارجية في 12 آب.

الجمهورية

عن ucip_Admin