أختر اللغة
الرئيسية | أخبار الكنيسة | ندوة في جبيل عن كتاب: شهادتنا وشهداؤنا زرع الكنيسة ولبنان الكيان برعاية المطران عون
ندوة في جبيل عن كتاب: شهادتنا وشهداؤنا زرع الكنيسة ولبنان الكيان برعاية المطران عون
ندوة في جبيل عن كتاب: شهادتنا وشهداؤنا زرع الكنيسة ولبنان الكيان برعاية المطران عون

ندوة في جبيل عن كتاب: شهادتنا وشهداؤنا زرع الكنيسة ولبنان الكيان برعاية المطران عون

أقيمت في قاعة كنيسة الروح القدس في بلدة بشلي قضاء جبيل، ندوة حول كتاب “شهادتنا وشهداؤنا زرع الكنيسة ولبنان الكيان” للمؤرخ الدكتور طوني يوسف ضو، بدعوة من لجنة الوقف وبرعاية راعي الابرشية المطران ميشال عون وحضوره، وذلك لمناسبة اختتام يوبيل الشهادة والشهداء الموارنة، تحدث فيها الى المطران عون الرئيس العام للرهبانية المريمية المارونية الاباتي مارون الشدياق، رئيس دير مار مارون عنايا الاباتي طنوس نعمة، عضو المجلس التنفيذي للرابطة المارونية الاعلامي انطوان قسطنطين والدكتورة رانيا باسيل عن المجتمع الدني، في حضور عميد جامعة بني ضو النائب نعمة الله ابي نصر، العقيد مازن عبدالله ممثلا قائد الجيش العماد جوزف عون، قائمقام جبيل نتالي مرعي الخوري، مختار البلدة الياس ضو، رئيس المجلس الثقافي في بلاد جبيل نوفل نوفل، رئيس الاتحاد اللبناني لكرة الطائرة ميشال ابي رميا، وعدد من المرشحين للانتخابات النيابية وفاعليات وابناء البلدة والقرى المجاورة.

نعمة

النشيد الوطني اللبناني بداية الى كلمة عريف الاحتفال للمؤرخ الدكتور روني خالد القى بعده كاهن الرعية الخوري روجيه كرم كلمة رحب فيها بالحاضرين القى بعده الاباتي نعمة كلمة ذكر فيها بكلام الرب يسوع “سوف تضطهدون من أجل اسمي” ويقول أيضا “سيظن كل من يقتلكم أنه يقدم لله قربانا. يوحنا 16/3”.

واضاف: “يقول قداسة البابا فرنسيس في كلماته عن الشهادة المسيحيون هم مفطورون عن
المحبة ولكنهم ليسوا دائما بمحبوبين لأنهم يسيرون عكس التيارات العالمية”، مؤكدا
“ان المسيح هو ملح الأرض ونور العالم فبالشهادة يصبح علامة لملكوت الله لأنه ما من حب أعظم من هذا وهو أن يبذل الإنسان نفسه عن أحبائه، إذا هذه الشهادة تقوم على المحبة لأن ليس من يحب الموت بالمطلق هو شهيد بل الشهيد هو الذي يموت في سبيل الله والناس، من هنا نقول أن الراهب هو الذي يعيش هذه المحبة، محبة بذل الذات في سبيل الله والناس”.

واعلن ان الراهب بحياته اليومية يعيش محبة المسيح في بذل الذات وهذه هي شهادة بيضاء أي ذبيحة روحية، إذ ينذر الراهب ذاته ويتخلى عن مجد العالم وملذاته بنذوره الثلاث (الطاعة العفة والفقر) وهذه هي علامة للموت والقيامة في الوقت نفسه، فكما أن المسيح حمل في جسده جروحات الصليب والمسامير وقدم ذاته لأبيه قربانا عن العالم كذلك الراهب يذبح نفسه كل يوم وهو على قيد الحياة لكي يعيش رجاء القيامة وكأنه تخطى الموت بحياته الرهبانية”.

واعتبر “ان الرهبان في القرن التاسع عشر هم رهبان استشهدوا في مجازر 1841-1845 مع نهاية حكم الإمارة و1859-1860 مع نهاية حكم النظام القائمقاميتين، استهدفوا من دون سبب، إلا لأنهم يرمزون الى دينهم، فاستشهد 25 راهبا مارونيا من دير سيدة مشموشة في يومي 2 حزيران و25 حزيران 1860. هؤلاء الرهبان ذبحوا بالسيف، وباطلاق النار وذبحوا فوق بعضهم بعد أن عروهم من ثيابهم، وهم: الأب يوسف الديراني، الأب اغسطين الدبية، الأخ أنطون البكاسيني، الأخ جرجس البكاسيني، الأخ مبارك خرايب صباح، الأخ حنا بيت لهيا، الأخ جبرايل بيت لهيا، الأخ جبرايل بحنيني، الأب عبدالله بكاسيني، الأخ يوسف بحنيني، الأخ خرايب صباح، الأخ يونان بشراني، الأخ بطاش رشماني، الأب مبارك جاد الله بكاسيني، الأخ أنطونيوس مزرعة الطاحون، الأخ مخايل بكفيا، الأخ فرنسيس بكفيا والأب اجناديوس قتالة، الأب بيمين البشراني، الأب ريشا مشموشة، الأخ عمانويل بكاسيني، الأخ فرنسيس بكفيا، الأخ بكرس الرشماني، الأب اجناديوس قتالي، والأب اسطفان بيت لهيا”.

وختم: “هؤلاء الرهبان “يبقون أيقونة تعبر عن عمق شجاعتهم وبسالتهم في تقديم ذواتهم علامة على درب المسيح”.

الشدياق

وتحدث الاباتي الشدياق عن الاستشهاد بحسب الكنيسة فقال: “الاستشهاد هو الشهادة السميا لحقيقة الإيمان، إنه يعني شهادة تصل حتى الموت. والشهيد يؤدي شهادة للمسيح الذي مات وقام، والذي هو متحد به بالمحبة” (التعليم المسيحي، 2473).
تنطلق الشهادة الإيمانية من المحبة التي يزرعها الروح القدس في قلوب المعمدين، من خلال الكلمة، فيحيون اندهاشا بالرب يسوع، يروح بهم إلى التشبه به كليا. وقمة العيش في المسيح هي تسليم الذات للموت حبا، حيث تتطابق شهادة الكلمة وشهادة الحياة بشهادة الدم”.

وعن الاستشهاد الرهباني قال: “في الإطار عينه، نفهم الاستشهاد الرهباني، فالاستشهاد تعبير أكمل للحب الإنساني لله، لأن الشاهد الشهيد مملوء بالروح القدس، وهو يتبع المسيح بعمق كيانه، ويسير مسيرة الاستشهاد كفعل عبادة إفخارستي، إذ يبذل ذاته، كيانه، جسده، بالاتحاد بذبيحة المسيح.
الحياة الرهبانية، كاتباع غير مشروط للمسيح، تتجلى في جوهرها الاستشهادي. فالراهب يصلب شهواته، ويتخلى عن رغائب العالم، وذلك لأجل اتحاد أكمل بالرب يسوع، المثال الأكمل. هذا الاستشهاد الوجودي هو الشهادة الحقيقية للرب يسوع في الحياة الرهبانية. بذلك يغدو الرهبان “جيش المسيح”، ما دامت هذه التسمية قد وردت في القرون الثلاثة الأولى كصفة لشهداء المسيحية. الراهب الشهيد المصلوب هو علامة حية ليسوع المائت والقائم من بين الأموات، وإذا حصل أن استشهد شهادة الدم، يكون قد تشبه بل تماهى كليا بالرب يسوع، سبيل حياته وهدفها وتمامها”.

وتحدث عن الاستشهاد لأجل الحقيقة قائلا: “إن الدرة الثمينة التي اجتمعنا لنتكلم عليها في هذه الأمسية، أعني كتاب حضرة الدكتور طوني ضو “شهادتنا وشهداؤنا زرع الكنيسة ولبنان الكيان”، يتضمن، في العمق، ما تحدثنا عنه من استشهاد لأجل المسيح. لكنه يحتوي أيضا شهادات حية للحقيقة التي عاشها أشخاص وبذلوا نفوسهم لأجلها. ففي إطار المسيحية، كل حقيقة أكيدة، تعكس بشكل أو بآخر المسيح يسوع الذي قال: “أنا هو الطريق والحق والحياة” (يو 14/ 6).
هذا ما عبرت عنه القديسة تريزيا بنديكتا الصليب إذ كتبت: “الله هو الحقيقة. من يبحث عن الحقيقة، بوعي أم بغير وعي، يبحث عن الله”. يمكننا أن نستخلص من قول القديسة أن من يستشهد لأجل الحقيقة يستشهد لأجل الله. لكن ذلك يحصل من خلال مسيرة حياة حقيقية، تنقص فيها العوارض الهامشية التي تسبب الموت، لتكون الشهادة، مهما كان نوعها، تكليلا لسعي إنساني له بعده الوجودي الصادق، والذي لا يقبل مساومة على الحقيقة المتأصلة في قلب الإنسان من جراء الخلق، والنعمة، لتتبلور في نظام الحب..
هذه الرؤية الوجودية، تهب مفتاحا تفسيريا لمطالعة هذا الكتاب النفيس، بتنبه إلى الاستشهاد كنمو في الحقيقة، نحو الحقيقة المطلقة، أعني الرب الإله، رغبة الإنسان، وامتلاء توق قلبه”.

وختم: “إن ماضي الكنيسة المارونية، البعيد والقريب، يظهر دعوة مميزة، تخص وجودنا الماروني كشهود حقيقيين ليسوع المسيح الرب الإله القائم من بين الأموات، في الشرق وفي بلاد الانتشار. ثمن المجد المسيحاني بهظ، إنه الشهادة في الاستشهاد، كفعل حب وإيمان، في قلب الرجاء. “فالشكر لله الذي يعطينا الغلبة بربنا يسوع المسيح” (1قور 15/ 57)”.

باسيل

واشارت باسيل في كلمتها الى التضحيات التي قدمها الموارنة في سبيل القيم التي آمنوا بها وقالت: “رأيت في فصول الكتاب، الى جانب رجال الكنيسة، شعبا من العلمانيين المدنيين، بذلوا الدماء من أجل الكرامة والحرية، وهي تضحيات، شارك فيها رجال القلم والصحافة وقادة الرأي من أهل الثقافة والمجتمع المدني. كما أنني وجدتها صورة لتكامل الدور الإنساني بين الكنيسة والمجتمع، وهذا التكامل هو الذي أسهم في بناء الصرح الوطني، مع الجهود التي أرست لقيام كيان حر ومتوازن”.

وأضافت: “لقد اطلعت من الكتاب على مجالات مغمورة من تاريخنا، وأعتقد بأن كثيرين لا يعرفونها، وهي تشكل محطات من حياة وطننا، الذي نسعى إلى تعزيزه على مختلف الصعد، من خلال ترشحنا في الانتخابات، انطلاقا من صدقية الدور الذي ضحى من أجله الشهداء الأبرار، ولنحمل شهادة حق وسلام لإنسان هذا الوطن وكيانه السيد الحر المستقل”.

وقالت: “ونحن اليوم في ذكرى 13 نيسان، تاريخ اندلاع الحرب في لبنان وعلى لبنان سنة 1975، في مصادفة زمنية، لكن مدلولاتها عميقة الأثر، حيث شمل كتاب الدكتور ضو، آلاف الضحايا والشهداء الذين سقطوا على مدى 15 عاما في تلك الحرب من كل الطوائف، من رجال دين ومدنيين، حتى بلغوا المئتي ألف، وهو العدد الذي يقارب ضحايا وشهداء الجوع والمرض الذين قضوا خلال الحرب العالمية الأولى 1915-1917”.

وختمت: “انني أثني على عمل الدكتور طوني ضو، المعمق والواسع، لأنه مزج فيه بين البعدين الديني والوطني، وركز على فلسفة معاني الشهادة، فجاء كتابه، الفريد من نوعه، مرجعا مضافا على دزينة مؤلفاته التاريخية والتربوية والجامعية، ليضيء صفحات هامة من تاريخ الأمة والوطن وأتمنى على كل بيت وكل مؤسسة أن تقتني هذا الكتاب لإحياء ذاكرة الأجيال وفاء وإكراما لأرواح الشهداء”.

قسطنطين

والقى قسطنطين كلمة أكد فيها “ان الرابطة معنية بكل ما هو ماروني والموارنة معنيون بالحرية لذا لبنان موجود”.

وقال: “كثيرون شهدوا للمسيح في هذا العالم وإستشهدوا في سبيل إيمانهم، أما الموارنة فبقدر إيمانهم بيسوع تمسكوا بأرض لبنان فجاءت شهاداتهم في سبيل قيمتين: الإيمان والحرية، ودمغوا بالشهادتين معنى وجودنا في هذا المشرق المعلق بين الارض والسماء.
شهداؤنا مهروا بالدم أوراقنا الثبوتية ومنذ أن اختار ذلك الناسك الحياة في العراء، ليمتلك فضاء الحرية بإيمانه صرنا نحن أبناء الايمان والحرية معا”.

وتابع: “نحن ورثة مارون الذي بهديه سلك الآباء المؤسسون درب الحرية فجعلوا من جبال لبنان معبدا لها لأن الله حرية مطلقة، حراس الحرية نحن في هذا المشرق، من دونها لا نصلح لشيء ومن دوننا يهلك هو في سواد قرونه الوسطى مؤمنون بالله حتى الشهادة لكننا ما أقمنا يوما ولا أردنا دولة دينية، تمسكنا بالحرية لنحفظ للايمان قيمته وللانسان مقامه لمشرق الأديان قدمنا صيغة الأوطان وجعلنا الإنتماء القومي للدولة مساحة تحضن التنوع الديني والثقافي”.

وأضاف: “حراس الحرية نحن، بها نواجه العنف المتفجر تحت ستار الدين ونشهد بأن الناموس وجد لخدمة الانسان، وبأن الحرية أساس السلام وبأن احترام الحق في الاختلاف أساس العيش معا.
قدرنا أن نبقى حراسا للحرية فإذا تخلينا عنها سقطت عنا إنسانيتنا وسقطت لبنانيتنا، متطرفون نحن في تقديس الحرية، وبقدر ما يكتشفها كل واحد منا في عزلة الإيمان فإننا نعيشها كجماعة انفتاحا مطلقا في الوطن وإنتشارا في أقاصي الأرض كالماء والضوء والهواء”.

وقال: “حين يكون لبنان في خطر ننطوي على ذاتنا وتتحكم بنا غريزة الدفاع عن وجودنا الحر، وحين نشعر بالأمان نتحول الى رواد التقدمية والتطور والعولمة، يستهوينا التحدي، نعاند، نخطىء وقد نهزم لكن روح الحرية فينا لا تنكسر، بين أرض لبنان وبيننا علاقة عشق كما بين الصخر والسنديان، لبنان من دوننا أرض موحشة ونحن من دونه جماعة تائهة، زرعنا أرضه دما وعرقا وقداسة وتشاركنا فيه مع كل طالب حرية فصار لنا وطنا”.

واضاف: “حين كانت فرنسا تقيم ثورتها بالدم، كانت كنيستنا تدستر الزامية تعليم المرأة، وحين كان المشرق غارقا في ظلامه كانت مطبعتنا تحفظ كنوزه وكان رهباننا يغرزون المعرفة في العقول، ويبذلون قمح الايمان والحرية في الوجدان، وفي يقيني أنه لم يكن من باب الصدفة أن تجتمع في القرن التاسع عشر عناصر القوة الروحية والمادية التي أثمر تفاعلها الحضاري ولادة لبنان الكبير”.

واردف: عصر الحرديني وشربل ورفقا وسائر الرهبان والنساك هو نفسه عصر النهضة وعصر الاستقلال وعصر ازدهار التعليم ومواسم الحرير والبحبوحة، التي بفضلها قيل هنيئا لمن له مرقد عنزة في جبل لبنان، هذا الجبل لم نوسع حدوده طمعا بل اقتناعا بأن الأوطان هي فعل شراكة. أشركنا وما خفنا وسنظل ندافع عن ميثاق الشراكة حتى قيام الدولة المدنية العادلة، التي وحدها تحمي حرية المعتقد تحت سقف المساواة بين المواطنين في الحقوق والواجبات، كنيستنا نفخت فينا روح الحرية فكان لبنان الوطن ولي ملء الثقة بأنها ستنفخ فينا روح التحرر والتقدم لتطوير الدولة وإخراجها من خنادق الطائفية، إن الذين يستمدون قوتهم من قوة المسيح الحي في التاريخ لا يخافون التطور ولا يقبلون الظلم أليست هذه روح الإرشاد الرسولي وعظمة الكبير البابا فرنسيس؟ رسل العلية نحن، اخترنا الانفتاح على كل حوار وجوار، قدرنا أن نجدد نهضتنا لأنها سر بقائنا، قيراون المشرق نحن. ننهض به كلما كبا، ونبقى شهودا ليسوع في أرض ولادته. فالسلام للشهداء والمحبة لكم جميعا”.

وختم: “حفظ الله لبنان آمنا، حرا وأعاد الأستقرار الى هذا المشرق المعذب”.

عون
ثم القى المطران عون كلمة اشار فيها الى “ان المسيح هو شهيد الله بامتياز، وبالتالي هو نموذج الشهيد، فقد قبل يسوع الموت برضاه، تعبيرا عن استسلامه الكامل لإرادة الآب الخلاصية”. وقال: “يبرز الانجيلي لوقا، في آلام يسوع، السمات التي سوف تعرف بالشهيد: تشديد العزيمة بالنعمة الإلهية ساعة الضيق (22: 43)، الصمت والصبر أمام الاتهامات والإهانات (23: 9)، البراءة التي يقر بها الحكام (23: 4-22)، التغاضي عن آلامه الخاصة (23: 28)، ومسامحته لصالبيه (23: 34)”.

وتابع: “بعد العنصرة وجدت الكنيسة نفسها مدعوة لأن تقدم للشهادة الدم من أجل خلاص البشر، واعتبرت الاستشهاد اقتداء تاما بيسوع واشتراكا كاملا في شهادته وعمله الخلاصي، “ما من عبد أعظم من سيده، فإن كانوااضطهدوني فسوف يضطهدونكم أيضا” (يو 15: 20)”، قائلا “هكذا كان استشهاد اسطفانوس دافعا لأول انتشار للكنيسة خارج أورشليم (أع 8: 1-3)، وهكذا كان قتل هيرودس لأخيه يوحنا بحد السيف (أع 12: 2) محاولة منه لإسكات صوت الحق، وهكذا سيحاول أن يفعل الأباطرة الرومان وجميع المضطهدين للمسيحيين على مدار الأجيال”.

وتحدث عن شهداء الكنيسة الأولى فقال: “قبيل صعوده، أخبر يسوع تلاميذه أنهم سيصيرون شهودا له (في اليونانية marturos) من أورشليم حتى أقاصي الأرض (أع 1: 8). الكلمة marturos تعني الشاهد والشهيد. وقد حفظت الكنيسة كلمة شهيد للذي وصلت شهادته وأمانته لإيمانه حتى الموت، اضطهد المسيحييون في القرون الثلاثة الأولى، دام اضطهاد المسيحيين حوالى قرنين ونصف (بين سنة 64 و313)، ولكنه لم يكن بطريقة مستمرة وقد مرت فترات سلام. فالاضطهادات الأولى في القرنين الأولين كانت نتيجة تحركات شعبية تسبق مبادرات الأباطرة، فكانت السلطة الرومانية تتبع الرأي العام. كما أن الاضطهادات لم تكن تشمل كافة المقاطعات الرومانية، فقط في حقبة ملك داقيوس(250-251) وديوكلسيانوس (303-305) وكانت الاضطهادات شاملة، في كل بقاع الأرض، والأكثر شراسة، إذ فرض على جميع المواطنين المشاركة في تقديم الذبائح للآلهة بغية العودة إلى النظام وتوحيد الجميع حول الديانة الرسمية. فمن رفض عوقب بعنف وعذب حتى الموت.
وتراوحت الاتهامات بين افتراءات شعبية واعتراضات معللة فلسفيا وسياسيا. فالافتراءات الشعبية تمحورت حول أن المسيحيين ملحدون، يمارسون الزنى في اجتماعاتهم الليلية، وهم أكلة لحوم بشر من خلال احتفالهم بذبائح طقسية. وقد بينت اعتراضات الحكماء والسياسيين أنهم أيضا لا يعرفون المسيحيين حق المعرفة، فحاولوا تقصي الحقائق على طريقتهم، وكتبوا ردودا صارمة بحقهم، فجوبهوا بكتابات المسيحيين المدافعين الذين صاغوا أولى تعابير اللاهوت المسيحي. تمحورت الهجومات حول ثلاث نواح: إن المسيحيين جهال، من الطبقات الاجتماعية الدنيا، والعقيدة المسيحية تناقض العقل، فالمسيح ليس سوى إنسان مسكين لم يحصل على ميتة رجل حكيم كسقراط مثلا، وأيضا، إن المسيحيين مواطنون أشرار وملحدون، إذ لا يشاركون في عبادة الامبراطور ولا يهتمون بأمور السياسة وبأمن الامبراطورية”.

وتناول في كلمته كيفية التحضير للاستشهاد فقال: “كان الحكم على المسيحي بالتعذيب والموت يصدر بعد فشل القاضي بإقناعه بتقديم الذبيحة للآلهة وبعد إعلان المتهم الواضح والصريح:أنا مسيحي. وفي الأيام السابقة لاستشهاده، كان ينصح المسيحي بإقامة الأصوام والإماتات. كان يقرأ مقاطع من الكتاب المقدس، من سفر دانيال النبي أو من كلمات السيد المسيح “لا تخافوا من الذين يقتلون الجسد، لستم أنتم المتكلمين بل روح أبيكم المتكلم فيكم”. ومن الوسائل الأخرى في التحضير للاستشهاد، كان التسلح بالأسرار الإلهية لا سيما العماد والقربان. أضف إلى ذلك كتابات الآباء القديسين وعظاتهم التي كانت تعد الشهيد بمكافآت أبدية كاستقبال الملائكة له، بحفاوة وإمكانية اقترابه المميز من عرش الحمل، والفرح العارم الذي ينتظره”.

واعتبر “ان تكريم الشهداء فاتحة تكريم القديسين”، قائلا: “في أواسط القرن الثاني، بدأ المسيحيون يأخذون عادة التجمع قرب مقابر الشهداء أو في أمكنة عذاباتهم، لا سيما في يوم تذكار موتهم، الذي ما لبث أن تحول سريعا إلى يوم احتفالي لولادتهم في السماء. وكما كان يتجمع الرومان عند مقابر موتاهم ويتناولون الطعام، تحول هذا اللقاء مع المسيحيين إلى وليمة افخارستيا رافعين المجد إلى المسيح الذي وحد دماء الشهداء بذبيحة تضحيته على الصليب.
وهكذا أصبح الاعتقاد أن الشهيد بطل يجب الاقتداء به، وهو شفيع قدير لدى الله. لقد شجع الأساقفة على تكريم الشهداء في أبرشياتهم، من خلال تدوين حياتهم، والاستقصاء عن أقوالهم التي اعتبرت نبوية تتخطى الزمن. وتحول سريعا هذا التكريم للشهداء إلى تكريم لذخائرهم، فبدأ الناس يتبركون من عظامهم وثيابهم. في القرن الرابع، شيدت الكنائس لتحتوي رفاتهم. وأثناء الأوبئة والحروب والأخطار كان يقام تطواف في الذخائر لإيقاف الشر”.

وتحدث عن شهود المسيح وشهدائه في عالم اليوم وقال: “هل توقفت إراقة دم الشهداء بواسطة مرسوم ميلانو سنة 313 الذي أعطى الحرية للمسيحيين؟ كلا، إن تاريخ استشهاد المسيحيين لم يتوقف حتى اليوم. نمر بفترات حرية وسلام، وبفترات أخرى عصيبة. لقد خلفت الفتوحات الاسلامية كثيرا من الشهداء، وكان الانفتاح الرسولي نحو البلدان الجديدة بعد القرن الخامس عشر مشهورا بشهدائه، وكم من صفحات قد تكتب لاحقا في موضوع تاريخ اضطهاد المسيحيين، منتقدة النظام النازي والاشتراكي وغيره، في أوروبا، وأفريقيا وأميركيا اللاتينية؟ وقد عبر قداسة البابا فرنسيس عن هذا الأمر قائلا: “ليس اضطهاد المسيحيين حدثا ماضيا من القرون الأولى فقط، إنما نجد اليوم شهداء كما في بدايات الكنيسة الأولى. إن صليب المسيح موجود دائما على طريق المسيحيين: لنفكر في الأخوة والأخوات الذين لا يستطيعون اليوم أن يقتنوا إنجيلا أو أن يذهبوا إلى القداس”.

وعن المفهوم اللاهوتي والروحي للشهادة والاستشهاد قال عون:”الشهيد هو إنسان يموت في عذابات مبرحة. فالشهيد يشهد لإيمانه بيسوع ربا واحدا لا رب سواه، ويرفض نسبة هذه الربوبية إلى الملوك والسلاطين، كما فعل الامبراطور دوميسيانوس (81-96) عندما فرض على الناس تسميته “ربنا وإلهنا”. ولكن المسيحي لا يسعى وراء الاستشهاد وبإمكانه التهرب من الاضطهاد، أما إذا ألقي القبض عليه، يجب أن يشهد حتى النهاية ليسوع، متبعا إياه على طريق الآلام والموت”.

واردف: “يقول كتاب التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية: “الاستشهاد هو الشهادة الأسمى لحقيقة الإيمان، إنه الشهادة التي تصل حتى الموت. الشهيد يؤدي شهادة للمسيح الذي مات وقام، والذي هو متحد به بالمحبة. إنه يؤدي شهادة لحقيقة الإيمان والعقيدة المسيحية. وهو يحتمل الموت بفعل قوة، كما يقول القديس اغناطيوس الانطاكي (إلى الرومانيين 4: 1) دعوني أصير طعاما للوحوش، فبها سأعطى البلوغ إلى الله” (عدد 2473). وتحث الكنيسة أبناءها “على السلوك كشهود للإنجيل وللالتزامات التي تنتج عن ذلك، وعلى نقل الإيمان بالأقوال والأفعال” (عدد 2472). وفي شرحها لسر التثبيت المقدس، تعلم الكنيسة ما يلي: “التثبيت يكمل نعمة المعمودية. إنه السر الذي يهب الروح القدس ليرسخنا ترسيخا أعمق في البنوة الإلهية، ويدمجنا بوجه أثبت في جسد المسيح، ويمتن ارتباطنا بالكنيسة، ويشركنا أكثر في رسالتها، ويساعدنا في أداء شهادة الإيمان المسيحي قولا وعملا” (عدد 1316).”إن سر التثبيت يمنح الروح القدس، كما في يوم العنصرة، لكي يقوي المسيحي فيستطيع أن يعلن بجرأة اسم المسيح. فالمثبت يمسح بالزيت على جبهته، مكان إحساس الخجل، لكي لا يخجل من إعلان اسم المسيح وصليبه، الذي هو، حسب الرسول، عثار لليهود وحماقة للوثنيين”.

وتابع: “يتحدث المجمع الفاتيكاني الثاني مرتين عن الاستشهاد. فيعلم الدستور العقائدي في الكنيسة، نور الأمم، قائلا: “إلى شهادة الحب السامية، التي تؤدى أمام الكل، لا سيما أمام المضطهدين، قد دعي بعض من المسيحيين وذلك من الساعة الأولى، والبعض الآخر سيدعون دوما إليها. لهذا، فالاستشهاد الذي فيه يصبح التلميذ شبيها بمعلمه الذي قبل الموت لأجل خلاص العالم، والذي يصبح شبيها به في إهراق دمه، تعتبره الكنيسة عطية سامية، وامتحان المحبة المطلق” (عدد 42).
في الخلاصة، إن المفهوم اللاهوتي للاستشهاد في التعليم الكنسي يتعلق بمجاهرة الإيمان بالمسيح، دون سواه، ويعتبر سر التثبيت سر الشهادة بامتياز إذ من خلاله نمتلئ من الروح القدس، فنصبح، على غرار الرسل يوم العنصرة، أقوياء في تأدية الشهادة للمسيح”.

وختم: “في تناولنا موضوع الشهادة والاستشهاد، يستوقفنا سؤال: لماذا يقبل الشهيد بالموت، وما هي هذه القوة التي تحدى من خلالها المسيحيون العالم على مر التاريخ؟ إنها قوة اختبار حب المسيح القائم، تشهد أيامنا هذه، كما في القرون الأولى، تجدد خبرة القيامة عند أناس قبلوا بالمسيح كسيد وملك وحيد على حياتهم، دون هذه الخبرة، لا يمكن للشهادة أن تدوم ولا للاستشهاد أن يصير. تعطي هذه الخبرة سلاما في القلب، وسط نار المحن.
فالكنيسة ستظل تعيش خبرة الشهادة والاستشهاد على مدى الأجيال، ملتزمة بمسار معلمها الإلهي الذي مات ظلما على الصليب، وبموته وطئ الموت وأعطى الحياة. إن دماء الشهداء هي دائما بذار القديسين، والمؤمن الحقيقي يردد عبر الأجيال كلام الرسول بولس: “من يفصلني عن محبة المسيح؟ أشدة أم ضيق أم اضطهاد أم جوع أم عري أم خطر أم سيف؟ إننا من أجلك نعاني الموت طوال النهار وإني لواثق بأنه لا موت ولا حياة ولا ملائكة ولاأصحاب رئاسة بوسعها أن تفصلنا عن محبة الله التي في المسيح يسوع ربنا” (روم 8: 35-39)”.

ضو
وقال المؤلف ضو في كلمته: “لقد ضحى الكثيرون من اللبنانيين في سبيل قيم الحق والحرية والكرامة الوطنية، وهي مبادئ لا تنفصل عن قيم المعتقد الإيماني في الإنجيل. وإذا كان الموارنة عبر تاريخهم، قد عانوا الأمرين حفاظا على استقلالهم وحريتهم في ممارسة ما يؤمنون به كمسيحيين مشرقيين، فهم بالوقت عينه، قد ضحوا في سبيل وطنهم الذي أرادوه كيانا جغرافيا وسياسيا واجتماعيا يعيشون في كنفه أحرارا ويجسدون فيه معتقدهم من دون عوائق أو انتقاص. ومن منطق هذه القيم بالذات، ينبغي لنا أن ننظر إلى استشهاد كل لبناني، مهما كان معتقده. إن مثل هؤلاء وغيرهم من الشهداء سياسيين أم رموزا دينية ام عسكرية، يستحقون أن يكون لهم كتاب بعنوان آخر”.

واضاف: “أما الموارنة، وهم الجماعة المسيحية المشرقية الأصيلة، فقد أصابهم ما أصاب الكثيرين من مسيحيي الشرق من التعسف والتضييق، منذ أن بدأوا مع الناسك القديس مارون الزاهد عن الدنيا، في أواخر القرن الرابع لنشأة المسيحية. ولم ينسوا وهم يؤسسون أمتهم في لبنان في القرن السابع أنهم شعب اضطهد منذ ولادته في بلاد آرام (سوريا)، في التزامه سيرة مار مارون ونهجه الإيماني المسيحي المستقيم واعتناقه تعاليم المجامع”.

واشار الى انه “من اجل الحرية والكرامة والوطنية والإيمان بذل الموارنة حياة مضمخة بالشقاء والتقشف والتهديد ومواجهة الأخطار طيلة قرون. كما دفعوا لأجل ذلك أثمانا باهظة من التضحيات، حتى الإستشهاد. وقد شاركهم في تضحياتهم لأجل الصيغة الحضارية اللبنانية لبنانيون من مختلف الأديان والمذاهب.
وأثبت التاريخ الماروني المشرقي منذ نشوء المارونية في مهدها السرياني وامتدادها إلى لبنان،أن وجود الموارنة والحرية توأمان لا ينفصلان، فلا وجودهم قائم من دون الحرية، ولا حرية من دونهم حيث يتواجدون. فقدر الموارنة، “أن يكونوا شهودا للحرية في هذا الشرق”.

واكد انه “لولا الايمان والحرية والكيان كان وجود الموارنة في خبر كان”، متحدثا عن دور البطاركة في الحفاظ على هذه القيم والشهداء منهم الذين سقطوا دفاعا عنها”.

وختم ضو: “لم أدع في كتابي، تصنيف الشهداء وتقديسهم، فتكريسهم دينيا هو حصري بالكنيسة صاحبة الأمر في إعلان التكريم أو التطويب أو التقديس. إنما وثقت سيرهم وحالات استشهادهم الدينية والإنسانية، لتكون بتصرف المراجع الروحية. ويبقى الإقرار بسمو الشهادة التي كلفتهم عذابات حتى سفك الدماء، واجبا وتقديرا يوليها الوطن كما توليها الكنيسة كجماعة مؤمنين، اهتماما وتكريما مميزين لتكون شهادتهم أمثولة لأجيالها.
والتكريم وعرفان الجميل، إنما يبدأ بذكر بطولاتهم في منهج التاريخ، وبإطلاق أسمائهم على الجادات والشوارع، وبإقامة أنصبة لهم، بدلا من اغتصاب الأغراب والأعراب عناوين شوارعنا واحتلالها آملا أن أكون قد أضأت في كتابي من شمعات الشهادة دروب حياتنا المارونية خصوصا واللبنانية عموما، فمنها انبعث وسيستمر نور الايمان القويم وهالة تصون الكيان العظيم أرض الشهادة والشهداء”.

وفي الختام وقع المؤرخ كتابه للحاضرين وشرب الجميع نخب المناسبة.

وطنية

عن ucip_Admin