وأخيراً «بيبلوس». نعرف منذ أسابيع أن المهرجان يعاني من ضائقة مالية، ما أخّر إطلاق دورة هذا الصيف. كان ناجي باز يجاهد لاستكمال البرنامج. المدير الفني لـ «مهرجانات بيبلوس الدولية»، أصرّ على برنامج يقترب من طموحاته. وإن كان بعيداً عن المواسم الكبرى التي عرفناها عند الميناء التاريخي لمدينة جبيل.
المؤتمر الصحافي جمع نواب جبيل الثلاثة والفعاليات المحلية. وعلى المنصة وسام زعرور، رئيس البلدية الجديد، كان يستجمع تركيزه. شكا من منافسة المهرجانات الصغرى، وتأفّفَ من «مشكلة السير بين بيروت وجبيل»، وتحدث عن الـ identité (كلمة الهوية تحديداً كان يفضل قولها بالعربية!)… ولم يفته طبعاً الحديث عن الانجازات والطموحات. كما دعانا أيضاً لحضور «مهرجان النبيد في جبيل» بين 28 و30 حزيران/ يونيو. جاء كلامه بعد ترحيب مقتضب من رئيسة اللجنة لطيفة اللقيس التي تركت المنبر هذا العام لنائبها فيليب أبي عقل. فألقى كلمة مقتضبة، متحدثاً عن التقاء «مدينتي الشمس والحرف» هذا الموسم، في اشارة إلى عرض «كركلا» الجديد. وتوجّه إلى وزير السياحة في حكومة تصريف الأعمال، أفيديس كيدانيان، متمنياً له العودة إلى الوزارة (!)، كي يكون «محامي المهرجانات في مجلس الوزراء»، ويسعى إلى «تعديل القوانين التي ترهق كاهلها» (الرسوم والضرائب الخانقة). من الواضح أن فيليب أبي عقل لا يعرف معاليه جيداً، لكنّ سرعان ما سيحصل على جواب.
بدأ الوزير بالشكوى. لقد سهر الليل بطوله بحثاً عما يمكن قوله صباحاً في جبيل. «بليت حالي بلوة» يبوح لنا، إذ وافق على المشاركة في 4 مناسبات دفعة واحدة. سيذهب بعدنا إلى إهمج ثم إلى عمشيت وأخيراً مستيتا (افتتاح كلية السياحة). شكراً معالي الوزير، نحن ممتنون حقّاً. «بوسعنا في الوزارة دعم 50 مهرجاناً… لا 160». أليس لدى الوزير مستشارون يساعدونه على فهم المشكلة؟ هذه السنة لن يستطيع تقديم مساعدة كبيرة للأسف، إذ «هناك «اقتصاص» (يقصد اجتثاث؟) من موازنات الوزارة». قم إن «لجان المهرجانات «تنقّ» كثيراً على الضرائب (…) انتم معكم حق لكن نحنا أيضاً معنا حق». إستغاثة المهرجانات الأساسية في لبنان التي انعكس وضعها المالي على مستوى البرمجة، يراها الوزير مجرد «نق»! لكن لدى معاليه الحل: اذا شاء مديرو المهرجانات تخفيف الحمل عنهم، فعليهم «الاكتفاء» بالفن اللبناني، بدلاً من تجشّم أعباء الفنانين العالميين. هكذا يشجعون الابداع المحلّي، ويوفّرون المال. والله وزير أممي. وتريدونه في الحكومة المقبلة أيضاً؟ كويّس أن الجمهور لم يرشقه بالطماطم. إن المبادرات المحليّة لإحياء احتفالات ترفيهيّة في الصيف، في المناطق اللبنانيّة، من مسؤولية سلطات محليّة، وفعاليات اقتصاديّة وشخصيات عامة ومؤسسات وجمعيات في كل منطقة. أما المهرجانات الوطنيّة الكبرى فمعدودة، ويخضع تصنيفها لمعايير صارمة، ومن السهل وضع قواعد للدعم وفق هذه المعايير. لا تقولوا لمعاليه إن مهمّة «المهرجانات الدوليّة» استضافة أهم الأسماء والفرق والتجارب العالميّة (الأمر الذي لا يتناقض مع واجب احتضان الفن اللبناني)، فهو يفضّلها أعياداً محليّة! دعوه يترك الوزارة من دون أن يعرف…
ممثلة وزير الثقافة، لين طحيني، بذلت جهداً واضحاً لتقديم مداخلة متماسكة. تحدّثت عن «السياحة الثقافية»، وقالت إن «بيبلوس» عرف كيف «يحافظ على مستوى راق ومميز»، ولفتت إلى «الاهتمام الخاص الذي يوليه المهرجان للشباب». وكشفت عن مبادرة وزارة الثقافة لجمع صندوق التعاضد ومدراء المهرجانات، بحثاً عن «حلول للمشاكل المالية والضريبية». هذا أفضل من النصح بعدم دعوة الأجانب! ولفتت إلى الدور التنموي للمهرجانات إذ «تخلق فرص عمل للمستثمرين المحليين». وأكّدت على أهميّة «القطاع الثقافي في بلد مثل لبنان»، وأكدت تصميم الوزارة على «دعم المبادرات الثقافية (…) والمحافظة عليها وتطويرها». لم نر شيئاً من هذا لدى الوزير غطاس خوري طبعاً، لكننا سمعنا على الأقل كلاماً له معنى من «ممثلته» التي تستحق بجدارة لقب وزيرة ثقافة بالوكالة.
أخيراً قدم ناجي باز المحطات الخمس للبرنامج. لا شك في أن «ضربة الموسم» هي عرض الافتتاح (أول آب/ أغسطس) مع «تشاينسموكرز» الثنائي الاميركي الذي بدأ «دي دجاي» ليصبح «من أكبر فرق بوب في العالم». إنّها نقطة الثقل الجماهيرية، والشبابيّة، هذا الموسم، برفقة ألعاب ناريّة ومؤثرات خاصة. لأوّل مرّة سيتسع مدرج «بيبلوس» لتسعة آلاف مشاهد، ثمانية منهم وقوفاً، والبطاقات بيع نصفها حتى الآن. بعدها تأتي حفلة السوبرانو الفنلندية تاريا تورونان (6 آب) مغنية «نايتويش» السابقة التي تجمع بين «صوت كلاسيكي رائع مداه ثلاثة اوكتافات» وعالم الميتال والهارد روك. ويلفت ناجي إلى أن الحجوزات تأتي من دول مجاورة بينها تركيا واليونان وقبرص، «ما يؤكد على الاشعاع الدولي لبيبلوس». كويس يا صديقي أنكم لم تتبعوا نصائح الوزير كيدانيان!
ولنا هذا الصيف موعد مع «فرقة كركلا» التي تحتفل بيوبيلها الذهبي، مع «فينيقيا الماضي الحاضر» (17 و18 آب). في ظل الأب المؤسس عبد الحليم (الذي اشتغل على سيناريو العمل الجديد والحوار والأزياء والموسيقى)، يواصل إيفان الطريق نفسها مخرجاً للعرض، مع «العائلة»: هدى حداد، رفعت طربيه، جوزيف عازار، منير معاصري، غابرييل يمين، عمر كركلا… وطلال حيدر حاضر كعادته مستشاراً ثقافياً. أما الكوريغرافيا فتحمل توقيع أليسار كركلا. بعد «أليسار ملكة قرطاج»، سنعود الى فينيقيا لنعبر بعجائب الزمن، من خلال زيارة مبعوث الفرعون رمسيس إلى الملك أحيرام في جبيل، ونكتشف أن «الحياة قبض ريح»، ونشرب الفولكلور بجرعات كبيرة.
حين يتحدث ناجي باز عن نانا موسكوري (21 آب)، تلتمع عيناه. «مسرّات الحب لا تدوم إلا لحظة، أشجان الحب تستغرق كل العمر». المغنية اليونانيّة الباريسيّة، الـ «شابة إلى الأبد»، حسب عنوان جولتها الوداعية في الرابعة والثمانين، بعد ٦٣ سنة على المسرح، باعت ٣٥٠ مليون اسطوانة، وغنّت في لغات لا تحصى، لكنّ الذاكرة اللبنانيّة تحفظ منها الجزء الفرنسي المشبع بالرومانسيّة. صاحبة «الصوت الاصفى الذي لم يتغير مع العمر»، مولعة بالمطبخ اللبناني، يخبرنا باز. وفي زيارتها الأولى إلى وطن العسل والبخور، ستستعيد محطات من مسيرتها الطويلة، مروراً بـ «الكوفر سونغز»: من البيتلز الى ليونار كوهين حتى أزنافور وبربارا وداليدا.
وإذا كان لكل دورة من «بيبلوس» رهانها، فهذه السنة الرهان هو على شربل روحانا (24 آب). عازف العود والموسيقي اللبنانيو يواجه هنا بلا شك امتحان تكريسه منفرداً في مهرجان كبير، مع برنامج خاص هو «تحية الى سيد درويش». «من منا لا يألف «طلعت يا محلا نورها» و«زورني» و«الحلوة دي» و«أهو ده اللي صار» و«سالمة يا سلامة» ـــ يسأل ـــ لكن كثيرين لا يعرفون أنّها أغنيات «فنان الشعب»، وأحد أهم رواد الأغنية العربية الحديثة». تمنّى شريل أن تهتم المهرجانات أكثر فأكثر بمد جسور التواصل بين الأجيال الجديدة والفنانين الكبار في لبنان والعالم العربي، ووعدنا أن يمرّ على كل تجارب «خادم الموسيقى العربيّة… وسيّدها»: الموشحات والأدوار والأغاني الوطنية وأغنيات الحب… بمصاحبة غنائيّة من رفقا فارس وعيسى غندور وجيلبير رحباني… لم يبق لنا إلا إنتظار شهر آب.