ما بعد «داعش» ليس كما قبله. هذا التطرّف الذي أطلّ على العالم مع بداية القرن الحادي والعشرين، هو وليد تغييب شعوبنا عن الاستفتاءات والانتخابات الشفافة كما العدالة الاجتماعية والسياسيّة والاقتصاديّة، فكان أن تحول المحرومون والمهمَّشون إلى أصحاب سلطة من خلال الدخول في الحركات الأصوليّة.
الشخص المهمَّش وغير المثقَّف في لحظة من الزمن، يستطيع أن يخيف كلّ الناس، من خلال تبنّي فكرة أن يكون إنتحاريًّا أو ما شابه ذلك. اليوم نراها بأم العين بعدما كانت أفكارًا نحتار في مقاربتها، وفي خلق سُبل لحلّها. أصبحت هي من تسيِّر الأمور على مزاجيَّتها، من خلال الحكم والقضاء والإعلام والحركة الاقتصاديّة… تطرح منظومة «داعش» إشكاليّات ليس فقط للمسيحيين كما للمسـلمين المعتدلين، بل للعالم بأسره.
إن كانت من إيجابيات لـ «داعش» إذا صحّ التعبير، فهي ان الفكرة الأساسية هي النظر في الجوهر وليس التلهّي بالقشور. فبعد أن عاش الشرق التعايش ولو لفترات متقطعة، دخل إلى عقدة التمييز، ليس العنصريّ، بل في الانتماء الديني، ليصبح السؤال الأهم «ما دينُك؟» لأعرف كيف أتحاور معك، وليس «ما هي ثقافتُك وعلمُك وعملُك؟» فعلينا أن نطرح السؤال بطريقة أخرى، ليس «مَن انت؟» بل «ما أنت»؟
أنا المسيحي. كنت إذا تعرّفت إلى شخص جديد، أسأله عن إسمه لكي أعرف دينه، أو أتعمّق بالأسئلة عن حياته الاجتماعية: أين يسكن ومن أية منطقة، أمّا اليوم على الرغم من كل التحديات أصبح السؤال: «ما أنت؟» فتبتعد عن الوصف والنعت أنت مسلم. أنت مسيحي. ليصبح السؤال ما إسلامُك؟ أو ما مسيحيَّتُك؟ لا يهم إن كنت مؤمنًا أو لا. بل ما هي طريقةُ حياتِك، وما هي أفكارُك الدينيّة؟.
نطلب من إسلام اليوم أن يستقرئ، كما المسيحي في العصور الوسطى، كتاب التعليم المسيحي «سؤال وجواب»، وكم من لاهوتيين وفلاسفة انتقدوا هذا النمط البسيط، ولكن ثبت مع مرور الوقت، إنّه الباب للدخول في نمطيةِ ومنطقِ وروحانيةِ الدين، وبذلك حافظت الكنيسة على الطريق المستقيم، أمام الكثير من الهرطقات التي هزّت مرّات كثيرة أعمدتها، لكن تساقطت وتهاوت.
هذا ما نطلبه من المرجعيّات الدينيّة على اختلافها، بأن تبادر الى وضع مسودّة كتاب «سؤال وجواب» عن الدين الإسلامي، علّه يساعد الفرد للتعرّف على الإسلام النبوي الصحيح.
الديانات على اختلافها لا تدعونا للتفكير في ماهية وذاتية الله، بل تدعونا للتأمّل في المخلوقات، ويقول السيد المسيح: «كَلَّمْتُكم عن أمور الارض ولم تفهموا.. فكيف إذا كَلَّمْتُكم عن أمور السماء؟!». وقال نبيّ الإسلام في الحديثك «تفكروا في خلق الله ولا تفكروا في ذاته فتهلكوا».
«إذا عارض الشرع المنطق وُجِب الإفتاء»، كما قال إبن رشد، على الديانات أن تساعد الإنسان للدخول في منطق الله والتأمّل به، للبسطاء كما للحكماء، من باب التأويل والـتأوين، يقبله العقل. الكلّ يتّفق على النظرية البسيطة: «كل شجرة تُعرف من ثمارها». إن كان الله يشرق بشمسه على الأخيار والأشرار، فلا بدّ من يوم الدين والحساب حيث لا ينفع البكاء وصرير الأسنان وعدم الإدراك.