أختر اللغة
الرئيسية | أخبار الكنيسة | اللاهوت والناسوت في شخص يسوع القسم السادس (B) بقلم عدي توما
اللاهوت والناسوت في شخص يسوع القسم السادس (B) بقلم عدي توما

اللاهوت والناسوت في شخص يسوع القسم السادس (B) بقلم عدي توما

يقول راتزنغَر (بنديكتوس السادس عشر ) : " إنّ الله ليس " ذرّة " ، بل " علاقة " . وإنّ الحقيقة ليست الجوهر ، بل العلاقة والتواصل والخصوبة " . إنّ وحدانيّة الله ليست وحدانيّة الذرّة أبدًا ، إنها وحدانيّة

من نوع لا يمتّ بصلةٍ لعالم الرياضيّات والفيزياء وعلوم الحساب والأعداد . إنّ الله : وحدةٌ – كثرة ، وحدةٌ – وتمايُز . الوحدةُ التي تجمعُ كلّ ما هو تشرذم وتفكّك وبعثرة . إنها وحدةُ المحبّة.

ما يبغي راتزنغَر أن يبيّنه هو ، أنّ الوحدة الأسمى ليست ، بالنسبةِ إلى منْ يؤمنُ بالله الواحد والثالوث معًا ، وحدة النسق الواحد الجامد ؛ بمعنى إن إنموذج الوحدة المثاليّة الذي ينبغي التطلّع إليه ، ليس الوحدة المتمثّلة في لا إنقساميّة الذرّة ، تلكَ الوحدة الصغرى التي غدتْ غير قابلةٍ للإنقسام ، وما يريد راتسنجر أن يظهرهُ هو: الشكل الأسمى للوحدة والمعياريّ ، هو الوحدة المتأتّية من الحبّ. الوحدةُ التعدديّة التي يؤلّدها الحبّ ، هي وحدةٌ أعمقُ وأكثر واقعيّة من وحدة الذرّة .

إنّ مَنْ يتعرّف إلى المسيح في يسوع، وفيه وحدهُ فقط، وبإن يعترف بإنّ يسوع هو المسيح، وإنّ من يُدرك المماثلة الكليّة بين الشخص والعمل ، رائيًا فيها النقطة الحاسمة، فهذا قد تجاوز إشكاليّة الإيمان النافي ، الإيمان المخالف للحبّ ، ولقد وحّد بين الإثنين وجعلَ التفريقَ بينهما أمرًا غير معقول (لهذا وكما ذكرتُ في الحلقات السابقة، إنّ في يسوع الناصريّ ، ليس هناك في يسوع ناسوتٌ محايد وليس هناك شخصان في يسوع، ليس في يسوع " شيزوفرينيا "!).

إذن ، إنّ صلةَ الوصل ِ بين يسوع والمسيح ، والإتّحاد غير المنفصم بين الشخص وأعماله ، ووحدة الهويّة بين إنسان وفعلُ عطاء ِ الذات ، تمثّل أيضا صلةَ الوصل ِ بين الحبّ والإيمان . لإنّ " أنا " يسوع ، وشخصه الذي وضع هكذا في الموضوع المركزيّ ، له ما  يتفرّد بهِ ، وهو : أنّ هذا (الأنا) ، ليس له جوهرٌ مستقلٌّ ومنفصلٌ ، إنّما هو بكلّيته " كائنٌ – إنطلاقا- من – (أنت) – الآب ، و " كائن – من – أجل – (أنتم) – البشر .

إنهُ وحدة اللوغوس (الحقيقة) والحبّ ، ففيه يصبحُ الحبّ لوغوسًا ، أي حقيقة كيان الإنسان .

ما معنى الطبيعة الإلهيّة ؟ أكثرُ الناس يفسّرون وكأنّما هذه الطبيعة تؤدّي في المسيح دورَ الشعور أو الإحساس بالذات أو الإرادة ، وصوّروا المسيح وكأنّه خال ٍ من كلّ إرادة بشريّة مستقلّة . بمعنى آخر : صوّروا المسيح وكأنّه " إلهٌ لابس جسدًا بشريّا "، هذا الموقف خطر جدّا ، ومن يؤكّده يناقض مجمع خلقدونيا ، وهو خارجٌ عن الإيمان الرسوليّ وتقليد الكنيسة .

من أين يا تُرى جاءَ الإنحراف هذا والتشويه ؟

1 – من التصوّرات القديمة ، والثقافات المختلفة التي غزتنا بدون أن نُعيد النظر في الغضّ والسمين منها . هذه الثقافات ، قسمٌ منها سبقَ إنتمائنا للمسيحيّة . فعندما نقول : إنّ يسوع هو " الإله المتجسّد "، تستيقظ فينا المخيّلة والتصوّرات وبقايا الوثنيّة فنقول : إنّ الله هو الله ، وإذا تجسّد ، لا يمكنهُ أن يصيرَ إنسانــــًا بالضبط ، أو على الأقل كان يجبُ أن يخدُم بعض الحدود في تجسّده ، حفظا لكرامته ، فصار إنسانـــًا بأقلّ قدر ٍ ممكن ٍ . وهذا الموقف هو خطأ كبير يمسّ " سرّ التجسّد " .

2- صيغة مجمع خلقدونيّا ، قد تكون هي السبب في هذه التصوّرات . المجمعُ أكّد على أنّ المسيح " شخصُ واحد " ذو (طبيعتين) ، والعُقدة هنا في معنى كلمة " طبيعة " .. ففكرتنا نحنُ عن الطبيعة يشوبها ، على الأقلّ ، بعض الغموض .

إنّ طبيعة الأشياء هي خصوصيّتها العميقة في تصوّر الناس . وهي الجوابُ على السؤال الذي نطرحه أمام كلّ كائن : ما هذا ؟ فنقول : هذا إله ، هذا إنسان ، هذا حيوان ، هذا نبات .. ولكلّ من الكائنات طبيعته الخاصّة التي يتميّز بها عن غيرهِ. أما تعبيرُ " الشخص " ، فإنّه أسهلُ وأقرب إلينا ، لإننا نعرفُ أشخاصًا ونعتقدُ أننا نفهمُ المقصودَ بكلمة " شخص " . إنه الفرد المنفرد الواعي بذاته ، صاحب إرادة مستقلّة ، ذو قرار ٍ تامّ لأعمالهِ . فعندما يقولُ المجمع الخلقيدونيّ ، إنّ المسيح هو " شخصُ واحد " نفهمُ : إن يسوع هو إنسان وإله في نفس الوقت ، فهو إذن مقرّ الشعور والقرار ، أي ليس لديه شعورٌ واحد ، وإرادة واحدة حرّة " وروح " واحدة نعتقدها هي الروح القدس . أي ذلكَ الجانب الإلهيّ .

للأسف ، إنّ ما قصدهُ المجمعُ الخلقيدونيّ كان العكس تمامًا .. لماذا إذن أخطأنا التفسير ؟ لإننا نخلطُ بين الطبع (النفسانيّ ) ، وبين الطبيعة (الوجود). إنّ تأكيد المجمع القويّ على أنّ " الطبيعتين " الإلهيّة والإنسانيّة في يسوع المسيح ، هما غير مختلطتين ولا متحوّلتين ولا منقسمتين ولا منفصلتين . يعني أنّ في يسوع شعورًا بذاته ، شعورًا إنسانيّا حقا ، وشعورًا إلهيّا حقّا ، إرادة إنسانيّة وإرادة إلهيّة (ففي الحبّ مثلا ، يمكنكَ أن تفهمَ لماذا يُخطئ حبيبكَ ولا توافقهُ على ذلك ، مع ذلك تقدّره ، وتستمرّ في حبّه ، لإن لديكَ شعورًا عميقا به ، وكأنه متقمّص إيّاك ).

سنرى لاحقا في الحلقة السادس (c) من أين أتت التفاسير المغلوطة حول المسيح ؟

عدي توما / زينيت

عن الاتحاد الكاثوليكي العالمي للصحافة - لبنان

عضو في الإتحاد الكاثوليكي العالمي للصحافة UCIP الذي تأسس عام 1927 بهدف جمع كلمة الاعلاميين لخدمة السلام والحقيقة . يضم الإتحاد الكاثوليكي العالمي للصحافة - لبنان UCIP – LIBAN مجموعة من الإعلاميين الناشطين في مختلف الوسائل الإعلامية ومن الباحثين والأساتذة . تأسس عام 1997 بمبادرة من اللجنة الأسقفية لوسائل الإعلام استمرارا للمشاركة في التغطية الإعلامية لزيارة السعيد الذكر البابا القديس يوحنا بولس الثاني الى لبنان في أيار مايو من العام نفسه. "أوسيب لبنان" يعمل رسميا تحت اشراف مجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك في لبنان بموجب وثيقة تحمل الرقم 606 على 2000. وبموجب علم وخبر من الدولة اللبنانية رقم 122/ أد، تاريخ 12/4/2006. شعاره :" تعرفون الحق والحق يحرركم " (يوحنا 8:38 ).